نوسوسيال

بقلم سحر ناصر : (( أجندة 2023 ))

252

 

 

 

 

لكل منا أجندته الخاصة ليس بالمعنى السياسي حيث يتراءى لنا أن الأجندة تعني المؤامرة أو المصالح الشخصية، وإنما أجندة ذاتية غير مرئية، نضع فيها أحلامنا وأمنياتنا في بداية كل عام جديد.

أجندة نُخبئ في داخلها أسماء أناس نحبّهم وآخرين نحلم باللقاء بهم وغيرهم ممّن نحتاج لمجهود نفسي وعصبي للتعامل معهم. هي أجندة فيها من الوجوه والأماكن التي لا نزال نذكرها ولو دون مغزى، لكنها دائماً ما تُثير فينا مجموعة من المشاعر يصعب تصنيفها، حبّ أو غضب أو ندم وربما أسى أو حنين.

في نهاية كل عام، يتغير وزن الأجندة في نفوسنا، هي ثقيلة الحِمْلِ حيناً، وخفيفة أحياناً كنسيم الربيع في بلادنا.

يرتبط كلّ منا بعلاقة قوية مع هذه الأجندة، وتختلف أشكالها، فمنها العلاقات المرضية، ومنها الصداقة القوية، ومنها الجفاء وما ينجم عنها من مشاكل نفسية.

بعضنا يسير على درب التخطيط وفق هذه الأجندة، فيخطّ سنوياً قائمة بالمهام أو بالأهداف التي يسعى إلى تنفيذها، ويعيش طوال العام بصراعٍ ذاتي، ونزاع مع المحيطين به، لتنفيذ كل ما جاء في أجندته، وكأنها تحد اجتماعي، فينشر كلّ خطوة نحو الهدف على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي مجتمعنا المخطط واضح: صور التخرج، فالخطبة، فالزواج، فالإنجاب، فالتكاثر، التخالط، ومن ثم صور التعزية. ويفتقر أصحاب هذه الأجندة إلى قيمتهم الوجودية الحقيقية، فلا يشعرون فيها إلا إذا دخلوا في منافسة مع الآخرين لإثبات الوجود. وهؤلاء مصابون بحمّى التنظيم وتحقيق الهدف، ومن السهل ملاحظة سلوكياتهم في الأسواق، إذ تراه يلهث ليجد موقفاً للسيارة قبلك، ويُسرع ليضع يده على عربة التسوق قبلك، وربّما لا يراك وأنت بجانبه فيقتحم مسافتك ويأخذ ما خطط له من هذا الرفّ وتلك الزاوية وفي ذاك الرواق، معانداً لوجودك أصلاً في مكان الهدف. ومتعة هؤلاء في تحقيق هدفهم لا تدوم لأكثر من ساعات وربما أيام.

في المقابل، يعيش آخرون في فوضى من الأجندات، وهؤلاء سعداء بقدرتهم على تحدّي أنفسهم يومياً وثقتهم بأنفسهم أنهم قادرون على التعامل مع ما يظهر أمامهم من مشاكل وتحديات، ويستمتعون بالتسوق العبثي، وبفكرة نسيان ما كانوا يرغبون أصلاً بتحقيقه مع تبدل الظروف والمتغيرات، مع الإبقاء على أهدافهم الوجودية في هذه الحياة التي لم يكتبوها يوماً في قائمة مهام ولا يُشاركونها في أمنية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأنهم يشعرون أن قيمتهم في إنسانيتهم وفي الشعور بالشفقة على من يلهث ليدخل من باب المطعم قبله ومن يصارع ليجد موقف سيارة، ومن يُقاتل لوضع يده على “البلوزة” قبله.

إلى أصحاب اللوائح والمهام والبارعين في التخطيط والتنظيم، أتمنى لكم تحقيق ما ورد على قائمة المهام للعام الجديد ٢٠٢٣. وإلى المبدعين في عالم الفوضى الواثقين بأن الحياة بما فيها أكثر جمالاً ومتعةً وعمقاً من أن تُكتب في قائمة مهام، أتمنى لكم عامًا فيه الكثير من النجاح والسعادة والابتسامات التي تظهر على محياكم عندما يلجأ إليكم أصحاب الأجندات التنظيمية مرتبكين تائهين يبحثون بين الصفحات عن طوق نجاة وفوضى داخلية خلاقة ليشعروا فعلاً أنهم على قيد الحياة.

كل عام وأنتم بخير دون أجندات.