نوسوسيال

بقلم الدكتور نسيم الخوري : الجمهورية تحت نقطة الصفر

484

قصة الفراغ في لبنان كارثية شوّهت الديمقراطية والحياة. دستور الطائف جاء على أنقاض 15 سنة من الحروب وأوراق العمل والمشاريع العربيّة والدوليّة وكأنّه في غياهب النسيان ولم تتوافر له ظروف الحياة. أمّا بقايا اللبنانيين ففي مصعد مظلم ومعطّل بين قصور منفصلة لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة المكلّف ورئاسة البرلمان. انهارت الدولة المتعدّدة الرؤوس لتستعيد المجتمعات المذهبيّة جنونها القديم فانحدرت الجمهورية نحو الدرجة الصفر.

أستعيد مؤتمر القمّة العربي غير العادي في الدار البيضاء (23 إلى 26-5-1989)، مشغولاً بالكوارث اللبنانيّة التي فرضت تشكيل اللجنة الثلاثيّة العليا من الملكين فهد بن عبد العزيز والحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد؛ إذ خوّلها المؤتمر الصلاحيات لتحقيق أهداف المؤتمر بوقف الحرب ولعب مندوبها الأخضر الإبراهيمي دوراً كبيراً آنذاك.

ماذا حصل في ال1989؟

1- تعطّلت جلسة انتخاب رئيس الجمهورية (18 أغسطس 1989) بالقصف بعدما رفض ميشال عون وسمير جعجع يومذاك انتخاب النائب بيار حلو. حان موعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميّل (23 سبتمبر 1989) فشكّل حكومة عسكرية برئاسة العماد ميشال عون قائد الجيش. انقسمت بيروت بخطوط التماس، وأقصي البرلمان عن أداء دوره وتشظّت مؤسسات الدولة كلها وخصوصاً تلفزيون لبنان والأمن الداخلي والأمن العام. وتمّ إعلان الحروب على أمريكا وسوريا والعرب والفاتيكان وبكركي، وبدت البلاد أمام خيارات صعبة وكارثيّة كان أقساها الحروب التي دارت بين الجيش اللبناني والقوات اللبنانية ولم تيبس ذكراها.

2- استمرّ لبنان إلى مائدة النار هذه حتى 30-8-1989 حيث رفعت اللجنة الثلاثية العليا تقريرها إلى القادة العرب مرفقة «بوثيقة الوفاق الوطني» التي شكّلت مادة نقاش شكلي لبقايا البرلمان في الطائف من 30-9-1989 حتى 22-10-1989 تاريخ إقرار وثيقة تمّ تصديقها في القليعات في 5 نوفمبر 1989 وانتخب في الجلسة رينيه معوض رئيساً للجمهورية وكلّف الدكتور سليم الحص برئاسة الوزارة في 13-11-1989. اغتيل الرئيس معوض في 23-11-1989 بما دفع النواب إلى انتخاب النائب إلياس الهراوي رئيساً للجمهورية في 24-11-1989، ليحصل الهجوم الجوّي على قصر بعبدا مُنهياً مرحلة ميشال عون في 13 نوفمبر 1990 حكم بعدها الهراوي 9 سنوات لما سُمي بالجمهورية الثانية (وقد تظهّرت خلالها صورة حكم الرئيس رفيق الحريري العالمية) التي تسلّمها منه العماد إميل لحود عام 1998 ودبّ الشقاق بين البصمات العسكرية في بعبدا والبصمات الحريرية في قريطم. هكذا كانت مرحلة نهاية الحروب عام 1990-1991 بتوحد الجيش وحل معظم الأحزاب والميليشيات، وتسلّمت الدولة المرافئ والمرافق العامة والمؤسّسات، بما كان يرضي قسماً كبيراً من اللبنانيين مهلّلاً لتطبيق دستور ما عرف بالجمهورية الثانية، في الوقت الذي كان يُغضب فريقاً آخر منهم كانوا معارضين لكلّ هذه الملامح والأفكار والنصوص، إلى فريقٍ سُرّ بإعادة بناء سلطات الدولة من جديد وتعزيز حضورها.

كانت من أشدّ المراحل عنفاً في تاريخ لبنان، حيث سقطت كلّ الأسئلة قبل التمكن من الحصول على إجابات موضوعية نهائية عنها للتغيير بالقوّة. كانت سرعة الأحداث التي تواترت قادرة على طحن الأسئلة لتستبدلها دائماً بأسئلة جديدة طيّعة وخجولة، تماماً كما كانت الآلام والأفكار والأوهام تظهر قوية فتتلاشى لتعاود الظهور بما هو أشدّ قسوةً وأدهى ولكن الرضوخ كان سيّد الحال. أبسط ما يُقال في تلك المرحلة، أن لبنان رفع عن مائدة النار الأخيرة قبل التحاقه بالسلام العام الموعود لكنّه المستحيل. لو قلنا إنّ الدساتير تولد بالنقاش والحوار والتواصل ومقارعة الفكر بالفكر فهو ما لم يحصل، بل حصلت مقارعات الطائفة بالطائفة والمذهب بالمذهب، لينبثق دستور جديد بإرادة دوليّة وتوافق صامت أوروبي وإخراج عربي غني وذكي وقبول محسوب سلفاً لجيل من بقايا برلمانيين وافقوا على وثيقة الوفاق الوطني دستوراً مكرِّساً بديلاً عن صيغة 1943 التوافقية. التطبيق ظهر مستحيلاً لا بسبب الوصاية السورية كما يُشاع، بل بصراحة مطلقة لأنّ السلطات والصلاحيات بقيت مشدودة بأمراض مزمنة طائفية ومذهبيّة وانقسامات حادّة كما اليوم،

بين من يرى أنّ الرئيس ميشال عون لم ولن يخرج بعد من جراح 1989 كما أنّ سعد الحريري المكلّف لم ولن يخرج من ال2005 ليستعيد تاريخ والده الشهيد رفيق الحريري في إدارة الحكم بانتظار غو

Showing all 3 results

نسيم ضاهر، كاتب وباحث جامعي.
شارك في إعداد وثائق سياسية مرجعية.
يحمل دبلوم في علم النفس، إجازة في الحقوق، دكتوراه دولة في الاقتصاد.
صدر له:
“القطاع المصرفي لبنان” بالفرنسية (أطروحة).
عن الأحزاب والدولة في لبنان، دار النهار، 2008.
الايديولوجيا والاساطير في الفضاء العربي (قيد الاصدار).
الأخوة الأعداء: ظاهرة توسُّل العنف بين أبناء الأحزاب والحركات (قيد الإعداد).
له دراسات منشورة في الصحف والمجلات.