نوسوسيال

القاهرة:بقلم الكاتب الصحفي محمد أرسلان علي/ ماذا لو كنت الآخر ؟…..

422

كثيرة هي الأمنيات التي تدغدغ مخيلاتنا عبر سنوات العمر التي تمر بسرعة ولا نعرف قيمة لها إلا بعد فوات الأوان ولا يتبقى شيئاً باليد نفعله. قطار العمر لا يعود للخلف وهي المشكلة التي حاول الذين من قبلنا ونحن على دربه ما زلنا سائرون ونحاول تغيير وجهة القطار، علَّنا نستطيع أن نرجعه قليلاً للوراء. عبثاً كافة محاولات الذين من قبلنا ونحن أيضاً ونصل نردد متأسفين لو لو لو. حينما كنا أطفالاً كنا نأكل كثيراً ونقف على أطراف أصابع رجلنا كي نكبر ونطول بسرعة ونرسل رسالة مفادها، أننا كبرنا ونرجوكم أن تعاملونا كرجال ناضجين وأن تتركوا النظرة النمطية التي تنظرون فيها إلينا على أننا أطفال لا نفقه شيئاً من الحياة. وكأن الحياة التي في مخيلتنا خُلقت من أجلنا نحن فقط، أما الأخرين فما هم إلا تكملة لوجودنا لا غير. نظرة الأنا الفوقية هي التي تتغلب على تفكيرنا حتى تجعلنا نؤمن أن الآخر ليس سوى صورة كاريكاتورية عن الأنا التي نريدها نحن وليس كما يريدها هو. الصراع بين الـ أنا و الـ هو كان وما زال وسيبقى قائماً ما دمنا نتحرك بغرائزنا التي لم نستطع كبح جماحها بالشكل المطلوب، وذلك عن طريق تربيتها وتشذيبها من الغرور وحب التملك والحسد والتكبر والاقصاء، عن طريق التدريب والتربية المستمرة طيلة سنوات العمر وأي غفلة في هذه الحرب ستكون نتائجها كارثية على الانسان والتي سيتحول من خلالها لغول متوحش يأكل حتى أولاده. أعظم الجهاد هو جهاد النفس. جملة عظيمة كقائلها أثبت عظمته من خلال تصديه لما كان واقعاً وحقيقة بين أبناء قبيلته. لكنه انقلب على هذا الواقع وهذه الحقائق التي كان يؤمنون بها منذ مئات وربما آلاف السنين. الحقيقة ليست مطلقة بل هي نسبية مرتبطة بتطور الإدراك والوعي والاستيعاب والذي بدوره مرتبط بتطور اللغة بحد ذاتها والتي هي مرتبطة بالتطور التكنولوجي وأدوات الحياة المتنوعة. تركنا معظم ما قاله لنا الرسول وتشبثنا بما نريده نحن وعاداتنا البالية على أنها طبعاً من الدين، وكل من ينزلق عنها أو منها فهو مهرطق وزنديق. وما أكثرهم في أيامنا هذه ونحن نتعايش معهم ونضحك في وجوههم علَّهم يقبلوننا كما هم يريدون. خطوة أولى نحو الانسلاخ عن الذات والتطبع بما هو يريد وليس كما أنا على حقيقتي. مأساة كبيرة نعيشها في كل لحظة من عمرنا الذي يمر بسرعة ولا نكلف أنفسنا ولو للحظة في أن نضع أنفسنا مكان الآخر الذي نرفض أن يكون هو، ونصرّ على أن يكون أنا الأصغر المسخ العبد القزم، حينها نشعر بوجودنا ونتلمس الحقيقة المزيفة التي نعيشها حتى نصل أواخر عمرنا ونبدأ بكتابة مذكراتنا على أنها تجارب وعلى الآخرين الاتعاظ منها. لكنها تبقى حبراً على ورق لأن الذين ربيناهم سيكونون نسخة وكوبي عما كنا ولن يختلفوا كثيراً. الآخر الذي إن آمنَّا بوجوده ربما تختلف معنى الحياة بحد ذاتها وكذلك سيكون له تأثيراً كبيراً على أسلوب حياتنا وسلوكنا بنفس الوقت. الآخر الذي هو سبب وجودنا وتشكل شخصيتنا وهويتنا والذي لولاه لما كنا موجودين. الاختلاف الذي هو سر الحياة والشيفرة التي ضاعت وتاهت منَّا ونحن ننبش بين ركام الماضي عن خلود الذات وموت الآخر. نبحث عن ذاتنا في ذاتنا ولا نقبل أن نبحث عنها في الآخرين الذين هم مرآة وجودنا وحقيقتنا التي تشكل وعينا على أساس أن الانسان كائن اجتماعي، وليس صنم نتعبده حتى حين. الرجوع للذات والجهاد الأعظم في محاربة النفس الأمارة بالسوء ربما تكون الخطوة الأولى في معرفة درب الحقيقة النسبية المختفية في الآخر منذ آلاف السنين. الانسان هو المعجزة الحقيقية التي ينبغي البحث عنها وفيها تاريخياً وحتى اللحظة التي نعيشها للمستقبل. وللوصول إلى حقيقة الانسان ينبغي علينا البحث في التاريخ عن أول انسان كيف كان يعيش ويفكر إن كان بشكل رمزي ومجازي الذي نعتبره سيدنا آدم الذي هو بداية التاريخ الانساني، لأننا مخفيون فيه وهو مخفي فينا. نعيش التاريخ في اللحظة التي لا يمكن فصلها مطلقاً عن التاريخ والتي ستكون بعد برهة من الماضي المخفية في المستقبل. الشك، هو أصل العلوم الاجتماعية والانسانية وهو الأساس فيما وصلنا له وإليه في كل شيء، وحينما نعود له ربما نرجع إلى درب المسير على خُطى الحقيقة التي بدأت بسؤال وكلمة.