تقرير حسن ظاظا : لماذا الطائرات الروسية في سماء الجولان ؟

 

رفع تكثيف روسيا من وجودها في هضبة الجولان السورية الشهر الجاري، الغطاء من جديد عن اختلاف المصالح بين موسكو وطهران، خاصة ما يتعلّق بحجم النفوذ في الأراضي السورية وملف إسرائيل. 

 

والخميس 18 يناير الجاري، أعلن المركز الروسي للمصالحة في سوريا، أن القوات الجوية الفضائية الروسية نظّمت دورية جوية عند “خط برافو” لفضّ الاشتباك في منطقة الجولان، على امتداد حدود المنطقة العازلة بين القوات السورية والإسرائيلية.

وأرجع ذلك في بيانٍ نشرته وكالة “تاس”، إلى أنها تأتي “في إطار عمليات مراقبة الأوضاع”، في إشارة إلى التوتّر الجاري مع الغارات الإسرائيلية على سوريا لقصف مطارات أو شخصيّات إيرانية.

وقبلها بأسبوعين، أعلن ذات المركز في 3 يناير أنّ الشرطة العسكرية الروسية شيَّدت موقعين إضافيين في الجولان، “بسبب الاستفزازات المتزايدة في المنطقة المنزوعة السلاح”، و”لمراقبة نظام وقف إطلاق النار”، وفق ما نقله موقع “روسيا اليوم”.

مواقف كاشفة للخلاف 

مِن وقتٍ لآخر خلال السنوات الأخيرة، تخرج تصريحات من مسؤولين إيرانيين وروس، تكشف المكتوم بشأن صراع النفوذ بين البلدين في سوريا، من بينها:

  • في مايو 2018، أعلن المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، حينها، أنه “لا أحد يُمكنه إجبار إيران على الخروج من سوريا”، في رد على تصريحات  المبعوث الخاص لبوتن إلى سوريا، ألكسندر لافرينتييف، بشأن ضرورة انسحاب القوات الأجنبية بما فيها الإيرانية.

  • في مارس 2019، تحدَّث النائب السابق لوزير الخارجية الإيراني، حسين جابري أنصاري، عن وجود اختلاف بين طهران وموسكو بشأن إسرائيل، مؤكّدا في نفس الوقت اتفاق البلدين على مصالح أخرى في سوريا.

  • في يناير 2024، وعقب اغتيال العديد من قادة الحرس الثوري الإيراني في دمشق، لمّحت صحيفة “جمهوري إسلامي” الإيرانية، إلى مسؤولية روسيا، حين تساءلت: هل عجزت منظومة الدفاع الروسية “أس 400” عن مواجهة الهجمات الإسرائيلية؟

  • بجانب ذلك، هناك خلاف بشأن النفوذ في المناطق الساحلية المطلّة على البحر الأبيض المتوسط في سوريا، ففي حين أعلنت سوريا نيّتها تأجير ميناء طرطوس لروسيا، تحدّثت عن تسليم محطة الحاويات في ميناء اللاذقية إلى إيران، وفق تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأميركية.

ويتسابَق البلدان على الفرص الاقتصادية؛ فالشركات الروسية نجحت في الفوز بـ5 عقود نفطية بين عامي 2013 و2020، على سبيل المثال، في حين حصلت إيران على عقد نفطي لأول مرة العام الماضي، وإن كانت تسعى إلى تعزيز وجودها في مناجم الفوسفات.

بتعبير مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان (مركز معارض مقرّه لندن)، رامي عبدالرحمن، فإن العلاقات بين روسيا وإيران يتخللها توافُق وتعارُض في المصالح.

وعن طلعاتها الجوية في الجولان، فإنها وفق عبدالرحمن تحمل رسائل مِن روسيا لعدة أطراف، منها:

  • أنّ موسكو لن تسمح بسقوط الأراضي السورية تحت وطأة التصعيد بين طهران وتل أبيب.
  • قبل الطلعات الجوية، نشرت روسيا مقاتلين روسيين في الجولان لمنع استهداف إسرائيل لها.
  • روسيا لا تريد انجرار سوريا في الصراعات التي تخصّ إيران، وفي اجتماعٍ مع ضباط الجيش السوري في مدينة دير الزور منعت انجرار القوات المسلّحة السورية مع المليشيات الإيرانية في استهداف القواعد والقوات الأميركية.
  • ضمن صراع النفوذ غير المعلن بين البلدين، فإنه بعد أن كان ولاء الفرقة 25 بالجيش السوري، والتي تسمّى الآن بالفرقة الخاصة، ولواء القدس الفلسطيني لإيران، أصبح الآن لروسيا، وتلقيا تسليحا وتمويلا روسيا، ومثل ذلك مجموعات مسلحة أخرى.
  • في نفس الوقت، هناك توافُق بين موسكو وطهران فيما يخص مناطق شمال شرق سوريا، الواقعة تحت “الإدارة الذاتية” لقوات سوريا الديمقراطية “قسد” (معظمها أكراد)، فهناك اتفاق روسي تركي إيراني لزعزعة استقرارها.

الخلاف بشأن “طوفان الأقصى” 

في تقدير المحلل السياسي الإيراني، عبدالرضا بن علي، فإن من أبرز خلافات موسكو وطهران في سوريا هو “ما يخص قضية فلسطين، خاصة بعد عملية طوفان الأقصى التي تدعمها إيران لأسباب عقائدية، بينما تبحث إيران عن مصالحها في هذه الأزمة”.

وأعلن مسؤولو إيران مرارا دعمهم للقتال الذي تقوده حركة حماس ضد إسرائيل في عملية “طوفان الأقصى” منذ 7 أكتوبر الماضي، بينما تدعو روسيا إلى وقف إطلاق النار.

ولا يتوقّع الخبير العسكري أحمد رحال، من ناحيته أن تؤثّر خلافات البلدين في بعض الملفات على النشاط الإيراني أو الإسرائيلي في سوريا، قائلا إنه رغم أن الطلعات الجوية في الجولان تهدف من ورائها موسكو لأن تقول إنها صاحبة نفوذ في المنطقة، فإن طهران وتل أبيب لن تهتمّا بالموقف الروسي حين تريدان تنفيذ أنشطتهما.

 

               القمة ناقشت أزمة سوريا وملفات أخرى متعددة

 

استضافت طهران، العام الماضي قمة ثلاثية قالت إنها تركز على الأزمة السورية، تجمع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بنظيريه الروسي فلاديمير بوتن والتركي رجب طيب أردوغان، إلا أن محللين اعتبروا أن “الأسباب الحقيقية للاجتماع أبعد بكثير من التنسيق بشأن سوريا”.

وتأتي القمة بعد أيام من زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، التي شملت إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية، ومشاركته في “قمة جدة للأمن والتنمية” التي ضمت بالإضافة للدولة المضيفة، دول الخليج العربية ومصر والعراق والأردن.

وتعد قمة طهران أول لقاء ثلاثي على مستوى الرؤساء منذ عام 2019، ضمن إطار “عملية أستانة للسلام” الرامية لإنهاء النزاع السوري المندلع منذ عام 2011.

وترى الخبيرة الأميركية المختصة في الشؤون الدولية والاستراتيجية إيرينا تسوكرمان، أن الأسباب الحقيقية للقمة أكثر تعقيدا بكثير من التنسيق بشأن سوريا، فهناك عدد من الاختلافات بين الدول الثلاث حول هدف كل دولة في سوريا.

وأضافت تسوكرمان لموقع “سكاي نيوز عربية”: “القمة شملت مداولات أمنية واقتصادية وموازنة بين الاهتمامات الوطنية والأجندات الجيوسياسية الأوسع لكل دولة. البلدان الثلاثة تتطلع إلى زيادة النفوذ لأسبابها الخاصة، لكنها على استعداد للتعاون ضد الغرب كلما كان ذلك ممكنا”.

وتابعت: “تتلقى دمشق دعم كل من روسيا وإيران، في مقابل ذلك تسيطران على جوانب مختلفة من الأراضي والاقتصاد السوري، ولديهما مصالح كبيرة في القواعد البحرية والسيطرة البحرية في ذلك الجزء من العالم، فيما تعارض تركيا بشكل عام الرئيس بشار الأسد لكنها تصالحت مع وجوده، وباتت تتمتع بسيطرة قوية في إدلب حيث تتجول العديد من القوات الموالية لها بحرية، كما أنها تدعم فصائل تعمل بشكل أساسي ضد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة، وينصب اهتمامها الأساسي على تعطيل النشاط الكردي خاصة على الحدود”.

وأشارت إلى أن “أزمة أوكرانيا كانت أولوية على طاولة الاجتماع الثلاثي. لإيران أيضا مصلحة استراتيجية فيما ستؤول إليه حرب أوكرانيا، فهي تدعم جهود روسيا هناك لكنها تسعى إلى تجنب المواجهة المباشرة مع تركيا، التي زودت أوكرانيا بطائرات بيرقدار القاتلة بدون طيار، وفي الوقت نفسه، تحتفظ تركيا بتنسيق أمني وثيق مع إيران بشأن القضايا الكردية وغيرها”.

ولفتت المتحدثة إلى أن “الاجتماع شهد تنسيقا بين الدول الثلاث أيضا بشأن قضايا أمنية أخرى في المقام الأول ضد الكتلة الغربية، حيث حاولت روسيا مرارا إضعاف نفوذ الناتو من خلال مبيعات الأسلحة وغيرها من المعاملات مع تركيا”، إضافة إلى “تطورات الأوضاع في جنوب القوقاز لا سيما أذربيجان الواقعة بين البلدان الثلاثة”.

وأوضحت تسوكرمان أن “أذربيجان الآن تشكل تحديا لإيران وروسيا، بسبب دورها في موازنة أزمة الطاقة كحليف غربي قد يحل معضلة الغاز في أوروبا”.

وفي السياق ذاته، قال الأكاديمي المتخصص بالشؤون الدولية طارق فهمي إن “العنوان الأبرز للقمة كان سوريا، فهناك هدف معلن هو خفض التوتر هناك، لكن الاجتماع لم يتناول الأزمة السورية فقط، حيث بحث القادة أيضا الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على أمن الغذاء، وكذلك التخوفات من تهديد تركيا بشن عملية عسكرية شمال سوريا”.