نوسوسيال

بقلم الكاتب السوري :حسان يونس : النوروز في الشهباء.. انقلاب نحو الحياة

384

 

 

 

 

للنوروز في كل البقاع معاني جميلة تتصل بالبداية الجديدة المنبثقة من طبيعة خصبة تطوي مرحلة من اليباس والشتاء لتعلن ربيعاً مزهراً يخرج كل ما في النفس البشرية من أمل ومن رغبة في الرقص والغناء والخروج من أسر الماضي. وهو في بعض معانيه يتصل برفض الظلم والطغيان وبالقضاء على طاغية ما، يرتهن حياة مجتمع لحساب نزعاته المريضة، الناتجة عن بقاءه المديد في برج السلطة المنعزل، والذي يؤدي به إلى “التعنكب” والحاجة إلى امتصاص نسغ الحياة من الآخرين, هذا في إطار عام أما فيما يخص احتفالات النيروز في منطقة الشهباء/ فافين في ريف حلب الشمالي وفي حي الشيخ مقصود في حلب هناك جملة قيم تضاف إلى ما سبق ذكره.ذلك أن أغلب المحتفلين بالنوروز في هذه المناطق هم مهجرين جرى اقتلاعهم من أرضهم في منطقة الشهباء في عملية سميت بدرع الفرات، وكما تم تهجيرهم من منطقة عفرين بعد الغزو التركي فيما يسمى بعملية “غصن الزيتون” عام 2018 .


إن مشاهدة مهجري عفرين والشهباء وهم يلبون نداء الربيع ويخرجون من مخيمات نزوحهم، بشكل عائلي، في ثياب ملونة وابتسامات ونظرات أبهج ألواناً، يحملون زاداً بسيطاً يتناولونه خلال الاحتفال في ظلال الشمس وشعلة النوروز والأغاني الملحمية المحلقة في سماء الاحتفال، أن مشاهدة هؤلاء القوم يطرح سؤالاً بسيطاً: كيف استطاع من فقد داره وطفولته وأحلامه وبعض عائلته أن يستجمع شتاته المتبقي! ويعاود الاحتفال بالبداية الجديدة لزمن يحمل أملاً جديداً !. هذا السؤال يكشف عمق تجذّر هؤلاء القوم في أرضهم وثقافتهم وهو سؤال يمكن أن نعطف عليه سؤالاً آخر: كيف فقد سوريون آخرون احتفالاتهم الفلكلورية الشبيهة بالتدريج منذ حقبة الثمانينات؟ وما صلة ذلك بضياع هؤلاء السوريين وانسلاخهم عن جذورهم؟.

 

 

جرى تنظيم الاحتفال في منحدر واسع يتعرج بين الصخور والأعشاب ويقع في منطقة فافين إلى جوار قرى تل قراح وأحرص وتل سوسين ومعراته والمسلمية والأحداث وتخلله غناء ملحمي بديع كردي وعربي، تمازج مع حلقات دبكة أنثوية بالثياب الملونة الفلوكلورية الأكثر ابداعاً. تآلف ايقاع الألحان والألوان والخطا والنبض البشري في نوع من الأوبرا الطبيعية الغير متفق عليها والآسرة، كان إله النيروز حاضراً بقوة وقسوة وسط تلك الجموع المثارة والمندفعة إلى البهجة بقوة غامضة.الأمر اللافت أن هذه المنطقة شهدت جولات مختلفة من أعنف وأفظع جولات الحرب السورية وتبدلت خرائط السيطرة فيها خلال 2011-2015 بين لواء التوحيد بقيادة عبد القادر صالح المعروف ب”حجي مارع” وبين تنظيم داعش وبين وحدات حماية الشعب والجيش السوري ولا تزال تشاهد في تلك القرى بقايا عظام ضحايا ذلك العنف المدمر.

 


اليوم جرى استبدال كل ذلك العنف وذكرياته وارتداداته النفسية والمادية باحتفالية من أكثر الاحتفاليات تعلقاً بالحياة، وهو انقلاب حقيقي نحو ما يجب أن يحصل في كل سورية المفخخة بقصص القتل والتصفيات والرغبة بالثأر واستعادة المبادرة عندما تتبدل الظروف.وفي إطار هذا الانقلاب جرى تحويل سجن الأحداث المركزي في حلب المجاور لمكان الاحتفال إلى مدرسة ذات سوية جيدة وبناء جميل .أن يتحول سجن إلى مدرسة، أن تتحول أرض مفخخة بالقتل إلى مهرجان للاحتفال بقيامة الربيع، أن تعلوا أصوات الغناء الملحمي على صدى أصوات القذائف والقصف هو الحلم الذي شاهدته للمصادفة في احتفالية الشهباء بعيد النوروز وهو حلم- واقع يجب أن يعمم على كافة المساحة السورية، أن تستعيد كل مناطق سورية ثقافتها الباعثة على الحياة وتخرج

من دورة العنف سواء كان عنفاً نفسياً أم مادياً أو كان انتظار لدورة عنف جديدة.