نوسوسيال

بقلم ضياء اسكندر : لاتعذيب بعد اليوم . . هل نصدق ذلك ؟..

.

513

وأخيراً صدر القانون رقم (16) لعام 2022، المتعلق بتجريم التعذيب، ومعاقبة مرتكبه بلائحة عقوبات تبدأ من ثلاث سنوات وتنتهي بالإعدام. بعد تأخيرٍ دام 15 عاماً فقط لا غير، إثر انضمام سوريا إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة اللا إنسانية بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984، والنافذ منذ عام 1987، حيث انضمت سوريا إلى الاتفاقية عام 2006. وبموجب بنودها، يجب على أيّ دولة تنضم إليها تعديلَ تشريعاتها بما يتلاءم مع الاتفاقية. إلا أن حكومة دمشق تأخرت في إصدار القانون بسبب “الحرب” وفقاً لتبريرات رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية في حكومة دمشق أحمد الكزبري.

وبرأيي كان ينبغي صدوره أصلاً منذ قيام الوحدة السورية المصرية عام 1958 وما تبع ذلك من انتهاكات مرعبة لحقوق الإنسان، ما تزال سارية بضراوتها حتى الآن. والتي ذاق خلالها معارضو النظام الويلات على مرّ السنين الماضية.

لدى سماعي وقراءتي بنود القانون، حاولتُ جاهداً فصفصة موادّه لاصطياد الثغرات التي تعتوره كعادتي في قراءة كل ما يصدر عن حكومة دمشق. قرأته مراتٍ عدة، وبتركيزٍ عالٍ، عساني أُلقي القبض على مادة أو عبارة؛ لأهتك عرض القانون، إلا أنني صُدِمت، إذ لم أعثر على مثلبة واحدة، وكأنه صيغ في إحدى الدول الاسكندنافية!

مكثتُ مفكراً متسائلاً:

ما هي الأسباب الموجبة لصدور هذا القانون؟ لماذا تأخّر كل هذه العقود؟ وما هي الحكمة من صدوره في هذا التوقيت؟ تُرى، هل ثمة استحقاق دولي بغرض تقديم النظام نفسه إلى المجتمع الدولي على أنه نظام مثالي وقابل للتعامل الحضاري أسوةً بأرقى البلدان؟

وسرعان ما توصّلت إلى أن إصدار النظام لمثل هذه القوانين، وبغضّ النظر عن الأسباب، ما هو إلا عبارة عن عملية تكتيكية استعراضية ليس إلّا، فالعبرة ليست في إصدار القوانين الجيدة على أهميتها؛ بل في احترامها وتطبيقها. والنظام تاريخياً، أكبر منتهكٍ للدستور والقوانين التي وضعها هو نفسه؛ فالدستور المعمول به حالياً على سبيل المثال يحتوي العديد من المواد والنصوص الممتازة، ولكن كلنا يعلم بأنها مركونة (على الرفّ) لا يُعمل بها. فمثلاً، المادة (53) من الدستور الصادر عام 2012 تنص: «لا يجوز تعذيب أحد، أو معاملته معاملة مهينة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك». كما تنص المادة (391) من قانون العقوبات الصادر عام 1949: «من سام شخصاً ضروباً من الشدة لا يجيزها القانون؛ رغبةً في الحصول على إقرار عن جريمة أو معلومات، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات». ولا ضرورة للتذكير أن تطبيق ما سبق الإشارة إليه من مواد لا يمتُّ إلى الواقع بصلة، فتاريخ الاعتقال السياسي في هذا البلد حافل بأقسى أساليب التعذيب التي تشيب لها الغلمان.

ثم إن القانون يتعارض مع المادتين القانونيتين (16) و (74) الواردتين على التوالي في المرسومين التشريعيين (المرسوم رقم 14 الصادر في 25/1/1969 والمرسوم رقم 549 الصادر في 25/5/1969) اللتين تمنعان محاسبة العناصر الأمنية المرتكبين للجرائم الناشئة عن الوظيفة، أو في معرض قيامهم بها إلا بموجب أمر ملاحقة يصدر عن المدير.. وهذا يعني أن مساءلة أو محاسبة أي عنصر ارتكب انتهاكات وجرائم ومارس التعذيب على المعتقلين في السجون، تتطلب موافقة من رئيسه، وبالتالي، فإن رئيسه لن يوافق؛ لأنه هو من أصدر الأوامر بارتكاب الانتهاكات. لذلك فقد كان حريّاً بالمشرّع لو كان جادّاً وصادقاً، التنويه إلى أن كل ما يخالف هذا القانون من قوانين وتشريعات سابقة له تُعدّ ملغية.

بقي أن نقول إن القانون يعتبر سارياً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية، ولا أثر رجعياً له على الإطلاق. بمعنى أن مئات الآلاف من المواطنين الضحايا؛ الذين تم اعتقالهم خلال العقود الماضية، وخاصةً خلال الأزمة السورية، والذين تعرّضوا لشتى صنوف التعذيب الرهيب الذي تقشعرّ له الأبدان، ليس في وسعهم تقديم الشكاوى على من قام بتعذيبهم. فنحن أولاد اليوم والغد.. وعفا الله عمّا مضى.