نوسوسيال

بقلم ليلان جمال/ النساء حكمت العالم في زمن الكورونا….وبعدها ماذا سيكون؟…

814
مساكين هؤلاء الرجال! يبدون فى حيرة من أمرهم، ولا يعلمون ما يفعلون. لماذا -أيها الأطفال- إذا كانت لديكم حقوق المرأة؟! فلم لا تعطونها حقها؟ ستشعرون على نحو أفضل».- من خطاب «أولستُ المرأة» الأمريكية سوجرنر تروث، الناشطة الملوّنة ابنة منطقة الرق فى نيويورك – القرن الثامن عشر.

ست سنوات عملت في أعلى هيئة ثقافية وعرفت المشهد  الثقافي والاعلامي بلدي,  فقرأت -بشغف وفضول- عن المرأة ودورها الريادي في الأسرة والمجتمع وما يقال , بينما ينشغل الرجال منذ قرون فى صناعة الآلة العسكرية وإشعال الحروب معبرين عن جموح أمزجتهم وقلة نضوجهم وغضبهم الأرعن، تنشغل النساء بصنع الأطفال والعائلات والبيوت، طالبات السلام للبيوت والأطفال الحُلوين الذين صنعتهم أيديهن النواعم، لذا فإن العالم ولا ريب -وفقاً لتلك المدرسة- يغدو مكاناً أكثر سلاماً إن حكمته النساء، بما فى ذلك مؤسساته الأمنية ووزاراته ومؤسساته العسكرية (إن قررت النساء أساساً أنه ينبغى الإبقاء على الجيوش بمدرعاتها وصواريخها ذات الرؤوس النووية، وكل تلك الألعاب النارية التى يهواها الصبيان!). ولأنه لم يتسنَّ للبشرية أن تختبر تلك الفرضية عملياً، فإننا لا نملك سوى تحيزاتنا وخيالنا، كى نستدعى تلك الصورة وأخواتها لنحاكمها ونحكم عليها. وبالمثل، ومع جائحة كورونا، فقد وجدت نفسى أستدعى سيلاً من الأفكار عن النساء تحت وطء الوباء، وعن الفيمنيزم وإدارة العالم فى زمان الجائحة.

بداية، ألقيت نظرة على الأحاديث التى تدور عن النساء والكورونا فى حوض البحر المتوسط (فرنسا وتونس مثالاً)، فوجدت الإحصاءات تؤكد تضاعف أعمال العنف المنزلى بالتزامن مع إجراءات الحجر المنزلى، إذ يبدو أن الرجال الخائفين من المرض والمجهول وقلة الموارد والانحباس الممتد فى البيوت، لم يجد بعضهم ما يخفف عنه مخاوفه الكثيرة سوى ممارسة الإيذاء البدنى ضد شريكة الحياة.. وقديماً قالت النساء فى بلادى: «جنازة بتار ولا قعدة الرجل فى الدار»!

إحصاءات أخرى تفيد أن النساء يمثلن النسبة الأكبر من جنود الجيشين الأبيض والأزرق فى المشافى (الطبيبات والممرضات).. هن إذن يشكلن السواد الأعظم من خطوط الدفاع العالمية فى مواجهة الوباء، ناهيك عن أنهن جنرالات معركة منزلية أسلحتها بخاخات الكلور وعبوات الكحول وزجاجات الخل، فضلاً عن معارك الارتزاق اليومية العادية أمام شاشات الكمبيوتر، بالتدريس الافتراضى وصياغة الأخبار وكتابة التقارير ورفعها لمجالس الإدارات. لا يعامل الوباء الرجال والنساء سواء بسواء إذن.

نحيتُ تلك التقارير جانباً، وبدأت أتلصص على ما يدور على منتديات النسويات هنا وهناك، فوجدتهن وقد شكَّلن ما يشبه خلية أزمة عابرة للحدود يُدرن عبرها العالم بخطاب ملؤه ثقة فى النساء المحليات فى مشارق الأرض ومغاربها، واللاتى أثبتن عبر عقود من الصمود للأزمات والحروب والمجاعات والأعمال الإرهابية أنهن على الدوام قادرات على البقاء. إنه منطق الـ«ياما دقت عالراس طبول» البديع. كم تدير الدراسات والخطابات النسوية الأدرينالين فى أوردتى!

أجدنى الآن، بعين خيالى، أرى رجال العالم المرتبكين أمام الجائحة التى هزت عروشهم القديمة، وهددت أبنيتهم المؤسسية السياسية والصحية الهزيلة، وقد أسلموا زمام الأمور للنساء طالبين منهن أن يتصدرن المشهد. كيف يكون الحال وقتها؟ ربما بعض الهلع فى بادئ الأمر، بعض البكاء، والكثير من الأحاديث الجانبية للتعبير المكثف الذى تجيده النساء عن الألم والخوف ورثاء الموتى، وربما سيزيد استهلاك الـ«دارك تشوكليت» فى محاولة لتحسين المزاج العام لمجلس إدارة العالم النسائى، ربما، لكن هذه الهستيريا لن تستمر طويلاً، فظنى أن المرأة القادرة دوماً على إدارة بيت تسكنه عائلة كبيرة، بموارد محدودة للغاية، ترعى المريض بصبر حتى يتعافى، والصغير حتى يشتد عوده، والتى تجيد الإيمان بشبكة علاقاتها مع النسوة الأخريات فى عائلتها وفى قريتها والاعتماد عليها فى وقت الشدة، هذه المرأة قادرة ولا ريب على التشبيك مع باقى نساء الكوكب وإدارة شئونه مع الأخريات للعبور به بأقل الخسائر الإنسانية، وعلى إدارة الموارد الدوائية والغذائية الشحيحة، والتعاطى مع المرضى بمهنية ممزوجة بالتعاطف الأمومى، بينما عينها على الفئات الأضعف والأفقر، حتى تضع الطواعين أوزارها.

قد تنشأ عصابة نسائية هنا أو هناك للسطو المسلح على مخازن الغذاء أو الدواء، لكن النساء الساهرات فى أجهزة الأمن سيعرفن على الأرجح كيف يسيطرن على هؤلاء بحزم، ويضعن خططهن طويلة الأجل لمنع تكرار مثل هذا النوع من التمرد على المنظومة بإعادة التأهيل وسياسات الإدماج الاجتماعى. وبعد مرور بعض الوقت، وعودة الحياة تدريجياً لطبيعتها، ستتفرغ المبدعات من نساء العالم لخلق رف جديد عملاق على حوائط مكتبة الحضارة الإنسانية، وليكن اسمه «أدب الجوائح النسائى»، تدوّن فيه النساء يومياتهن مع الجائحة، من داخل البيوت والمشافى وإدارات الأمن ومجالس الوزارات وقصور الرئاسة.

وفى تلك الأثناء، سيكون الرجال غالباً منشغلين بإنتاج المزيد من الكومكس والنكات البذيئة المتعلقة بالوباء وإدارة النساء للأزمة، وتداولها على منصات التواصل الاجتماعى..فالدراسات النفسية تؤكد أن الرجال ينزعون للتعامل مع الضغوط النفسية والعاطفية فى أوقات الأزمات بالضحك والممازحة فى صبيانية لا تستسيغها أكثر النساء!