نوسوسيال

بقلم: الصحفي محمد أرسلان/ من عفرين وترهونة.. سلامٌ لـ«بيروت»

383

 

كثرٌ هم الشعراء الذين خطّو الشعر والأغاني لبيروت كما كتبوا عن عفرين وترهونة وكانت أغانٍ تطربنا ونحن نرتشف قهوة الصباح، ويأخذنا جبران خليل جبران مع أنغام اعطني الناي وغن فالغناء سر الخلود، وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود. هكذا كانت حياتنا رغم كل الأحزان والمآسي التي نعيشها إلا أنه استطعنا أن نحول تلك الأحزان إلى أغانٍ وألحانٍ لأنها هي الباقية وهي سر الخلود بالنسبة للإنسان.

الحضارة بدأت بالفن والغناء التي كانت الخطوة الأولى نحو بناء الإنسان والتطور نحو كافة العلوم بمختلف نواحيها. بينما كان الخراب والدمار والقتل مرحلة عابرة ومحطة لبناء الأفضل والتخلص من الأورام التي كانت السبب في ذلك مثل الفساد والقتل والتهجير والنحر والحرق والتفجير، والتي كانت دائمًا عنوانًا لكل من يسعى لإيقاف الإنسان عن التطور وتحطيم إرادة المجتمعات.

أرادوا النيل من الشعوب المقاومة والمحبة للحياة والتي لا تعرف معنى الموت والاستسلام والخنوع، يحاولون النيل من هذه المجتمعات لأنها كانت دائمًا مصدرًا للأمل ومقاومة الاستبداديين والسلطويين الذين يرون وجودهم لا يتحقق إلا بتدمير المدن وتهجير أهلها وزرع الحزن بدلًا عن الفرح والبكاء بدلًا المقاومة.

كانت عفرين بداية الاحتلال التركي للشمال السوري ولحقتها سري كانيه وكري سبي ولا زال أردوغان ومرتزقته يحاولون كسر إرادة الشعب في عفرين رغم كل ما يقومون به إلا أن الشعب ما زال مقاومًا ويداوي جراح أحزانه بالمقاومة والغناء. كذلك كانت ترهونة التي احتلها أردوغان ومرتزقته وهجروا أهلها وأرادوها مدينة أشباح وارهابيين، لكنها ترهونة ما زالت صامدة رغم احتلالها تلملم جراحها لتبدأ طرد المرتزقة الذين يريدون بيعها في أسواق نخاسة أردوغان.

اليوم أيضًا انضمت بيروت لشقيقاتها عفرين وترهونة ليغنوا معًا أغاني سر الوجود مع ناي جبران خليل جبران الذي أدرك أنه بالغناء وحده يكمن الوجود والحياة وليس بالنحيب والبكاء. وليست المرة الأولى التي يتم فيها اغتصاب وتدمير بيروت، بل حاول مفسدوها وطوائفيها وحزبويها كثيرًا أن يمزقوا جسد بيروت كثيرًا وفق مصالح طائفيتهم وحزبويتهم العفنة التي لم تتجاوز أنوفهم. إلا أنها بيروت التاريخ والحضارة والتي كانت وما زالت بوابة الشرق على المتوسط.

لا فرق هنا من استباح عفرين وترهونة ويستبيح اليوم بيروت جميعهم يمتلكون نفس العقلية في الهيمنة وإلغاء الآخر والقضاء عليه، إما أنا أو “نحرق البلد”، قالتها شبيحة الأسد الابن في سوريا وطبقوها على أرض الواقع وحولوا الشام الحضارة إلى خراب تنعق عليها غربان الإرهاب والشبيحة والمرتزقة.

فمن استباح عفرين هو نفسه الذي استباح ترهونة وكذلك بيروت وغيرها الكثير من المدن في مشرقنا المتوسط من الموصل وكركوك وكوباني وشنكال. فلا فرق البتة بين أردوغان ومرتزقته السنّة بمختلف مسمياتهم وبين إيران ومرتزقتهم الشيعة بمختلف مسمياتهم أيضًا. ربما من دمَّر بيروت يكون إسرائيل أو أمريكا أو روسيا أو ايران أو تركيا، لا فرق بينهم جميعًا لأنهم لا يختلفون عن بعضهم بشيء سوى بالأسلوب بينما النتيجة التي يتوصلون إليها واحدة في تدمير المدن وتهجير المجتمعات.

وكما قالها أشقائنا اللبنانيون “كلن يعني كلن”، متهمون بتدمير بيروت وعفرين وترهونة وربما قادم الأيام حبلى بمدن مدمرة أخرى. ومع ذلك تبقى الأغاني والألحان هي عنوان مقاومة الشعوب وليس كما يتمنى سماسرة الحروب أن نبكي ونحزن كي يشفقوا علينا. بل سنزيد صوتنا علوًا ونغني أن “المقاومة حياة والغناء خلود”.

وستعود فيروز تغني من قلبي سلام لبيروت مع قهوة الصباح التي باتت هوية كل عاشق للحياة وبيروت، وسيعود نزار قباني يكتب لحبيبته بلقيس أن “قومي من تحت الردم كزهرة لوز في نيسان، قومي من حزنك.. إن الثورة تولد من رحم الأحزان”.