/ تقرير : نوس سوسيال الدولية /
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
يتناول ملف «العثمانيون الجدد»، بالتفاصيل، حقيقة الازدواجية التركية في تعاملها مع العرب، واستغلالها الاضطرابات التي شاركت تركيا بنفسها في إحداثها في الدول العربية، من أجل تعزيز نفوذها في خطين متوازيين، الأول عبر دعم الخطاب المتطرف الإرهابي إعلامياً عبر منصات الدعاية، وعلى الأرض عبر القواعد العسكرية.
والثاني عبر تعزيز العلاقات مع إسرائيل والزعم بعكس ذلك في الإعلام، وكيف أضاف الرئيس التركي رجب أردوغان الزخم والقوة للعلاقات مع إسرائيل في جميع المجالات، كما يلقي الضوء على التعاون العسكري مع إسرائيل من خلال 60 اتفاقية عسكرية بين البلدين.
يزيح الملف الستار ويكشف المسكوت عنه في مساعدة أردوغان للطيران الإسرائيلي خلال الحروب الثلاث ضد قطاع غزة، والكميات الضخمة من الأسمنت والحديد التركي التي ساهمت في تشييد المستوطنات، وهو ما يوضّح ازدواجية المواقف والتصريحات التي تصدر من النظام التركي.
لعل السؤال الذي شغل الكثيرين منذ قيام إسرائيل هو، من الذي دعم قيام دولة إسرائيل وتعزيز قوتها بين جيرانها بعد ذلك، الولايات المتحدة الأمريكية أم بريطانيا؟
وكان الحديث دائماً عن الدعم العسكري والاقتصادي الأمريكي لإسرائيل بعد العام 1967، ومساعدة بريطانيا لتعزيز وجود الإسرائيليين في فلسطين قبل عام 1948، إلّا أنّ الحقائق تؤكد أن دور بريطانيا في دعم قيام إسرائيل قبل 1948، ودور أمريكا فيما بعد 1967 كان أقل بكثير من الدور التركي الذي بدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر، بالدعم الكامل وغير المشروط من جانب السلطان عبد الحميد الثاني لقيام إسرائيل.
والذي مهّد لتسليم فلسطين للحركة الصهيونية. وظلّت العيون التركية ساهرة على رعاية الإسرائيليين في فلسطين حتى تحقق قيام دولتهم، فسارعت تركيا للاعتراف بإسرائيل في 28 مارس 1949 بعد شهور قليلة من قيامها.
وبذلك تكون تركيا أول دولة إسلامية تعترف بإسرائيل، وحوّلت مبكراً الصراع من إسلامي إسرائيلي إلى عربي إسرائيلي، وأخرجت كل الدول الإسلامية غير العربية من المعادلة لصالح إسرائيل، وهو ما ظهر بعد ذلك في توسط تركيا لبناء علاقات إسرائيلية مع الدول الإسلامية غير العربية وبخاصة في آسيا وآسيا الوسطى.
ومن خلال اتفاق «الميثاق الشبح» وقفت تركيا بكل مؤسّساتها العسكرية والاستخبارية لدعم إسرائيل في جميع حروبها ضد الدول العربية وبخاصة حربي 1967 و1973، لكن الزخم والقوة اللذين قدمهما أردوغان للعلاقات التركية الإسرائيلية بعد توليه الحكم عام 2002، كان بمثابة «النقلة الاستراتيجية» الكبرى.
ووفق دراسة نشرها مايكل إيزنشتات في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأوسط في 24 يوليو 1997، وأخرى نشرتها مجلة جامعة ديوك في كارولينا الشمالية.
فإن تركيا قدّمت دعماً عسكرياً واستخبارياً لإسرائيل في كل حروبها ضد الدول العربية. وتقول الدراسات والمقالات، إنّ تل أبيب وأنقرة وقعتا في العام 1958، اتفاقاً سرّياً وتعاوناً وشراكة عسكرية واستخباراتية أطلق عليه «الميثاق الشبح»، تساعد تركيا بموجبه إسرائيل ضد الدول العربية، مقابل مساعدة إسرائيل لتركيا للوقوف أمام أنشطة الاتحاد السوفييتي في البحر الأسود وآسيا الوسطى.
طرد العرب
أكدت مجموعة من المراجع التاريخية، أبرزها دراسات إبراهيم أبو لغد «تهويد فلسطين، ويوميات هرتزل»، وأمين مسعود أبو بكر «ملكية الأراضي في متصرفية القدس (1858 – 1918)»، وأوري أفنيري «الاستيطان اليهودي والعرب (1878 – 1948)»، وعمران أبو صبيح «الهجرة اليهودية، حقائق وأرقام»، ونجيب عازوري «يقظة الأمة العربية»، أنّ السلطان عبد الحميد الثاني (1876 – 1909) الذي يريد أردوغان العودة لأملاكه في ليبيا والعراق وسوريا، زاد من هجرة المستوطنين إلى فلسطين في عهده إلى ثلاثة أضعاف مما كان قبل وصوله للحكم.
وزاد عددهم من 5 إلى 11 في المئة من إجمالي سكان فلسطين. ومن يتصفح تلك المراجع وغيرها يتأكّد أن السلطان عبد الحميد الثاني هو السبب الحقيقي في تمكين المستوطنين اليهود في فلسطين من خلال طرد السكان العرب وإحلال الإسرائيليين مكانهم.
إحصائيات
وتقول الإحصاءات الإسرائيلية نفسها، إنّ عدد المستوطنين وصل لمستويات قياسية، عندما قام عبد الحميد الثاني بطرد العرب من القدس وطبريا وحيفا وعكا، والسماح للمستوطنين بالاستيلاء على الأرض وزراعتها. ووصل الأمر بالسلطان عبد الحميد، إلى التنازل عن أراضٍ حصلت عليها الدولة العثمانية في فلسطين بموجب قوانين الطابو عام 1858 التي نزعت الأراضي من الفلاحين، فزاد فقرهم وبؤسهم، ومنحتها للإسرائيليين.
وقال موقع «العثمانلي» المتخصص في الشؤون التركية، إنه في عهد حكومة الاتحاد والترقي (1908 – 1918) وصل عدد اليهود إلى 100 ألف قبل شهور من اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، ومنح الأتراك المستوطنين الإسرائيليين الأراضي لبناء المستوطنات منذ عام 1854، عندما منح السلطان العثماني المؤسسة الصهيونية أراضي في القدس بدعوى إنشاء مستشفى، فكانت هذه الأرض بداية الاستيطان في القدس ببناء حي سلطاني «مونتفيوري».
وفي سبيل تمكين المستوطنين من الأرض الفلسطينية، منحت تركيا جمعية الأليانس الصهيونية عام 1868 فرماناً عثمانياً استأجرت بموجبه مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية تحديداً في يافا لمدة 99 عاماً، وتمت إقامة أول مدرسة زراعية إسرائيلية وسميت «مكفيه إسرائيل»، شكّلت فيما بعد نواة الاقتصاد الزراعي للمستوطنين.
دعم
يمثّل التناقض قولاً وفعلاً العنوان الحقيقي لكل تصريحات وممارسات تركيا منذ وصول الرئيس رجب طيب أردوغان إلى الحكم في العام 2002، إذ قدّم نفسه في العلن عدواً لإسرائيل، فيما تؤكّد الوقائع والوثائق أنّه أكبر داعمي تل أبيب خلال 18 عاماً في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية.
وتقول دراسة صادرة عن مجلس سياسة الشرق الأوسط وعدد كبير من الدراسات الأمنية والدفاعية، إنّ الدعم الأمني والعسكري الذي قدمه أردوغان للجيش الإسرائيلي بكل قواته الجوية والبحرية والبرية، وفي مجال المعلومات والاستخبارات والتصنيع العسكري، يعد صادماً لكل من دغدغ أردوغان آذانهم ومشاعرهم بأنه السلطان العثماني المدافع عن حقوق العرب والفلسطينيين.
ومن خلال أكثر من 60 بروتوكولاً واتفاقية تعاون عسكري تشكل صلب «الاتفاق الاستراتيجي» بين أنقرة وتل أبيب، سمح أردوغان بموطئ قدم إسرائيلي في الأراضي التركية حيث يجري التعاون بين الجانبين في ثلاثة قواعد عسكرية تركية، فضلاً عن وجود فريق عسكري إسرائيلي دائم في تركيا للتنسيق بين الجيشين التركي والإسرائيلي.
وكشفت الوكالة اليهودية للأنباء، أنّ تركيا أتاحت لسلاح الجو الإسرائيلي التدرّب على المناورة والقصف في صحراء الأناضول الواسعة منذ بداية عهد أردوغان، حتى يجيد الطيارون الإسرائيليون قصف غزة، فضلاً عن عشرات المصانع العسكرية الإسرائيلية في تركيا، فما هي مسارات ومحاور التعاون العسكري التركي الإسرائيلي في عهد أردوغان؟
القواعد الإسرائيلية
ولعل المؤكّد أنّ الهدف الرئيسي من الضجيج الذي يصدره أردوغان والجماعات التي تدور في فلكه، ضد أي دولة تقيم علاقات مع إسرائيل، التغطية على التعاون العسكري بين أنقرة وتل أبيب.
ووفقاً لقاعدة بيانات حلف الناتو، ومذكرات التفاهم والاتفاقيات العسكرية التي نشرتها وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإنّ إسرائيل تستخدم ثلاث قواعد عسكرية في تركيا هي قاعدتان جويتان في قونية وإنجرليك.
فضلاً عن بناء إسرائيل قاعدة للإنذار المبكر في كوراجيك بمدينة ملاطيا، فيما ذكرت صحيفة «جيروزلم بوست» الإسرائيلية حينها، أنّ هدف هذه القاعدة هو حماية أمن إسرائيل من خلال التجسس على الدول المعادية لإسرائيل، وتقديم المعلومات بسرعة لتحليلها.
ويعد فتح القواعد العسكرية التركية أمام إسرائيل استكمالاً لاتفاق «الميثاق الشبح» الذي وقعته تركيا مع إسرائيل في خمسينيات القرن الماضي أثناء زيارة بن غوريون لأنقرة، وحصلت بموجبه إسرائيل على معلومات استخباراتية ثمينة عن الدول العربية.
أردوغان حاصل على ميدالية «الشجاعة اليهودية»
في سياق تأكيدها عمق العلاقات بين الرئيس التركي رجب أردوغان وقادة إسرائيل، نقلت صحيفة زمان التركية، على لسان رئيس الوزراء الأسبق نجم الدين أربكان، في فيديو موجود حتى الآن على موقع «يوتيوب» بتاريخ 14 ديسمبر 2017 قوله في مؤتمر خاص عقد في 2007 بمركز أبحاث الاقتصاد والاجتماع في تركيا، إنّ أردوغان حصل في العام 2002 على منصب رئاسة مشروع إسرائيل الكبرى، ورئاسة مشروع الشرق الأوسط، وبعد ذلك حصل على ميدالية الشجاعة اليهودية من اللوبي الصهيوني في أمريكا.
وأكّدت تصريحات أربكان أنّ العلاقات الإسرائيلية التركية اكتسبت دفعة قوية وزخماً خاصاً مع تولي أردوغان الحكم في العام 2002، إذ نقل أردوغان العلاقات مع تل أبيب إلى آفاق عسكرية وسياسية وسياحية وثقافية لم تشهدها منذ اعتراف تركيا بإسرائيل في العام 1949.
ووصل التبادل التجاري السنوي بين إسرائيل وتركيا، إلى أكثر من 4.2 مليارات دولار في العام 2019، وفق بيان صادر عن وزارة التجارة الإسرائيلية في فبراير 2020.
اعتراف مبكّر
كما حرص أردوغان على لقاء جميع زعماء إسرائيل الذين عاصروه بداية من أرئيل شارون ثم إيهود أولمرت، فضلاً عن لقاءات عدة داخل وخارج إسرائيل مع رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتانياهو. إلّا أنّ أكثر اللقاءات إثارة كان مع شمعون بيريز في قلب مدينة القدس، إذ تُظهر صور المقابلة، أن اللقاء كان بفندق الملك داوود في القدس.
ولذا تعتبر إسرائيل زيارة أردوغان أول اعتراف دولي بالقدس عاصمة لها. ولعل اعتراف أردوغان هذا سبق قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في ديسمبر 2017، فيما يؤكّد الاعتراف التركي الفعاليات والأنشطة الثقافية والاقتصادية والمعارض التركية في القدس والتي تنتشر أخبارها في الصحف الإسرائيلية بشكل يومي.
وفي إحدى استقبالاته لأردوغان قال له شارون «أهلاً بك في القدس عاصمة للشعب اليهودي»، ولم ينطق أردوغان بأي كلمة اعتراض. ولعل أكبر دليل على اعتراف أردوغان بالقدس عاصمة لإسرائيل، هو نص وثيقة التصالح بين إسرائيل وتركيا التي سبق لجريدة زمان التركية نشرها عقب الضجّة الإعلامية التي أثارها أردوغان على خلفية حادثة سفينة مرمرة، إذ أكّدت فقرة في الوثيقة، أنّ توقيعها تمّ في القدس.
القواعد التركية في المنطقة .. ابتزاز وانتهازية

يتناول ملف «العثمانيون الجدد»، بالتفصيل، حقيقة الازدواجية التركية في تعاملها مع العرب، واستغلالها الاضطرابات التي شاركت تركيا بنفسها في إحداثها في الدول العربية، من أجل تعزيز نفوذها في خطين متوازيين، الأول عبر دعم الخطاب المتطرف الإرهابي إعلامياً عبر منصات الدعاية، وعلى الأرض عبر القواعد العسكرية، والثاني عبر تعزيز العلاقات مع إسرائيل والزعم بعكس ذلك في الإعلام، وكيف أضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الزخم والقوة للعلاقات مع إسرائيل في جميع المجالات، كما يلقي الضوء على التعاون العسكري مع إسرائيل من خلال 60 اتفاقية عسكرية بين البلدين.
يزيح الملف الستار ويكشف المسكوت عنه في مساعدة أردوغان للطيران الإسرائيلي خلال الحروب الثلاث ضد قطاع غزة، والكميات الضخمة من الأسمنت والحديد التركي التي ساهمت في تشييد المستوطنات، وهو ما يوضّح ازدواجية المواقف والتصريحات التي تصدر من النظام التركي.
عندما فشلت تركيا في تحقيق أهدافها في المنطقة وخارجها، من خلال «الوسائل الناعمة» المتمثلة في الفوضى والشعارات الزائفة، وما سميت «الثورات البرتقالية»، و«الربيع العربي» عادت لـ«الوسائل الخشنة»، التي تعتمد على استغلال الظروف الداخلية والإقليمية للدول الأخرى في الابتزاز، للحصول على القواعد العسكرية، أو التواطؤ مع أنظمة مارقة ضد الأمن القومي العربي.
وتزامن كل ذلك مع تأسيس الشركات الأمنية، التي تعتمد على المرتزقة، والميليشيات العابرة للحدود، وكان واضحاً إصرار أنقرة على أن تكون تحركاتها للعودة لمستعمراتها القديمة مرتبطة بالحصول على ثروات هذه الدول والشعوب، وفي مقدمتها الغاز والنفط في شرق المتوسط والدول العربية المضطربة، فحتى قبل إعلان الرئيس التركي عن اكتشاف حقل الغاز في البحر الأسود لم يكن لدى تركيا أي مصادر للطاقة لا في البحر ولا في البر، كما أن تركيا بالتعاون مع حلفائها في التنظيم الدولي للإخوان سعت طوال السنوات الماضية إلى تأمين «خزانة مالية إضافية»، بجانب «الخزانة القطرية» لتمويل مشروعات تنظيم الإخوان في المنطقة والعالم.
بعد احتلال العراق 2003، وحالة الفوضى وعدم «اليقين السياسي والاقتصادي»، الذي لحق بالمنطقة العربية في 2011، شعرت تركيا أن فرصتها حانت للسيطرة على الدول العربية، وأسرعت تركيا بإرسال الجنود وبناء القواعد العسكرية في قطر عام 2017 رغم أن الخلاف بين الدوحة والرباعي العربي كان دبلوماسياً وأمنياً وليس عسكرياً.
والاتفاقية الثنائية بين البلدين، التي تم التوقيع عليها في الدوحة في 28 أبريل 2016، تحتوي على الكثير من الغموض والثغرات التي تحيط بشروطها وبنودها. وفي «تغريدة» لأمير قطر في 15 أغسطس 2015 قال: إن الدوحة ستدفع 15 مليار دولار استثمارات في الاقتصاد التركي، ومن يراقب الودائع التي أودعتها الدوحة في البنك المركزي القطري، والتي وصلت إلى 26 مليار دولار، يتأكد أنها ثمن للقاعدتين التركيتين في قطر.
ويرى المراقبون أن القاعدة التركية في الدوحة تعد احتلالا بوجه مكشوف، وأن قطر تواصل سياسة الاستقواء بالخارج ضد جيرانها العرب، وتحولت إلى مجرد ديكور سياسي في اللعبة التركية ضد الأمن القومي العربي.
لم يتوان المسؤولون الأتراك عن التلميح والتلويح باستخدام وجود بلادهم العسكري في قطر ضد مصالح الدول الخليجية الأخرى، فالوجود التركي بهذا المعنى عنصر عدم استقرار وتهديد لأمن المنطقة ومستقبلها.
خط الجرذان
يقول ميخاليس ميخائيل مسؤول الإعلام في الحكومة القبرصية لـ«البيان» من نيقوسيا: إن تركيا ترفض أي حلول سياسية للأزمة القبرصية منذ عام 1974، وتعتبر قواعدها بشمال قبرص في غاية الأهمية لاستراتيجيتها في شرق المتوسط خصوصاً بعد اكتشاف قبرص احتياطات ضخمة من الغاز والنفط في المياه القريبة من الجزيرة.
وزادت أهمية القواعد العسكرية التركية مع أحداث الفوضى التي شملت المنطقة العربية بداية من 2011 خصوصاً عندما نقلت تركيا آلاف الإرهابيين من ليبيا إلى سوريا أواخر 2011 وبداية 2012 «خط الجرذان الأول»، حيث جرى نقل جزء من هؤلاء الذين حاربوا ضد نظام معمر القذافي في بدايات عام 2011 إلى سوريا والعراق، وقامت تركيا بنقل قادة المجموعات المسلّحة من ليبيا إلى القواعد التركية في شمال قبرص، وبعد ذلك تم نقلهم إلى سوريا، ومع توقيع مذكرتي التفاهم بين أنقرة وفايز السراج في نوفمبر الماضي جرى نقل السلاح والمرتزقة من شمال سوريا وجنوب تركيا للغرب الليبي، وهنا لعبت القواعد العسكرية التركية في قبرص الدور نفسه، الذي لعبته عامي 2011 و2012 لنقل الإرهابيين، لكن في الاتجاه العكسي، وهو ما أطلق عليه «خط الجرذان الثاني»، وتحتل تركيا شمال قبرص بالكامل منذ عام 1974، ولها هناك قاعدتان بحريتان وقاعدة جوية، وزادت أهمية هذه القواعد في ظل مساعي الاتحاد الأوروبي لمراقبة السواحل الليبية من تهريب السلاح التركي، حيث عملت القواعد التركية في قبرص كنقطة في منتصف الطريق بين الأراضي التركية وليبيا، كما أنشأت تركيا قاعدة للطائرات المسيرة في الطرف الجنوبي من الجزء الشمالي التركي قرب مدينة نيقوسيا المقسمة بين الشطرين اليوناني والتركي، وهو ما أضاف فوائد جديدة للقواعد التركية في قبرص بعد التطورات الأخيرة في ليبيا.
النفط والقواعد التركية
وفق المحلل التركي سلكان هاك أوغلو في دراسة نشرتها «بلومبيرغ» في 7 مارس 2019 بعنوانMapping the Turkish Military’s Expanding Footprint، فإن الميزانية العسكرية التركية زادت من 1.8% عام 2015 من الناتج القومي إلى 205 % عام 2018، ووضعت تركيا في حسبانها اقتصادها المتدهور، لذلك اتسمت القواعد العسكرية التركية بالخارج بقربها من حقول النفط والغاز حتى تحقق لها مصالح اقتصادية تعوّضها عن أي إنفاق عسكري خارجي، وهذا واضح للجميع في أكثر من 20 قاعدة ومقر عسكري تركي شمال العراق أكبرها قاعدة «بعشيقة» وغالبية القواعد والمقرات العسكرية قريبة من الحقول النفطية في كركوك والموصل، حيث تعمل هذه القواعد على تهريب النفط العراقي للخارج، وهو الأمر الذي اعترضت عليه الحكومة العراقية في بغداد أكثر من مرة، كما طلب أردوغان بشكل مباشر وعلني من الرئيس الروسي حصة في الغاز والنفط السوري شرق الفرات، حيث يقع 60% من الغاز، 45% من النفط السوري في تلك المنطقة، التي تخضع لسيطرة القوات الأمريكية، كما أنشأت تركيا 12 نقطة مراقبة عسكرية في إدلب وريف حلب الشمالي بموجب اتفاق مع روسيا وإيران، وقامت تركيا بتعزيز هذه النقاط، التي تحولت إلى قواعد عسكرية حقيقية في عمق سوريا مثل تلك الواقعة قرب بلدة مورك وسط سوريا على بعد 88 كيلو متراً من الحدود التركية، كما تحتفظ تركيا بعدد من القواعد العسكرية في مناطق الباب وجرابلس وإعزاز وعفرين.
القواعد والطاقة
في أحد الخطابات الفجة لأردوغان أمام البرلمان التركي، قال إن الوجود التركي في ليبيا يهدف إلى توفير 50 مليار دولار، وهي قيمة فاتورة الطاقة، التي تستوردها تركيا سنوياً، وهذا يكشف سبب السعي التركي للسيطرة على سرت، ومن ثم الهلال النفطي والموانئ النفطية بكل الوسائل سواء كانت سلماً أو حرباً، لأن الحسابات التركية تقوم على أنه لا يمكن أن تقيم أنقرة قاعدة جوية في الوطية، وأخرى بحرية في مصراته من دون أن تحصل على المقابل المالي، ووفق تقارير ليبية متطابقة، وتصريحات المتحدث الرسمي باسم القيادة العامة للجيش الليبي اللواء أحمد المسماري فإن حكومة فايز السراج دفعت بالفعل لأردوغان ما يقرب من 17 مليار دولار، بدعوى أنها كانت ديوناً للشركات التركية على الدولة الليبية أيام القذافي، وكان يمكن لأردوغان أن يحصل على أضعاف هذه الأموال إلا أن إغلاق الجيش الليبي لآبار النفط خلال الشهور الماضية حال دون تحويل السراج أموال هذا النفط للخزينة التركية.
تدريب الانكشاريين
ووفق الموقع الرسمي لشركة «صادات» الأمنية التركية، التي تجنّد المرتزقة والإرهابيين في شمال سوريا والصومال وآسيا الوسطى وغيرها فإنها تأسست في عام 2012 وتعمل حتى الآن في 20 دولة، منها 7 دول عربية و10 دول في أفريقيا ودولتان في آسيا الوسطى.
وتقوم هذه الشركة بالتعاقد مع المرتزقة، الذين يذهبون إلى ليبيا أو قطر حتى لا يكون هناك رابط رسمي بين المرتزقة والميليشيات من جانب والدولة التركية من جانب آخر، وهو أسلوب قديم جديد، فالمعروف أن الانكشارية «المرتزقة» غير النظاميين هم الذين ظلوا يحاربون عن الدولة العثمانية لقرون، ويوجد معسكرات تدريب لشركة «صادات» في مدن بطمان وأورفه وفان وهطاي، ولكن أهم معسكر يقع في غابات ديار بكر، واستخدمت تلك المعسكرات لتدريب عناصر من تنظيم داعش و«أحرار الشام» و«النصرة» و«الذئاب الرمادية» على أساليب القتال والحروب غير النظامية لنشر الخراب في المنطقة العربية.
ووصفت الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا، هذه الشركة بمثابة الحرس الثوري التركي، التي تدين بالولاء لأردوغان، وتتولى حماية نظامه واختيار العناصر العسكرية، التي تتقرب منه والمناصب القيادية في الجيش، وهي تتحكم الآن بمفاصل الجيش التركي بجانب عملها في الخارج
قاعدة عسكرية تركية في الصومال
قال الدكتور إيتان ياناروكاك في دراسة نشرها معهد القدس للاستراتيجية والأمن The Jerusalem Institute for Strategy يوم 20 يوليو الماضي: إن تركيا توجّه أنظارها لليمن لبناء قواعد عسكرية، وإيجاد موطئ قدم في اليمن بعد القاعدتين العسكريتين في ليبيا، كما أن القاعدة التركية في مقديشو بالصومال، التي تم إنشاؤها في عام 2016 وتكلفت ما يقرب من 50 مليون دولار كانت مقابل موافقة الحكومة الصومالية على قيام شركة النفط والغاز التركية بالتنقيب عن الطاقة أمام السواحل الصومالية، ويمكن للقاعدة التركية في الصومال أن تأوي 1500 جندي، وتقدم التدريب لهم في وقت واحد، وتبلغ مساحة القاعدة أربعة كيلو مترات، وهي قادرة على استقبال قطع بحرية، وطائرات عسكرية إلى جانب قوات كوماندوز.وبدأت تركيا تستفيد من هذه القاعدة في نقل عدد من الضباط الصوماليين، الذين دربتهم فيها للقتال في ليبيا، وباتت هذه القاعدة اليوم، مع القاعدتين التركيتين في قطر أماكن لتدريب المرتزقة والميليشيات قبل التوجه إلى طرابلس ومصراتة، وهو ما أكده تقرير لموقع قناة «العربية» باللغة الإنجليزية، الذي قال: إن القاعدة العسكرية التركية في الصومال لن تكون الأخيرة في المنطقة، فخلال زيارته لنيامي عاصمة النيجر الشهر الماضي وقع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو على اتفاقية للتعاون العسكري مع حكومة النيجر قيل إنها لمنع الهجمات من الجبهة الجنوبية على قاعدتي الوطية ومصراته، بعد استهداف أنظمة الدفاع التركية في الوطية من جانب طيران مجهول، وهدف تركيا من التعاون العسكري مع النيجر هو توصيل رسالة لفرنسا بأن أنقرة قريبة من 5200 جندي فرنسي في المنطقة، كذلك هناك وجود عسكري تركي في منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا، وربما هذا هو سبب عدم الاستقرار في هذه المنطقة.
العثمانية على خطى النازية.. إشعال الحروب بذرائع الأيديولوجيا
يتناول ملف «العثمانيون الجدد»، بالتفاصيل، حقيقة الازدواجية التركية في تعاملها مع العرب ومتاجرتها بالقضية الفلسطينية، واستغلالها الاضطرابات التي شاركت تركيا بنفسها في إحداثها في الدول العربية، من أجل تعزيز نفوذها وإخفاء أهدافها التي تشبه النازية في العنف والانتهاكات، وذلك عبر خطين متوازيين، الأول عبر دعم الخطاب المتطرف الإرهابي إعلامياً عبر منصات الدعاية، وعلى الأرض عبر القواعد العسكرية، والثاني عبر تعزيز العلاقات مع إسرائيل والزعم بعكس ذلك في الإعلام، وكيف أضاف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الزخم والقوة للعلاقات مع إسرائيل في جميع المجالات، كما يلقي الضوء على التعاون العسكري مع إسرائيل من خلال 60 اتفاقية عسكرية بين البلدين.
يزيح الملف الستار ويكشف المسكوت عنه في مساعدة أردوغان للطيران الإسرائيلي خلال الحروب الثلاث ضد قطاع غزة، والكميات الضخمة من الأسمنت والحديد التركي التي ساهمت في تشييد المستوطنات، وهو ما يوضّح ازدواجية المواقف والتصريحات التي تصدر من النظام التركي.
يسير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على طريق الزعيم النازي الألماني أدولف هتلر، وهناك تشابه كبير في البدايات والتشبع بالأفكار سواء كانت «فاشية دينية» أو «فاشية قومية»، وتحالف أردوغان المنتمي للفاشية الدينية «حزب العدالة والتنمية»، مع الحزب القومي التركي «الفاشية القومية» يؤشر بأن النهاية ستكون واحدة مثل هتلر.
الرئيس التركي حول بلاده من دولة «صفر أعداء» إلى بلد منبوذ ومعزول «صفر أصدقاء»، كما قال رئيس وزرائه الأسبق أحمد داود أوغلو، واليوم هناك أكثر من 40 دولة حول العالم تعادي وتتصارع مع تركيا على المستوى الاستراتيجي، وهي بالأساس دول الجوار العربي والآسيوي والأوروبي، ودول بعيدة في أفريقيا وأوروبا.
وكما تذرع هتلر بسمو الجنس الآري يعتقد أردوغان أن أنصاره من تنظيم الإخوان والحالمين بعودة الإمبراطورية العثمانية يجب الذهاب إليهم والعمل معهم حتى لو كانت النتيجة تحدي كل القوانين الدولية.
تركيا التي تفتقر لعناصر «القوة الشاملة» التي تحتاجها القوى العظمى، دولة محدودة الموارد ولا يمكن أن تعادي كل هذه الدول في وقت واحد، وأردوغان يسير على «معالم طريق» هتلر بالادعاء أنه يدافع عن حقوق الشعوب من أصول تركية حتى لو كانت تنتمي لدول أخرى في اليونان وقبرص وليبيا وشبة جزيرة القرم والصين وروسيا ولبنان.
وقد زاد أردوغان من اعتقاده بكل ما قام به هتلر عندما أراد أن يتخلص من كل الاتفاقيات القديمة التي يراها مكبلاً لتركيا، فكما كان هتلر يرى اتفاق «فرساي 1919» مكبلاً للدولة الألمانية أعلن أردوغان أكثر من مرة أنه سيلغي اتفاقية لوزان، ويزعم أنه قادر على إلغائها عام 2023 وسيعود لأملاك السلطان العثماني عبد الحميد الثاني التي كانت لتركيا حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر بما فيها رغبته في إلغاء اتفاقية منترو لعام 1936، والتي حددت أوضاع المضايق التركية «الدردنيل والبوسفور»، فكيف حوّل أردوغان بلاده إلى دولة تصارع من حدود الصين شرقاً إلى بلاد المغرب غرباً، ومن شبه جزيرة القرم شمالاً إلى الصومال وإريتريا جنوباً؟