إيران، رغم توقيعها اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لحقوق الطفل عام 1989، مستمرة في ممارسة قمع لا يشمل المعارضين السياسيين والنشطاء الحقوقيين الكُرد فحسب، بل يشمل تعليم اللغة والأدب الكرديين.
يحتل اسم معلمة وناشطة كُردية إيرانية تدعى زارا محمدي، مساحة كبيرة في النقاش والتفاعل السياسيين حول ما يمارسه النظام السياسي الأمني في إيران من قمع بحق اللغات والثقافات غير الفارسية.
لم تقم زارا سوى بتعليم الأطفال اللغة الكُردية في إطار نشاط منظمة اجتماعية كانت تديرها، اسمها “مركز نوزين الثقافي الاجتماعي”، وهو ما اعتبرته الأجهزة الأمنية الإيرانية تهديداً لأمنها القومي، وأصدرت محكمة محلية إيرانية حكماً بسجنها خمس سنوات.
بداية حكم عليها بالسجن عشر سنوات، وبعد فترة في السجن، تم تخفيف الحكم إلى نصف الفترة المحددة، وتم اتخاذ القرار النهائي بسجنها في معتقل سِنة بتاريخ 8-1-2022. علماً أن الحكم عليها لا يشمله أي قرار عفو أو إطلاق سراح مشروط، برغم أنها أمضت شهوراً في السجن وتعرضت لتحقيقات واستجوابات كثيرة ومطولة من منظمة المخابرات الايرانية التابعة للحرس الثوري، كما تعرضت للتعذيب بهدف إجبارها على الإدلاء باعترافات كاذبة. وأرادت صحف إيرانية إجراء حوارات صحافية معها، لكنها اشترطت التكلم باللغة الكُردية، فتراجعت تلك الصحف عن الفكرة.
واعتقلت الأجهزة الأمنية المعلمة المتطوعة زارا محمدي (28 سنة) في مدينة سِنة الكُردية للمرة الأولى في ربيع 2019، بتهمة ممارسة النشاط السياسي، بينما اقتصر نشاط زارا على تعليم الأطفال لغتهم الكردية فقط في المركز الثقافي الذي كانت تديره. قامت الأجهزة الأمنية بتفتيش المركز الثقافي ومنزلها ومصادرة حاسوبها الشخصي، إضافة إلى اعتقال اثنين من النشطاء في المركز ذاته، وهما ريبوار منبري وادريس منبري، ولكن أفرج عنهما بكفالة بعد ثلاثة أيام من اعتقالهما. ويكشف هذا الأمر مدى فاشية النظام السياسي ومحاولاته محو التنوع الثقافي واللغوي والقومي في إيران، حيث يقارب عدد الكُرد 10 ملايين نسمة، ولكنهم لم يملكوا يوماً حقوقهم الدستورية، في ما خص حماية حقوق الأقليات ولغاتها. تنظر الحكومة الايرانية إلى الكُرد بعين الريبة والشك لأنهم لا يوالون النظام، وقد شهدت المدن الكُردية الايرانية تظاهرات في السنين الخمس الاخيرة بسبب السياسات الأمنية القمعية التي تمارسها الأجهزة الأمنية والباسيج.
ولدت زارا محمدي في قرية سرواله التابعة لمنطقة ليلاخ، أمضت حياتها كلها في مدينة سِنة، درست في قسم إدارة الأعمال في جامعة “بَيامي نوري” في المدينة ذاتها وحصلت على شهادة الماجستير في جامعة “بيرجندي خوراسان” في الجغرافية السياسية. تعلمت زارا اللغة الكردية من عائلتها، وعملت ناشطة في مجال اللغة والثقافة منذ أيام الجامعة وكانت ممثلة أيضاً عن مركز “نوزين”. يذكر أن اللغة المشتركة والكتابة الرسمية للشعب الإيراني هي الفارسية كما يقرّها الدستور الإيراني (المادة 15). ويجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب المدرسية بهذه اللغة، ولكن إلى جانب اللغة الفارسية، يمنح الدستور استخدام اللغات المحلية والعرقية في الصحافة ووسائل الإعلام وتدريس الآداب المختلفة في المدارس.
ويؤكد أرسلان يار أحمدي وهو ناشط كُردي يعيش خارج البلد ويعمل في مجال حقوق الإنسان، أن محكمة الثورة- فرع مدينة سِنة، أصدرت الحكم الأولي على زارا بالسجن عشرة سنوات، ولكن تم تخفيف الحكم بعد التمييز إلى خمسة سنوات. وقد وجهت “المحكمة الثورية” الإيرانية تهمة تشكيل مجموعات معادية للأمن القومي الإيراني إلى الناشطة، وذلك على رغم أنها لم تقم إلا بتعليم الأطفال اللغة الكردية ضمن نشاط مدني وثقافي في المركز الثقافي المجتمعي (نوزين). ويشير الناشط الحقوقي، إلى أن أكثر من قاض في محكمة سنندج أكدوا براءة المعلمة والمركز الثقافي من التهمة الموجهة إليهما، خصوصاً أن المركز مجاز ويعمل على فتح دورات تعليمية وتدريبية في مجالات ثقافية عدة، منها تعليم اللغة الكردية، على اعتبار أن مدينة سِنة، هي إحدى المدن الكُردية. برغم ذلك، تم اتخاذ قرار بسجنها، ما يشير إلى أن الأوامر جاءت من المحكمة الثورية التابعة لادارة الاطلاعات والجيش الثوري.
ويؤكد أرسلان أن السجينة وبعد هذه المدة كلها، ربما كانت تنتظر إطلاق سراح مشروط، ولكن للأسف، نوع الحكم المفروض عليها غير مشمول بهذا الامتياز، مشيراً إلى أن محاولاتهم الكثيرة لدعم زارا محمدي من طريق “منظمة العفو الدولية”، وعدد من منظمات دولية أخرى مهتمة بحقوق الإنسان، لم تؤد الى استجابة الحكومة الإيرانية، “وكلنا نعرف أن هذه الحكومة لا تعير لحقوق الإنسان ومطالب المنظمات الدولية أي اهتمام”، يقول أرسلان.
ليست زارا الوحيدة ولن تكون الأخيرة، فقد أعدمت إيران في السابق المعلم فرزاد كامنجار من مدينة كاميران شمال غربي إيران، بتهمة كتابة منشورات عن حقوق الإنسان وتدريس الطلاب اللغة الكردية ورواية قصص عن ثقافتهم وتاريخهم. وعلى رغم إدانة منظمة العفو الدولية ومنظمة التعليم الدولي واليونسيف، هذا الحكم وغيره من الأحكام الجائرة، إلا أن إيران برغم توقيعها اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لحقوق الطفل عام 1989، مستمرة في ممارسة قمع لا يشمل المعارضين السياسيين والنشطاء الحقوقيين الكُرد فحسب، بل يشمل تعليم اللغة والأدب الكرديين.
مُعلّمون يطالبون المنظّمات الحقوقيّة بإيقاف حكم المعلّمة زارا محمدي
استنكر معلّمون في إقليم الفرات شمال شرق سوريا صمت المنظّمات الحقوقية الدولية حيال ما ترتكبه الحكومة الإيرانية من انتهاكات بحقّ الكرد، آخرها الحكم بالسّجن على المعلّمة زارا محمدي بتهمة تدريسها اللّغة الأم “الكرديّة”.
واعتُقلت زارا محمدي 28 عاماً في الـ23 من أيار عام 2019، وهي مسؤولة مجلس الثقافة المجتمعية في منطقة سنه، والّتي بدأت بدريس اللغة الكردية منذ عام 2011 في منطقة سنه والقرى المحيطة، وتعتبر اللغة الكردية اللغة الأم لملايين الكرد المنتشرين غرب إيران.
وبحسب موقع حقوق الإنسان في روجهلات (شرق كردستان) أنّ ما تسمّى بـ محكمة الثورة- فرع سنه، حكمت بالسجن لمدة 10 سنوات على مدرّسة اللّغة الكردية، زارا محمدي، بتهمة تدريسها للغتها الأم، ومشاركتها في تنظيمات معادية للأمن القومي الإيران حسب ما قالته المحكمة.
وأثار الحكم الصادر تجاه المعلمة الكردية ردود فعلٍ شعبية غاضبة، تجاه ممارسات السلطات الإيرانية، فيما يقابله صمت المجتمع الدوليّ.
واعتبرَ الأستاذ الجامعي عكيد ناصرو في لقاء أجرته وكالة هاوار الكردية أنّ الحكم الصادر تجاه أبسط حقوق البشر وهو التعلّم باللغة الأم ينافي كل الأعراف والمواثيق الحقوقية الدولية والأخلاق الاجتماعية، مؤكّداً أنّ الهوية الكردية تواجه خطر الإبادة على يد السلطات الإيرانية.
من جانبها قالت عليا أحمد معلّمة اللغة الكردية في معهد فيان أمارا في كوباني: “إنّ المنظّمات الحقوقية تتحمّل مسؤولية الانتهاكات الإيرانية بحقّ الكرد، وأنّ صمت تلك المنظمات يعني تشجيع الحكومة الإيرانية على ارتكاب الفظائع وزج الأبرياء في السجون”.
كما طالبَ الأستاذ الجامعي في جامعة كوباني مسلم نبو الكردستانيين في روجهلات (شرق كردستان) إلى الوقوف في وجه مثل هذه الانتهاكات، وعدم السماح للسلطات الإيرانية بحرية التحكم بمصير الكرد هناك، مضيفاً: “تمارس الحكومة الإيرانية أبشع أساليب القمع الثقافي للهوية الكردية، كيف يمكن الحكم على امرأة 10 سنوات سجن بتهمة أنّها تدّرس لغتها الأم، لم يبق للكرد هناك أيّ خيار سوى الانتفاض”.
كيف تقتل إيران اللغة الكردية على أراضيها؟
حُكم على زارا محمدي، معلمة اللغة الكردية، بالسجن 10 سنوات بتهمة تدريس اللغة الكردية؛ جزءًا من سياسات إيران ضد» الشعبالكردي تقريرًا أعده حيدر خزري، الأستاذ المساعد في جامعة سنترال فلوريدا، يتناول فيه التمييز الذي تتعرض له الأقليات العرقية والدينية في الداخل الإيراني، مسلطًا الضوء على معاناة الأكراد الإيرانيين، وكيف تتعمد السياسات الإيرانية بشكل ممنهج القتل الناعم للغة الكردية، بل تنزل أشد العقاب على من يُعلمها أو يتحدث بها.
أحد الذين نزل بهم هذا العقاب كانت زارا محمدي، والتي يروي الكاتب في مستهل تقريره ما حدث لها قائلًا: «حكمت محكمة الثورة الإسلامية الإيرانية في 14 يوليو (تموز) 2020م على معلمة اللغة الكردية وناشطة المجتمع المدني، زارا (أو زهرة) محمدي، بالسجن 10 سنوات. وكانت زارا قد اعتقلت لأول مرة في مسقط رأسها سنه (المعروف باللغة العربية باسم سنندج)، في إقليم كردستان إيران، في 23 مايو (أيار) 2019م».
كابوس الاستجوابات القمعية
الكاتب قائلًا: خضعت زارا، قبل اعتقالها، لعدة استجوابات مطولة من منظمة المخابرات الإيرانية التابعة للحرس الثوري الإسلامي، وأفرج عنها بكفالة فيما بعد في 2 ديسمبر (كانون الأول) 2019م، بعد أن قضت ستة أشهر في السجن عانت فيها، حسبما قالت، استجوابات قمعية تشبه روايات كافكا، كما تعرضت للتعذيب للإدلاء باعترافات كاذبة. ما هو الجرم الذي ارتكبته زارا؟ يتساءل الكاتب. فقد كانت تُعلم اللغة الكردية لغتها الأم، ويبدو أن قاضي الثورة الإسلامية احتسب بدقة متناهية الحكم بالسجن 10 سنوات، فكل سنة من تعليم اللغة الكردية يقابله عام في السجن عقوبة.
بعد صدور الحكم، ظهرت زارا في مقطع فيديو نشرته على صفحتها على «إنستجرام» تصف فيه جرائمها، وهي تعليم لغتها الأم، وتوزيع الشوكولاتة في الشارع بمناسبة اليوم العالمي للغة الكردية، ومساعدة ضحايا الفيضانات في محافظة لورستان الإيرانية. وخلال دفاعها عن أنشطتها بوصفها إنسانية، دعت زارا المحكمة إلى تقديم أي دليل يشير إلى أنها قامت بأي عمل بخلاف تمكين الأفراد المهمشين من الأقلية الكردية في إيران وتعليم لغتها الكردية.
تجريم تعليم اللغة الكردية
يشير الكاتب إلى أن اللغة الفارسية في إيران، التي تمثل الأعراق غير الفارسية فيها أكثر من نصف عدد السكان، تظل هي اللغة القانونية الوحيدة للتعليم بدءًا من رياض الأطفال وحتى التعليم الجامعي، لذا تواجه الأقليات العرقية – مثل عرب الأهواز، والأتراك الآذريين، وقومية البلوش، والأكراد، والتركمان – تمييزًا راسخًا. ومع أن إيران وقَّعت على اتفاقية الأمم المتحدة الدولية لحقوق الطفل في عام 1989م، وبرغم حقيقة أن المادة 15 من دستور جمهورية إيران الإسلامية تنص على الحق في استخدام اللغات غير الفارسية في إيران «لتدريس أدبها في المدارس»، فقد قوبل تعلم وتعليم اللغة الكردية وأدبها في إيران تاريخيًّا بعقاب قاسٍ، حتى إن الدستور الإيراني يصف اللغات غير الفارسية في إيران بمصطلحات استعمارية، مثل «اللغات الإقليمية والقبلية».
ويضرب الكاتب مثلًا على العقاب الإيراني الشديد ضد اللغة الكردية، بالإشارة إلى إعدام أربعة سجناء أكراد يوم 9 مايو 2010م، كان من بينهم فرزاد كامانجار الذي كان معلمًا في مدرسة كردية، وكانت جريمته بحسب صحيفة «واشنطن تايمز»: «كونه كرديًّا، ويدرس في مدرسة ابتدائية في مدينة كامياران شمال غرب إيران، وأحد أعضاء اتحاد المعلمين الكردستاني، وكتب العديد من منشورات حقوق الإنسان السرية، ودرَّس الطلاب الأكراد لغتهم المحظورة سرًّا، وروى لهم قصصًا عن ثقافتهم وتاريخهم».
أثارت ظروف سجن كامانجار غير الإنسانية وإعدامه فيما بعد إدانات دولية للنظام الإسلامي في إيران من العديد من المنظمات، ومنها اليونيسف، ومنظمة التعليم الدولي، ومنظمة العفو الدولية. إلا أن الحكومة الإيرانية استمرت في انتهاكاتها لحقوق الإنسان ضد السكان الأكراد وغيرهم من الأقليات العرقية، التي ما تزال تواجه تمييزًا راسخًا، ما قلَّص فرص حصولهم على التعليم بلغتهم الأم، كما ذكرت منظمة العفو الدولية في مراجعتها لعام 2019م عن حالة حقوق الإنسان في إيران.
المتورطون في القتل الجماعي أعلى هرم السلطة القضائية الإيرانية
وينوه التقرير إلى أن العديد من المسؤولين المشتبه في تورطهم في عمليات القتل الجماعية للأقليات الدينية والعرقية خارج نطاق القضاء، ما يزالون يشغلون مناصب متقدمة في النظام القضائي الإيراني. فقد شغل علي رضا أفايي منصب وزير العدل في عام 2017م، كما عين خامنئي إبراهيم رئيسي رئيسًا للسلطة القضائية في إيران عام 2019م، في حين أن كلًّا من رئيسي وأفايي وسلفه مصطفى بور محمدي، الذي شغل منصب وزير العدل الإيراني من 2013 حتى 2017م، كانوا جميعًا أعضاءً في «لجان الموت»، التي أمرت عام 1988م بقتل آلاف السجناء خارج نطاق القضاء وكان من بينهم أكراد إيرانيون.
إن تعيين رئيسي قضى على أي أمل بنجاة السجناء السياسيين، لا سيما هؤلاء المنتمون إلى الأقليات العرقية أو الدينية؛ إذ قال سيد هادي غائمي، المدير التنفيذي لمركز حقوق الإنسان في إيران: «إن اختيار رئيسي رئيسًا للسلطة القضائية يبعث رسالة واضحة: أن سيادة القانون لا معنى لها في إيران، بل سيكافأ كل من شارك في القتل الجماعي». ويشير التقرير إلى أن تعيين رئيسي جاء بعد تصويت الأقليات، ولا سيما الأكراد، لمنافسه حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية عام 2017م.
الاستيعاب والقتل الناعم للغة الكردية
على عكس ما فعلته تركيا والعراق وسوريا، وهي الدول التي حظرت استخدام اللغة الكردية لعقود عديدة، بل ارتكبت جريمة قتل لغوية مروعة بحق الأكراد ولغتهم، كانت إيران تنفذ سياسة الاستيعاب والقتل الناعم ضد اللغة الكردية.
لقد أصبحت اللغة الكردية في إيران، منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979م، في حالة يصفها اللغوي جعفر شيهو الإسلامي بأنه «تسامحٌ مقيد وتحت السيطرة»، ومع أننا شهدنا للمرة الأولى إنشاء قسم اللغة والأدب الكردي في جامعة كردستان في إيران عام 2014م، فقد أعرب العديد من الباحثين في هذا المجال مثل: جيم كومينز، وتوف سكوتناب كانجاس، وشيهو الإسلامي عن قلقهم على اللغة الكردية في إيران لأنها معرضة لخطر الاندثار طالما أنها ليست وسيلة تعليم، خصوصًا في السنوات الأولى من التعليم الأساسي.
يواصل الكاتب: في 29 مايو 2019م وبعد أسبوع واحد من اعتقال زارا، أعلنت رضوان حكيم زاده، نائبة وزير التعليم الإيراني، إضافة اختبار «الكفاءة في اللغة الفارسية» شرطًا لقبول الأطفال في الحضانات في جميع أنحاء إيران. ووفقًا لهذه السياسة التمييزية، إذا فشل الأطفال غير الفارسيين في اختبار الكفاءة في اللغة الفارسية في عمر الخامسة سيُعاملون على أنهم معاقون أو من ذوي الاحتياجات الخاصة، مثل ضعف البصر، أو ضعف السمع، أو بطء التعلم، أو صعوبة التعلم. ويخلص التقرير إلى أن هذه السياسات الحكومية الممنهجة التي تهدف إلى وصم أطفال إيران غير الفارسيين، تذكرنا بممارسات الدول الاستعمارية لمحو الهوية الوطنية للبلاد المستعمرة، والجيوب العرقية، والسكان الذين استعمروهم.
وفي ظل سياسة التمييز الحكومية الممنهجة هذه، يعتمد تعليم اللغة الكردية على الجهود الفردية من المتطوعين مثل زارا. وفي وقت مبكر من هذا العام، تمكن المعلم المتقاعد جمال حبيب الله فرج بدار، في غضون أشهر بترجمة القرآن إلى لغته الأم الكردية – اللهجة الهورامية؛ أملًا في إنقاذ لهجته، التي صنفتها اليونسكو ضمن اللغات المهددة حتمًا بالاندثار. ففي الوقت الحاضر، لا تتمتع اللغة الكردية أو غيرها من اللغات غير الفارسية في إيران بأي حضور رسمي، ولا تلقى أي دعم أو تعزيز من الدولة الإيرانية.
الدعم للغة الأقليات يظل رمزيًّا حتى تندثر لغتهم
ويدرك علماء اللغة الكردية في كردستان الشرقية/ الإيرانية زيادة الالتزامات المتنوعة على المستوى الخطابي، ومدى تراجع الالتزامات في مجال التطبيق العملي، بل حتى ردود الفعل العقابية؛ إذ يحذر جيم كومينز أحد أبرز مؤيدي التعليم متعدد اللغات، من التطور السطحي لهذا قائلًا: «ربما تقدم الجماعة المهيمنة بعض الدعم الرمزي لتعليم لغات الأقلية، لكنهم يدركون أن هذا الدعم سيظل رمزيًّا ولن يصبح مؤثرًا أو فعالًا».
ويضيف كومينز قائلًا: «إذا وضعت ضفدعًا في ماء ساخن، فسوف يقفز على الفور، ومع ذلك فإنك إذا وضعته في ماء بارد وقمت بتسخينه، فسوف يحتمل الزيادة التدريجية في حرارة الماء، ثم يموت عند الغليان، أعني إذا كان الاستيعاب اللغوي يجري ببطء فلن يدرك الناس أنه يحدث». ويعلق الكاتب على ما قاله كومينز في ختام تقريره المنشور في موقع «أوبن ديموكراسي» بالقول: «هذه هي السياسة التي يتبناها النظام الإيراني منذ عقود طويلة، وليس الحكم على زارا بالسجن سوى علامة واضحة على أن الماء في مرحلة الغليان بالفعل».