نوسوسيال

بقلم عادل القليعي : التأويل المجازي في قوله تعالى :”إني أراني أعصر خمرا”

1٬298

 

 

 

 

سنوات طويلة وأنا مهتم بالدراسات التأويلية والتفرقة بين التأويل والتفسير والهيرمونطيقا سواء التأويل في القرآن الكريم وتأويل نصوص أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ، أو التأويلات الكلامية عند الفرق الإسلامية أو التأويل عند الفلاسفة سواء في العصور الوسطى الإسلامية أو العصر الحديث إلى عصرنا الذي نحياه وجدلية العلاقة بين التأويل والتجديد.
إلا أن الأمر قد يختلف بعض الشيئ في هذا المقال ، إذ ووجهت بطريقة غير مباشرة بسؤال ، هل الخمر يعصر، في قوله تعالى “إني أراني أعصر خمرا”، فأخذتني ملكة التأويل وعالجت الإجابة على هذا السؤال في عدة نقاط هى:
أولا:
من رحمات ربنا على الإنسان أنه يحاسب على فهمه للنص.
وفهم الناس على تفاوتهم درجات كل حسب معرفته أو تلقيه أو مدركاته المعرفية
فمنهم من يفهم النصوص ويأخذها على ظاهرها دون تأويلها ، ومنهم من يكتفي بما يقدم لهم من تفسير للنص من مفسرين ثقاة.
وصنف ثالث يلجأ إلى تأويل النصوص ويوظف هذه النصوص لخدمة واقعه الذي يعيش فيه أو من يلوي عنق النصوص لتحقيق مآرب أخرى.
ثانيا:
وهذا يقودنا إلى قوانين التأويل التي حدثنا عنها الإمام الغزالي رحمه الله تعالى.
وبالحتمية المنطقية ضرورة أن نتحدث عن مفهوم التأويل عند المعتزلة وابن رشد ، لماذا ، لأن كليهما سلك المسلك العقلي في تأويله قائلين إن النص له ظهر وبطن مع الفارق بين المعتزلة وابن رشد.
ثالثا:
لماذا لجأ المعتزلة للتأويل ، لإثبات التنزيه الإلهي فعلى سبيل المثال أولوا آيات الرؤيا وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ، ناضرة أي منتظرة لأمر الله أن يقضي أمره فيهم وهذا ما خالفهم فيه أهل السنة والجماعة ، والاشاعرة والماتريدية.
رابعا:
أما ابن رشد ففي كتابه فصل المقال قدم تعريفا للتأويل مفاده أن لكل نص مجاز.
فالتأوبل اخراج اللفظ من دلالته الحقيقية إلى دلالته المجازية دون الإخلال بلسان العرب.
فابن رشد قسم أصناف الطالبين للمعرفة
الخطابيون وهم الذين يقبلون النصوص على ظاهرها.
الجدليون علماء الكلام.
البرهانيون وهم الذين أطلق عليهم ابن رشد الراسخون فى العلم ، وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم .
خامسا:
أما المتصوفة فجل فهمهم للنصوص بواطنها ، بمعنى الإهتمام بالمعنى الباطني للنصوص فكانوا دوما يلجأون للتأويل للتعبير عن مكاشفاتهم وحالاتهم وأحوالهم وخير دليل على ذلك تأويلهم للخمر ، الشجرة ، الزيتونة ، الكأس ، النور ، المشكاة.
وخير دليل على ذلك تأويلات قمر الصوفية أبو سعيد الخراز للآية الكريمة هو الأول والآخر والظاهر والباطن ، فالله أول بلا ابتداء وآخر بلا انتهاء ، أي أول ليس قبله شيئ وآخر ليس بعده شيئ وظاهر ليس فوقه شيئ وباطن ليس دونه شيئ وظهوره في بطونه وبطونه في ظهوره.
سادسا:
إذن فهناك مجاز في القرآن الكريم.
وهذه المجازات لا ينبغي للعوام أن يتعاملوا معها حتى لا يحدث خلط في النصوص وحتى لا يحدث عبث بالقرآن الكريم وآياته ، فقد حدث مثلا أن الصحابة فهموا الآية الكريمة فكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الأسود من الفجر.
فظلوا يأكلون إلى الصباح.
كذلك إذا لم يكن هناك تعابير مجازية فمن الممكن أن تفهم الآيات على ظاهرها كآيات الوجه واليد والسمع والبصر.
وكذلك في قوله تعالى وإن الدار الآخرة لهى الحيوان، إذا لم يكن ثم مجاز ستفهم هذه الآية بالحيوان المادي، لكن الحيوان هنا المقصود به الحياة الحقة الباقية السرمدية.
سابعا:
وهنا يآتي دور العلماء لتوضيح مثل هذه المسائل ، كل يدلي بدلوه ، علماء القرآن ، علماء السنة ، الفقهاء ، علماء أصول الفقه، المفكرون ، علماء اللغة الذين دوما ما يتسلحون بسلاحها الجبار المتمثل في بلاغتها ومفرداتها ، ومحسناتها وبديعها ، فالكلام يهيم مؤولا حسب ملكاته وقدراته التي حباه بها الخالق سبحانه وتعالى.

 

 كاتب المقال الدكتور عادل االقلعي أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب جامعة حلوان في جمهورية مصر العربية