نوسوسيال

بقلم بابكر عيسى أحمد : الطريق إلى الديمقراطية في السودان

379

 

 

 القاموس السياسي يعرّف الديمقراطية بأنها في الأصل كلمة يونانية تتكوّن من مقطعين، الأول بمعنى شعب، والثاني بمعنى حكم، ويقصد بالديمقراطية النظام السياسي الذي يكون فيه للشعب نصيب في حكم إقليم الدولة بطريقة مُباشرة أو شبه مُباشرة.

فالديمقراطية المُباشرة هي النظام الذي بمقتضاه يحكم الشعب نفسه بنفسه، وهو نظام يستحيل تطبيقه إلا في المُجتمعات الصغيرة المُقفلة كالمدن الإغريقية، لهذا ليس له مكان في الدول الفسيحة الإقليم الكثيفة السكان، أما الديمقراطية شبه المُباشرة فهي نظام الحكم الذي يشترك فيه الشعب عن طريق مُمثلين أو عن طريق الاستفتاء أو الاقتراع أو الاعتراض الشعبي، ويعرف عادة باسم الديمقراطية النيابيّة.

والأساس في الحكم الديمقراطي أن كل فرد بالغ شريف له من الحقوق ما لأي فرد آخر من حق الاشتراك في شؤون الدولة العامّة، ومع ذلك فإن أزمة الحكم الفعليّة تكون محصورة في يد طبقة محدودة هي الحكومة، وذلك لاستحالة اشتراك عدد كبير من الأفراد في إدارة شؤون البلاد، والوزارة في الحكومة الديمقراطية مسؤولة أمام ممثلي الشعب، ولهم حق إقصائها عن مناصب الحكم إذا لم تحز ثقتهم، والحكومة الديمقراطية تكون ملكية دستورية أو جمهورية موحّدة أو فيدرالية، وفي جميع هذه الصور يقوم النظام على أساس أن الأمة هي مصدر السلطات.

الديمقراطية النيابيّة هي النظام السياسي الذي يقوم على أساس برلمان أو مجلس نيابي مُنتخب يتولى الحكم بالنيابة عن الشعب الذي يختار أعضاءه، ومن ثم هي صورة من صور الديمقراطية شبه المُباشرة، كما يطلق على الديمقراطية النيابية اسم الديمقراطية الغربية، لأنها نظام الحكم السائد في الدول الغربية مثل فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة تمييزًا لها عن الديمقراطية الشعبيّة، وهي نظام الحكم في الدول الشيوعية.

مما تتميّز به الديمقراطية النيابية التفريق بين ثلاث وظائف رئيسية للدولة الديمقراطية، وهي الوظيفة التشريعية ويقصد بها وضع القوانين، والوظيفة التنفيذية، ويقصد بها ضمان سير العمل في الدولة على أساس هذه القوانين، والوظيفة القضائيّة ويقصد بها الفصل في المنازعات على أساس القوانين الصادرة عن الهيئة التشريعيّة (المجلس النيابي) واللوائح الصادرة عن الهيئة التنفيذيّة (الحكومة) وهو المبدأ الذي يُعرف باسم فصل السلطات، كما تتميّز الديمقراطية الغربية بقيام الأحزاب السياسية وتصارعها في سبيل الانفراد بالحكم. انتهى الاقتباس من القاموس السياسي.

إذا نقبنا في طريق الديمقراطية فسنكتشف أننا ومنذ استقلال السودان عن الحكم البريطاني المصري في الأول من يناير عام 1956 لم ننعم بالديمقراطية سوى نحو 12 عامًا كانت شائهة وهشة وقصيرة لنعيش نحو 54 عامًا في الديكتاتوريات العسكرية، ابتداءً بالجنرال عبود مرورًا بجعفر النميري انتهاءً بعمر البشير، الذي استمرّ حكم الجبهة الإسلامية التي كانت تدعمه نحو 30 عامًا كانت الأردأ في الأنظمة العسكريّة الثلاثة.

وطيلة هذه السنوات لم ينعم السودان بنظام ديمقراطي مُستدام كان يمكن أن يسهم بالنهوض بوطن بحجم السودان بإمكاناته المهولة، وظلّ الصراع مستدامًا بين الأحزاب السياسية التقليدية والعقائدية التي استخدمت الجيش وأشعلت الحروب في كل أطراف السودان الممتدة جنوبًا وغربًا وعطلت التنمية وأفقرت البلاد وأقعدت التقدّم الذي ظل ينشده أهل السودان، ولم تكن كافة القيادات الوطنيّة في قامة وطن بحجم السودان، وكلما خرجنا من النفق عبر ثورتين رائعتين في أكتوبر 1964 وأبريل 1985 أعادونا إلى ذات الغيهب لنتجرّع من ذات الكأس، ونصلي ألا تصل ثورة ديسمبر المجيدة إلى ذات المصير، حيث يتشظى الواقع السياسي وتتكاثر الأسلحة في أيدي الجميع ويحتدم الصراع بين الجيش والدعم السريع والحركات المُسلحة.

الوضع القائم الآن في السودان كما وصفه دولة رئيس مجلس الوزراء د.عبدالله حمدوك يتسم بالقلق والهشاشة ويهدّد بالانهيار والانفلات الأمني ليطرح سؤالًا بحجم الأفق هل يكون السودان أو لا يكون، وتلك كارثة حقيقيّة ومقدمة لها تبعاتها في ظل أجواء مُلبّدة بغيوم الشك والكراهية والريبة، حتى بات الجميع يتآمر على الجميع وأصبحت الفوضى في كل مستويات الحكم حدثًا مشاعًا ومسموعًا ومشاهدًا.

أعدت الاستماع إلى مبادرة دولة رئيس الوزراء أكثر من مرة وفي كل مرة أكتشف حقائق مُخيفة، وأن الطريق لبناء الدولة المدنية الديمقراطية يستوجب تسوية سياسية شاملة تشمل توحيد الجبهة المدنية والمؤسسة العسكرية وإيجاد رؤية مُشتركة بينهما للتوجّه صوب إنجاح المرحلة الانتقالية وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تنهض على قاعدة المواطنة المتساوية.

وأشار د. حمدوك إلى أسس التسوية السياسية الشاملة التي لخصها في توحيد الكتلة الانتقالية والشروع مباشرة وعبر جدول زمني مُتفق عليه في عملية الوصول لجيش واحد مهني وقومي بعقيدة عسكرية جديدة عبر عملية للإصلاح الشامل وبما يعبّر عن تنوّع السودان الفريد، وتوحيد مراكز القرار داخل الدولة وعملها وفق رؤية مُشتركة والاتفاق على آلية موحّدة للسياسة الخارجية وإنهاء التضارب الذي شهدته الفترة الماضية، والالتزام بتنفيذ اتفاقية السلام واستكمالها كقضية رئيسية من قضايا الانتقال وتقوية توجّه الحكومة والدولة الذي يقوم على الإنتاج المحلي وحماية الفقراء والمُستضعفين والتعاون مع المؤسسات الدوليّة.

ولعلّ أهم ما أشار إليه د. حمدوك هو الالتزام بتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن وبناء دولة مؤسسات وطنية ومُستقلة، وكأساس لأي تسوية سياسية تبعد شبح الأزمة الحالية تقدم بمقترحات تفتح الطريق نحو الانتقال الديمقراطي والمتمثلة في إصلاح القطاع الأمني والعسكري ومعالجة قضايا العدالة باعتبارها أحد أركان ثورة ديسمبر وشعاراتها وعدم الإفلات من العقاب.

إن مبادرة د. حمدوك بعنوان «الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال -الطريق إلى الأمام-» تحتاج إلى أكثر من قراءة لعلّها تُشكل طوقَ النجاة الأخير الذي يُنقذ السودان الوطن الكبير والغالي من الحريق، وليوفقنا الله جميعًا.