نوسوسيال

الأردن – بقلم توجان فيصل: تجارة الموت

389

 

فوز الديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية الرئاسية، وأيضًا التشريعية الأخيرة، أنتج كمًّا جيدًا من الأمل في إصلاح ما دمرته إدارة ترامب محليًا/‏ أمريكيًا، وعالميًا. ولحينه كانت العودة الأمريكية المأمولة عن سياسات يستحق بعضها وصفها بالجنون، باعثة على أمل بعهد دولي جديد. ولكن يبدو أن نفض الماضي لم يكن سهلًا، وخصوصًا في شأن قضية كان تورط أمريكا فيها قد تجذر وتشعب، كالقضية الفلسطينية. وهو ما استغلته الصهيونية بنهج دائم لا يغيره إسقاط رئيس وزراء الكيان لفساده الشخصي وليس للجرائم ضد الإنسانية التي يمارسها ساسة إسرائيل روتينيًا بدعم من حلفاء الكيان ورعاته الغربيين، بخاصة الولايات المتحدة التي أورثت تلك الرعاية بعد زوال النفوذ الإمبراطوري البريطاني. لهذا يصبح لزامًا علينا نحن المتضررين أن نضيء الجوانب المُغفلة بربط أجزاء الصورة.

بدايةً نتوقف عند ما يُسمى بمعونات تقدم للكيان الإسرائيلي، كما لمحيطه مما يفترض أنه ساحة النفوذ الأمريكي القائم على الدعم المالي أو العسكري بالتسليح. وهنا نجد الفارق الكبير بين متلقي الدعم، بما يعزز تفوق وهيمنة الكيان على جواره. فالمعونات الأمريكية، والعسكرية منها تحديدًا هي الأعلى لإسرائيل، إذ تبلغ 38 بليون دولار سنويًا ولعشر سنوات، حاليًا انقضت منها ثلاث لحينه. ولكن اللافت هنا الفارق بين المعونات العسكرية الأمريكية لدول عربية كالأردن، الذي يأتي كمعون

«عينية» بالسلاح، ومثله أيضًا مبيعات الأسلحة لدول عربية تدفع ثمن تسليحها، إذ تأتي كلها بسوية تحددها أمريكا ولا تقبل حتى ببيع الأعلى منها ولو دفع ثمنه بسخاء.. وذلك لضمان تفوق إسرائيل عليها بشكل رئيس. فيما تتلقى إسرائيل البلايين كمعونة (من جيوب دافعي الضرائب الأمريكان حقيقة) بشرط واحد هو أن تشتري بها أسلحة تختارها هي! ولهذا نجد إسرائيل الآن تطلب شحنة قنابل دقيقة التوجيه بمبلغ 750 مليون دولار، والرئيس الأمريكي بايدن وافق على تسليمها.. وهذا يأتي قبل أن تجف دماء ضحايا فلسطينيين في غزة في الهجمة الأخيرة على منطقة سكنية بلغ تعداد ضحاياها 232 قتيلًا منهم 67 طفلًا و39 سيدة.. أي أنهم ضحايا مدنيون، استهدفوا بذات «القنابل المسيرة بدقة» التي طلبت إسرائيل بعدها فورًا «شراء» مخزون منها بما يقارب الربع بليون دولار !! أي أن بيع السلاح هو تجارة في أمريكا تفتح لها أسواقًا. والفتح جارٍ وكأي صناعة وتجارة أخرى، بالرغم من وجدود قانون أمريكي يمنع بيع السلاح لأية جهة أجنبية تخرق به حقوق الإنسان. وهذا القانون أسمي «قانون ليفي» نسبة للسناتور باتريك ليفي الذي اقترحه وتبناه لحين جرى قبوله.. وها هو يجري تجميده في لعبة سياسية عليا.كون إسرائيل تشتري السلاح يعني أنه سلعة تجارية تنقل المعونة العسكرية لجيوب ساسة تتجلى علاقتهم بصناعة وتجارة السلاح إذ تظهر أسماؤهم كمستشارين لدى شركات السلاح بعد تقاعدهم، أبرزهم آل بوش. ولكن الأخطر هو شن حروب لفتح أسواق للسلاح وتستولي فيها أيضًا على ثروات دول أخرى كما جرى للعراق، دون النظر للكلفة البشرية التي ترقى لإبادة موثقة عاليًا، توثيقًا حديثًا صحيحًا وليست تاريخًا ضاعت وثائقه أو أتلفت بحيث يمكن إعادة كتابته وتحريفه بما يناسب تجار السياسة والحروب. وهذا هو الأخطر عالميًا ويتوجب التصدي له ليس فقط في البلاد المستباحة، بل وأيضًا في أمريكا ذاتها التي دفعت أرواح أبنائها في سلاسل من حروب تسويق السلاح.