نوسوسيال

بقلم الدكتورة تمارا برّو : علاقة الصين بزيارة بايدن للسعودية

288

 

 

 

يزور الرئيس الأميركي جو بايدن المملكة العربية السعودية للقاء الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ويشارك الرئيس الأميركي في قمة خليجية بمدينة جدة، بحضور قادة مصر والأردن والعراق. وتعتبر هذه الزيارة الأولى للرئيس بايدن إلى الشرق الأوسط منذ توليه الرئاسة، وتأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الأميركية الخليجية توتراً، لاسيما مع المملكة العربية السعودية، التي تعهد بايدن عندما كان مرشحاً في انتخابات الرئاسة في العام 2019، على جعلها ” منبوذة وإجبارها على دفع الثمن”، وذلك على خلفية حرب اليمن ومقتل خاشقجي.

ولكن على ما يبدو فإن الحرب الروسية الأوكرانية، وازدياد نفوذ الصين في الشرق الأوسط، لاسيما تنامي العلاقات الصينية السعودية، من الأسباب التي دفعت جو بايدن إلى الاستدارة مجدداً نحو المنطقة.

ستكون الصين على رأس المباحثات التي سيجريها الرئيس الأميركي مع ولي العهد السعودي، ومع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية، بعد أن شهدت العلاقات الأميركية الإماراتية توتراً على خلفية التقارير التي أشارت إلى بناء الصين لقاعدة عسكرية في ميناء خليفة بأبو ظبي، وإجبار أميركا الإمارات على وقف البناء في المنشأة العسكرية، إضافة إلى تعليق أبو ظبي محادثات صفقة F-35 مع واشنطن، وسبق ذلك طلب الإدارة الأميركية من أبو ظبي إزالة معدات هواوي، واستبقت الصين زيارة الرئيس بايدن للمنطقة بأن أرسلت يانغ جيتشي المبعوث الخاص للرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الإمارات واجتماعه بالأمير محمد بن زايد، ولقاء وزير خارجية الصين وانغ يي مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان على هامش اجتماع وزراء خارجية دول مجموعة العشرين في إندونيسيا. لقد ذكر الرئيس الأميركي صراحة في المقال الذي نشره في صحيفة الواشنطن بوست حول الأسباب التي جعلته يتخذ قراره بزيارة السعودية، رغم التحفظات التي أبدتها إدارته على سجل المملكة في حقوق الإنسان، بأن زيارته إلى السعودية “ضرورية للوقوف بوجه روسيا والصين”.

نمت خلال السنوات الأخيرة العلاقات بين بكين والرياض ، فالسعودية هي أكبر شريك تجاري للصين إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في العام 2021 حوالي 87.3 مليار دولار مقابل 67.1 مليار دولار في العام 2020 ، وكانت السعودية أكبر مورد للنفط للصين خلال العام 2021، إذ تشتري بكين نحو ربع صادرات النفط السعودي ، أي أكثر من ثلاثة أضعاف حصة الولايات المتحدة الأميركية، ومؤخراً وبسبب العقوبات المفروضة على روسيا أصبحت الأخيرة أكبر مورد لبكين للنفط الخام. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية قد ذكرت أن السعودية ، تدرس تسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان الصيني ما يشكل ضربة للدولار الأميركي.

ويشمل التعاون الصيني السعودي أيضاً المجال العسكري، فقد أفادت قناة CNN  أواخر العام الماضي بأن المملكة العربية السعودية تعمل على تطوير صواريخها الباليستية بمساعدة الصين. وهذا الأمر ليس بجديد إذ سبق للسعودية أن أبرمت صفقات عسكرية مع الصين حصلت بموجبها الرياض على طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية صينية، بسبب رفض واشنطن بيع هذه الأسلحة للسعودية. كما جرى في العام 2017 ، خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى بكين، توقيع اتفاقية من أجل إنشاء مصنع طائرات حربية بدون طيار في المملكة. وبحسب صحيفة الفورين بولسي زادت عملية نقل الأسلحة من الصين إلى السعودية بنسبة 386% في 2016-2020 مقارنة بالفترة 2011-2015 أغلبها مبيعات طائرات بدون طيار ، ومع ذلك لا تزال الولايات المتحدة الأميركية المورد الرئيس للأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والتي بلغت في الفترة ما بين 2016 و2020 مستوى 12.6 مليار دولار.

سيسعى الرئيس بايدن في أثناء زيارته إلى إقناع السعودية ودول المنطقة بالابتعاد عن الصين، ولكن هذه المهمة صعبة حالياً لأن أميركا لم تعد الحليف الوحيد للسعودية إذ عملت الأخيرة على تعزيز علاقاتها مع روسيا والصين خصمي الولايات المتحدة الأميركية. كما أن علاقة السعودية مع بكين آخذة في التوسع بشكل كبير والدليل هو الاتفاق الذي تم بين الجانبين مؤخراً لبناء مركز بتروكيماويات ضخم في مقاطعة شاندونغ بشرق الصين، حيث تتركز 26% من طاقة تكرير النفط في الصين، والمكان الذي يذهب إليه كل النفط الذي توفره شركة أرامكو السعودية للبلاد. كما أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد مصدر ثقة لدول الخليج لاسيما بعد انسحابها من أفغانستان ، وابتعادها عن الشرق الأوسط وعدم إعطاء جو بايدن أي أهمية للمنطقة منذ بداية ولايته لأنه جعل أولوياته احتواء الصين في جنوب شرق آسيا واستفزازها عبر مساعدة تايوان وتطويقها اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً. ابتعاد الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط ترك الباب مفتوحاً أمام الصين لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة، وكنا قد استبعدنا في مقال سابق نُشر على موقع رأي اليوم بتاريخ 7/4/2021 تحت عنوان” ماذا تريد الصين من الشرق الأوسط”، خروج الرئيس بايدن من الشرق الأوسط وإفساح المجال أمام الصين وروسيا لتعزيز علاقاتهما بدول المنطقة ، والمضي قدماً في تنفيذ مشروع الحزام والطريق الذي أعرب بايدن مراراً عن قلقه منه، ويسعى حالياً مع مجموعة الدول السبع لجمع 600 مليار دولار أميركي لدعم خطة “برنامج البنية التحتية العالمية” المنافسة لمشروع الحزام والطريق الصيني.

تدرك أميركا جيداً أنه لا يمكن لها إرغام دول الخليج على الابتعاد اقتصادياً عن الصين فهي نفسها لا يمكن أن تتخلى عن بكين، والدليل أنها تفكر حالياً في رفع الرسوم الجمركية على البضائع الصينية التي فرضها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. ولكن سيحاول الرئيس بايدن اقناع السعودية بالابتعاد عن الصين في مجال التكنولوجيا العسكرية ، لاسيما في مجال التعاون لتطوير الصواريخ الباليستية، ويتعهد بتعزيز التعاون العسكري بين أميركا والسعودية عبر إبرام المزيد من الاتفاقيات العسكرية. ومؤخراً كشفت وكالة رويترز أن واشنطن تناقش استئناف بيع أسلحة هجومية للسعودية. وسيعمل الرئيس بايدن على اقناع ولي العهد السعودي بأن أميركا ستقف إلى جانب السعودية وتدعهما ضد التهديدات الإيرانية، وبأن الصين تساعد إيران التي تربطها بها علاقات قوية ازدادت بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة، وبالتالي فإن الصين لن تدعم السعودية على حساب إيران.

أمام بايدن مهمة صعبة الآن بجعل السعودية ودول المنطقة تبتعد عن الصين، فالأوضاع العالمية اليوم لم تعد كما كانت في السابق، وأميركا لم تعد القوة العظمى التي تتحكم وتفرض شروطها على الآخرين، بل أصبحنا على أعتاب نظام دولي جديد تنتهي فيه الهيمنة الأميركية التي استمرت لعقود.

باحثة في الشأن الصيني