نوسوسيال

بقلم عماد ايو: ما من طريق ملكي إلى العدالة الأرضية

660

 

استدعى ملك مصر مرّةً الرياضّي إقْلديس , وطلب إليه أن يعلمه الهندسة في ساعات قليلة و بطريقة سهلة و سريعة , فرد

عليه العالِم بتلك الإجابة الشهيرة ” لا يوجد طريق ملكي إلى الرياضيات ” . الأمر الذي يحيل لضرورة بذل الجهود الجبارة والتفرغ الكامل , وصرف حياة كاملة , وخالصة في محراب المعرفة حتى ينعم

المرء بثمارها الشهية ما تلخصه العبارة المتداولة ” أعْطي العلم كلك يعطيك بعضه “. الجدير بالذكر هنا أن اسم الملك أصبح مجهولاً , و ضائعاً كضياع صاحبه في غبار الزمن بينما ظل اسم إقليدس مشعاً

وخالداً . يذكر التاريخ في صفحاته الصفراء , وبحكمته القاتمة أسماء قياصرة و أبْاطرة وطغاة , ومعهم زوجاتهم الذين تملكتهم رغبة جامحة و عميقة في تنمية مواهب أبنائهم و ترغيبهم بالمعرفة .

فأصروا على استحضار أعظم الحكماء و أنجب العقول للإشراف على تربية أبنائهم , والمفارقة كان الفشل غالباً مصير هؤلاء الصبية بسبب تزاوج تكوينهم الجيني مع مظاهر الترف و البذخ والمجون

التي أحاطت بهم . فقد كان أرسطو معلماً للإسكندر المقدوني خلال ثلاث سنوات . غير أن الفلسفة لم تستطع الحد من جموح الروح العسكرية لدى إسكندر . مع إنها زرعت في نفسه بذرة الفضول الذي

أشعلت فيه الرغبة في الوصول إلى نهاية العالم . فقد عزا العالم وهزم الإمبراطورية الفارسية بعد هروب آخر ملوك الأخمينيين داريوش الثالث وتزوج من ابنته روكسانا وتوقف عند حدود الهند ، ومات

في بابل في العراق في مرض التيفوئيد والملاريا , أو كما يشرح المورخون أن موته مازال لغزاً حيث يُعتقد من إنه مات مسموماً في عمر الثانية والثلاثين , وقد كان سبباً في إزهاق الآلاف المؤلفة من

الأرواح . مع ذلك لم يتوقف الإحتفاء والتمجيد لدرجة تبجيل شخصية الإسكندر بالرغم من إن فضيلته الوحيدة _ دون أن يدري _ كانت انتشار الثقافة اليونانية في العالم الغير اليوناني ماعُرف لاحقاً بالعصر

الهلنستي . كما ارتبط اسم الطاغية نيرون باسم الفيلسوف الرواقي سينيكا بعد أن نفاه الطاغية الأكثر جنوناً كاليغولا على إثر أشْتعال الغيرة في قلبه , والحقد في صدره بسبب شخصية سينيكا

الساحرة التي كانت تلفت أنظار كل من كان في مجلس القيصر من شخصيات هامة حيث يستولي عليها الدهشة والاحترام أمام قامة الفيلسوف . فلفق القيصر له تهمة جاهزة قذفت به إلى المنفى .

وبعد ذلك استدعته اغْربينا والدة نيرون من منفاه ليسهر على تربية , وتهذيب نيرون .وحينما اشتد عود هذا الأخير أنتهى الأمر باغربينا مقتولة بأمر من ولدها المدلل , و عندما ثار الشعب على طغيانه ,

وبدأ البعض يخطط لقتله مما جعل نيرون يرتاب بالجميع ممن حوله , فأمر بقتل معلمه سينيكا الذي أقدم على الانتحار بقطع أوردته مُعانقاً موته , وهو ينشد الشعر . بالمقابل لم يوفر يوليوس قيصر أية

فرصة , وعمل ما بوسعه لكسب صداقة الكاتب وأعظم خطباء روما شيشرون الذي رفض مْنحاه إياها . أنتهى الأول مقتولاً بمؤامرة إغْتيال شهيرة , وقطعت رأس الخطيب ويده اليمنى لتعرض في الساحة

العامة بروما . أما المدينة الفاضلة للُيوتوبي الأول أفلاطون الذي بؤّا الفيلسوف أعلى هرم السلطة في مدينته مقترحاُ صيغة الفلاسفة الحكام بقيت حبراً على ورق يقرؤها بعض المتعبين بنعاس

وضجر. ربما فكر أفلاطون في دخيلة نفسه أو ربما لم يحْدس من يدري إن استلم الفيلسوف إدارة شؤون العباد فأغلب الظن كانت السياسة ستطغى على الفلسفة والمصالح ستلوث نصاعة المبادئ .

وبعد أفلاطون استمرت المحاولات الجادة والساعية لتحقيق العدالة الأرضية , ونتيجة إخفاقها جميعاَ دونما إستثناء اختفى الطريق الملكي وغير الملكي لتحقيقها . لِعّل العناية الإلهية شاءت أن يدير الحمقى العالم لكي يتطلع البشر بأحلامهم بعد الخيبات المريرة صوب الجنة الموعودة .

عماد ايو كاتب كردي سوري