تحولت ليبيا كما سوريا، إلى مستنقع للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إذ لم تنجح مذكرة التفاهم والتعاون الأمني والعسكري التي وقعها مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، في تغيير المعادلات على الأرض وتحقيق منفذٍ لتركيا إلى ليبيا، لتعزيز نفوذها في شرق البحر المتوسط.
أهداف تركيا إستعمارية للهيمنة على ليبيا ومواردها، قوبلت على الأرض بتعقيداتٍ كبيرة، من جانب الجيش الوطني الليبي، بل وتعدى ذلك إلى تكبيد القوات التركية في ليبيا خسائر كبيرة، وإسقاط الجيش الوطني الليبي طائرات مسيرة تركية متطورة، وإعلان تركيا “مقتل جنديين في ليبيا”.بينما اعلنت القيادة العسكرية الليبية لمراسل البرافد الروسية عن مقتل 46 من الجيش التركي و15 مرتز من الجنسية السورية وقال مراسل الصحيفة الروسية ان هناك مرتزقة من الجنسية الفلسطينية موالون لمنظمة حماس الاخوانية
مُستعرضةً كل هذه التطورات، حاورت وكالة أنباء “هاوار”، الكاتب والباحث السياسي المصري جمال رائف، للوقوف على تقدير لمستقبل الأزمة الليبية.
وجاء نص الحوار كالتالي:
*بدايةً، واستناداً إلى المعطيات الميدانية الأخيرة، يبدو أن تركيا لم تبدل خطط تدخلها في ليبيا بعد المعادلة الصعبة التي وضعها الجيش الوطني الليبي أمامها، وبدا أن هناك محاولة تركية لتوسعة دورها في ليبيا، هنا، كيف يمكن قراءة مستقبل التدخل التركي في ليبيا؟
الخسائر التركية في طرابلس سواء على صعيد العتاد أو الجنود الأتراك والميليشيات الإرهابية التابعة لها تؤكد أن أردوغان في معضله كبيرة، إذ أن كافة المعطيات على الأرض تشير إلى فشله في تحقيق تواجداً عسكرياً داخل ليبيا في ظل تصدي الجيش الوطني الليبي لمحاولته البائسة وتمكن المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي من تكبيد قوات النظام التركي والميليشيات التي يدعمها خسائر فادحة.
ومع زيادة تلك الخسائر، وعودة المزيد من النعوش الحاملة لجثامين الجنود الأتراك، هذا يُحيلنا إلى تقديرٍ أبعد من الساحة الليبية، وهو أن فرص رحيل أردوغان بفعل هذه الخسائر، تزداد، وربما بشكلٍ مبكر، نظراً لما يحدثه مقتل هؤلاء الجنود من غضبٍ عارم في الرأي العام التركي الذي بات على يقين أن أردوغان يُضحي بأبنائهم في سبيل تحقيق أحلامه الواهية المتعلقة بدولة الخلافة.
رغم كل ذلك، إلا أن الأوهام تعمي السلطان المريض بالأحلام، وتدفعه للمزيد من المغامرة العسكرية والتي ستدفعه بدورها إلى الهاوية بلا رجعة خاصة في ظل تخلي تونس والجزائر عنه، ورفضهم مساعدته كمناطق دعم لوجيستي لقواته وميليشاته في طرابلس، وانتهاء زيارته إلى الدولتين بالفشل.
فشلْ الزيارتين، دفعه لإرسال ظله القطري تميم، لتلك الدول لإيجاد فرصه أخرى للتعاون بشأن الملف الليبي ولكن كل من تونس والجزائر منشغلتان بأزماتهم الاقتصادية الداخلية ولن تورط هذه الدول نفسها، في صراع إقليمي قد يضر بها، يأتي ذلك في ظل تباعد وجهات النظر حيال الأزمة الليبية بين أوروبا وتركيا وأيضا روسيا، ليجد أردوغان نفسه وحيداً على شواطئ طرابلس دون مساند أو داعم وهو الأمر الذي ينذر بهزيمة ساحقة وخروج مُذل لتركيا من ليبيا.
لكن، ورغم تلك الخسائر الميدانية التي يتكبدها النظام التركي يومياً في طرابلس، إلا أنه يحاول الآن استخدام بعض التحركات السياسية الهادفة لتهدئة المعركة على الأرض تقليلاً لخسائره، ويستخدم في تلك التحركات فائز السراج رئيس ما يُعرف بالمجلس الرئاسي والمدعوم من أنقرة، إذ يحاول السراج المرور نحو التمسك بأحد مخرجات مؤتمر برلين والمتعلقة باللجنة الأمنية 5+5 والتي عقدت اجتماعاتها بالفعل في جنيف، ولكنها لم ولن تفضي إلى نتائج إيجابية كما حدث من قبل في اجتماع سوتشي الذي كان برعاية روسية، ويهدف أيضاً لإيجاد هدنة عسكرية، هي في واقع الأمر تمنح قوات النظام التركي وميليشياته الإرهابية الفرصة لتجميع قوتهم والتقاط الأنفاس في ظل الانتصارات المتتالية التي يحققها الجيش الوطني الليبي.
يتضح من ما سبق، أن خطط الهيمنة التي يقودها أردوغان في ليبيا، سواء المتعلقة بالتوغل العسكري أو خلق نفوذ سياسي يتحرك من خلاله للسيطرة المدنية على الدولة، قد فشلت رغم محاولته المتكررة التي كانت تحظى غالباً، بنتائج مخيبة لآمال وطموحات أردوغان طوال الوقت.
*هناك خلاف تركي – أوروبي حول المسألة الليبية، ما حقيقة هذا الخلاف؟ وإن كان هناك رفض أوروبي للدور التركي فعلاً، لماذا لا تأخذ أوروبا مساراً ضاغطاً على تركيا من أجل تطبيق اتفاق برلين؟
هناك تباينات بالموقف الأوروبي حيال الأزمة الليبية خاصة على صعيد الدول الفاعلة في الأزمة مثل: فرنسا وإيطاليا وأيضا ألمانيا، مؤخراً هذا التبابين الذي ربما هو ما يُعيق ظهور الموقف الأوروبي الموحد تجاه الأوضاع في ليبيا، وللأسف تلك الاختلافات مبنية على مصالح كل دولة على حدا، لكن، تجدر الإشارة إلى أن الأطماع التركية نحو ليبيا، وحدّت الموقف الأوروبي المتعلق بالتواجد التركي في ليبيا، والذي يُهدد مصالح كافة الدول الأوروبية خاصة المطلة على شاطئ البحر المتوسط لما يمثله التواجد التركي من تهديد أمني واقتصادي لتلك الدول.
لاحقاً، الموقف الأوروبي بات يتضح أكثر، بعد استقبال إيطاليا واليونان وفرنسا للمشير خليفة حفتر على أراضيها، وما يُشكله من دعمٍ معنوي للجيش الوطني الليبي خاصة في ظل تحوّل الموقف الإيطالي الذي كان داعماً للسراج في بداية الأزمة.
أيضاً تُعد تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون المتعلقة برفضه التواجد التركي في ليبيا، وهذا عقب مؤتمر برلين الأخير بشأن ليبيبا مفزعة لأردوغان وتعبر عن وجهة النظر الأوروبية، والتي وأن اختلفت مصالحها وأطماعها تجاه ليبيا إلا أنها أصبحت تتفق على كون أردوغان يشكل تهديداً حقيقياً لمصالحها بالمنطقة في ظل محاولاته للتعدي على ثروات مصالح الدول الأوروبية بالشرق المتوسطـ أو من خلال تمريره للجماعات المتطرفة من سوريا إلى ليبيا عبر المتوسط، وما يشكله هذا الأمر، من تهديد خطير على الأوضاع الأمنية في أوروبا.
أما ما يزيد الأمر سوءاً ويزيد من الصدع بين أوروبا وتركيا هو الابتزاز الأردوغاني المتواصل لأوروبا بملف اللاجئين السوريين، وهي كلها أمور تجعل التواجد التركي في ليبيا يؤرق الجانب الأوروبي، والذي يُعد صمته في بعض الأحيان هو عنصر دعم إيجابي للجيش الوطني الليبي الذي يحقق إنجاز على الأرض بعيداً عن صالات الاجتماعات والمفاوضات الهشة، والتي لم تحقق أي مكاسب إضافية للازمة الليبية.
*هل هناك جهات دولية مستفيدة ضمنياً، من الدور التركي في ليبيا، وتوفر مساحة وغطاءً سياسياً لتحرك تركيا في ليبيا؟
المستفيد الأول من التحركات التوسعية التركية نحو ليبيا هي الدول الداعمة للإرهاب مثل قطر، وأيضاً كافة الجماعات والميليشيات الإرهابية المتطرفة بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة المتواجدة في سوريا، والتي يسعى المتطرفون المتواجدون فيها، للفرار إلى مناطق عمل أكثر راحة بعد أن ضاق عليهم الخناق في إدلب، ولهذا يتم رصد أعداد من الإرهابيين القادمين من سوريا نحو طرابلس.
هذه الميليشيات والمرتزقة، هم في واقع الأمر دروع بشرية يستخدمها أردوغان لحماية جنوده، كما أعلن في وقتٍ سابق بصريح العبارة، وكلما ضعفت تلك الميليشيات الإرهابية ازداد عدد القتلى من الأتراك.
هنا، يسعى أردوغان للبحث عن تحالفات دولية جديدة تدعم تواجده في ليبيا، ولهذا تم الإعداد مثلا لقمة كوالالمبور، والتي ضمت تركيا وقطر وإيران وأيضاً ماليزيا والتي قوبلت بعاصفة غضب كبيرة من العالم العربي والإسلامي، لما تؤسس له مثل هذه الاجتماعات لخلق تكتلات تدعم وتعزز الفوضى بمنطقة الشرق الأوسط.
*انطلاقاً من الأوضاع الراهنة، مستقبل الأزمة الليبية إلى أين؟
مستقبل الأزمة الليبية، بات محسوماً للقوة الشرعية هناك والمتمثلة في البرلمان الليبي والجيش الوطني الليبي، تلك القوة التي باتت تحظى بتأييد شعبي جارف ظهر عبر الترحيب الشعبي بالجيش الليبي مع دخوله طرابلس أو عبر القبائل الليبية، والتي عقدت العديد من الاجتماعات الداعمة لجيشها وبرلمانها.
أيضاً، تشير الخسائر التركية المؤلمة والمتتالية طوال الوقت، أن أردوغان وخططه التي يقودها، ستُواجه بهزيمة ساحقة لا محالة، الأمر فقط مسألة وقت.