/ تقرير: نوس سوسيال /
أدى الركود الاقتصادي والأزمة الصحية الى تقويض شعبية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في بلاده. أما على الصعيد الدولي، فهو يواجه تهديدات بفرض عقوبات أوروبية تضاف إلى العقوبات الأمريكية المعلنة سابقاً عدا عن الموقف الحازم الذي يبديه الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن تجاه حكومة إردوغان المحافظة.
في كانون الأول 2020، فرض الكونغرس الأمريكي عقوبات على تركيا رداً على إصرارها على شرائها نظام الصواريخ المضادة S-400 من روسيا وتجاهلها لتحذيرات الناتو. ويتحضر الاتحاد الأوروبي كذلك لاتخاذ خطوات صارمة مماثلة رداً على استمرار “الاستفزازات التركية” في شرق البحر المتوسط.
وترى “لوموند” أن سوء تصرف أنقرة أدى إلى تأجيج الغضب منها ودفع بشركائها في حلف الناتو في 3 كانون الأول 2020 إلى توحيد الرأي ضدها. في ذلك اليوم، شجب وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو سياسة تركيا القائمة على “الأمر الواقع” وحث أردوغان على “العودة إلى سلوك الحلفاء”. بعد ذلك، أخبر بومبيو الذي سيتنحى في نهاية ولاية دونالد ترامب، نظيره التركي مولود جاويش أوغلو أن تركيا كانت مخطئة بإرسال مرتزقة سوريين إلى ليبيا وكذلك ناغورني قرة باغ.
ويعتق محللون للأوضاع التركية أن “صبر الحلفاء آخذ في النفاذ” وأن كثيرين في واشنطن بين الجمهوريين والديمقراطيين يعتقدون أنه لم يعد من الممكن التعامل مع أردوغان. ويبدو، تضيف “لوموند”، أن “التحليل الذي يبدو أنه سائد الآن هو أن تركيا اتخذت منعطفاً استراتيجياً تماشياً مع التحولات الإقليمية والعالمية وتطرح نفسها باعتبارها قوة رجعية”.
ويحذر جيمس جيفري، المبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى سوريا، من أن “أردوغان لن يتراجع حتى تظهر له أنيابك” وأن الرئيس التركي يتحرك حين يرى فراغاً. من ناحية أخرى، يضيف جيفري، فإن إردوغان متعجرف للغاية ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته ولن يوافق ببساطة على حل يربح فيه الجميع. وتابع جيفري في لقاء مع “المونيتور” في 9 كانون الأول 2020 “عندما يُحاصر إردوغان يتحول إلى فاعل عقلاني”.
تمتع إردوغان على مدى السنوات الماضية بغض طرف أمريكي ناجم عن علاقات طيبة مع الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب نتج عنها غض طرف دولي. وحدها فرنسا كانت ترفع الصوت ضد ما تسميه بـ”الاستفزازات التركية” التي تطورت إلى إهانات مباشرة وجهها إردوغان إلى نظيره الفرنسي بعد أن كانت باريس قد أعلنت أن خلف الناتو في حالة “موت دماغي”.
لكن النقطة التي أفاضت كأس الصبر الأمريكي كانت اختبار أنقرة لبطاريات الصواريخ الروسية إس -400، وسيكون وصول جو بايدن الذي يعتبر أقل تصالحية من سلفه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بمثابة تغيير لقواعد اللعبة بالنسبة لتركيا.
و تهدد العقوبات الأمريكية بإلحاق ضرر جدي بصناعة الدفاع التركية التي ظلت تعتمد إلى حد كبير على التكنولوجيا الأمريكية ويبدو أن مشروع إردوغان بإقامة مجمع صناعي عسكري تركي ستحبطها عقوبات واشنطن. لكن الأخيرة قد تقدم له مخرجاً من خلال عرض ترك إس-400 في صناديقها وعدم استعمالها. ويبدو أن الخيار الآخر المتمثل في تفعيل تركيا للصواريخ سيجر عليها تشديداً في العقوبات.
ويبدو أن تركيا تستشعر “الخطر القادم” والذي باتت نذره تلوح في الأفق مع نفاذ الوقت أمام إدارة ترامب وتحضير بايدن نفسه لقيادة البلاد. من هنا يمكن فهم الدعوات التصالحية التي يطلقها الرئيس التركي منذ أيام إلى كل حدب وصوب. فهو قد بارك المصالحة الخليجية مع حليفته قطر وأرسل رسائل طيبة إلى جيرانها وخاصة السعودية التي كانت قد قاطعت البضائع التركية منذ أشهر. والأمر نفسه ينطبق على الاتحاد الأوروبي الذي أعلن إردوغان صراحة إنه يريد طي صفحة الخلافات معها وإعادة العلاقات إلى مسارها، خاصة مع دعوته اليونان إلى مفاوضات بشأن نزاعهما البحري، بينما كانت أنقرة تهدد علناً بالحرب ضد أثينا منذ بضعة أشهر.
داخلياً، يبدو أن نجاحات إردوغان العسكرية سرعان ما تم نسيانها تحت وطأة الركود الاقتصادي والأزمة الصحية اللذان يقوضان شيئاً فشيئاً شعبية الرئيس. حصل حزب العدالة والتنمية على 30٪ من الأصوات في استطلاعات أخيرة للرأي وعلى 37٪ إلى 43٪ للائتلاف الذي شكله الحزب مع حزب الحركة القومية اليميني المتطرف. وهذا بعيد عن نسبة 51٪ اللازمة لإعادة انتخابه في اقتراع مزدوج رئاسي وتشريعي مقرر في عام 2023.
وتختم “لوموند” بأن الطلاق مع الغرب له ثمن، فالاستثمارات الأجنبية في أدنى مستوياتها والثقة بتركيا لم تعد موجودة. يبتعد الأتراك، الذين فقدوا 41٪ من قوتهم الشرائية في السنوات الأخيرة عن عملتهم، الليرة، التي هبطت من 1.5 ليرة للدولار عام 2010 إلى 7.33 ليرة اليوم.
تقرير كتبه: حسن ظاظا كاتب سوري