نوسوسيال

: رفيق ابراهيم/ تركيا سقوط الأقنعة وأحلام السلطنة الجديدة

402

بقلم: رفيق ابراهيم

تركيا سقوط الأقنعة وأحلام السلطنة الجديدة

تركيا تسعى بشتى الوسائل الممكنة لتحقيق حلم تركيا الكبرى وبسط نفوذها على الدول الناطقة بالتركية في وسط آسيا والقوقاز ومن أجل تحقيق هذا الهدف لجأت الحكومات التركية المتعاقبة إلى استخدام القوة الناعمة، حيث اعتمدت على نشر الثقافة واللغة التركية فيها، ووسعت علاقاتها مع تلك الدول لقبولها بالوجود التركي فيها. وبالطبع استخدمت الدين كأداة في ذلك، ويعتبر الدين من أكثر الأدوات فاعلية، حسب السياسة الخارجية التركية، على اعتبار أن المجتمعات في تلك الدول إسلامية ورضخت لسلطة الدولة الشيوعية أبان عهد الاتحاد السوفياتي، ولهذا أرادت تركيا وبكل الوسائل المتاحة التأثير في مجتمعات تلك الدول لتتغلغل فيها، وتحقق أهدفها في السيطرة على تلك الدول.

استخدام الدين لتحقيق الأهداف

وبعد انفصالها عن الاتحاد السوفياتي استغلت تركيا ذلك وقدمت نفسها كبديل علماني نظرياً، لكن وبعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001، تغيرت الأوضاع عما كانت عليه، حيث تم محاربة الجماعات الدينية المتطرفة وفرضت عليها قيود كبيرة، وكانت من ضمنها بعض المجموعات في تركيا، وبخاصة أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا التي اتخذت اتجاه الإخوان المسلمين، مما أثار حفيظة دول وسط آسيا والقوقاز بشكل أكبر.

ويقول الدكتور بايرام بالسي، الباحث التركي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، من خلال دراسة تحت عنوان (النفوذ الديني التركي في آسيا الوسطى والقوقاز)، نشرت في دورية “اتجاهات معاصرة في الأيديولوجيا الإسلامية الصادرة عن معهد هدسون الأمريكي، إذ يشرح الكاتب كيف استخدمت تركيا الدين بهدف تحقيق النفوذ الثقافي أولاً داخل هذه الدول بعد الصحوة الإسلامية التي انتشرت عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، ودور المنظمات والحركات غير الحكومية مثل “حركة النورسي وحركة حزمت/ في تحقيق الهدف التركي، وأخيراً يناقش التحديات والشكوك التي تواجه تركيا في آسيا الوسطى والقوقاز، ورؤية مستقبلية حول العلاقة بين تركيا ودول وسط آسيا والقوقاز.

العمل على دمج الدين بالهوية الوطنية

بعد انهيار المنظومة الشيوعية في الاتحاد السوفييتي، قامت دول آسيا الوسطى والقوقاز على دمج الدين الإسلامي بالهوية الوطنية للدولة، من أجل التأثير على الصحوة الإسلامية للمواطنين، وفي ذات الحين وضعت نشاطات الشخصيات الدينية الفاعلة والتي لها ثقل ديني واجتماعي تحت المراقبة الشديدة، لمنع ظهور الجماعات المتطرفة على غرار طالبان والقاعدة؛ وذلك من خلال “مديرية الشؤون الروحية والدينية” و”لجنة الدولة للشؤون الدينية”، فكانت هاتان المؤسستان تتميز بدور مراقبة أنشطة الأشخاص والجماعات والمنظمات الدينية، واستخدمت القوة والترهيب في ذلك، ما أدى إلى ازدياد التطرف الفكري؛  فأعلنت عن الحركة الإسلامية في أوزبكستان في عام 1993، وكانت بداية تأسيس الحركات الإسلامية المتطرفة في دول وسط آسيا والقوقاز.

وتحركت تركيا على محركين في التدخل في شؤون تلك الدول، يتمثل المحرك الأول في سعي الحكومة التركية لتوطيد العلاقة مع الجمهوريات الناطقة بالتركية، وعملت على بناء اتحاد سياسي يضم هذه الدول تكون القيادة فيها لتركيا، أما المحرك الثاني هو الاتجاه العلماني للجمهورية التركية الذي أكسب تركيا تأييد الغرب، خوفاً من انتشار الأيديولوجيات المتطرفة والتنظيمات الإسلامية المتشددة، لذلك كان النموذج التركي هو البديل الوحيد الذي نجح في دمج الإسلام والعلمانية آنذاك حسب ما ادعته تركيا، بما لا يتعارض مع الفكر الغربي ولا مع مصالحه.

التغلغل في المجتمعات الإسلامية بغرض السيطرة

وتركيا اعتمدت على الجماعات والحركات المدنية الدينية في النفوذ الثقافي، فتقربت منها وقدمت لها الدعم المادي والمعنوي لتكون الباب التي تدخل منه إلى تلك الدول، ومن أجل ذلك أسست مديرية الشؤون الدينية، وكانت مهمتها الأساسية هي تنظيم العلاقة بين الكماليين المنتمين لفكر مصطفى كمال أتاتورك والفكر الإسلامي والتوازي بين الفكرين. وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي وسعت دائرة الشؤون الدينية علاقاتها مع تلك الدول، حتى أصبحت الأداة الاساسية للنفوذ التركي الرسمي في دول القوقاز. وبعد ذلك أسست المجلس الإسلامي بأوراسيا” في عام 1994، وقد نجح هذا المجلس في الوصول لبعض الإنجازات منها توحيد الإجازات الإسلامية الأساسية ووضع الإطار والمنهج العام للتعليم الديني، وكان هذا المجلس طريقاً لعبور المفاهيم التركية وفرض رؤيتها ومشاريعها على تلك الدول.

وأسس فتح الله كولن الذي تبنى النهج ذاته الذي يعتمد على العلمانية في تعليم الدين، وأسس حركة “حزمت” التي امتلكت فيما بعد نفوذاً اقتصادياً وثقافياً، وقد وضعت الحركة لنفسها هدفاً أساسياً هو نشر أفكار الإسلام المدني والسلم الاجتماعي على المستوى العالمي والتغلغل في المجتمعات الإسلامية في كل مكان. واعتمدت الحركة على المدارس كأداة قوية وفعالة لتعميق التأثير الثقافي؛ فأسست الحركة مدارس على درجة عالية من الجودة والمستوى حيث صرفت عليها مبالغ طائلة. ومعظم من تخرج من هذه المدارس التي أنشأتها الحركة في دول القوقاز ووسط آسيا تولى مناصب عليا في دولته أي في تلك الدول المستهدفة، وتحلى بمكانة اجتماعية مرموقة؛ مما أثر في بقاء الحركة الاجتماعي داخل تلك البلاد، كما تبنت حركة غولن سياسات اقتصادية ربحية، أدت إلى تزايد نفوذها الاقتصادي وقوتها ومشاريعها الاقتصادية في المنطقة، فقد أنشأت صحيفة وقنوات تلفزيونية عدة لنشر أفكارها والعمل من أجل توطيد أواصر بقائها.

أجندات خفية وراء الأنشطة التركية

وبعدما تصاعدت حدة الرفض للجماعات ذات النفوذ والتشدد الديني منذ أحداث 11 أيلول 2001، زادت مخاوف دول وسط آسيا والقوقاز من وجود أجندات سياسية خفية وراء أنشطة حركة “حزمت”، فاشتدت وتيرة الرفض لحركة كولن في باشكورتوستان وتتارستان، حيث أغلقت الحكومة الروسية كل المدارس التابعة لحركة كولن، معللةً ذلك بأنها تدعو إلى الأممية التركية وتعمل لتحقيق أجنداتها المريبة. بيد أن هناك وعلى الجانب الآخر، فإن العديد من التفسيرات تؤول إلى أن هذه السياسات المناهضة للحركة هي في الأساس رد فعل على السياسات الرسمية للحكومة التركية، وليست رفضاً لفكر الحركة نفسه. ورافضة لتنامي الفكر المتطرف لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، حيث انتهجت بعض دول القوقاز ووسط آسيا إلى انتهاج سياسات وقائية لحماية نفسها من هذا الخطر التركي الداهم، فأوزبكستان، أغلقت مدارس حركة حزمت المرتبطة بفتح الله غولن، كما قررت حكومة تركمانستان في عام 2011 إغلاق العديد من المدارس أيضاً، وحكومة أذربيجان لم تكن أقل شئناً من الحكومات الأخرى حيث فرضت الكثير من القيود على الحركات التركية ومدارسها.

وبالرغم من استفحال الخطر من انتشار الثقافة التركية وفرض قيود عليها، إلا أن حركة حزمت استطاعت أن تستمر في تأثيرها في منطقة وسط آسيا والقوقاز، ويعود ذلك لعدة أسباب، مدارس فتح الله كولن ساهمت على انتشار اللغة التركية وبخاصة انها استهدفت المناطق التي تعاني الجهل والتهميش، والعامل الثاني هو الدعم المالي والمادي لهذه المدارس ومن تعلم فيها، وثالثاً اتخاذهم الدين في كسب هوية عابرة للوطنية أضاف بعداً إقليمياً قوياً للحركة ساعد في نشر أفكارها وبرامجها.

تركيا الكبرى حلم يداعب الأفكار العثمانية

 الآن السياسة التركية بين الشد والجذب وهناك رؤية غير واضحة نظراً لتخبط السياسة التركية في الوقت الراهن، وهذا يعود إلى ظهور الأيديولوجية الإسلامية المتشددة التي توصف بالتطرف حيث ظهرت جلياً في سياسات حزب العدالة والتنمية الحاكم، وهو حزب الرئيس التركي أردوغان، ويتوقع الكثير من الخبراء والمحللين أن يخبو التأثير التركي الرسمي على دول وسط آسيا والقوقاز شيئاً فشيئاً، ولكن قد يستمر تأثير المنظمات غير حكومية مثل حركة حزمت، التي أسست لتبقى لعقود من الزمن.

وعلى الرغم من وجود خلافات جوهرية الآن بين حركة “حزمت” وحزب العدالة والتنمية، إلا أن الأهداف العامة للسياسة التركية هي تحقيق السلطنة العثمانية الجديدة، واستطاعت حركة حزمت التسلل إلى الطبقة الوسطى في بلاد القوقاز ووسط آسيا عن طريق المدارس والخدمات التعليمية والثقافية والدينية، وكانت لها تأثير كبير عليها، وقد حملت هذه بدورها مسؤولية التقارب الثقافي بين الشعب التركي وشعوب تلك الدول لخدمة الأجندات التركية في آسيا الوسطى والقوقاز، وسوف يكون لهذا النوع من التقارب أثره الكبير في الاقتراب من فكرة “ت