نوسوسيال

بقلم الدكتور هاني الخوري الصراع بين التنين والنسر و حرب عالمية قادمة

980

لم تكن الولايات المتحدة يوما تعتقد بان مكانتها العالمية وهيمنهتا الاحادية على العالم سينازعها عليها اي قوة عالمية فهي لديها 22 بالمائة من الناتج الاجمالي العالمي وكانت الدولة الزراعية الاولى في العالم وكذلك كانت الدولة الصناعية الاولى في العالم وكانت قد احكمت سيطرتها على أوربا وبطريقها للسيطرة على كامل وسط اسيا وجيوشها تنتشر على 740 قاعدة عسكرية بالعالم والناتو اكبر تجمع عسكري دولي ينوء تحت سيطرتها والدولار يحكم اقتصاد العالم ومعظم اوراق اللعبة العالمية بالعالم تحت يدها ولديها الخطط للسيطرة على منافسيها فالصين نظام مركزي ولا بد وان يتأثر بالاستهلاك وسنحاول زعزعته بمفاهيم الديموقراطية الاعلامية وبنزعات الصلاح والمصالح الشخصية ولا يمكن لهذه الكتلة البشرية الكبيرة الا وان تخترق بالأحزاب والاختلافات العقائدية والدينية والعرقية وغيرها وحتى المصالحية والاتحاد السوفيتي انهار الى غير رجعة وتكنولوجيا المعلومات مسيطر عليها بكل اختراعاتها بيد الولايات المتحدة الامريكية وليس من برنامج معلوماتي او شركة تكنولوجية معلومات كبيرة منافسة للولايات المتحدة الامريكية
ولكن ما لذي حدث منذ اكثر من خمسة عشر عاما ولماذا اهتز النظام العالمي العولمي ولماذا هذه اللهجة بالتراجع عن العولمة ولماذا ظهرت الصين منافسة وروسيا اليوم قوة عسكرية مناوئة للولايات المتحدة الامريكية
لا شك بان الامريكيين لديهم خططهم ولديهم اليات للقضاء على خصومهم ولديهم اكثر من اثنتي عشر الف مؤسسة اكاديمية وجامعة تجذب نخبة العقول العالمية في كل المجالات وظلت الولايات المتحدة تصرف اكثر من التسع الدول التالية لها بالميزانية العسكرية 725 مليار دولار غير المصاريف غير الرسمية ومصروفات وكالات الاستخبارات التابعة لها ولديها اكثر من خمسة ملايين مقاتل منتشر بالعالم وقوة نووية لا تدانى ولدى الامريكان خططهم في ابتلاع الشرق الاوسط ومهاجمة روسيا في عقر دارها فها هي اخترقت معظم دول اوربا الشرقية وضمتهم لمنظومتها الغربية ولا سيما الاتحاد الاوربي واخترقت جورجيا واوكرانيا وافغانستان وغيرها من محيط الدولة الروسية .
فلماذا ظهر هذا التراجع من خلال ظهور الولايات المتحدة اكبر دولة مستدينة بالعالم 21 تريليون دولار وسندات خزينة تهدد اقتصادها وتراجعها عن المرتبة الاولى في الزراعة لصالح الصين وتراجعها للدولة الثانية الصناعية بالعالم بعد الصين وعودة القوة الى الجيش الروسي وترسانته العسكرية الحديثة ولا سيما بالاسلحة فوق الصوتية وبالطائرات والدبابات الحديثة وحتى منظومات الدفاع الجوي التي تقل تكلفتها بعشر مرات عن المنظومة الامريكية الموازية باتريوت ولا توازي الاجيال الحديثة ل اس 400 و500 و600 .
اوربا لم تعد تستطع دفع حصصها في المجهود الحربي لصالح الناتو المنظومة الغربية اغرقت بالاستهلاك والدول الصاعدة لم تعد توقفها صدمات جورج سوروس مثل ازمة النمور الاسيوية وهناك دول لديها قوة بشرية مميزة تستعد لدخول نادي الكبار بعد ترهل اليابان وتراجعها عالميا وكذلك فرنسا وبريطانيا كحجم انتاج وترتيب في الدول الصناعية وحتى ايطاليا وتصعد امامها البرازيل والهند وجنوب افريقيا وغيرها.
يبدو ان هذه الحرب العالمية الباردة الجديدة قد حضر لها بعناية لسنوات طويلة ومثابرة والسياسات الهادئة للصين تعرف مدى قسوة الامريكان وردود فعلهم العنيفة وافتعالهم الازمات واتهاماتهم الزائفة وعقائدهم الدفاعية القائمة على الاستباقية والتهم بالارهاب والفوضى الخلاق وافتعال الثروات والتشويه باسم الديموقراطية.
لقد ضعف فعلا نظام بريتون وودز وطرق الهيمنة والسرقة لثروات الشعوب بالنظام النيو ليبرالي وتجربة ازمة الرهن العقاري 2008 قد نبهت الصين الى الالاعيب الامريكية وطرق نقلها للازمات الاقتصادية الى اعدائها وان تدفعهم ثمن اخطائها وارباكاتها الاقتصادية بحجة حماية النظام الاقتصادي العالمي لذلك عمدت الصين الى عملية بناء متنظمة ولسنوات طويلة طورت زرعاتها واصبحت الاولى وتنتج ضعف الناتج الزراعي الامريكي واكثر بقليل، طورت صناعاتها التكنولوجية وصارت المنافس الاول لامازون مع علي بابا والمنافس الاول في الشبكات العالمية ولا سيما ال 5 جي وبالتالي المنافس العالمي في بناء ال big data centers التحكم بسلوكيات البشر ، واعادت بناء سفنها وقدراتها العسكرية المنافسة للتكنولوجية الغربية وبتكلفة اقتصادية والغرب يترنح بعجزه وديونه ورعاية كبار السن والقارة العجوز والاستهلاك الواسع مع اقتصاد البترودولار الذي ادى الى هذا الحجم الكبير من التلوث البيئي وارتفاع درجة حرارة الارض، الكل ساهم في الكارثة المناخية ولا سيما الولايات المتحدة والصين في سباقهما المحموم للسيطرة والانتاج .
ولكن عندما لاح التغيير العالمي واهمية بناء نظام عالمي جديد بعيد عن ديون الدولار واستحقاقات سندات الخزينة كانت الصين وروسيا تعمل بصبر لبناء مخزونها العالمي من الذهب وبيع سندات الخزينة عن طريق مركز انشاته الولايات المتحدة في بلجيكا ويظهر فيه تداولات تفوق مجمل الناتج الاجمالي البلجيكي بخمسة مرات ومركز اخر انشأ باليابان لبيع سندات الخزينة الصينية والروسية للامريكان واليابانيين الخانعين للسيطرة الغربية الامريكية .
لم تعتد الولايات المتحدة الندية الاقتصادية والمالية والتقنية والاعلامية، وحتى مع الاتحاد السوفيتي كانت قادرة على ابتزازه وتوريطه اقتصاديا باقتصاد البترودولار وبالتجهيزات الضعيفة والمزورة التي تمنع تطوره الصناعي وبزجه بحرب النجوم وباظهار تراجعه الصناعي والخدمي .
اما اليوم فلديها كيان اقتصادي وسياسي وعسكري متكامل فكيف ولماذا هذه الحرب، لقد غدر ال روكفلر بعائلات الذهب العالمي وصاروا ملوك البورصات والتقنيات الحديثة والشركات العالمية التي تحصل رساميل ضخمة باسم الشركات العابرة للقارات التي تفوق بقيمتها الاقتصاد الامريكي بمجمله.
الكل متفق من السلطات العالمية وسلطات الظل على تميز عام 2020 للتغيير ولإعادة بناء النظام العالمي اقتصاديا تقنيا واجتماعيا .
وجاء وباء كورونا ليكون اداة التغيير واداة تدمير الاقتصاد العالمي لإعادة بنائه على اسس القوى الاقتصادية والتقنية المهيمنة على العالم والراغبة بتجديد سيطرتها على العالم بمنظومة اكثر مركزية وارفع تكنولوجية واقل حرية وديموقراطية واقل عدد من السكان الذين الهبوا الكون بالتلوث ونقص الموارد الطبيعية والموارد غير المستدامة ذات المخازين المتراجعة او الناضبة .
اليوم الصراع مزدوج صراع مع العالم لإدخال مفاهيم النظام العالمي الجديد الاكثر اهتماما بالبيئة والذي يستبدل البترول بالهيدروجين والكهرباء وبطاريات الليثيوم بالسيارات والقطارات والطائرات ويضع ضوابط للمصانع واساليب التلويث والمتصارع على الفلزات الصناعية النادرة ومصادر الثروات للصناعات القادمة والصراع على الاسواق وحجم الشركات، وصراع على توازنات النظام العالمي من خلال الصراع مع الصين والقوى الصاعدة واعادة تشكيل الموازين الاقتصادية والصناعية والتكنولوجيا من خلال الرقابة العالمية بمليارات الكاميرات وبالشريحة الالكترونية المزمع غرسها بالإنسان.
لقد اثبتت الصين انضباطيتها وتطورها بموازنات البحث العلمي العالمي بالرتبة الثانية وباولويتها بالاتصالات ولكن نخبة وادي السليكون مازالوا في بداتية معركتهم ضد الصين فمن خلال حصيلة اختراعات جامعاتهم التكنولوجية وتصوراتها لمستقبل العالم رقميا لديهم امل كبير بسيطرة مالية جديدة بعشرت الشركات التكنولوجية المهيمنة التي تسمح للولايات المتحدة ان تقود النظام العالمي القادم ولكن الواقع يقول ان هناك تحول الى عالم متعدد الاقطاب او ثنائي القطب على الاقل، ولكن الواقع يقول ان عالم ثنائي القطب مثل الحرب الباردة هو كذبة فالنخبة المالية العالمية مهيمنة كانت في المعسكرين ولم يكن هناك سوى معسكر راسمالي تقوده الولايات المتحدة الامريكية باتفاق بريتون وودز وبعدها بالبترودولار وبالناتو ومؤسسات الامم المتحدة وباتفاقيات الهيمنة على الدول المنهارة او الخاسرة في الحرب العالمية الثانية .
وبالتالي نخب الولايات المتحدة الامريكية يدركون ان العالم ثنائي القطب هو مقدمة لسقوط إمبراطورتيهم ونقل المركز العالمي الى الصين من هنا تأتي ارهاصات الحرب العالمية الثالثة والقسوة في التي حصلت في الخريف العربي وفر اختراق اوكرانيا وفي التهديدات العالمية ضد الصين وتهديد شركة هواوي والعودة عن اتفاقيات منظمة التجارة العالمية وتصفية توجهات العولمة وافتعال كل الطرق والازمات التي تحول دون سقوط الهيمنة الامريكية التي يبدو من ارهاصات كورونا ان الولايات المتحدة تترنح ولا تتصرف بمقدار هيمنتها واستئثارها بأسباب الثروة والقوة العسكرية ويبدو ان الصراع العالمي الخفي له اجندته في بلورة القوى العالمية في عصر الثورة الصناعية الرابعة التي تبدو الولايات المتحدة الامريكية هي الرائدة والمحتكرة لتكنولوجيات هذه الثورة ولكن الصين الوحش التكنولوجي والصناعي يبدو قادرا على المنافسة بالتعاون مع روسيا وان اعادة الصياغة الجيواستراتيجية للعالم ستأخذ مداها في البداية وعملية سقوط النظام الاقتصادي العالمي واستبدال العملات الورقية بالعملات الإلكترونية التي سيكون جزء منها مربوطا بالذهب .
ان التصعيد السياسي والعسكري الحالي جدي اليوم وهو حالة صراع على الهيمنة والثبات وامتلاك مقومات ومداخل واليات النظام العالمي الجديد، وحين يتم الحديث عن حروب وعن عبدة الشيطان ومعركة هرمجدون فكلها وسائل لتحريك الفزع العالمي تجاه صراعات متأججة ترقص على الهاوية وليس على حافة الهاوية لتهدد العالم ومصير البشرية للتحول ولإرضاخ القوى العالمية الصاعدة امام الهيمنة الامريكية المترنحة والمتآكلة بالشكل البنيوي للدولة والتي يحاول فيها ترامب ان يصونها ويعيدها الى حالة الاقتصاد الحقيقي والصناعي واستعادة مقومات الانتاج والقوة ولكنه يواجه الدولة العميقة الامريكية واسس الهيمنة المالية العالمية التي لا يناسبها الانتاج الصناعي الامريكي ولكن يناسبها نظام عالمي جديد تسيطر فيه على العالم بدون مركز محدد او من خلال مركز جديد ينقل الى استراليا ويوجه التقنيات المعلوماتية والاتصالاتية العالمية من خلال الجيل الجديد.
فالايام القادمة في هذا العام واحتدام الصراع الاقتصادي وتهاوي الاسواق وتفكك الاتحاد الاوربي وتصاعد النزاعات والفوضى في العالم وفي داخل الولايات المتحدة الامريكية، كلها ستكون عوامل مؤججة للحرب العالمية الثالثة التي ستأخذ شكلا تهديديا واسعا، وشكل اختبارات عسكرية مركزة ومؤثرة وخاطفة في منطقة الشرق الاوسط وجنوب شرق اسيا، تثبت صراع التقنيات العسكرية واجيال الاسلحة الحديثة وتضع حدا للغرور الامريكي او تنتقل لحالة حرب تدميرية لا يحمد عقباها على مستوى العالم اجمع، وستولد ازمات كبرى على صعيد امن الممرات العالمية وتهديم سلاسل الامداد العالمي للنفط والغذاء والتقنيات والسلع وكل الاحتمالات ممكنة في صراع التنين والنسر والقادم اكثر قتامة وتهديدا ويعتمد على فكرة التهديم الواسع قبل البناء على اسس جديدة، والاستفادة من نهضات واقتصاديات البناء الواسعة الجديدة بعد الدمار، والكاسب الاكبر فيها قوة الهيمنة العالمية المالية والتقنية وقوى الاحتكار الاقتصادي للسلع، والايام مثقلة بالاحداث والتحولات ولكنها على حساب انسانية البشرية ومعاناتها العميقة.
1-5-2020
الدكتور هاني شحادة الخوري