نوسوسيال

الإفلاس الثقافي والفكري والتمسك بقشة الموت

530

ننتظر معجزة إلهية تنتشلنا مما نحن فيه أو مما وقعنا فيه من جب عميق بلا قاع، نحفر بأظافرنا قعر الجب علَّنا نخرج منه، متناسين أننا نغوص أكثر فأكثر نحو الأعمق والأسفل والعتمة التي هي الجهل بحدِ ذاتها. “محكومون بالموت مع وقف التنفيذ”، قالها أمين معلوف في روايته (التائهون)، نعيش ما بين الحياة والموت، ما بين الحرب والسلام، المستقبل بقناع الماضي. نعيش كما ألفينا عليه آباءنا المتصارعين ما بين الشرق والغرب وما بين الدين والقوموية، حتى بتنا كخراف تنتظر جزارها لتكون ضحية لهذا التيار أو ذاك. المهم أننا ضحية أو قرانًا لهذا الفكر أو ذاك ولهذا الحلف أو ذاك.

وبين هذا وذاك ما زلنا نتصارع فيما بيننا على أن كل طرف يمثل الحقيقة والآخر هو الكافر والعميل والخائن. ثنائيات باتت جزءًا من شخصياتنا وتكويننا الفكري الهزيل المبني على علوم المستشرقين الخواجة الذين يسبقوننا بسنوات ضوئية في علومهم ومعارفهم، كما نحن نتخيلهم. مستشرقين كتبوا لنا تاريخنا وعلومنا ودساتيرنا وشكلوا أوطاننا ورسموا أعلامنا، وأوهموننا أنه لا بدّ من برلمان كي نكون ديموقراطيين. برلمان شبيه بحلبة المصارعة الاسبانية أو كما يسمونه بـ (كولوسيوم) يتصارع فيه العبيد لحساب الملوك ولتكون المصارعة احتفال سنوي لا جديد فيه صوى أن العبيد يتصارعون ليفوزوا بحياة وهمية حتى جولة أخرى لا أكثر.

اختزلوا الديمقراطية بانتخابات برلمان العبيد والذي يستمر حتى راهننا بنفس الجوهر والوظيفة ليسن لنا تشريعات وقوانين ليس لها علاقة بواقع الحياة للشعوب والمجتمعات. تناسوا أن الديمقراطية ثقافة واحترام الآخر وقبوله كما هو وليس كما أنا أريد، وهكذا وصلنا لمجتمع متنمل استهلاكي مخصي ينتظر العناية الإلهية لتخلصه مما هو فيه. من هنا كانت بدعة المخلص والمهدي المنتظر الذي سيأتي ليخلصنا من الظلم الذي نحن فيه. أي علينا فقط الانتظار. وهنا تكمن اللعبة الحقيقة التي وقعنا فيها كي لا نعمل ونجتهد ونتعلم لنخرج أنفسنا بأيدينا من الجهل الذي نحن فيه. بل علينا أن ننتظر الآخرين كي يخلصونا، ونقع في فخ الاتكالية والانتظار وقبول العبودية لأننا نؤمن بأن المخلص سيأتي يومًا ما.

متى ما تخلصنا من هذه العقدة التي أصبحنا أسرى لها حينها سنتحرر من الكثير من الموروثات التي كانت تكبلنا وتمنعنا من مقاومة الجهل. بالعلم والمعرفة والإصرار وحده يمكننا القضاء على الجهل والاعتماد على الذات، التي هي القوة الجبارة التي لا تعرف المستحيل. حينها ففقط نعرف حقيقتنا وحقيقة العدو الذي نصارعه والذي يمكننا كشف حقيقته الزائفة التي يختفي وراءها.

كثر ٌ هم هؤلاء الذي يختفون وراء أقنعتهم التي تتستر على زيف ونفاق هؤلاء الأشخاص الذين جعلوا من ذاتهم سلاطين على الشعب، ولكن حقيقتهم أنهم ليسوا إلا دُمى تتحرك وفق ما يُقال لهم أو الوظيفة التي تم توكيلها لهم.