نوسوسيال

عهد المصالحات الأمريكية… هل يستطيع بايدن استعادة التوازن الأمريكي؟

471

حقبة "المصالحات".. كيف يحاول بايدن استعادة التوازن الأمريكى فى الداخل والخارج؟.. احتواء أنصار ترامب والتعددية العرقية ضرورة لتحقيق "وحدة" الأمريكيين.. واستعادة ثقة الحلفاء والخصوم السبيل للاحتفاظ بقيادة العالمبايدن

 /  تقرير: نوس سوسيال الدولية /

“الوحدة”.. كلمة تكررت عدة مرات في خطاب التنصيب الذى ألقاه الرئيس الأمريكى الجديد جو بايدن، فى يوم تنصيبه، أمام الحضور، في الاحتفال الاستثنائى، الذى شهد أعدادا محدودة من الحضور، بينما غاب عنه “مشهد الوداع” للرئيس السابق، لأول مرة في التاريخ الأمريكي، في ظل موقف دونالد ترامب الرافض لنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي طالما شكك في نتائجها ونزاهتها، منذ الإعلان عنها في نوفمبر الماضى، لتصبح الدعوة التي أطلقها بايدن، ترجمة حقيقية لواقع الانقسام في الداخل الأمريكى، ليس فقط في نطاقه الواسع على مستوى الشارع الأمريكي، في ظل احتجاجات وعنف وصل إلى ذروته في اقتحام الكونجرس لحظة التصديق على فوز بايدن، في 6 يناير الجارى، وإنما أيضا في تجلى بوضوح في حفل التنصيب غير المسبوق، والذى انتقص كثيرا من “بريق” الديمقراطية التي طالما تباهت بها واشنطن لعقود طويلة من الزمن.

ولذا فإن تكرار الدعوة إلى “الوحدة” يجد ما يبرره في الداخل، سواء في الشارع أو حتى في ساحة الكونجرس، التي تعد أبرز الشهود على الانقسام غير المسبوق، لتصبح عنوانا مهما للحقبة الجديدة، وأولوية قصوى لدى سيد البيت الأبيض الجديد، إلا أنه هذا الهدف ربما لن يتحقق دون تحقيق “مصالحة” حقيقية، وشاملة، يمكن من خلالها استعادة “أناقة” المشهد الأمريكي في الداخل والخارج، لتمثل بداية بمثابة إعادة جديدة للشعار الذى سبق وأن رفعه الرئيس الأسبق باراك أوباما في بداية حقبته، بعد انقسام أخر على نطاق عالمى حول سياسات سلفه جورج بوش، والتي أثارت حفيظة العديد من الدول، وعلى رأسها دول العالم الإسلامي.

إلا أن مصالحات بايدن تبقى أوسع نطاقا إذا ما قورنت بـ”مصالحة” أوباما، في ضوء تعدد أبعاد الانقسام، ففي الداخل هناك نزعات عنصرية، لم يتأذى منها المسلمون وحدهم على غرار ما حدث في عهد بوش، الذى ربط مباشرة بين الإسلام والإرهاب، وإنما امتدت إلى مختلف الأعراق، وهو ما بدا بوضوح في مظاهرات الغضب في أعقاب مقتل جورج فلويد، بينما يبقى العالم منقسما حول الدور الأمريكي، سواء بين الحلفاء أو الخصوم، وتنامى الشكوك حول مدى التزام واشنطن بتعهداتها الدولية.

مصالحة سياسية.. احتواء غضب أنصار ترامب

ولعل أول ما يفكر فيه الرئيس بايدن، هو كيفية احتواء أنصار ترامب، خاصة من المواطنين “غير المسيسين”، والذين رأوا “طوق النجاة” في سياسات الرئيس السابق، خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد الأمريكي ومحاربة البطالة، بالإضافة إلى تقديم الحماية الأمنية لهم، عبر احتواء ظاهرة الهجرة، وبالتالي فكان دعمهم للإدارة السابقة بعيدا عن أي حسابات أو رؤى حزبية، مما يتطلب تحقيق قدر من التوازن في السياسات الأمريكية في المرحلة المقبلة، لإضفاء قدر من الاطمئنان لدى تلك الفئة.

حاجة بايدن للمصالحة ربما تدفعه إلى الاستعانة بوجوه من الجمهوريين، من أصحاب الشعبية الكبيرة، وهو ما يبدو في طرح بعض الأسماء على غرار سيندى، زوجة السيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين، والتي يراها قطاع كبير من الأمريكيين أنها سببا رئيسيا في فوز بايدن بولاية أريزونا، التي لم يفز بها الديمقراطيين منذ حقبة الرئيس الأسبق بيل كلينتون.

مصالحة عنصرية.. إدارة “متعددة الأعراق” تقدم حلا مؤقتا

أما تنامى النزعة العنصرية في الداخل الأمريكي، فهو أحد أبرز العقبات التي يواجهها بايدن، وربما كان مستعدا لها إلى حد كبير، منذ قبل انطلاق المعترك الرئاسي، حيث نجح في استغلال حالة الزخم التي أعقبت مقتل الأمريكي ذو الأصول الإفريقية جورج فلويد، ليطلق بعدها العنان لاختيارات “متعددة الأعراق” في كافة أقسام الإدارة، بدءً من منصب نائب الرئيس، والذى تشغله كامالا هاريس، مرورا بوزارة الدفاع، والتي يشغل لويد أوستن ذو الأصول الإفريقية، وحتى وزارة الأمن الداخلى، التي تشغلها ديب هالاند، والتي تمثل السكان الأصليين لأمريكا.

اختيارات الإدارة ربما كانت حلا جيدا، ساهم إلى حد كبير في فوز بايدن، مع تنامى الانتقادات لترامب، ولكن يبقى مؤقتا في ظل مخاوف كبيرة من استهداف الأقليات العرقية، وهو الأمر الذى يتطلب إجراءات قوية من قبل الإدارة لاحتواء أية أحداث من شأنها إثارة العنصرية من جديد في الداخل الأمريكي.

مصالحات دولية.. استعادة ثقة الخصوم والحلفاء

في حين، تبقى “المصالحة” شعارا مهما فيما يتعلق بسياسات بايدن الخارجية، في ظل حالة من الارتباك في المشهد الدولى، تجاه الولايات المتحدة، باعتبارها الحاكم الفعلى للنظام الدولى برمته، حيث تبقى حالة “انعدام الثقة” عاملا مشتركا بين حلفاء أمريكا وخصومها، في المرحلة الحالية.

فلو نظرنا إلى موقف الحلفاء، تبقى إجراءات ترامب التجارية والعسكرية، خاصة في أوروبا الغربية سببا رئيسيا في زعزعة ثقة العديد من دولها، في التزامات الشريك الأمريكي، بأبعاد العلاقة التاريخية، والتي لعبت الدور الأبرز في القيادة الأمريكية للعالم، بينما يعانى الخصوم من نفس المعضلة، خاصة بعد انسحاب الإدارة السابقة من الاتفاق النووي الإيراني، بل ورفضه لفكرة رفع العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية رغم التقارب الكبير غير المسبوق الذى شهدته حقبته.

وهنا تصبح الحاجة الملحة إلى مصالحة حقيقية مع الحلفاء والخصوم في آن واحد، عبر العودة إلى مرحلة “ما قبل ترامب”، سواء فيما يتعلق بتأكيد الالتزام بالدعم العسكرى المقدم لهم، أو بالمزايا التجارية التي سحبها منهم الرئيس السابق، إلا أنه يبقى محتاجا لـ”عودة متزنة”، حتى لا تثير الرأي العام الداخلى ضده في ظل حالة الانسجام بين الشارع وإجراءات ترامب، وهو الأمر الذى ينطبق في الوقت نفسه على التعاملات الأمريكية مع إيران والصين، والتي تبقى في حاجة هي الأخرى إلى قدر كبير من التوازن حتى يمكن تلافى الفجوات الكبيرة في العلاقات خلال السنوات الماضية.