نوسوسيال

تحليل نفسي لسلوك بوتين: بعيد من الواقع ومنعزل ومتشاو

572

                                                                    كتب: حسن ظاظا

                                                                      ,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

 

 

في محاولة لتحليل سلوك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والحرب التي يشنها على أوكرانيا، قال مسؤول كبير سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية “سي آي إي”، يعرف بوتين شخصياً، إن بوتين منفصل عن الواقع خارج الكرملين، ومؤمن جداً بنظريات المؤامرة.
وأشار المسؤول الى أن بوتين لا يقدّر التصميم الأوكراني، كما أنه يشعر بالازدراء حيال الزعماء الغربيين، ويعتقد أن ما نجح في الشيشان سينجح في كييف أيضاً، فما الذي سيحدث إذا دُفع الرجل الذي يملك آلاف القنابل الذرية الى الزاوية؟
نشرت مجلة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية الأسبوعية لقاءً مطولاً مع رولف موات لارسن، الجاسوس المخضرم الذي خدم في قسم العمليات في “السي آي إي”.
قال لارسن إن “بوتين بالتأكيد لا يمثل الصورة النمطية للروسي المخمور والصاخب، فهو هادئ وذو مكانة عالية، ويحسب خطواته بدقة ويحتسي نبيذه باعتدال، وله سجل خدمة طويل في دول الشرق الأوسط، عمّقت المحادثات معه فهم التاريخ وتقاليد جهازه”.
واستعاد لارسن محاولة الاستخبارات الروسية اغتيال المرشح الأوكراني للرئاسة فيكتور يوشينكو لكن من دون جدوى، إذ استخدمت يومها سماً شوّه مظهره كثيراً، وكان يوشينكو قد سعى الى انضمام بلاده الى حلف الناتو.
وقال: “لم أتمكن من مساعدة المرشح الأوكراني حينها، لكن عندما التقيت بوتين أبديت بعض الملاحظات حول هذه الحادثة المؤسفة، بينما سخر بوتين منها، لذلك قلت له إن هذا عمل مبتذل وغير لائق، لماذا فعلت ذلك؟ هل أنت نادم؟ عندها نظر إليّ رجل الاستخبارات الروسي الحكيم والمعتدل وحدق في وجهي لبضع لحظات، ثم رفع يده اليمنى وانحنى على الطاولة ووجه سبابته ووضعها على صدري ثم ببطء وبحزم وباللغة الروسية قال بغضب: “أوكرانيا هي روسيا… وروسيا هي أوكرانيا، الشيء الوحيد الذي يؤسفني أننا لم نقتل ابن العاهرة هذا”.
بعد تقاعده من وكالة الاستخبارات المركزية خدم لارسن حتى تقاعده قبل عامين، رئيساً لمركز كابلان – ريكاناتي للأبحاث ودراسات الاستخبارات في جامعة هارفارد الذي أسسه اليهودي الأميركي توماس كابلان وشريكته الإسرائيلية دافني ريكاناتي.
وأضاف لارسن خلال المقابلة: “اعتقدت أنني أعرف كل شيء عن بوتين وعن جهاز الاستخبارات الروسية، حتى أدركت شيئاً مهماً لم أره قبل التحليل النفسي لسلوك الرئيس الروسي – “المنطق العقلاني الذي يفسر السلوك غير العقلاني” – لهذا من المهم فحص سلوك الرجل الذي أمر باغتيال يوشينكو، لمعرفة ما الذي دفعه الى غزو أوكرانيا وإعلان الحرب على العالم وإلى أين سيقوده كل هذا؟”.
ورأى لارسن أن الدافع الأول هو أن يكون ضحية التاريخ: “كانت الحقبة السوفياتية أكبر مصدر للتأثير في حياة بوتين، وانهيار الاتحاد السوفياتي في عينيه أكبر كارثة جيوسياسية في القرن الماضي، تماماً كما في أغنية فرقة البيتلز “العودة الى الاتحاد السوفياتي”، لكن ليس بوتين وحده هو الذي يشعر بذلك أو يفكر بتلك الطريقة، أيام ذروة الإمبراطورية والحوادث التي أدت الى انهيارها باقية في نظر المواطن الروسي العادي”. “حتى أنا” – تابع لارسن – “أفتقد تلك الأيام المليئة بالتطورات الدراماتيكية والغموض”.
أما الدافع الثاني برأي لارسن فهو أن “بوتين هو روسيا وروسيا هي بوتين، والهوية المطلقة بين الكيانين”. أما الدافع الثالث فيكمن في براعة ضباط الاستخبارات الروسية (الكي جي بي) في نسج نظريات المؤامرة العميقة والمعقدة حول كل موضوع يمكن تصوره، إذ إنهم يؤمنون بصدق بأن الولايات المتحدة والغرب يريدان إطاحة روسيا ومهاجمتها، ويرون أن الدليل على ذلك توسيع حلف الناتو، على الرغم من كونه تحالفاً دفاعياً.
أما الدافع الرابع من وجهة نظر لارسن فهو “الرفض التام لشكل الحكم الغربي، والقيم الليبرالية المصاحبة له”.
يعتقد لارسن أن تفكير بوتين لم يتغير: “أعتقد أنه عاقل أو مجنون، وفقاً للمعايير الغربية، كما كان دائماً، لكنّ لديّ شكوكاً في حالته العقلية التي لم تكن لدي قبل عقد من الزمان، كنت أدرس شخصية بوتين منذ التسعينات، لكن من الواضح أن روحه قاسية ويحتقر الضعفاء، لغة جسده خلال دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، عندما أغمض عينيه أثناء مرور الوفد الأوكراني عند الافتتاح، جعلتني أرتجف. كانت هناك كراهية واضحة”.
وأضاف لارسن: “حتى الرجل الذي كان يعتبر ذات يوم أقرب الناس الى بوتين (لم يذكر اسمه)، وعلى دراية بشخصيته وبكل قوانينه، يعتقد أن شيئاً ما فيه قد تغير، لقد ابتعد عن بوتين، لكن في العلن كما في الجلسات المغلقة أظهر له احتراماً كبيراً، قال لي هذا الأسبوع لأول مرة، “يبدو الأمر مختلفاً، لم أتحدث مع بوتين منذ فترة طويلة، لكني رأيته على شاشة التلفزيون. بدا شخصاً مختلفاً عن الذي أعرفه، كان عاطفياً وغاضباً جداً، مليئاً بالكرهية والرغبة في الانتقام”، وأن لديه انطباعاً بأن بوتين بعيد جداً من الواقع.
وخلص لارسن الى أن هناك مثالاً ملموساً عن مدى بعد بوتين من الواقع، إذ يقوم مساعدوه بإتلاف مقاطع الفيديو والصوت والنصوص التي تنشرها وسائل الإعلام العالمية عنه، كما يحرص بوتين على عدم استعمال أي جهاز متصل بشبكة الإنترنت بأي شكل من الأشكال، وبالتالي فهو بعيد من أي وسيلة إلكترونية يمكن أن تسجل شيئاً يستخدم ضده. وبسبب هذه الصرامة، لا يتعرض لأي محتوى غير الذي يعتقد مساعدوه أنه يجب أن يشاهده، وقد أدى ذلك الى معرفته السطحية بما يحدث في العالم في أحسن الأحوال لسوء تقدير كيفية فهمه ورد فعله.
وختم لارسن حديثه بالقول: “لدى بوتين ثقة غير عادية بنفسه، نادرة حتى في الأشخاص الذين أصبحوا قادة، كما أن لديه قناعة ذاتية عميقة بأنه دائماً على صواب، لديّ انطباع بأنه لا يأبه بما يفكر به الآخرون عنه أو كيف تبدو أفعاله من وجهة نظرهم، وهذا خطير جداً”.