نوسوسيال

زلزال تركيا.. سوريا.. بين السياسة والانتخابات

237

 

حرص الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، منذ لحظة وقوع الزلزال  الذي ضرب مناطق واسعة من تركيا وشمالي سوريا، وخلّف دماراً هائلاً، على تصدر المشهد السياسي، وتحويل الزلزال إلى حملة انتخابية في الداخل التركي من جهة، وحملة دبلوماسية لتحسين العلاقات التركية مع الخارج، لاسيما مع الدول التي لبلاده خلافات معها من جهة ثانية، إذ طالما عُرف عن الرئيس التركي أنه يجيد استغلال الظروف لبناء التحالفات ووضعها في خدمة سياسته وأجندته، وهكذا سارع إلى توجيه نداء إنساني إلى كل دول العالم لتقديم المساعدة العاجلة لتركيا، ومع أن ذلك حق طبيعي في مثل هذه الحالات الإنسانية، إلا أنه عبر هذا النداء حشر المعارضة في زاوية صعبة، إذ لم تعد للأخيرة من خيارات سوى الوقوف إلى جانبه، وبما يشكل دعماً سياسياً له، رغم أن تقارير أحزاب المعارضة أكدت أن المساعدات لم تصل إلى المناطق المنكوبة إلا بعد أيام من وقوع الكارثة، كاشفة بذلك ضعف القدرة اللوجستية للدولة، وهشاشة بنيتها التحتية.

الاستفادة من الكوارث الطبيعية، واستغلالها سياسياً في الانتخابات ليس بالأمر الجديد، إذ يخبرنا التاريخ أن الزلزال المدمر الذي ضرب إسطنبول عام 1999، وخلّف دماراً هائلاً وما يزيد عن سبعة عشر ألف قتيل، كان سبباً في هزيمة حكومة بولند أجاويد لاحقاً، وصعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في عام 2002، حيث كشف هذا الزلزال عن هشاشة بنية الدولة التركية أمام الكوارث الطبيعية، ودور شبكات الفساد فيها، وعدم التزامها بالمعايير الأوروبية للبناء رغم أنها وقّعت على البروتوكول الخاص بهذه المعايير عام 2018، ولعل أكبر دليل على استمرار عدم التزامها بهذه المعايير هو بدء حكومة أردوغان ببناء مفاعل “أقويوي النووي” في خليج مرسين الواقع في صدع جيولوجي قلق، وهو ما يطرح السؤال عن مخاطر بناء مفاعل نووي في هذه المنطقة الجيولوجية الخطرة، وماذا لو أدى زلزال آخر إلى تسرّب إشعاعات نووية منه فيما لو كان جاهزاً، ودون شك، لكان الجواب المتوقع هو أن مخاطر مثل هذا التسرب ستكون أكبر من مخاطر أي زلزال على حياة ملايين البشر، ليس في تركيا فحسب بل في سوريا أيضاً بحكم الترابط الجغرافي، حيث كشف زلزال أضنة هذه الحقيقة الجغرافية، خاصة أن الكوارث الطبيعية لا تعترف بالحدود الجغرافية، ولا تميّز بين الأديان والشعوب والقوميات والمذاهب، كما أنها لا تفرّق بين موالٍ ومعارض لهذا النظام أو ذاك.

دبلوماسية الكوارث التي فتحتها النافذة الإنسانية للزالزل بدت هشّة أمام الحقائق المرّة على الأرض، لاسيما تجاه مناطق شمال غربي سوريا التي تسيطر عليها تركيا، إذ وقفت تركيا عاجزة عن تقديم أي مساعدات لهذه المناطق المدمّرة، لاسيما بلدة جنديرس في عفرين التي تعرّضت لتدمير شبه كامل، وتذرّعها بالعوائق الطبيعية التي خلفها الزلزال فضحتها السياسة، إذ كيف يمكن فهم تقاعس الحكومة التركية عن دعم ونجدة أهالي هذه المناطق جواً، بعد أن كانت طائراتها وهليكوبتراتها تقصفها بشتى أنواع الأسلحة في الوقت الذي تتقاعس فيه الآن عن تقديم المساعدات لها عبر تلك الطائرات، كما أن معبر باب الهوى الوحيد المفتوح مع الداخل السوري تحول إلى معبر لنقل جثث السوريين فقط! في وقت كان يمكن تقديم المساعدات عبره رغم الظروف الصعبة التي خلفها الزلزال.

على الضفة الأخرى، لم يختلف السلوك السياسي للحكومة السورية كثيراً لجهة التعاطي مع هول الكارثة، ذلك أنها أرادت تحويل الزلزال إلى مناسبة سياسية لانفتاح الخارج عليها، فيما ينبغي أن يتغلّب الظرف الإنساني على كل الخلافات السياسية والصراعات الداخلية في مثل هذه المناسبات، ولعل هذا السلوك أثّر كثيراً على وصول المساعدات إلى المناطق المنكوبة بفعل الحواجز الأمنية التي تفصل بين المناطق السورية المقسّمة إلى ثلاثة مناطق أساسية تقع تحت سيطرة قوى متصارعة، في وقت يرى كثيرون أن هذه الحواجز الأمنية والمعابر كان ينبغي أن تفتح ولو مؤقتاً لإنقاذ أكبر عدد من الأرواح، وبما يؤسس لحركة سياسية في مرحلة ما بعد الزلزال، تساعد على الحوار ونسج تفاهمات تخدم الحالة الوطنية السورية والحل السياسي في البلاد، حتى وإن كان ذلك يتطلب تفاهمات بين الدول الكبرى المعنية بالأزمة السورية.

من دون شك، فتح زلزال أضنة الباب أمام مرحلة جديدة من الصراع السياسي في تركيا قبل أشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المصيرية لحكم أردوغان، وإذ كان الأمر بالنسبة لأردوغان هو حشد الدعم الداخلي والخارجي خلفه؛ فإنه بالنسبة للمعارضة مناسبة لتوجيه سهام النقد إلى فساد حكم أردوغان وربما محاكمته حال فوزها في الانتخابات، وهو ما قد يضع  أرودغان في امتحان صعب والذهاب إلى خيار تأجيل الانتخابات، فيما واقع الحال يدفع الكثيرين إلى السؤال، هل من جاء إلى الحكم على وقع تداعيات زلزال عام 1999 سيخسر هذا الحكم على وقع تداعيات زلزال أضنة؟.