نوسوسيال

بقلم:رفيق إبراهيم/ تسيس المعابر خيبت السوريين وذهبت أدراج الرياح ؟…

2٬058

ازدواجية المعايير الدولية وتسييس المعابر (تل كوجر) نموذجا


موضوع إيصال المساعدات الإنسانية لسوريا وبخاصة في شمال وشرق سوريا من القضايا الهامة التي تطرح على الطاولة كل يوم، وهذه القضية تعترضها الكثير من الصعوبات نتيجة التدخلات الإقليمية والدولية التي تراعي مصالحها حتى في لقمة عيش السوريين.
في الآونة الأخيرة تقدمت كلٌّ من بلجيكا وألمانيا بمشروع قرار حول إيصال المساعدات لسوريا وتمديدها، وكان السوريون ينتظرون نتائج التصويت على القرار بشأن تمديد القرار الدولي لإدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود الذي انتهت مدته قبل يوم من التصويت عليه مرةً أخرى، لكن آمال السورين ذهبت أدراج الرياح بعدما لجأ الروس ومعهم الصينيون إلى استخدام حق النقض (الفيتو) كما كل مرة عندما يتعلق الأمر بسوريا،  ضد مشروع القرار البلجيكي الألماني الذي يهدف للإبقاء على آلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود السورية مع تركيا كما كانت عليه سابقاً.
                                     الفيتو الروسي الصيني المزدوج وتقويض القرار
من بين الدول الخمسة عشر الدائمة العضوية في مجلس الأمن وافقت 13 دولة على استمرار عمل الأمم المتحدة بشأن المساعدات لسوريا كما كان في السابق، ووقفت مع مشروع القرار الألماني البلجيكي بخصوص إيصال المساعدات الإنسانية لسوريا، ولكن وكما يحدث مع القضايا التي تتعلق بسوريا
كل مرة تدخلت روسيا ومعها الصين لتستخدما حق النقض الفيتو ضد مشروع القرار البلجيكي الألماني، ما أثار الكثير من الأسئلة وردود الأفعال المستنكرة ضد الموقف الروسي والصيني الذي لم يتغير بعد مرور عشر سنوات على كل ما يجري في سوريا. حيث كانت هناك آلية تعتمد عليها الأمم المتحدة منذ
عام 2014، وهي تسمح بإيصال المساعدات للسوريين دون موافقة الحكومة السورية، وقبل أيام قليلة انتهى تفويض تلك الآلية، وكان لا بد من استمرارها ليستفيد منها أكثر من ثلاثة ملايين سوري، ويذكر أن هذا الفيتو هو رقم 16 لروسيا، والعاشر للصين حول مجمل القرارات التي ترتبط بسوريا، منذ بداية الأزمة السورية في عام 2011 وحتى يومنا هذا.
                                                          تل كوجر لا يزال مغلقاً والأسباب مبهمة
قرار الإبقاء على معبر تل كوجر قرار سياسي قبل كل شيء، وهدفه إرضاء بعض الدول الإقليمية ليس إلا، فتركيا تعمل جاهدة على إغلاق جميع المنافذ التي تستفيد منها الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وتل كوجر أحدها، وأظن أنها قد نجحت في ذلك حتى الآن، في ظل غياب المجتمع الدولي عن الساحة
السورية والقيام بمسؤولياته بشكل فاعل وحقيقي، والمجتمع الدولي لم ينجح حتى الآن في الوقوف في وجه تركيا بالشكل المطلوب الذي يردعها، مع أنه يعلم تماماً الدور الذي تلعبه تركيا في المنطقة وأطماعها التي تعلنها على الملأ، وتدخلها في سوريا والعراق وليبيا تؤكد ذلك. فمعبر تل كوجر مع
العراق من أهم المعابر التي يجب فتحها، لأنها تشكل الشريان الحيوي لمناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، وبخاصة بعد انتشار جائحة كورونا في معظم دول العالم.
بقاء هذا المعبر مغلقاً أمام المساعدات الإنسانية ينذر بكارثة ستطال أكثر من مليوني إنسان، وهم بأمس الحاجة للمستلزمات الضرورية لاستمرار الحياة في تلك المناطق، وبخاصة الأدوية وحليب الأطفال
والمواد الغذائية، والجميع يعلم بأن قانون قيصر الذي طال النظام أثر بشكل كبير على مناطق شمال وشرق سوريا، وأصبحت التعاملات مع مناطق الداخل السوري صعبة، وكان من الأَولى فتح هذا المعبر لإيصال المساعدات الإنسانية لأهالي شمال وشرق سوريا. وباعتقادي أن مثل هذه القرارات المجحفة
بحق السوريين ستزيد من معاناتهم، والمجتمع الدولي يدرك حجم المعاناة في شمال وشرق سوريا، وبخاصة وجود عدد من المخيمات لنازحي عفرين وسري كانيه (رأس العين)، وكري سبي (تل أبيض)، بالإضافة لوجود مخيم الهول الذي يعتبر من أكبر المخيمات إذ يحوي حوالي 70000 نازح وأسر مرتزقة
داعش، الذين يشكلون خطراً كبيرا على المنطقة والعالم أجمع، لذا لا بد من فتح هذا المعبر الهام لإيصال المساعدات وعدم حرمان أهالي المنطقة منها، لأنهم بأمس الحاجة لفتحه ولوصول ما يلزم لضرورات الحياة والعيش الكريم.
                                        المستفيد الأكبر من القرار تركيا ومرتزقتها
وروسيا التي كانت تعتبر القرار بأنه ينتهك السيادة السورية قد فرضت إرادتها على الأمم المتحدة، في كانون الثاني الماضي، عندما خفضت في آلية إرسال المساعدات عبر الحدود التي باتت تنص على نقطتي عبور، بدلاً من أربع نقاط، ولستة أشهر فقط، بعدما كانت تمدد سنوياً منذ تطبيقها في عام 2014.
وقدمت روسيا المساعدات لمحافظة إدلب، التي تُعد معقل المجموعات المرتزقة الإرهابية في ظل سيطرة جبهة النصرة على أكثر من ثمانين بالمئة من مساحتها، ومن ثم قدمت مشروع قرار مضاد لمشروع القرار البلجيكي الألماني إلى مجلس الأمن يبقي على معبر باب الهوى ولمدة ستة أشهر

 

فقط. وحصل القرار خلال جلسة التصويت على تأييد ثلاث دول فقط، بالإضافة إلى روسيا، فيما كان يحتاج إلى تسع دول لتمريره من دون أن تستخدم أي من الدول دائمة العضوية في المجلس حق النقض.

 

وقرار الإبقاء على معبر باب الهوى لمرور المساعدات الإنسانية إلى سوريا، قرار ينتهك حقوق السوريين في الحصول على المساعدات الإنسانية، وبخاصة شمال وشرق سوريا الذي يعاني أصلاً من قلة المعابر ووصول المساعدات، وعلى ما يبدو أن هذا القرار مسيس وجاء لمصلحة تركيا والمتعاملين معها من
المرتزقة، حيث فضل المجتمع الدولي التعامل مع النصرة المصنفة على قوائم الإرهاب العالمية، على أن يفتح معبر تل كوجر الحيوي، والأسباب معروفة للجميع. فيما يبدو الدور التركي البارز في اتخاذ القرار، إرضاءً لها للاتفاق معها في قضية اللاجئين، التي تهدد تركيا بهم أوروبا كلما دق الكوز بالجرة.
                                                             إغلاق معبر تل كوجر… قرار مسيس
ومختصر القول إن مسألة عدم فتح معبر تل كوجر أمام المساعدات الإنسانية قضية سياسية، والغاية منها ممارسة الحرب الخاصة على الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، للضغط عليها كي تتنازل عن الكثير من المكاسب التي حققتها، إرضاءً لدولة الاحتلال التركية التي لا تتوانى عن دعم المجموعات
المرتزقة والإرهابية في كل مكان وتساهم في الإبقاء عليها وتقويتها لتستخدمها في تحقيق مصالحها وتضغط بها على المجتمع الدولي، وسط صمت دولي مريب.
وفي هذا الشأن قالت سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، كيلي كرافت، (إنه من
الضروري الآن الوصول إلى أكبر عدد ممكن من السوريين الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية)، ورداً على سؤال حول ما إذا كان هذا الأمر يشكل «خطاً أحمر»، أجابت: «نعم، بالتأكيد»، وأكدت بأن إلغاء معبر باب السلامة سيحرم 1.3 مليون سوري من المساعدات الإنسانية في شمال حلب، وهذا ما أكدته الأمم
المتحدة أيضاً بوجوب الإبقاء على أكبر عدد ممكن من المعابر مفتوحاً وعده بالأمر البالغ الأهمية، بخاصة أن وباء كورونا بات يشكل خطراً قاتلاً يهدد السوريين في ظل تأكيدات بانتشاره من جديد في المنطقة.
وفي حزيران الماضي وفي تقرير له طلب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش تمديد المساعدات لمدة عام واحد في نقطتي العبور الحاليتين. ووفقاً للأمم المتحدة وتقاريرها، يعتمد نحو 2.8

 

مليون شخص في سوريا على هذه المساعدات، والقرار الجديد لمجلس الأمن سيضع الكثير من السورين على أعتاب الموت البطيء، ومن هنا لا بد من تدارك الأمر والتفكير بما سيؤول إليه مصير هؤلاء الذين يعيشون على المساعدات الإنسانية. والمجتمع الدولي والأمم المتحدة يتحملون المسؤولية الكاملة في
التحرك وبشكل عاجل، لفتح المزيد من المعابر واستفادة أكبر عدد ممكن من السوريين من تلك المساعدات، وستبقى مسألة المطالبة بفتح معبر تل كوجر من الأولويات الأساسية للإدارة الذاتية، لأنه مطلب ضروري وبخاصة للنازحين الذين يجب أن تشملهم هذه