نوسوسيال

بقلم: محمد أرسلان علي/ وأخيراً استفاق العرب على جعير أردوغان

342

 

 

كم أتمنى أن تكون هذه الاستفاقة هي بداية أن يشمّر العرب عن سواعدهم ويعملوا على تحجيم المخاطر المحيطة بهم والتي وصلت عقر دارهم، بعد أن انتشر إرهاب اردوغان وارهابييه في معظم الدول العربية بشكل رسمي ومباشر مع وجود حاضنة اخوانية له فيما تبقى من باقي الدول الأخرى وإن كانت بنسي متفاوتة. استفاق العرب من نومهم الذي كانوا فيه ينعمون بأوهامٍ يرسمها لهم أردوغان على الرمال في أنه الزعيم الذي ينبغي أن يُحتذى به وكذلك على أنه السلطان الذي سيحرر فلسطين ويرمي العدو في البحر.

أكاذيب رَوَّجَ لها أردوغان بكل براعة خلال العقدين الأخيرين إن كان بشكل مباشر عبر خطاباته الرنانة أو عبر الدراما التركية التي غزت عقل الجماهير العربية وكذلك عبر اسلامه المزيف. وكم كان من القادة العرب الذين انبهروا بنموذج أردوغان هذا وعقدوا معه العلاقات حتى وصلت لمستوى من الحميمية، بات الكل يحسدهم عليها. الغفلة التي كانت بمثابة الرماد على عيون البعض ممن راحوا يصفون اردوغان بأنه الخليفة المنتظر والسلطان والفاتح.

ومع ما سمي بـ “الربيع العربي” سقط القناع عن وجه اردوغان وبانت حقيقته الاستبدادية والعثمانية وأنه ليس إلا المتعهد الرسمي للمشروع الغربي في نشر الفوضى في المنطقة على حساب تدمير الدول وتهجير سكانها. بدأ بجلب آلاف الإرهابيين من كافة اصقاع العالم ليدخلهم إلى سوريا ويعيثوا فيها دماراً وخراباً وقتلاً ونحراً وحرقاً لكل شيء من الشجر والحجر والبشر. لم يسلم من اردوغان وارهابييه أحد في سوريا فالكل كان عدوه الذي ينبغي أن يقتل بغض النظر عن قوميته ودينه وطائفيته.

احتل المدن الكردية وهجَّر أهلها باسم الدين وشيوخ السلطان يقرؤون سورة الفتح على أسوار عفرين وقبل ذلك كوباني وكذلك سري كانية وكري سبي، ومعظم العرب كانوا ينظرون ويشاهدون ما يحدث.

أنشأ أكثر من عشرين قاعدة عسكرية واستخبارية ولوجستية في اقليم كردستان العراق تحت حجة محاربة الإرهاب، ومعظم العرب مازالوا ينظرون وينتظرون ما ستؤول إليه الأوضاع.

ساعد داعش في احتلال الموصل ومجازر الايزيديين وما حلَّ بهم من سبي وقتل وبيع في أسواق النخاسة في الموصل والرقة، ومعظم العرب أيضاً ما زالوا ينظرون ويشاهدون.

استثمر باللاجئين السوريين وراح يبتز بهم أوربا ويهددها إن هم لم يمنحوه الأموال وكذلك أن يصمتوا عما تقترفه أيادي مرتزقته من جرائم في الشمال السوري، ومعظم العرب ينظرون ولم يغيروا حتى من وضعية جلوسهم وهم متكئين على أوهام أردوغان الزعيم الحقيقي لداعش والاخوان المسلمين.

برع في استثمار حادثة جمال خاشقجي وراح يهدد ويعربد هنا وهناك وكأنه حامي حقوق الانسان وكأنه المكلف من الله برعاية عباده، هنا أيضا كان معظم العرب ينظرون ويشاهدون المسرحية الهزلية.

وهكذا على مرَّ عقدٍ من الزمن تقريباً ومعظم العرب نائمون حالمون تائهون وأفضلهم كان يشاهد وينظر، حتى حطَّ أردوغان رِحاله في ليبيا ونقل إليها عشرات الآلاف من الإرهابيين الأجانب والمرتزقة السوريين لينشروا الفوضى فيها وينهبوا ويسرقوا ويقتلوا ويحرقوا ويغتصبوا كل شيء حيّ. هنا كانت الرعشة والصدمة حينما اقترب الإرهاب منهم واستيقظ هذا المعظم من العرب من سباتهم الذي كانوا فيه ينعمون وكأن لسان حالهم يقول “أردوغان بعيد عنّا ولن يصلنا” وبلهجة اشقائنا المصريين “واحنا مالنا”. الآن بان الخطر الحقيقي لأردوغان ومشروعه التوسعي في المنطقة على حساب شعوبها ودولها، وأن أردوغان لم ولن يكون الزعيم الانموذج في المنطقة بقدر ما هو الزعيم الشاذ والمنافق والأفاق الذي ينبغي على الكل رجمه والتخلص منه.

ربما استفاق معظم العرب على جعير اردوغان في هجماته الأخيرة على إقليم كردستان العراق بحجة محاربته حزب العمال الكردستاني وكذلك احتلال ما تبقى من هذه المنطقة وربطها في المستقبل بتركيا وفق مشروعه الميثاق المللي والذي ينظر إليه اردوغان على أنه جزء من مشروعه في عثمنة المنطقة. خاصة أن عينه على احتلال إيالة الموصل (التي تضم الموصل وكركوك واربيل والسليمانية)، التي ما زال يعتبرها أردوغان جزءاً مهماً من سلطنته.

على ما اعتقد أن العرب بحاجة ماسة جداً لتحطيم الأصنام الفكرية التي ما زالوا يعتقدون بها والتي جعلتهم فريسة لأطماع القوى الغربية المهيمنة وكذلك للقوى الإقليمية وخاصة إيران وتركيا. فلا فرق بينهما فكل منهما يحتل عدة عواصم عربية وبقي القليل منها يقاوم هاتين الدولتين اللتان تسعيان لقضم المنطقة برمتها. إحداها تحت مسمى الهلال الشيعي والأخرى تحت مسمى البدر السني. وبين هاتين القوتين ما زال الكرد وحدهم يتصدون لهما في الخندق الأول على حواف جبال طوروس وزاغروس حتى كتابة هذه السطور.

ليس مصادفة أن تقصف تركيا وإيران مواقع الكرد بنفس التوقيت إلا إذا كانا لهما المخطط نفسه في احتلال ما أمكنهما من المدن في العراق الشبه دولة. فإذا كان الكرد في هذه اللحظة هم في الخندق الأول في تصديهم لكِلا المشروعين الاستبداديين الصفوي والعثمانوي، فينبغي على العرب على الأقل أن يمدوا يدهم ويدعموا الكرد في حربهم هذه وهم في الخندق الأول، قبل أن تصل نيران هذه الحرب إلى عقر دارهم حينها لن ينفع الندم كما يقال.

بعض الدول مثل مصر والسعودية والامارات والكويت والبحرين أصدروا بيانات تنديد بهجمات إيران وتركيا على شمالي العراق وإقليم كردستان العراق، لكن على ما اعتقد أن زمن البيانات والتنديد قد ولّىَ، بعد أن وصل تهديد اردوغان إلى ليبيا واليمن والصومال وغيرها من الدول.