نوسوسيال

بقلم أمين المير ميرزا : التعصّب..ونتائجه الخطيرة على المجتمع

304

 

 

يعرف علم الاجتماع التعصب بأنه رأي أو موقف سلبي أو غير ودي متخذ مسبقاً من قبل فرد أو جماعة أو فئة من الناس أو إتجاه الافراد المعتقد أنهم ينتمون إليها.

ونستعمل أيضا لفظة تعصب للإشارة إلى رأي أو موقف عاطفي متحجر ولفظة تعصب في قاموس اللغة تعني عدم الإعتراف أو عدم القبول بالحق رغم ظهور الدليل عليه بسبب التحيز أو الميل المسبق إلى طرف أو جانب اخر.

مظاهر التعصب

لكي نشخص حالة التعصب بدقة ونفهم أسبابها لابد من تعيين المظاهر الرئيسية التي تتميز بها , حيث يؤدي الرأي أو الموقف السلبي أو المتحجر غالبا إلى :

  • التمييز : أي معاملة بعض الناس معاملة مختلفة عن البعض الآخر دون سبب وجيه أو معقول, وغالبا ما يكون ذلك بسبب تصنيفهم على أساس عرقي أو اجتماعي أو ديني خاص.
  • التحيز : أي التحريف المقصود للرأي أو الموقف وتحوير البينات كي تدعم الرأي أو الموقف المتخذ مسبقاً نحو أمر أو فئة معينة .
  • اللامنطقية : أي التفكير والاستنتاج بطرق غير متماسكة أو بطرق متناقضة.
  • اللاموضوعية : أي السلوك المبني على الرغبات لا على الوقائع والذي يؤدي إلى نتائج سلبية .
  • التحجر : أي عدم القدرة على التكيف الفكري والاجتماعي .
  • الانعزال : أي الانطواء أو الانكفاء والتقوقع الذي ينتج عن رفض التغير أو الآخر ورفض التجارب والتكيف أي التفاعل معه .

أسباب التعصب

للتعصب أسباب عدة متداخلة نشير هنا إلى الرئيسية منها :

  • للتعصب جذور نفسية :

تمكن نظرية دينامية الشخصية في نظريات علم النفس من فهم إحتياج بعض الناس للإعراب عن التعصب بغية التعويض عن النقائض التي يعانونها تجاه الاخرين , إنهم بذلك يكشفون عن نزعة بلغت عندهم حدها الاقصى وهي الميل إلى التخفيف من حدة خيبتهم بالإعراب عنها , والتفريج عن طاقاتهم المكبوتة وتبرير فشلهم , وإبراز الأسباب النفسية للتعصب /الخوف/ أن تحقق المرء من عجزه كفرد تنبع من شعوره بأنه معرض لأن يصبح وحيداً ومستضعفاً فتنشأ عنده عقدة الخوف على وجوده ومستقبله , ولذلك نجده رغم نزعته الفردية أي ميله إلى الاستقلال يقبل بالخضوع التام لسلطة المؤسسات الاجتماعية التقليدية كالعائلة والعشيرة والطائفة ويدافع عنها وعن مقاييسها الاجتماعية ويتعصب لها ضد من يرى فيهم خطراً عليهم وكل ذلك لأنها تشكل بالنسبة له ملاذاً ونطاق آمن وضمان وحماية .

إن هذه المؤسسات والتراكيب الاجتماعية التي نشأت في الأصل بعامل التطور الاجتماعي الطبيعي وبدافع الحاجة لضبط العلاقات الاجتماعية وتنظيمها لغرض تحقيق مصالح الجماعة العامة , أصبحت في مرحلة التفكك الاجتماعي تنقسم وتتعدد مصالحها و تتضارب أغراضها وتصبح بنظر المنتمين اليها كياناً حيوياً مستقلاً قائماً بنفسه فتنغلق على نفسها وتنعزل عن الاخرين بسبب الخوف ومشاعر الغبن والظلم والتحامل والكراهية والاحتقار التي تثيرها وتشيعها الحوادث والظروف والصراعات السياسية والمذهبية والاقتصادية الفئوية والخصوصية التي تتعرض لها خلال فترات زمنية استثنائية.

 

  • للتعصب جذور تربوية ثقافية :

يتعلم الفرد أشكال التعصب ويتشربون روحيته على أيدي والديهم ومعلميهم ومربيهم وأصدقائهم لأنهم يعتبرون أحكام هؤلاء صحيحة بشكل بديهي وفي حال إهمال أو غياب السلطة الاجتماعية الواعية يصبح من السهل تسخير حتى العلوم والتربية لخدمة الاغراض السياسية الفئوية الضيقة و الرخيصة والمذهبية  المتحجرة وتصبح المؤسسات التعليمية والتربوية وسيلة لترسيخ المفاهيم المتنافرة والمتحجرة في عقول الاحداث وبؤراً لزرع روح التعصب وتنميتها , وبذلك فهي تساهم في نشوء حالات التمييز والتحيز ناهيك عن التحجر لأنها تعتبر مقاييسها صالحة لكل زمان ومكان و لا يجوز تطويرها او تغييرها مهما اقتضت الحاجة الاجتماعية إلى ذلك .

إن هذه المؤسسات تصب اهتمامها على جعل أفرادها يتعامون عن رؤية أي شيء خارج منظورها ولابد لهؤلاء الأفراد أن ينفعلوا بمشاعر الخوف وانعكاساتها التي تسود أجواءها .

وعندما نتحدث عن التعصب الثقافي ينبغي ان نفرق وبدقة بين مشاعر الفخر والاعتزاز بالمآثر الثقافية والمنجزات الاجتماعية الحضارية وبين المشاعر القائمة على الزعم بوجود خصائص فطرية وراثية ثابتة تميز بين الفئات في المجتمع الواحد وتميل إلى الانقاص من شأن الآخرين ومؤهلاتهم العقلية والاخلاقية .

  • للتعصب جذور اجتماعية :

يتعلم الأفراد من خلال تحولهم إلى أعضاء في المجتمع مقاييس المجتمع وكذلك تقبل القواعد الاجتماعية تقبلاً تاماً فتصبح هذه القواعد مقاييس توحدهم وتجمع بينهم في ميدان السلوك الصحيح واللائق , وتنضبط حينئذ أفعالهم من خلال حسهم الخلقي الذاتي فإذا سمحت السلطة المجتمعية ببقاء مقاييس وقواعد اجتماعية خاصة بكل فئة لم يعد بالإمكان للمجتمع التام أن يغرس قيمه الشاملة وحكم افراده مركزيا فتترسخ بذلك حالة الفئوية والتميز والتعصب والانعزال .

  • للتعصب جذور اقتصادية :

في ظل نظام اقتصادي فاسد يسمح بإبقاء جزء صغيراً من كبير من طاقة الامة في حالة شلل أو هدر سواء بفعل الاهمال أو الاحتكار أو الاستغلال ويسمح لفئة أو لأفراد بأن يسلبوا المجتمع انتاجه ويحولوا ثروته لحسابهم أو أن يجيروه لحساب جماعات ومؤسسات أجنبية لقاء دعمها لمراكزهم ومكانتهم ومصالحهم الفئوية الضيقة .

في هذه الحال لابد أن تنشأ تكتلات من المغبونين المسحوقين لانتزاع ما تعتبره حقها .

وهكذا تنشأ الطبقات المتنازعة والصراع والتعصب الطبقي المفتت لوحدة المجتمع .

نستخلص مما سبق أن مظاهر التعصب البارزة كالتمييز والتحيز والتحجر واللامنطقية واللاموضوعية والانعزال ذات جذور نفسية – ثقافية –تربوية –اجتماعية –اقتصادية …

ومن هنا فإن المجتمعات المتطورة تعمل وبدأب على إقتلاع هذه الجذور من خلال العملية النهضوية الشاملة التي تؤمن بميزة العقل الفاعل وبإعتباره الشرع الأعلى وترفض أشكال التحجر العقلي وتعمل للقضاء عليه , كما تؤمن بأن الأمة مجتمع واحد وترفض المفاهيم المجزئة للوحدة الاجتماعية التي لا يمكن أن تكون أساسا سليما لحياة المجتمع وتعمل لبناء عقلية أخلاقية جديدة ترتقي بالتفاعل الاجتماعي وتدعو الأفراد للتعاون ومحبة المجتمع وما يمثله من قيم الحق والخير والجمال وبذلك فقط يمكن القضاء على التعصب ونتائجه الخطيرة على المجتمع ،وبالتالي بناء الانسان الجديد وإقامة المجتمع الحضاري الجديد.