نوسوسيال

بقلم كوهارخجادوريان : تركيا بين الأمس و اليوم.. ومن يرعى دمويتها ؟!

512

 

 

 

تشبًه تركيا بكياني “إسرائيل” و جنوب أفريقيا العنصري، ليس لأن “الثلاثة” من الكيانات القليلة في العالم التي لها نزاعات مستديمة مع الدول المحاذية لها حسب، إنما لأن هناك صوراً عديدة للتشابه في السياسة الخارجية، وطبيعة العلاقات التي تربط “هذه الكيانات الثلاثة” بالعالم، فيما تصل إمارات الشبه إلى أعمق من ذلك حيث تمتد إلى شيء غير قليل من التطابق قي طبيعة الكيان التركي وكياني كل من جنوب أفريقيا وإسرائيل!

هذا الاستنتاج توصلت إليه دراسة بعنوان (تركيا: الصيغة والكيان والبنية) للكاتب العربي محمد خليفة نشرته مجلة (المنبر)[1] التي أكدت أن الكيان التركي قام على حساب عدة شعوب هضمت حقوقها وأراضيها وأوطانها وشخصياتها بالكامل. أبرز هذه الشعوب: الأرمن والأكراد، وبدرجة ثانية أقل العرب السوريون في مناطق عديدة محاذية للحدود السورية-التركية- أبرزها لواء الاسكندرونة.

ومن أهم ما توصلت إليه هذه الدراسة أيضا أن “الكيان التركي” لم يستمر منذ أن نشأ وحتى الآن إلا بفضل عاملين اثنين:

الأول: سياسة تتريكية قمعية إلى أبعد الحدود وقل نظيرها في العالم، قائمة على مبدأ إلغاء الآخر إلغاء تاماً أي مصادرة جميع الحقوق الثقافية والقومية والإنسانية للشعوب غير التركية داخل الكيان التركي وعدم الاعتراف بوجودها أصلاً على طريقة “إسرائيل” ونظرتها إلى شعب فلسطين.

الثاني: دعم مطلق ومتعدد الوجوه من جانب الولايات المتحدة الأميركية والدول الاستعمارية ذات السمعة السيئة في العالم للكيان التركي قائم على أساس عميق من التحالف الاستراتيجي المتبادل لأغراض مشبوهة ومعروفة تتعلق باستراتيجيات الهيمنة الأطلسية في العالم لا غير.

هذه هي حقيقة الحكومات التركية المتعاقبة التي ورثت آفات “الرجل المريض” وتتبعت خطاه التي تكسرت على طريق سعيه لقرون عديدة بفرض الهيمنة على جزء كبير من شعوب العالم لمحو حضاراتها والتهامها تحت مختلف الأغطية ومنها شعارات “إعلاء لواء الدين الإسلامي” !

إن (العنصرية التركية) التي تشبه في تكوينها النفسي (العنصرية اليهودية) و (عنصرية البيض) في (نظام جنوب أفريقيا).. تعود أصلاً إلى (القبائل المغولية) التي هاجرت أواخر القرن الخامس عشر من شرق آسيا لتفرض سيطرتها على (آسيا الصغرى) !

بمعنى أن وجودها “القومي” في المناطق التي تسمى (تركيا) الآن، يعود إلى ما قبل (خمسة قرون ليس أكثر)، بينما يعود وجود شعوب أخرى (مسخ وجودها) وفي المنطقة نفسها إلى قرون عديدة قبل الميلاد !

لكن العنصر التركي الذي استخدم (ولا يزال) سياسة الإبادة الجماعية ضد الشعوب الأخرى، فرض هيمنته المطلقة وأنكر على تلك الشعوب كالأرمن والأكراد والعرب وجودهم ولغتهم وتاريخهم ليطلق على ما تبقى منهم (رغم انهم بالملايين) أتراك الجبال !

ولأهداف “ستراتيجية” لها علاقة وثقى بـ (استمرار الكيان التركي) وجه الأرمن بسياسة تذبيح لا مثيل لها في التاريخ قتل جراءها قرابة مليوني إنسان، بطرق وأساليب غاية في الوحشية تتشابه مع ما يفعله (الكيان الإسرائيلي) ضد الشعب الفلسطيني، ونظام جنوب أفريقيا العنصري ضد السود سكان البلاد الأصليين.

لهذا سنأخذ المجازر الكبرى التي تعرض لها الأرمن وقصة الشعب الذي تعرض لعمليات إفناء جماعية، منطلقا لكشف الكثير من (الجوانب الخفية) في بناء وتكوين (الكيان التركي) الذي ما برح يزعم المزاعم بشأن “ديمقراطيته” التي يرعى الغرب وأميركا “دمويتها الفاضحة”، فضلاً عن تجروئه بإطلاق (التهم) الباطلة ضد دول أخرى لم يدنس (ثوب عرضها) بنقطة واحدة من (بحار الدم) التي خلفتها سياسات السفاحين الذين حكموا تركيا باسم “الدولة العثمانية”.. أم لفترة ما بعد الحرب العالمية الأولى وحتى وقتنا الحاضر.

تذكر المصادر الموثوقة أن المذبحة التي سبقتها عمليات تقتيل ضد الأرمن حدثت في آب وأيلول من العام 1894 في منطقة (ساسون) عندما أخذ الجنود والجندرمة وبعض الشقاة الذين استأجرهم السلطان التركي يفتكون بالناس القاطنين في تلك الديار كباراً وصغاراً، نساءً ورجالاً، ودمروا في فترة وجيزة 40 قرية وقتلوا حوالي عشرة آلاف شخص.

المذبحة الثانية جرت أحداثها بعد سنة، ففي أيلول من عام 1895 بدأ رجال السلطان في العاصمة استانبول يفتكون بالأرمن فقتلوا منهم خلقاً كثيراً ثم انتقلت المذبحة إلى مدن أرمينيا الغربية والمدن الأخرى التي كان يقطنها الأرمن مثل (مرعش وديار بكر) ومدن كثيرة أخرى غيرهما[2].

في استانبول أبيد خلال يومين أكثر من 5000 أرمني. وفي ديار بكر استمرت المذبحة ثلاثة أيام “جزر” فيها حوالي ثلاثة آلاف. كما دمرت 120 قرية واغتصبت في المدينة وحدها عشرات الأرمنيات.. وكان القتلة واللصوص قد خصصوا واحداً من تلك الأيام الثلاثة لنهب المتاجر والدكاكين العائدة للأرمن.

مجزرة أخرى ارتكبت في مدينة (سيواس) التي ذبح فيها أكثر من ألف أرمني بالساطور وقضبان الحديد والعصي الغليظة والخناجر وما شاكل ربما لأن القتلة كانوا يضنون بطلقات بنادقهم. وقد شملت المذابح وجرائم النهب والسلب والتخريب الوحشية مناطق أخرى يسكنها الأرمن، وتكررت في السنة التالية (1896) أيضاً..

مذابح عديدة تعرض لها الشعب الأرمني منذ غزو الأتراك السلاجقة والمغول التتر والعثمانيين لبلادهم.. وفي القرن التاسع عشر بعد أن برزت (القضية الأرمنية) على الصعيد الدولي في ضوء معاهدة (سان ستيفانو-البند 16) ومعاهدة (برلين-البند 61) عام 1878، طالب الأرمن بحقوقهم الوطنية مثلما طالبت بها بقية الشعوب الرازحة تحت نير الاستعمار والطغيان العثماني.

ولقد كان السلطان عبد الحميد الثاني مسؤولاً مباشراً عن تنظيم (مذابح الأرمن) خلال الأعوام 1894-1896 التي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف أرمني. وفي عام 1909 بعد عام من الانقلاب العثماني الذي أوصل (حزب الاتحاد والترقي) للسلطة قتل 30 ألف أرمني في مذبحة (اضانة). إلا أن كل تلك المذابح –على الرغم من شدتها ووحشيتها- كانت أقل (تنظيما وقسوة ووحشية) من مذابح الأرمن العظمى التي جرت عام 1915 والتي أزهقت فيها نفوس مليون ونصف المليون شخص، فيما ترك مئات الألوف من المشردين والأيتام يهيمون في الصحراء، مات معظمهم، وقليل منهم أنجدته القبائل العربية في الصحراء السورية.

وتفيد معلومات من مصادر تاريخية موثوقة إن مجزرة عام 1915 قد أقرت في اجتماعين سريين عقداهما زعماء (حزب الاتحاد والترقي) في منطقة سلانيك (حالياً تابعة لليونان) في آب 1910 وتشرين الأول 1911.

وتؤكد المعلومات أن (حزب الاتحاد والترقي) الذي أنشأته شخصيات يهودية من (الأتراك والغربيين) قد أقر خلال اجتماع عام 1910 (مبدأ سيادة العنصر التركي على الشعوب الأخرى غير التركية إضافة إلى إقرار كافة الوسائل لتحقيق هذا الهدف).

وفي اجتماع عام 1911 الذي عقد برئاسة (طلعت باشا) وبمشاركة (أنور باشا) وكل من جمال باشا الشهير بـ(السفاح) والدكتور ناظم، وبهاء الدين شاكر، وسعيد حليم باشا وآخرين، خص الشعب الأرمني من بين الشعوب غير التركية بـ(مشروع الإبادة الوحشي).

ولكي يغطي هذا (الحزب) الذي نشأ بدعم وبتخطيط يهوديين على ما سيرتكبه من مجازر، حاول زعماؤه تضليل الشعوب غير التركية (الأرمن والأكراد والعرب واليونانيين) وغيرهم بشعارات (الحرية والعدالة والمساواة والإخاء).

في هذا الوقت بالذات أقر زعماء الحزب “مبادئهم” التالية التي اتفقوا عليها بالإجماع ونوردها طبقا لترجمتها عن أصلها في اللغة التركية:

  1. حسب (قوانين الطبيعة) يجب أن تكون الشعوب الأقل شأناً طعماً للشعوب (السيدة) !!
  2. إن (المذابح) هي تعبير عن (نبل الغضبة) ضد الشعوب (التافهة) باعتبارها عناصر معادية !
  3. لما كان قد اتخذ قرار بشأنها فان خطة المذابح يجب أن تنفذ بالكامل من دون التأثر بأي أحد أو أية مشاعر أو أحاسيس.. وان هذه ليست قسوة، وإنما تعبير عن جسارة روح العنصر (السيد) !
  4. إن ذبح الشعوب هو ضرورة عسكرية من دون التفريق بين عمر أو جنس.
  5. إن ذبح أطفال (شعب عدو) هو وسيلة وقائية من اجل (الحماية القومية) !!
  6. إن هؤلاء الأطفال لا يستحقون العيش حتى في أرحام أمهاتهم وهم عناصر عدوة لله.
  7. إن وجود الإمبراطورية متعلق بقوة حزب الاتحاد والترقي (الأتراك الشباب) وبالقضاء على جميع المبادئ المعادية.

هذه “المبادئ” التي تتطابق- بأهدافها وأساليبها وروحها العنصرية الشوفينية مع بروتوكولات بني صهيون- طبعت بشكل سري في مطبعة (الهلال الأحمر) إحدى صحف حزب الاتحاد !!

ظل (زعماء الحزب) يتحينون الفرصة لتنفيذ (شرعتهم العنصرية)، ولم تكن (حروب البلقان) التي وقعت بين عامي 1912-1913 مناسبة لذلك بسبب هزيمة الأتراك أمام دول (اليونان وبلغاريا وصربيا والجبل الأسود) !

هذه الهزيمة عمقت في نفوس زعماء حزب الاتحاد والترقي الرغبة في تطوير (الحركة الطورانية) الداعية إلى إقامة إمبراطورية واسعة الأطراف تمتد من استانبول وحتى حدود تركستان وبلاد طوران في آسيا الوسطى، بضمنها الأقطار العربية، لا يكون فيها غير العنصر التركي.

  1. تل من جماجم الأرمن قتلهم الأتراك في مذابح صحراء دير الزورضحايا إحدى المجازر عام 1915

-قصة “ذبح” ملي

ون ونصف مليون أرمني بيد الأتراك-

طاحونة حمراء أدار رحى جهنمها حليفان لآل بن غوريون وعضوان في محفل (سالونيكا) الماسوني

-تهجير عشرات الألوف من الأطفال والنساء وتركهم يموتون جوعاً-

تتفق مصادر موثوقة عديدة على أن يهود تركيا، ومحافلها الماسونية، كانت عاملاً مساعداً كبيراً على ارتكاب السلطات العثمانية لأبشع مجازرها- على الإطلاق – ضد شعب الأرمن، الذي أبيد منه مليون ونصف مليون إنسان.

ثمة أطفال ماتوا من العطش، وآخرون ذبحوا مع أمهاتهم أو القوا في الأودية، كما اغتصبت النساء والفتيات الأرمنيات ثم شوهن وذبحن من الوريد إلى الوريد.. ألوف ألوف وألوف كانت تقاد إلى الموت بشتى الأساليب من الشنق إلى الإعدام الجماعي بالرصاص إلى الذبح بالسكاكين، وهي (مهمة قذرة) أوكلت إلى قصابين استأجرتهم السلطات العثمانية لهذا الغرض مقابل (أجور يومية) !!

مليون ونصف مليون أرمني قضوا نحبهم خلال أقل من سنة في مجازر وحشية لم يرتكب شبيهها إلا اليهود الذين جعلوا من (التقتيل البشري) سنًة يتبعونها ويحضون عليها ويشجعون.. بل يمدون العتاة والمغالين في ارتكاب الجرائم على اقترافها دون أن تطرف لهم عين !!

ومجازر عام 1915 الدموية الفظيعة أدار (طاحونتها الحمراء) السفاحان التركيان (طلعت باشا) و (أنور باشا). هذان اليهوديان اللذان أشهرا إسلامهما زوراً وبهتاناً ليرتكبا باسمه أشنع الجرائم.. فقد ظلا- كما تذكر المصادر- عضوين في (محفل سالونيكا الماسوني) وبقيا حليفين لآل بن غوريون الذين كانوا متنفذين حينئذ في اسطنبول !

وكان كاتب دنماركي قد نشر معلومات وصوراً عن مذابح 1915، لكنها نفدت- كنستها من المكتبات المؤسسات الصهيونية في أوربا- ثم توارت مع وثائق هامة جمعتها بعدئذ (بعثة اسكندنافية) وضمنها (لوسيان كافرو ديمارس) في كتاب (العار الصهيوني- آفاته وكوارثه).. في هذا التحقيق ننشر جزءاً من الصور المنوه عنها.

بعد سنوات مما سميت (هدنة عام 1918) التي أعقبت الحرب العالمية الأولى وبالتحديد عام 1929 نشر تركي يدعى (مولان زاده رفعت) وهو أحد زعماء حزب الاتحاد والترقي كتاباً باللغة التركية عنوانه (خفايا الانقلاب العثماني) تحدث فيه عن جانب من الاجتماعات السرية لحزب الاتحاد والترقي الذي أشرنا إليه في حلقة الأسبوع الماضي.

مولان زاده رفعت كشف معلومات (جوهرية) تتعلق بإبادة الأرمن، إذ يذكر في كتابه الذي نشرت ترجمته ببيروت عام 1938 انه “بأمر من طلعت باشا وزير الداخلية قرر زعماء الحزب المذكور- غالبيتهم من اليهود- بالإجماع إبادة الأرمن بشرط عدم الإبقاء على أرمني واحد” !!

كل ذلك يؤكد (التخطيط المسبق) لتنفيذ المجزرة الرهيبة، التي تنكرها الحكومة التركية حتى الآن، بل أنها تشيع في صحافتها ومنشوراتها (الموجهة) أن ما حدث للأرمن (كان لا بد أن يحدث) تحت ذريعة أنهم كانوا (حجر عثرة) بوجه (التطلعات التركية) نحو بناء (الإمبراطورية الطورانية) التي تسعى لاحتلال ما يقرب من نصف الكرة الأرضية بين أطراف القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوربا !

لقد بدأ تنفيذ الجريمة باعتقال زعماء الأرمن الدينيين في مختلف الأقاليم بداية عام 1915. وفي ليل 24 نيسان من السنة نفسها، اعتقلت السلطات التركية 600 من مفكري ومثقفي الأرمن في العاصمة اسطنبول ومختلف الأقاليم من كتاب وشعراء ومحررين وأساتذة وأطباء وصيادلة ومحامين وشخصيات سياسية ودينية وأعضاء البرلمان العثماني وشخصيات قدمت (خدمات كبيرة للإمبراطورية).. ثم نفوا إلى مناطق مجهولة.. ولم يعرف لهم أثر بعد ذلك !!

مع أن أبناء الشعب الأرمني قد أدوا واجبهم كاملاً تجاه (وطنهم التركي)، إذ جندوا في صفوف الجيش وشاركوا في جمع المؤن وتقديم التبرعات ودخل أطباؤهم وممرضاتهم الأرمنيات في المستشفيات العسكرية، إلا أن الحكومة التركية- حسب تخطيطها المسبق لإبادة الأرمن كما ذكرنا وبشكل مترافق مع اعتقال المفكرين والشخصيات الأرمنية البارزة- قامت بعزل الجنود الأرمن وتجريدهم من السلاح وتشغيلهم بأعمال السخرة، حتى وصل الأمر إلى إجبارهم على حفر قبورهم الجماعية بأيديهم قبل قتلهم !!

هذه العمليات الوحشية انتهت بمصرع 150 ألف جندي وضابط أرمني في الجيش العثماني تحت ظروف بشعة، والقلة التي نجت من المذبحة أو الذين اختفوا منها بين أكوام الجثث رجعوا إلى مدنهم وقراهم وشاركوا بأعمال التصدي للجيوش التركية التي اقتحمت مساكنهم. وقد عرفت هذه العمليات بمعارك: (فان وأورفه وشابين كاراهيسار وجبل موسى) الدفاعية.

أعقب ذلك عملية تهجير واسعة من الأقاليم الأرمنية إلى الصحارى العربية تخللتها أعمال نهب وسلب واختطاف وقتل لا مثيل لها !!

من جانبه شكل حزب الاتحاد والترقي لجنة ثلاثية تتولى الإشراف على عمليات الإبادة اللاحقة.. وعن هذه اللجنة ذكر (مولان زاده رفعت) في كتابه المنوه عنه، أنها أوكلت ارتكاب جرائم تهجير الأرمن وسلبهم وقتلهم أو تركهم يقضون نحبهم من الجوع والعطش، إلى القتلة المسجونين في المعتقلات التركية الذين أطلق سراحهم (بأمر اللجنة المذكورة) وشكل منهم جيشاً قوامه من 10-12 ألف مجرم مقسمين إلى مجاميع كل مجموعة تتألف من 40-50 مجرما اتخذوا مواضعهم على جميع الطرق التي كانت تمر منها قوافل المهجرين ليبيدونها.

وكان أعضاء الشرطة (الجندرمة)- كما تذكر المصادر- يسلمون هذه القوافل إلى المجرمين المكلفين بواجب قتلهم جميعا على الطرق من دون تمييز للعمر أو الجنس.

كان وزير الداخلية التركي (طلعت باشا) يتابع جميع مراحل قتل الأرمن يوما بيوم.. ويبلغ سلطانه ساعة بساعة، الذي كان بدوره يحث وزيره على محاسبة أي “مقصر” بقسوة وبلا رأفة !!

وكان طلعت باشا السفاح يصدر برقياته التي تتضمن الأوامر المتعددة والمشفرة إلى كافة الولاة والمتصرفين داعياً إياهم فيها إلى عدم الإبقاء على أرمني واحد، كجزء من التنفيذ الحرفي للقرارات السرية التي اتخذها حزب الاتحاد والترقي.

إحدى هذه البرقيات برقم 1181 في 16/9/1915 يقول نصها:

“لقد أبلغتم من قبل أنه تقرر نهائيا حسب أوامر الجمعية إبادة الأرمن الذين يعيشون في تركيا والذين يقفون ضد هذا القرار لا يسعهم البقاء في وظائفهم. ومهما تكن الإجراءات التي ستتخذ شديدة وقاسية، ينبغي وضع نهاية للأرمن.. لا تلقوا بالا بأي صورة للعمر والوجدان والرجال والنساء.. طلعت باشا” !

لقد تم إبعاد الأرمن وتهجيرهم عن جميع أقاليمهم ونواحيهم في الأناضول الشرقية والغربية وإقليم كيليكيا ثم قتلوا أو تركوا يهيمون في الصحراء بقوافل الأطفال والنساء والشيوخ التي هلكت من الجوع والعطش وظلت أكوام جثثها متروكة في العراء، لتبقى شاهدا تاريخيا على (عرش الجماجم) الذي شيده الحكام الأتراك من عظام البشر العرب والأرمن والأكراد ومن قوميات أخرى.

وتفيد المعلومات الموثقة أن ولاة وحكام بغداد ودير الزور والموصل (وهم من العرب) كانوا قد رفضوا تنفيذ أوامر السفاح طلعت باشا وزير داخلية الإمبراطورية التي غربت عنها الشمس بعد أن أذاقت الكثير من الشعوب مر طغيانها واستبدادها الشنيع.

ويذكر الدكتور علي الوردي في كتابه (لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث- الجزء الثالث ص 22) إن عهد السلطان عبد الحميد تميز بما وقع على الأرمن من مذابح جماعية أطلق عليه من جرائها لقب “السلطان الأحمر” و “السفاك الكبير”.

مصادر عديدة تناولت مذابح 1915 بالوصف الدقيق نقلا عن شهود العيان. لكن أهم هذه المصادر كتاب فائز الغصين “المذابح في أرمينيا” يقول فيه:

“أما سوق الأرمن للقتل فانه لأمر تشيب من هوله الرؤوس، وتقشعر من فظاعته الجلود. وقد نقل لي أحد أفراد الدرك في ديار بكر، كيف يساق الأرمن فقال انه عندما يؤمر بإخراج عائلة من الأرمن وإتلافها يأتي المأمور إلى دار هذه العائلة ويعدها ويسلمها لقائد المليس أو لأحد ضباط الدرك. فيوضع أفراد يخفرون الدار وسكانها تلك الليلة للساعة الثامنة، ويراد بذلك إخبار تلك العائلة البائسة أنها ستلقى حتفها تلك الليلة، وانه يجب عليها أن تتهيأ للقاء ربها وتفكر فيما سيؤول إليه أمرها. فيبدأ الحريم بالصراخ والعويل وتظهر آثار الحزن والقنوط على وجه الرجال والنساء ويموتون قبل أن يأتيهم الموت. وأما الأطفال الصغار فانهم تارة يضحكون ويلعبون وتارة يأخذهم الرعب من بكاء آبائهم، فيجلسون واجمين جاهلين أسباب هذا البكاء والعويل، غير أنهم سيكونوا تحت التراب بعد ساعات تاركين هذه الحياة الفانية قبل أن يذوقوا من لذائذها شيئاً فيعدوها سعادة ويأسفوا على فراقها. وبعد الساعة الثامنة يؤتى بعجلات تحمل هذه العائلات لمحل قريب فيقتلون هناك رميا بالرصاص أو يذبحون كذبح الغنم بالسكاكين والخناجر والفؤوس”.

واتخذت مخازن وأسواق لخزن متروكاتهم وبيعها”. “وأنواع القتل والإتلاف متنوعة. أما في ولاية بتليس فقد روى لي أحد الضباط أن الحكومة تجمع الأرمن في المتابن وتضع تبناً كثيراً في القسم الذي يلي الباب وتحرق التبن فيموت الأرمن الذين هم داخل المتبن من الدخان. وقال لي إنها كانت تضع المئات في متبن واحد بعض الأحيان. و بعض الأحيان تقتلهم بصورة أخرى. وقد زادني حزناً لما قال انه رأى عروساً ضمت عريسها إلى صدرها وتلقت الموت غير وجلة ودخلت المتبن.

أما في موش فقسم من الأرمن اتلف المتابن والقسم العظيم أتلف رمياً بالرصاص وطعناً بالسكاكين. وكانت الحكومة تستأجر قصابين، تعطي لكل واحد منهم ليرة عثمانية يومياً. وقد قصّ عليّ أحد الأطباء ويسمى عزيز بك انه كان في قضاء مرزيفون من أعمال ولاية سيواس وعلم أن قافلة من الأرمن سترسل للقتل فذهب لعند القائمقام وقال له: تعلم أيها القائمقام أنني طبيب ولا فرق بين الجزارين والأطباء إذ أن الأطباء يشتغلون بتشريح الإنسان في أكثر الأوقات. ولما كانت وظائف القصابين في هذه الآونة كوظيفتنا، أي تشريح أبدان الإنسان فأرجو أن تأذن لي بالذهاب لأرى هذه العملية التشريحية بأم عيني. فرخص لي وذهبت فوجدت أربعة من القصابين، بيد كل واحد منهم مدية طويلة وأفراد الدرك يفرقون كل عشرة من الأرمن على حدة ويرسلون الواحد بعد الآخر لعند القصابين فيقول القصاب للأرمني: مد رقبتك فيمدها فيذبحه ذبح الغنم. وكان يتعجب هذا الطبيب من إقدام الأرمن على الموت دون أن يتكلموا بكلمة أو أن يظهروا خوفا.

وكان أفراد الدرك يربطون النساء والأطفال ويلقونهم من محل عال جداً إلى أسفل فلا يصلون إلى الأرض إلا قطعا واربا. وهذا المحل بين ديار بكر وماردين على ما يقال وعظام القتلى فيه كالتلال إلى الآن.

وقال لي آخر إن حكومة ديار بكر كانت تقتل الأرمن رمياً بالرصاص وتارة بواسطة القصابين وآونة ترمي بكثير منهم في الآبار والمغارات وتسد عليهم تلك الآبار والكهوف فيهلكون. وبعض الأحيان يرمون بهم في دجلة والفرات. وقد تفشت الحمى في هذه الأجساد. وقد قتل ألفا أرمني بإلقائهم في نهر دجلة الذي لا يبعد عن ديار بكر أكثر من نصف ساعة”.

إحصائية بضحايا المجازر الجماعية التي ارتكبت

بحق مختلف شعوب “الإمبراطورية العثمانية”

السنة عدد الضحايا الجنسية
1822 50000 يوناني في جزيرة كيوس
1850 12000 أرمني وعاشوري
1860 11000 لبناني وسوري
1876 15000 بلغار
1877-1878 6000 أرمني
1892 8000 يزيدي في الموصل
1894 500000 أرمني
1896 55000 يوناني في جزيرة كريت
1909 30000 أرمني
1915-1916 1500000 أرمني
1917-1923 400000 أرمني
1922 50000 يوناني
1894-1924 450000 عاشوري

عن كتاب (المصادر العربية حول جريمة إبادة الأرمن)

تعليقات الصور:

  1. بعض مفكري الأرمن وزعمائهم اعتقلتهم السلطات التركية عام 1915 ونفتهم إلى مناطق مجهولة

  2. زعماء حزب الاتحاد والترقي الذين خططوا للمجازر

  3. صورة لوحشية الأتراك التقطها ضباط ألمان

الحلقة الثالثة

“احترام” حقوق الإنسان.. بديمقراطية “الإبادة الجماعية”

  • الشاعر الألماني آرمين فاغنير: لقد رأيت أناسا أصابهم مسّ من الجنون بحيث أخذوا يأكلون الفضلات التي تخرجها أجسامهم.. وقابلت نساءً يطبخن أطفالهن المولودين حديثاً !!

لا أشنع من أن يزعم الجلادون العتاة أنهم (حكام ديمقراطيون) وان سياسات بلدانهم ترتكز إلى (احترام حقوق الإنسان) !! وبالتحديد لا أشنع وأفظع من حكومات تركيا المتعاقبة (العثمانية أو الأتاتوركية) حتى توركوت اوزال، التي تسترت طويلاً بـ”الإسلام الحنيف”، ثم انتقلت بعد (علمنتها) إلى محاولة التزين بديمقراطية الغرب !!

ولقد تحدثنا -في حلقتين سابقتين- عن المجازر الوحشية الكبرى التي تعرض لها الأرمن وكشفنا الكثير من الوقائع عن (الإبادة الجماعية) التي يستمر زعماء تركيا حتى الآن بإنكار حدوثها ! رغم أن ضحاياها يزيدون على مليون ونصف مليون إنسان !

فبعد أن كان تعداد الأرمن عند نشوب الحرب العالمية الأولى مليونين و 100 ألف شخص حسب إحصائيات البطريركية الأرمنية في اسطنبول، بقي منهم حالياً 84 ألف أرمني.

يعيش 80 ألف أرمني في اسطنبول والباقون في الأقاليم الشرقية في (الأناضول) وفي إقليم كيليكيا وهي أراضي أرمينيا التاريخية التي عاش فيها الأرمن منذ الألف الثالث قبل الميلاد.

والشعب الأرمني في تركيا لا يتمتع حتى الآن بأية حقوق ثقافية أو اجتماعية، بل يمنع عليهم وكما تفعل الحكومة مع الشعب الكردي الجهر بانتمائهم القومي.

كل هذا يحدث وحكومة اوزال تزعم المزاعم بشأن “ديمقراطيتها المتأثرة بالغرب” !! وبرغبتها في الانضمام لدول السوق الأوربية المشتركة، هذه الدول التي تلبس هي الأخرى (لبوس الديمقراطية) مع أنها تمارس حتى الآن أبشع أنواع محاربة الشعوب ومحاولة استلاب إرادتها !

وعودة إلى آثار مذابح العام 1915 التي تحدثنا عنها يقول صحفي روسي: إن القطع العسكرية الروسية التي جاءت لاحتلال مدينة (فان) لم تستطع دخولها بسبب [الرائحة العفنة] التي كانت تنبعث من جثث القتلى. كما نشر هذا الصحفي البرقية التي بعث بها قائد تلك القطع.. يقول فيها:

“لقد دمرت مدينة فان بأكملها. أحرقت مبانيها الجيدة، أما منازلها المبنية من الطين فقد هدمت. الشوارع وأفنية المنازل مليئة بجثث الأرمن والمواشي. والأمتعة نهبت أخذت” !

وفي مدينة (بتليس) كما تذكر المظان التاريخية لم يبق على قيد الحياة من 18 ألف أرمني إلا 300-400 طفل وامرأة. ومن 25 ألف أرمني في (أرضروم) نجا من القتل حوالي 200 شخص فقط. أما في (موش) والقرى الثلاثمائة المحيطة بها، فمن 25 ألف أرمني كانوا يسكنون المدينة وألوف غيرهم يسكنون القرى المجاورة لها لم يعثر بعد المذبحة على رجل واحد بين الذين بقوا على قيد الحياة.

وتفيد معلومات تاريخية موثقة أن أكثر من 20 ألف جندي تركي مسلحين ومعهم أحد عشر مدفعاً توجهوا في تموز من عام 1915 نحو مدينة (موش). وفي العاشر من الشهر نفسه قصفت المدافع محلات الأرمن ومناطق سكناهم في المدينة المذكورة قصفاً متواصلاً لعدة ساعات..فيما كان بعض المسؤولين الأتراك من أمثال (متصرف موش) يتباهون علناً بإسهامهم في تلك المذابح !!

ويذكر الدكتور علي الوردي في كتابه “لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث”، الجزء الرابع، ص 25 ما نصه:

“… أما النساء والأطفال فقد سيقوا كالنعاج تحت وطأة السياط وكعوب البنادق، وانثال عليهم قطاع الطرق والجنود والذين يتخذون من الدين ستاراً للنهب والانتهاك والتلذذ بالقتل يعملون فيهم ما يشتهون. وأخذ النساء والأطفال يتساقطون على جانبي الطريق من شدة الجوع أو الإرهاق أو المرض.

واصبح اغتصاب النساء الجميلات مألوفاً إذ لم ينج منه حتى البنات الصغيرات أحياناً. وقد ضحت الكثيرات من الأرمنيات بأرواحهن في سبيل الذياد عن أعراضهن..”

أما فائز الغصين فيذكر في كتابه المنوه عنه في الملحق السابق “المذابح في أرمينيا” انه شهد بالقرب من مدينة أورفه صفوفاً ماشية على أقدامها فظنها عن بعد جنوداً سائرين إلى ميدان الحرب ولما اقترب منهم وجدهم نساءً أرمنيات حافيات حاسرات وخلفهن أفراد من الدرك، وإذا تخلفت واحدة منهن لكزها الدركي بكعب بندقيته فيسقطها على وجهها أرضاً. أما من تتخلف منهن لمرض يصيبها فإنها تترك في البر وحيدة. وعندما وصل فائز الغصين إلى مقربة من بلدة (سيورك) ازداد عدد الجثث وكان فيها جثث النساء والأطفال علاوة على جثث الرجال.

وتحدث فائز الغصين في كتابه قائلاً: إن المسؤولين كانوا يكسون قتلى الأرمن بالملابس الكردية ثم يلتقطون لهم الصور للإيهام بان تلك الجرائم من صنع الأرمن.

وإحدى أكثر شهادات العيان التي تهز القلب، قدمها الكاتب والشاعر التعبيري الألماني (آرمين فاغنير) الذي كان يعمل في إحدى الوحدات العسكرية الطبية في تركيا وبنفس الوقت مراسلاً للصحف الألمانية حيث كتب قائلاً:

“أما الأرمن، فمن العسكر يضربون حتى الموت وينهبون ويقتلون ويشنقون ويطعنون، ومن الأوبئة يفترسون ويغرقون ويتجمدون ويموتون جوعاً وعطشاً. والأطفال يبكون وهم يشرفون على الموت، والرجال يضربون رؤوسهم بأنفسهم في الصخور، والأمهات يرمين أطفالهن في الآبار، والحوامل يمسكن بأيدي بعضهن بعضاً ثم يرمين بأنفسهن في مياه نهر الفرات وهن يغنين” !

والى نقطة التجمع في مدينة حلب السورية لم يصل من مجموع 850 ألف مهجر أرمني سوى خمسين ألفاً فقط. وفي المخيمات التي أسكن فيها الأرمن، كان بإمكان الأتراك شراء الفتيات الشابات كعبيد. أما ما تبقى من المهجرين فقد أرسلوا من حلب بعيداً إلى الجنوب “حتى لم يعد يبقى من الآلاف سوى المئات، ومن المئات سوى العشرات من المطاردين حتى لا يبقى منهم أحد” وذلك حسب ما ذكره المؤرخ الفرنسي (ايف تيرنون) في كتابه المسمى (أرمينيا الممنوعة).

وقد استطاع الشاعر الألماني (آرمين فاغنير) التسلل إلى إحدى مخيمات “الزحف الأخير” ووصف الوضع كما يلي:

“لقد رأيت أناسا أصابهم مس من الجنون بحيث اخذوا يأكلون الفضلات التي تخرجها أجسامهم، وقابلت نساءً يطبخن أطفالهن المولودين حديثاً..”

أما القلائل الذين نجوا فقد وصف حالتهم الكاتب النمساوي (فرانس فيرفل) في روايته الواقعية المسماة “أربعون يوماً من حياة موسى داغ” (أي جبل موسى)، وهو يصور فيها، معتمداً على حقائق تاريخية كيف احتمى حوالي 5000 أرمني في جبل موسى القريب من الشاطئ وردوا هجمات الأتراك المتعاقبة بقصد تهجيرهم وإبادتهم.

ويذكر المؤرخ البريطاني ارنولد توينبي[3] عام 1915 أن قوات الدرك التركية قامت باحتلال الشوارع في المدن والقرى الأرمنية الرئيسة ثم ساقت الآلاف من الأرمن إلى الخدمة العسكرية تحت طائلة التهديد بالإعدام في حالة التخلف.

أما عمر الديراوي فيذكر في كتابه “الحرب العالمية الأولى” (بيروت، 1981، ص 259) “إن الحكم العثماني صار ينطلق في معاملة الأرمن من مبدأ “عرب خاين.. أرمن كافر” فصاروا يهجرونهم من قراهم بكل وحشية فيموت أكثرهم جوعاً، ويتكفل رصاص حاميات الطرق بعدد كبير من الباقين وحين يصلون لبنان أو سوريا وبعضهم إلى مصر يقاسون آلام الفاقة والغربة، وقد يقضي الجوع على الضعاف منهم. لقد شتتهم الأتراك بكل فظاعة ووحشية وعاملوهم بطريقة أقرب إلى ما كانوا يعاملون به قبيلة عدوًة وهم في مواطن وحشيتهم في أواسط آسيا.

تعليقات الصور:

  1. الاغتصاب والقتل الجماعي للفتيات الأرمنيات أمام أعين الضباط الألمان.. الصورة التقطها ضابط ألماني أعطى نسخة منها لأرمن كانوا يقطنون مدينة تبريز أثناء الحرب العالمية الثانية

  2. بداية التهجير القسري من المدن والقرى بحراسة أعضاء الشرطة التركية

  3. رؤوس مثقفين أرمن مع القتلة الأتراك

[1] العدد 48، شباط 1990 تصدر عن شركة المنبر ش.م.م باريس.

[2] كردستان في سنوات الحرب العالمية الأولى، الدكتور كمال مظهر أحمد، ترجمة محمد الملا عبد الكريم، بغداد، 1984.

[3] مواقف هذا المؤرخ المشهور من القضية العربية الفلسطينية مشهود بها إذ يقرر أن لا سلام إلا بعودة الفلسطينيين إلى بلادهم.

في يوم الـ 24 من نيسان من كل عام، يحيي الأرمن والسريان والآشوريين وكل أحرار العالم وشرفائه ، الذكرى السنوية للمجازر التي ارتكبتها الدولة العثمانية بحقهم،  ففي مثل هذا اليوم من عام 1915 أعدمت السلطات التركية حوالي 250 شخصاً من نخبة المجتمع الأرمني (قادة، مثقفون، كتاب، رجال دين) في إسطنبول، والتي كانت بداية لمجازر أكبر امتدت لتشمل السريان والآشور.

بعد أن سقطت القسطنطينية في أيدي العثمانيين اعتباراً من 29 أيار/مايو عام 1453، بدأ العثمانيون بشن الهجمات على أوروبا حتى وصلوا إلى أسوار فيينا –عاصمة النمسا- عام 1529 ولكنهم فشلوا في احتلال المدينة وبعد ذلك بدأت مرحلة التراجع العثماني على أكثر من جبهة.

ومن جانبها سعت روسيا التي أصبحت قوة كبيرة في ظل القياصرة قبل قرون، للوصول إلى البحار وخاصة البحار الدافئة وتجاوز معضلة توقف موانئها المطلة على بحر البلطيق عن العمل لأشهر عديدة كل عام بسبب تجمد مياه البحر، فكان لابد في البداية من الوصول إلى سواحل البحر الأسود، فخاضت روسيا ضد تركيا 15 حرباً على مدى أكثر من قرنين لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي بدأت عام 1676 واستمرت حتى سقوط الإمبراطوريتين مع نهاية الحرب العالمية الأولى 1918.

ولكن بعد أن احتل العثمانيون أرمينيا في القرن الـ 16 وتحولها إلى جزء من السلطنة العثمانية، بات الأرمن موزعين بين العثمانيين والإمبراطورية الروسية، لذا بدأ العثمانيون بارتكاب المجازر بحق الأرمن بحجة تعاونهم مع الروس ضد الامبراطورية.

وبدأت أولى  المجازر بحق الأرمن في الفترة ما بين عامي 1894 – 1896، بعدما طالب الأرمن بإصلاحات سياسية وبملكية دستورية وبانتخابات وإلغاء التمييز ضد مسيحيي السلطنة، وتعرف هذه المجازر باسم “مجازر الحميدية” نسبة إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني الذي أمر بارتكاب مجازر بحق الأرمن ومن أكثرها وحشية حرق نحو 2500 امرأة أرمنية في كاتدرائية رها/أورفة.

ووثق المبشر اللوثري يوحنا ليبسيوس، الذي كان موجوداً في تركيا حينها، أعداد الضحايا اعتماداً على المصادر الألمانية ومصادر أخرى. ويقول إنه تم قتل 88243 أرمني وجرح 546000 آخرين ويؤكد أن القرى التي نهبت بلغ عددها 2493 قرية، فيما بلغ عدد القرى التي أجبرت على الإسلام 456 قرية، وأشار إلى تهديم 649 من الكنائس والأديرة، فيما تم تحويل 328 كنيسة وديراً إلى جوامع.

وفي هذا السياق قال الجنرال المتقاعد في الجيش اللبناني، ناريك ابراهاميان، لوكالة أنباء هاوار إن “تركيا اليوم تُعرف تاريخياً باسم آسيا الصغرى. وتمتاز جغرافيتها بأهمية استراتيجية للقوى الإقليمية والدولية القديمة. فالذي يسيطر على هذه  المنطقة في الشرق الأوسط سيتحكم بخطوط الاتصالات البرية والبحرية بين الشرق والغرب وكذلك بين الشمال والجنوب”.

ويؤكد أن أوروبا والإمبراطورية الروسية سعتا لتوسيع نفوذهما في هذه المنطقة. ولتحقيق أهدافهما سعتا للسيطرة على  آسيا الصغرى كلٌ على حدة. وأضاف “أوروبا بسيطرتها على أراضي آسيا الصغرى كانت تسعى  لكبح جماح الامبراطورية الروسية ومنعها من الوصول إلى المياه الدافئة  في البحر الأبيض المتوسط، لكنهم كانوا متشككين من سكان آسيا الصغرى الذين كانوا بشكل رئيس من اليونانيين والأرمن ومن الآشوريين السريان والكرد والعديد من الكيانات العرقية الأخرى. هؤلاء هم السكان الأصليون في هذه المنطقة، قبل أن تتسلل القبائل الطورانية في بدايات الألفية  الأولى لتشكل ما يسمى بالإمبراطورية العثمانية في أواخر القرن الرابع عشر”.

ولفت ناريك ابراهاميان، أن الفترة الزمنية التي تلت سقوط القسطنطينية والصراع الدائر بين العثمانيين والروس حتى الحرب العالمية الأولى تميزت بالدموية من قبل العثمانيين.

وحمّل ابراهاميان، أوروبا أيضاً إلى جانب تركيا مسؤولية المجازر التي ارتكبت ضد الأرمن والآشوريين والسريان واليونانيين والكرد وغيرهم من الكيانات المذهبية المسيحية، حيث قام العثمانيون بقتل 1.5 مليون أرمني وذبحوا الملايين من المذاهب المسيحية الأخرى.


الأرمن ضحية الحرب العالمية الأولى

بعد أن استولت جمعية  الاتحاد والترقي على الحكم في تركيا وعزلها للسلطان عبد الحميد الثاني عام 1908، بدأ العثمانيون بشن الهجمات على الأرمن وقتلوا خلال يومين فقط ألفي أرمني في مدينة أضنة، كما شرعنت مصادرة أملاك الأرمن، ومنحت جوائز لمن ينتقلون للسكن في مناطق الأرمن، وبذلك بدأت عمليات التهجير الواسعة للأرمن وغيرهم من أبناء الديانة المسيحية، وجرى نقل العثمانيين إلى مناطق الأرمن، إذ يجري الحديث عن نقل 400 ألف عثماني إلى منطقة الأناضول من أجل تغيير ديمغرافيتها.

وقبل بدء الحرب العالمية الأولى، سعت تركيا وباتفاق سري مع ألمانيا –دخلتا إلى جانب بعضهما في الحرب العالمية الأولى- في 2 آب/أغسطس عام 1914، إلى تغيير الحدود الشرقية للإمبراطورية العثمانية وذلك لتأمين ممر من أجل الوصول إلى القوميات المسلمة في روسيا. لذلك سعى العثمانيون إلى استئصال الأرمن الموجودين على الحدود مع روسيا.

وبعد توقيع الاتفاقية، أعلن الاتحاد والترقي سحب الأرمن إلى القتال. ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى وتحديداً في نيسان 1915 نهب الجنود الأتراك 5 آلاف قرية أرمنية وقتلوا ما مجموعه 27 ألف أرمني والكثير من الآشوريين السريان الكلدان.

وبعد خسارة الأتراك في معركة ساريقاميش بالجبهة الشرقية في كانون الثاني/يناير 1915، ضد الروس. اتهم أنور باشا، الأرمن بخيانة الدولة وأمر بترحيلهم من المنطقة الشرقية حيث تم تجريد 100 ألف جندي أرمني من سلاحهم وجرى ذبحهم ودفنهم وهم أحياء، كما تمت مصادرة الأسلحة من المدنيين الأرمن والتي كان قد سمح لهم بحملها عام 1908.

واعترف وزير الخارجية التركي طلعت باشا في لقاء مع السفير الأمريكي بتركيا هنري مورگنثاو بأنهم تمكنوا “من التخلص من ثلاثة أرباع الشعب الأرمني، ولم يعد لهم أثر في بدليس، وان وأرزروم… يجب القضاء على الأرمن، إذا لم نفعل ذلك سينتقمون منا حتماً”.

وبعد هذه المجازر، تم تجميع ما تبقى من الأرمن والسريان الآشور الكلدان وتهجيرهم عبر إرسالهم سيراً على الأقدام إلى مختلف أنحاء الدولة العثمانية لتعريضهم للموت جوعاً أو عطشاً أو بفعل أعمال القرصنة التي يقوم بها البدو على المسافرين، وذلك من أجل تشتيتهم.

ويقدر الباحثون أن أعداد ضحايا الأرمن تتراوح بين 1 – 1.5 مليون شخص، لذلك يطلق على هذه المجازر عدة تسميات منها “المحرقة الأرمينية والمذبحة الأرمينية والجريمة الكبرى”، وذلك لأن قتل العثمانيين للأرمن جرى بشكل متعمد ومنهجي خلال وبعد الحرب العالمية الأولى.

وفي هذا السياق قال الصحفي والدبلوماسي الأرمني الخبير في شؤون القوميات التي تعرضت للاضطهاد التركي، هامو موسكوفيان، إنه “تم بناء الدولة التركية على أنهر من الدم والمذابح والإبادة الجماعية، وأولها عام 1914- 1918 الإبادة الجماعية للأرمن، وقامت الدولة التركية بعمليات الترحيل الجماعي القسرية والاغتصاب والنهب والسطو والكذب المستمر وذلك لإخفاء تاريخهم الأسود”.

وأضاف “ما تزال الدولة التركية ومنذ تأسيس ما يسمى الجمهورية التركية من قبل كمال أتاتورك وكنعان افرين وصولاً إلى رجب طيب أردوغان، مستمرة  بنهجها الإجرامي الدموي «العثمانية الجديدة» المشابه لنهج العثمانية”.

وأكد أنه في الذكرى الـ 105 للإبادة الجماعية الأرمنية “يجب علينا جميعًا توحيد القوى ضد هؤلاء الشياطين قبل فوات الأوان”.

من المحرقة الأرمينية إلى مجازر السيفو

ولم تقتصر مجازر الأتراك على الأرمن فقط، بل شملت السريان الآشور الكلدان أيضاً، ويعرف يوم الـ 24 من نيسان لدى السريان الآشور باسم “مذابح السيفو والمذابح الآشورية ومذابح السريان”.

ولا توجد إحصائيات دقيقة للعدد الكلي للضحايا، غير أن الدارسين يقدرون أن أعداد السريان الآشوريين الذين قتلتهم السلطنة العثمانية تتراوح بين 250 – 500 ألف سرياني آشوري.


مطالبة بتحقيق العدالة والقصاص من تركيا

واعترفت العديد من المنظمات الدولية رسمياً بالإبادة الأرمنية مثل: الأمم المتحدة، البرلمان الأوروبي، مجلس أوروبا، مجلس الكنائس العالمي، منظمة حقوق الإنسان، جمعية حقوق الإنسان التركية، ميركوسور، جمعية الشبان المسيحيين. كما تعترف 20 دولة بالإبادة الأرمنية.

ورغم كافة الدلائل على القتل العمد للأرمن إلا أن السلطات التركية ترفض الاعتراف بالإبادة الأرمنية وتجرم المادة 305 من قانون العقوبات التركي كل من يعترف بها.

وتعتبر الإبادة الأرمنية أول إبادة جماعية في القرن العشرين وقد سبقت الإبادة التي ارتكبها الألمان بحق اليهود أثناء الحرب العالمية الثانية والتي تعرف بالهولوكوست. وكلمة الإبادة الجماعية صيغت من أجل وصف هذه الأحداث. كما وأطلقت الرابطة الدولية لعلماء الإبادة الجماعية على الحملة العثمانية التي قام بها الأتراك ضد الأقليات المسيحية في الدولة العثمانية بين عام 1914 وعام 1923، اسم “إبادة جماعية”.

وقال الدكتور تارون هاكوبيان المحاضر في جامعتي “ييرفان وخانكندي” والمختص بالاقتصاد والقضايا التاريخية، لوكالة أنباء هاوار “بصفتي أحد أبناء الأمة التي تعرضت للإبادة الجماعية، سيكون هدفنا الرئيس ونضالنا ضد الإبادة الجماعية التي ارتكبت وما زالت ترتكبها تركيا”.

وتابع قائلاً “يجب أن نستمر في مطالبة جميع دول العالم بمطالبة تركيا بشأن جميع الخسائر الإقليمية والبشرية والمادية والنفسية والجرائم الرهيبة، حتى لا يتم تجاهل الحقوق في الدول المناهضة للحرية مرة أخرى، ومعاقبة المجرمين حتى نتمكن من العيش في سلام وازدهار بعد ذلك”.

ومن جانبه، طالب هاروت ساسونيان رئيس تحرير جريدة “كاليفورنيا كوريير” ورئيس الصندوق الأرمني المتحد -وهو ائتلاف من أكبر سبع منظمات أرمنية أمريكية- بـ “العدالة والتعويض عن القتلى وعودة الأموال والمباني والأراضي الأرمينية المصادرة والأراضي المحتلة في أرمينيا الغربية”.

السيناريو يتكرر

ولم تقتصر مجازر العثمانيين الأتراك على الأرمن والسريان الآشور الكلدان، بل شملت الكرد والعرب أيضاً في مختلف أنحاء الدولة العثمانية وحتى بعد تشكيل الجمهورية التركية ويقود هذه المجازر اليوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وفي هذا السياق يقول الجنرال المتقاعد في الجيش اللبناني، ناريك ابراهاميان “اليوم نفس السيناريو يتكرر، حيث تقوم القوى الغربية بتمكين تركيا من استضافة عناصر داعش من جميع أنحاء العالم، لمنحهم جنة آمنة وارتكاب فظائع في المنطقة لتدمير دول بشكل رئيس سوريا والعراق وليبيا. الآن ترتكب تركيا الإسلامية المتطرفة مع داعش فظائع والأسرة الدولية صامتة”.

وأكد أن “جرائم أردوغان في سوريا وباقي الدول العربية تخطت جرائم القبائل الطورانية، وأن ما يقوم به أردوغان هو سمة من سمات الأتراك القوميين المتطرفين”.
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

كاتبة المقال الرئيسة المشتركة للمجلس الأرمني في مدينة القامشلي