نوسوسيال

بقلم: حسن ظاظا/الإسلام السياسي: مشكلة أكثر مما هي حل

576

بعد أن نجح الإسلام السياسي الشيعي من خلال نظرية ولاية الفقيه ليس فقط في إخراج الشيعة من سلبيتهم إزاء الممارسة السياسية في البلدان التي ينتمون إليها، وإنما في الوصول إلى السلطة وإعلان الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كان منتظرا أن ينتفض الإسلام السياسي السني، وهو التنظيم الأقدم والأكثر تجربة، ليعبر بشكل صريح عن طموحاته في الوصول هو أيضا إلى السلطة أو على الأقل للمشاركة فيها.

ارتدى هذا التعبير أشكالا مختلفة بدءا بتكوين أحزاب وجمعيات سياسية، وتنشيط الحركات الدعوية للانغماس في الشأن السياسي، فضلا عن عقد تحالفات حتى مع السلطة في بعض الحالات. وقد أثمرت تلك الجهود في البدء عن الحصول على اعترافات رسمية بالتنظيمات السياسية ذات المرجعية الإسلامية أو المتشحة بها، ثم عدم المانعة فيما بعد في دخولها حلبة الصراعات الانتخابية وتقبل النتائج التي حققتها، والتي أتاحت لبعضها حسب الحالات إما المشاركة في السلطة وتدبير الشؤون العامة محلية ووطنية أو لعب دور المعارضة الشرسة.

هذا هو ما أمكن تسجيله في العديد من الدول حيث تمكنت التنظيمات الحزبية والجمعوية الإسلامية من أن تصبح لاعبا أساسيا وذات حضور وازن في المؤسسات التشريعية والتنفيذية كما هو الحال في المغرب والجزائر وتونس وليبيا والأردن والبحرين والكويت وقطاع غزة، وعنصرا فعالا في ساحات الصراعات الملتهبة في المنطقة كما هو الشأن في سوريا واليمن.

وبلا شك فمع مرور الوقت أصبحت تيارات الإسلام السياسي السني أكثر تجذرا في الساحات السياسية، وفي الكثير من الحالات الأكبر شعبية وتمثيلية خاصة في الساحات التي كان النشاط السياسي فيها محظورا وانفتح فجأة أو تلك التي تم تدجين القوى اليسارية والقومية فيها إما عبر تضييق الخناق عليها أو اختراق صفوفها وفرض زعامات أراجوزية على رأسها.

وفي سعيها لتأكيد وتوطيد الحضور وتأمين الانتشار الواسع استفادت هذه التيارات المتدثرة بالعباءة الدينية من مساندة مادية ومالية من بعض الأنظمة وبعض الأثرياء في المنطقة العربية، ومن دعم سياسي ومعنوي دولي وإقليمي أبرزه من تركيا ومن أجهزة استخبارات غربية عديدة.

ومع ذلك، ورغم صدق النوايا لدى البعض من قادة هذه التنظيمات، وحسن ارتداء البعض الآخر لقناع الشعبوية وإتقان دور التمثيل على الجماهير اتضح أنها تفتقر فعلا إلى سياسات وبرامج اجتماعية حقيقية تنسجم وما تدعيه من سعي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وصون الكرامة الإنسانية.

لهذا لم يكن مفاجئا فشل تنظيمات الإسلام السياسي إلى حد كبير لدى استلامها للسلطة أو عند مشاركتها فيها، إذ لم تستطع أن تترجم وعودها إلى حقائق ملموسة على الأرض، بل ساهمت في اتخاذ قرارات لا شعبية وفي ترسيخ الخضوع لإملاءات المؤسسات المالية الدولية ؛ الأمر الذي أدى تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية لبلدانها وارتفاع مديونيتها الخارجية أكثر فأكثر.

لقد أوضحت تجربة هذه التيارات في مواقع المسؤولية أنها صرفت معظم وقتها في التفكير في كيفية الوصول إلى السلطة، ولم تفكر يوما واحدا في كيفية ممارستها بشكل جيد، إذ ثبت أنها لا تتوفر إطلاقا على برامج موضوعية وخطط علمية للإصلاح والتغيير أو التطوير، ولا على الأطر المتمرسة، وأن صعودها كان نتيجة فراغ في الساحة السياسية والاجتماعية فرضه اجتياح مناخ عام أشاع نوعا من الخمول الفكري جعل الناس تركن إلى تفسير المواقف والحقائق وتقييمها وفقا لمعتقدات دينية وأحيانا لأساطير غيبية.

إن تتبع الأحداث الأخيرة في العديد من الدول العربية في موجة ثانية من الاحتجاجات الجماهيرية يبين أن الشعوب قد فطنت إلى ضحالة الخطاب الشعبوي المتأسلم ، وإلى انتهازية رواده ، وأنها لم تعد تنظر إليه وإليهم بتلك القداسة والتبجيل السابقين.

ومن خلال المعطيات الميدانية في كل الساحات المتحركة، فإن هذا المعطى يشمل تيارات الإسلام السياسي السني وتيارات الإسلام السياسي الشيعي على حد سواء، وكما تثبت التطورات الجارية في لبنان والعراق ؛ الأمر الذي يفترض في هذه التيارات أن تعي بأنها تستطيع أن تخفي أجندتها وحقيقتها على كل الناس لبعض الوقت، أو عن بعض الناس كل الوقت، ولكنها لا تستطيع أن تستغفل كل الناس طول الوقت.