نوسوسيال

الا هداف الأردو غانية والميثاق الملي : الموصل لنا. . .

451

بعد الرفض العراقيّ لمشاركة تركيا في عملية تحرير الموصل، صرح أردوغان: الموصل كانت لنا!
وفي الحادي عشر من كانون الثاني (يناير) 2018م، وبالتزامن مع التحضير لانطلاق عملية “غصن الزيتون” العسكريّة التركيّة ضد الأكراد في شمال سوريا، صرّح أردوغان، خلال اجتماع في المجمع الرئاسيّ بأنقرة، بأنّ “شمال سوريا كانت ضمن حدود الميثاق الملّي، ولن نسمح بقيامة كيان إرهابيّ هناك”. وفي تصريح آخر له، في الرابع والعشرين من الشهر ذاته قال: “لا تنسَوا حساسيتنا تجاه حدود الميثاق الملّي. حدود الميثاق هي حيث يوجد الآن الإرهاب في شمال سوريا وشمال العراق”.
ما هو الميثاق الملّي؟
مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وتكبد الجيوش العثمانيّة الهزائم من قبل قوات الحلفاء على مختلف الجبهات، وتوقيع “هدنة مودروس” في الثلاثين من تشرين الأول (أكتوبر) 1918م. ومن ثم قيام القوّات اليونانيّة بغزو مناطق غرب الأناضول في أيار (مايو) 1919م. أعلن القائد العسكري التركيّ، مصطفى كمال باشا (المعروف لاحقاً بـ أتاتورك) إطلاق حرب التحرير، في التاسع عشر من أيار (مايو) 1919م,
وفي كانون الثاني (يناير) 1920م، أمر مصطفى كمال بعقد البرلمان العثماني، المعروف باسم “مجلس المبعوثان”، فانعقد المجلس في الثامن والعشرين من الشهر نفسه، وكان ذلك آخر اجتماع له، وانتهى الاجتماع بالإعلان عن “الميثاق الملّي”، والذي كان بمثابة وثيقة ترسم الحدود الجديدة لتركيا، وبحيث تخوض حرب الاستقلال في سبيل إقرارها وفرضها.
وجاء في بنود الميثاق الملّي: “المناطق التي تسكنها غالبية تركية مسلمة فهي تعتبر وطناً للأمة التركيّة”. وليعترف الميثاق بذلك بخسارة تركيا للولايات العربيّة في الهلال الخصيب، ولكن باستثناء المناطق الشمالية منها، التي لم تكن ذات غالبيّة عربيّة، وخصوصاً حيث يوجد الأكراد والسريان والتركمان، والذين كانوا يعتبرون، وفق التأويل القومي التركيّ في حينه، من الأتراك! ففُهم منه بالتالي أنه يستثني مناطق شمال سوريا وشمال العراق. هذا إضافة إلى مطالبته بضم مناطق تراقيا الغربيّة، وجزر بحر إيجة، وجزيرة قبرص، إلى الدولة التركية الجديدة، باعتبار أن أغلبية سكانها من الناطقين بالتركيّة.
السقوط والتجاوز
بادر الحلفاء إلى رفض الميثاق الملّي بالمطلق، معتبرين إياه بمثابة إنكار للهزيمة التي تعرضت لها الدولة العثمانيّة في الحرب. وفي صيف العام 1920م، بدأت القوات اليونانيّة بشنّ عمليات هجومية موسعة محاولةً التقدم باتجاه عمق الأناضول. وبالتزامن مع ذلك، وفي العاشر من آب (أغسطس) 1920م، فرض الحلفاء على الحكومة العثمانية توقيع “معاهدة سيفر” القاسية، والتي حصرت حدود الدولة التركيّة المقترحة في مساحة تقلّ عن نصف مساحة الأناضول.
رفض مصطفى كمال الاعتراف بالمعاهدة، وأعلن عدم اعترافه بالحكومة العثمانيّة التي وقعتها، متهماً إياها بخيانة “الميثاق الملّي”. وشكّل حكومة جديدة في أنقرة، وأعقب ذلك البدء بالتقدم على الجبهة الغربية وخوض مواجهة مفتوحة مع القوّات اليونانيّة، لتنتهي الحرب التركيّة-اليونانيّة في تشرين الأول (أكتوبر) 1922م بانتصار الجيش التركي. وبعد الانتصار، نالت حكومة أنقرة اعترافاً دولياً، ودُعيت إلى مفاوضات السلام في مدينة لوزان السويسرية في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 1922م.
في الجولة الأولى من المفاوضات، طالب عصمت إينونو، رئيس هيئة الأركان العامة للجيش التركيّ في حينه، بالموافقة على بنود “الميثاق الملّي”، وهو ما قوبل بالرفض التامّ من قبل المفاوضين الممثلين للحلفاء (فرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، واليونان). لتبدأ بعدها الجولة الثانية من مفاوضات في نيسان (أبريل) 1923م، والتي انتهت بتوقيع “اتفاقية لوزان”، في الرابع والعشرين من تموز (يوليو) 1923م. والتي تم بموجبها منح كامل الأناضول للدولة التركيّة الجديدة، وذلك مقابل الاعتراف التركيّ بحدود الدول المستقلة عن الإمبراطورية العثمانية، بما في ذلك الدولتان العربيتان، سوريا والعراق، وبحدودهما المعروفة اليوم. وبذلك لم تقرّ معاهدة لوزان بمطالبات الميثاق الملّي في الدولتين العربيتين.
محاولة الفرض اليوم.. و”الكوريدور التركيّ”
اليوم تتكرر التدخّلات والعمليّات العسكريّة التركيّة في شمال سوريا، من “درع الفرات” (2016م)، إلى “غصن الزيتون” (2018م)، إلى “نبع السلام” (2019م)، والتي تأتي تحت عنوان معلن هو “مكافحة الإرهاب”، إلا أن مضمونها وغايتها تتمثل في فرض “درع تركي” بدلاً من مشروع “الكوريدور الكرديّ” الذي برز في أعقاب سيطرة الأكراد على مساحات ممتدة على طول المنطقة من شمال سوريا، خلال الفترة ما بين عام 2011م، و2016م، ورأت فيه تركيا تهديداً مستقبليّا وجوديّاً لها.
وسرعان ما تتبع التوغّلات العسكريّة التركيّة عمليات تغيير ديموغرافي، من خلال إحلال جماعات تركمانيّة وعربية موالية لتركيا بدلاً من الأكراد والسريان. وجاء من ضمن ذلك ما جاء به اقتراح أردوغان لتوطين مليونيْ لاجئ سوري في مناطق شرقيّ الفرات، مع اقتراحات بإعطاء العديد منهم الجنسيّة التركيّة، وذلك بالتزامن مع انطلاق العمليّة العسكريّة التي أطلق عليها الأتراك اسم “نبع السلام”، والتي جاءت بهدف معلن هو إقامة “منطقة آمنة” في شمال سوريا، في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2019م.
جاء في بنود الميثاق الملّي: المناطق التي تسكنها غالبية تركية مسلمة فهي تعتبر وطناً للأمة التركيّة
ويُضاف إلى التغيير الديمغرافي عمليات ممنهجة لربط المناطق المحتلّة بتركيا، ومن النواحي الإدارية، والخدمية، والثقافية، والتعليميّة، إضافة إلى إنشاء ميليشيات سوريّة فيها تابعة لتركيا، وكلّ ذلك في سبيل إقامة “كوريدور تركي”، يجسّد مساعي إنشاء إقليم تابع لتركيا، ممتد من إدلب غرباً وحتى الحدود العراقيّة شرقاً. ولتكون المحصلة النهائيّة هي مدّ النفوذ التركي فيما وراء الحدود السوريّة، وضمن حدود “الميثاق الملّي”، وذلك بعد مضيّ نحو مائة عام من تبديده في “لوزان”.
رفض الحلفاء الميثاق الملّي واعتبروه بمثابة إنكار للهزيمة التي تعرضت لها الدولة العثمانيّة
كما وقد تُطرح هذه الطموحات التركيّة أيضاً على العراق مستقبلاً، وخاصّة في ظل استمرار التمسّك التركيّ بإبقاء قوات تركيّة داخل العراق.
وهكذا، فإنّ المحاولات التركية لنقض “لوزان” وتجاوز الحدود التي قررتها لم تتوقف يوماً. وهو ما تجسّد على الأرض منذ عام 1939م، حين قامت تركيا بإعلان ضم لواء “الإسكندرون” السوريّ لها. ووصولاً حتى العام 1974م، والغزو التركيّ لشمال قبرص. وأخيراً، واليوم، وبعد عام 2011م: في شمال سوريا!