/ بفلم الكاتب الكردستاني : ريبر هبون /
,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,
النقد برمته ليس باباً يتسع للحديث من خلاله عن كل شيء، تنقل لنا الاحتجاج على غياب الفضيلة والعدالة والحق في مجتمع استهلاكي مادي أصبحت فيه القيم النبيلة موضع استهداف ولجم ، تغزو فضول الساعي لمعرفة ما قد تخبئه الحياة إلى جانب العديد من الأزمات التي تتشبث بالطبيعة البشرية لتكون بداية للدخول في شتى المفاهيم الموغلة في العمق الإنساني على مسرح التناقض ، ثمة من يحتج بماهية وجوده وإحساسه العميق بمرارة الوجع في الحياة والاحتجاج يمثل عنصر الحركة التي لا تكترث للجمود ومثال عظمة الفرد من قوة الجماعة ، إبراز لقوة الجماعة وما تفرزه من إسقاطات ونتائج ، المجتمع الذي يحتوي بفلسفته العفوية و أفكاره الرائدة وطرافة حسه ولذاعة تساؤلاته وغرابة أجواءه التي توقن مصائر البشر وغرابتهم سلوكاً وخلقاً ، الغرابة ميزة المبدع وميزة الذين يسيرون في المسار الممكن الذي لا يتعارض مع الواجب والقيمة التي تنتج عنها ومعيار الشخصية بارزة من قدرة الشخصية على التأثير والتوغل إلى عوالم كثيرة وبالتالي قدرتها الفائقة على نقل حصيلة تجارب المجموعات البشرية على اختلاف هيئاتها, فلسفة السعي إلى الحياة دون التأثر بأوبئتها ويليه العنصر المقابل للغرابة وهو الذهول ، احتوائه للثنائية المتناقضة ، الفقر-الغنى ، التخلف-التقدم ،الحركة- الجمود ،المحافظة- التغيير ،الجهل- العلم ، ففي خضم تجربة الكتابة تتآلف القيم والمعايير في نسبيتها والحقائق يجوهرها لتشكل الإيقاع الذي ينشد للفن وجوهر الحياة والفن هو جودة اللعب على حد تعبير (كروتشه1) ،الاغتراب الفردي ظاهر في شخصية الفرد الذي ينادي إلى العدالة في ظل غيابها وإلى الفضيلة في ظل زوالها وإلى الوفاء للأماكن بالرغم من خرابها وبالعودة إلى صفاء الماضي بالرغم من أفوله وهذا دعوة للمجتمع الطبيعي الذي تتحقق المساواة من خلاله بين كافة الطبقات حيث أن التناقضات المفعمة بالدهشة أطلقت سيول الصور الحزينة المنبعثة في داخل هذا الإنسان الذي يمثل لسان حال الطبقات المسحوقة التي تعيش من أجل أن تقتات وتنعم بالكرامة التي هي أساس كل المواقف الانسانية على صعيد الحياة والزمن ، الحدث ينقل لنا من منحى تصويري هادئ يعكس كل الحوار الهادئ المستفيض بالعديد من الإسقاطات على عموم التجارب الإنسانية في ظل حالات الصراع التي لا تنتهي بل تشتعل وتتصاعد وتيرتها وفقاً للزمن ولزيادة الاحتياجات وتراكم الاحتجاجات في ظل غياب العدالة الإجتماعية ،ينقل فلسفته في تحليل الشخصية الفردية التي تعكس الواقع البائس بأوجهه المختلفة ضمن مناخ واحد يجمعها وهو البساطة الفنية المعمقة بالعديد من الأفكار النقية التي لا تتباعد بل تنسجم وفقاً لمسار قائم واحد باتجاه التوغل في المواقف وحقيقة الحياة المتشعبة القائمة على كشف إشكالية جديدة تخدم قضية الإنسان القائم روحاً ووجداناً ومعنى كبديل عن ذلك المتقوقع في دائرة فارغة المضمون ،يثير أسئلة من نوع خاص ، يقيم سجالاً إنسانياً في المواقف الملتبسة ،يتحدث عن علاقة المستغِّل بالمستغل، وعلاقة الضد بالضد ، ويقيم عدة هواجس وأسئلة على أعتاب تفجر فتيل الأزمة الخانقة في ظل غياب الحقيقة وانزياح الستار عنها في مشهدية تميل إلى الغرابة تتقصى الجودة مخترقة كل الحواجز ومعبرة بالوقت ذاته عن أنين يسكن مشروعية الحق الغائب وبذلك فهو يدعو إلى إستخلاص العبر الجديدة من خلال الكشف عن مصائر المتعبين الذين يسيرون على مسار التعايش مع الأشياء على حقيقتها تعكس فنية المسار الواقعي وغرائبية الأسلوب وأيضاً ،مباشرة في طرحها لأسئلة تخص قضية الإنسان مع الإنسان، تعتمد الرؤية الواقعية في تجسيدها للمعاناة إزاء عجز الإنسان عن مواجهة المعوقات التي أنجبت عدة أشياء جعلت عالم الإنسان أشبه بالدوران في سلسلة مغلقة حيث الذات المبدعة التي توقر من قدْر القيم والذات المقابلة التي تبالغ في سطوتها على الشخصية المبتكرة التي أقرت الحياة وفقاً للنضال الصلب والكفاح المتزامن مع القيم النبيلة،حين نتعرف من خلال الحوار الثنائية المتناقضة التي تمثل إحدى فصول الاستغلال لإثارة الاحتجاج على القيم الاستهلاكية القائمة على الإجحاف بالحق وتشويه القيم الخالصة التي تستثير سلباً دعامة الإنسان الطامح إلى البناء السلمي القائم على التوازن الطبقي لبث الخلاص الانساني ،كشف الآثار المرضية في الطبيعة البشرية هو جل ما يشتغل عليه المعرفي في بيانه الإنسان وتعامله مع المادة لا كوسيلة تعايش سلمي إنما كغاية تمحو قيم الإنسان المتعلقة بالفضيلة التي هي مبدأ أولي طبيعي في تغيير الحركة التاريخية التي تتجه باتجاه وضع حلول للإنسان ،لرؤية واقعية قائمة على بناء الإنسان من الداخل ووضع الحلول الكاملة لا أنصاف الحلول في بث القيم البشرية العادلة من جديد بين المجتمعات البشرية على اختلاف طبقاتها، البساطة هي طابع الإنسان الأول ، وحاجة الإنسان للصفاء هي حاجة كبيرة وكأن الجو العام يشير إلى ذلك حيث تكون لهفة المتلقي للأشياء أكثر عفوية وبداهته تكون إزاءه جدتها ،أكثر إلحاحاً واجتذاباً ،أيضاً يجسد الصراع مدى الإنقسام البشري والتفاوت بين المجتمعات،المتقدمة التي تبتكر الأشياء وتفكر دائماً باستخلاص بدائل حياتية في حياتها ومسيرتها عموماً وبين مجتمعات ما تزال تعتمد البساطة والبدائية في التعايش مع الأشياء وافتقارها إلى آليات التعايش الجديدة والرقي في التفكير ، يركز على مسألة اتساع الهوة بين الغني الطامح والفقير المتلاشي أي التابع ، يجسد صرخة الإنسان لمواكبة الحاضر ، وقدرته على إحداث ثقب في طبقة الجهل السميكة التي تعيش في سيكولوجيا المجتمعات النامية ، الصراع بين المتناقضات في ظل مجتمع مغلق يستمد تنفسه من بقايا أشياء محدودة فتبرز إشكالات المجتمع من خلال سعي الانسان المتميز إلى إشعال فتيل الاحتجاج من أجل بث قيم الأخلاق داخل مجتمع متداعٍ يغلب الفساد على طابعه العام ورؤية يتجسد الوعي الإنساني بقدرته على وصف التداعيات ،فالدهشة تعبير عن حضور القلق والقلق نتج عن عائق طبيعي قائم على الوصف الذي له علاقة ب الظاهيراتية التي تعتمد على وصف الأشياء والتحليل القائم على فهم الظواهر أولاً ،وبيان العلاقة فيما بينهما ثانياً وترسيخ جمالية التضاد ثالثاً والقدرة على ربط هذه المكونات،بمكونات لها علاقة بالاتجاه السميائي الذي يعرف باستنباط العلامات إثر العلاقة بين الدال والمدلول ، وصف الحياة الطبيعية البسيطة ، هو بمثابة دعوة الإنسان للصفاء الطبيعي الذي أشاد به (جان جاك روسو2)وهو بمثابة العودة لها لأنها تمثل أهم مفاتيح الخلاص والوئام الانساني القادمين حتماً ،فالمدنية والحضارة وقيم التحضر ووسائل التقنية حملت كل ما هو جديد وكل ما هو إيجابي وسلبي للإنسان ، لكنها أحاطت الإنسان بأقنعة الزيف والتصنع الذي أنتجت قيم بعيدة عن الصفاء الطبيعي ،في خضم ذلك الوجع، والقيد وما تعكسه فروض الإلزام على المرء من سلوك تقشفي ، تراوده مشاعر الرهبة والخوف، نمطية التفكير، و الحياة القائمة على التعسف في التعامل، وبطلان لغة الحوار ما بين الآمر والمأمور، التعاقد المجحف بين الحاكم والمحكوم، في مجتمعاتنا تتحكم بها الذهنية الأبوية على نحو يشير دوماً بضياع البوصلة، وليكشف فيما بعد عن هول المعضلة، بانعدام سلطة سياسية ديمقراطية قادرة على تنظيم المجتمع، بل العكس وهو تفسخ المنظومة البائسة القائمة على الخوف من المجتمع من يقظته، وقدرته على تحقيق ذلك الانفجار الضروري، الذي سيسهم في إعادة الحياة إلى نصابها، حيث تنجلي تلك الغمامة عن الحياة المدنية، وتنتقل المجتمعات عبر انتفاضتها من طور الآوامر التعسفية إلى طور الاحترام الطوعي للقوانين والواجبات، التي يتحلق الأفراد بمختلف شرائحهم حولها، ليسهموا معاً في تطوير الحياة بمناحيها المختلفة، ولعل الطابع الفلسفي ما يلبث أن يواكب طبيعة الحياة، لو أن ذلك يتم تجسيده ببساطة ، بيد أنها ترتقي بما تحمله من رمزية تتجلى على نحو واضح، فالانغلاق ضد حيوية الأفكار، حيث تسمى بالعائق المثالي، الحائل دون أن تنهض القوى الخلاقة لتسمو بالحياة وترقى لتكون انطلاقة لأفكار عليا نهضوية تستقيم من خلالها الحياة المتجلية بطاقات أفرادها، ولكن طبيعة الصراع ما بين الآمر والمأمور، ظلت عثرة في إعداد جيل يعتنق قيم النهضة طواعية، ولكن العائق أمام سمو الإنسان بحياته، هو التعسف والإكراه، حيث الإنسان طاقة لا متناهية إن أحسن ضبطها وتقويمها بما هو ضروري، فسوء الترشيد والاستثمار ، ينجم عنه الإحباط والفشل، على عكس التحفيز لما له من نتائج إيجابية قادرة على قلب معادلة الحياة الصعبة لحياة أكثر يسراً وإبداع وطاقة، هذا ما يجعل من الفرد محبطاً غير قادر على المضي باتجاه إيجابي ينحو منحى التغيير
حيث لابد من العمل على مبدأ التأثير الوجداني إلى جانب بروز الفكر المتقد بما يحمل من لذاعة وقوة، فكل الشتائم الموجهة للإنسان في هذا الموقف ، هو للحد من قفزه للأمام، إلى حيث التطور المحتوم لضمان رقيه ورفاهيته،هذا الصراع الرهيب بين قوى تسعى لإنزال الإنسان إلى حضيض الخوف والعزلة وبين فئة مقموعة منتفضة فماهية هذا الانفجار المتحقق بعد عهود غشاوة وخوف، جعلت المجتمعات تتجه لبلوغ حريتها بسلوك طريق التغيير المدفوعة باحتقان رهيب، جعلها تترجم ذلك بأشكال عدة، عن طريق القلم والتظاهر، ومقاومة الحصار المطبق، والتغييب الإعلامي، ولعل الانفجار في ماهيته استجابة لمنطق التغيير الحتمي، طبيعة العلاقات المضطربة القائمة على الخوف والاحتقار، فهو يعاني من تهميش إنساني، وإلزام قسري، يدفعه للسلبية واليأس، نظراً لخلو هذه العلائق من أدنى ممارسة للقيم الأخلاقية، القائمة على احترام الذات والآخر، حيث ضياع البوصلة، وبداية الشعور بالخطر، وعدم المقدرة على اجتثاث في الحياة القائمة على تفشي الهوة ورسوخ البينية بين الطبقات الحاكمة ، والشعب المعتد بكرامته، فهنا من الطبيعي أن يقف المهمَّشون، المهشمون روحياً إلى جانب بعضهم ليبوحوا بالمعضلة في سوء التعامل واحتقار الكرامة الإنسانية، تجسيد الصراع الداخلي، الذي يكشف عن طبقية سائدة، تفقد أي خلية حيوية حركتها وقدرتها على مواصلة الحياة بصورة أفضل، دون تباطؤ أو تكاسل، فالاستبداد مصدر كل زعزعة والمأساة الأخلاقية التي تسهم في تفكك أي خلية أو تنظيم، حينما يميل مسؤولوها لنمط اتكالي من الأوامر وبأساليب تعسفية تحبط من معنويات الفرد، وتخلق في داخله أزمات شتى تنعكس على التنظيم بصورة عامة، ولاسيما في الميدان العسكري، إذ تحبط القسوة معنويات الذات، وتجعلها في حالة استنزاف نفسية، ناهيك عن جهود الأفراد في العمل وبذل الجهود على عكس القائمين على الإدارة تتنازعهم شهوة السلطة فتفقدهم مرونتهم الجوهرية،البون الشاسع من التفكير بين الطرف السلطوي والشرخ الحاصل والذي يجعل السلطة في وادِ والشعب في وادْ، إذ يعكس ذلك حجم الاغتراب المعاش، والمعاناة التي سرعان ما تتضخم شيئاً فشيئاً ليصبح من الصعب مواجهتها، حيث تعمد السلطة إلى تلقين بسطاءها ودراويشها بسيل من الشعارات والتبريرات، متناسية حجم الآلام والمعاناة التي يعيشونها، حيث يسارعون إلى تلقين المرء الأوامر دون الاستماع للجند، الذين لا يحق لهم سوى الطاعة والتزام الأوامر أياً كان مصدرها ونوعها، ومدى نفعها من ضررها، حيث تتلاشى معايير التعامل الإنسانية بين الجند والقيّمين عليهم، مقابل تفشي الاتكالية، وبروز الأنانية الفظة، والصلف الذي يمهد لمشهد أكثر قتامة على صعيد الحدث، فالصراع النفسي رافقه الانكسار في النهاية، هذا التصدع والانكسار، يمثل ذلك العجز المكتسب، والحياة المعضلة في انغماسها بفشل الأسلوب، وعجز الآخرين عن الانقياد لحياة أجهزت عليها المنظومة السلطوية بكامل مفاصلها، فالجانب الفلسفي المتجسد في هذا الحوار ، هو العائق الضخم ما بين أصوات تعاني القمع، وسلطة قمعية لا تر أبعد من إنفها، ولا تقف على معاناة الآخرين أو محاولة للخروج من هذا السرداب، فهذا الصمت سبب مع الوقت اليأس والإحباط، ونتج عنه تقبُّل الاستكانة والخضوع للأقوى، حيث يتنافس السلطويون هنا على نمط تشديد الرقابة وفرض الأوامر، لجعل المجتمع قطيعاً أعمى، لغاية الوصول للغليان الأكبر، فالغالبية تزحف لإرضاء الحكام والمتنفذين ، حيث ينشأ الفساد إثر تشرب الخوف بمنهجية، إذ لا يوجد حل سحري للخروج من هذه الكارثة المجتمعية والوصول للديمقراطية، بسبب الأمية وأمام هذه القيود ، ما يلبث المجتمع أن يحاول لينهض ويتعاطى بشكل أكثر فاعلية مع الحياة والأجيال، عبر المسير في خضم الوجع لبلوغ المواطنة الحرة، فالأفكار التي تقيم في النفس ولا تبرحها، وبالتالي تعجز على أن تكون جلية لباقي الأذهان، ما تلبث أن تتجمد وتنهار، وتتصدع، حيث ثقافة القطيع السائدة في أذهاننا، والتي يربيها الساسة السلطويون في مراكز حكمهم، جعلوا بالنتيجة مجتمعاتهم تعاني التفكك والاغتراب، والعزلة عبر توالي الحقب، وتضطرب الأنظمة المؤسساتية شيئاً فشيئاً ببروز مبدأ الأنانية والمنفعة على حساب قوت الشعب وصالحه العام، ولاشك أن لتأثير الإيديولوجيات الشمولية دوراً في زعزعة استقرار المجتمع، وذلك بتحكمه بالفرد، وحصر ذهنيته بالشعارات ،والأدعيات وما هنالك من طقوس تنحو منحى التسليم بمقتضيات الحاكم وشؤونه دون منازع، إلى جانب تجسيد روح الخواء داخل الشخصية، إثر تعليبها، وجعلها تعيش داخل دهاليزها الخرافية، دون أن تفكر بفداحة الركون لرواسب السلطة ومفاسدها، وتحكمها بالعقل الفردي، وإقصاءه ، بل إخصاءه، وكذلك فإن خواء ذهنية الفرد واتخاذه قطيعاً ، يؤدي لبروز العاهات النفسية وشيوع مظاهر الفوضى والاغتراب المزمن، فتأثير المخدر لا ينجلي إلا في لحظات بدء الدمار والخراب، إثر عهود غشاوة وخوف، أدى بسيادة ثقافة القطيع بالتزامن مع ترسخ المنظومة الشمولية وتجذرها عبر نمط سلوكي متصل بالعوائد والطقوس الدينية إلى حد كبير..،فنكران الموت، مشتق من تشبث المرء بالحياة وأخلاقيات التعايش بين البشر، هذا ما تحاول أن تقوله الكلمات التي أشرنا لها في معرض التحليل الذي لاشك يجلي من غمامة الغموض عنها، ولاسيما إذ نحاول عبر النقد، تقديم طرائق ناجعة لقراءة العمل بنفاذ صبر ودراية دقيقة ، وتأمل لا تعوزه الفطنة والإدراك لمقتضيات المادة الفكرية المنسابة في تلابيب النص ، كون قيم الحياة الاجتماعية مترابطة متصلة ببعضها، عبر توافد الأجيال، ثم أن سحنات المحيط وطبيعة الأحاديث تشير إلى تلك الروح الغارقة في أتون الأساطير والقناعات الشعبية المشتقة عن اقتران تعسفي بين الدين والأعراف،فحقيقة ذلك الخلاف المتشنج لاشك أن التنازع له إسقاطاته على الحياة الإنسانية عموماً، وفي كل المجتمعات على تباينها واختلاف طقوسها، إلا أنه يمثل السمة العامة لجدلية الوجود المكتظ بالصراع القيمي والمنفعي، وعن إشكالية المقدس الذي يبرز كعائق أمام الحياة العلمية، فأصل الخلاف، هو ما بين الثابت والمتحول، فما بين ذلك يتحول الشرخ إلى إشكالية اجتماعية بين فريقين متضادين متنافرين، فالسذج فكرياً هم بالضرورة تتحول العواطف لديهم إلى اضطرابات ومتاهات يصعب الخروج منها، على عكس الذين يجاورون حقيقة الحياة بنمط عقلاني تجريدي، حيث أنهم يسلمون بالحقيقة،ويقيسون عواطفهم تبعاً لضوابطها، حيث يكشف الأدب عن حقيقة هذا الصراع بطرائق وجدانية ليست بعيدة عن التساؤل، والجدل الفكري المتصاعد، حول التعريف بجدلية الأصالة والمعاصرة، بما لا ينفصل مطلقاً عن موضوع الأديان وتأثيرها الميتافيزيقي على النفس التي تعتقد أن المعرفة لا يمكنها الوصول إلى كل شيء ،ولا ينفك المرء العاطفي من استخدام الخيال أو الهلوسات، لأجل أن يستشعر من خلالها الطمأنينة ونكران موت من يحب، حيث تتضح معالم هذا التنافس القديم الجديد ، وهنا يمثل ذلك التشوه والاضطراب في الحب لدى المجتمع انعكاساً لتحوير قيمه وعقائده، فثمة فئة تقف دوماً بالمرصاد لأدوات التفكير الجديدة ، المسلمة بالحقائق التجريدية، دون الخضوع للذائقة الماضوية، فتلك المنظومة السلطوية الهشة، أو حتى الحزبية منها، كونها وبأدوات تقليدية لا تزال تقف عائقاً أمام المعرفيين المتوجهين بخطا ثابتة لغد الاكتشاف والابتكار والتجرد من كل ما يعيق حرية الفكر، فهنا يكمن ذلك الصراع الحقيقي ما بين رومانسية مضطربة تقف وراء محبة المجموع للفرد، لدرجة نكران موته، وبين أنصار التجريد التحليلي المتوافق ومقتضيات الفكر السليم،تعلق المجتمع بالميت وعده من الأحياء، يستدلنا إلى الأصولية كمزعم يأخذ به الكثيرون على الصعيد السياسي انعكاساً لحقيقة المجتمع الغارق في محاكاة الماضي والتفاخر به، والعيش مع الأموات، من خلال استحضار مناقبهم وبطولاتهم، كتعويض عن الإفلاس الذي يعتري حاضرهم، حيث يذهب للبعيد لمعالجة هذه الإشكالية التي تجدد نفسها كل عصر، عبر التمويل السياسي للدين والتنظيمات الدينية التي يعاد تجديدها واستخدامها لوقتنا الراهن، ولعل ظاهرة تمثل الأموات ليست استجابة لعاطفة مجردة، إنما باتت لعبة سياسية يراد منها تدجين المجتمع الحديث بوسائل أشد دهاء ومكر، حيث أن إنكار من يحبون ، هو بمثابة إشارة مهمة لظاهرة التقديس الشائعة في حياة المجتمعات الشرق أوسطية، والتي أدت إلى تثبيت وترسيخ منظومة التنظيم الشمولي، ناهيك عن تحديث وزيادة شيوع التكتلات الدينية، والولاء للشيوخ والأتباع الذين يضخون الجهالة بمنهجية عبر وسائل التواصل والإعلام المرئي والمسموع، كتعبير عن تضاد التحول والثابت، ليبين لنا ذلك الخضوع للماضي بجلالته وهيبته وقناعاته، إزاء فريق يؤمن بالمعرفة ويمتثل لها، كونها اليقين الواقعي الذي من خلاله يمكن معرفة صلاحية الشيء من انعدامها، ليعمد للتحدث عن طرق التعاطي مع الظواهر والحكم عليها استناداً لمنطق يستند إلى الحقائق العلمية، وأخرى يميل إلى الروحانيات والماورائيات، وهما في حالة احتدام مليئة بالتآويل المختلفة، نجد أن التأمل بحقائق هذا النزاع لا يفضي إلا لنتيجة أن يعتزل المرء هذا الصخب الهائل ليركن لنفسه، ليغيب في حلقة من انشداه غامض..،حقيقة الصراع المستمر بين الأصالة والمعاصرة،من بعدها الفلسفي تذكرنا بنظرية مركب النقص لدى يونغ و ادلر3 وتقسيمه للشعور إلى نوعين ، لا شعور فردي ولاشعور جمعي، وما بين الفرد النخبوي المتطلع للجدة والترسل باستقبال التغيير وبين خليط العادات والمفاهيم الشعبية التي تشكل الثقافة المجتمعية ، مفارقة مرتبطة بجدلية الحياة والصراع نحو الأفضل..
تكمن قمة الصراع الطبيعي بأبعاده وأشكاله من خلال تجسدها بمرور الاجيال وتعدد الأزمنة والظروف التي تنبني من خلالها الحقائق وجملة المؤثرات الاعتقادية،وبين الخرافة ونقيضها الحقيقة العلمية، ومدى الجهد الذي يبذله الانسان المعرفي في تصديه لقوى الجهالة، وتجسيد للصراع المتمثل بأصحاب الخوارق والغيبيات وبين ذوات النفوس المبتكرة الآخذة بالاسترشاد للصواب والركون للحقيقة الخالية من الاعتقاد الأعمى..، الثنائية المتناقضة ، الصراع بين النظام والبديل عنه،بين الثابت والمتحول في الثقافات، وبين المفاهيم الشعبية والثقافة المعرفية، وهو جلي في أتون المتناقضات فكل نظرية رهينة بعصرها وظروفها وتنتصر المعارف الجديدة على الذهنية الجامدة الأسيرة لعبادة أفكار الأسلاف والواقعة في أسر الماضوية وفي ذلك العاكسة واقع مجتمعاتنا وتقديسها للفرد لدرجة التأليه ، والتبجح المقلد باسمه ومآثره، وعدم القدرة على تخطي الفرد وتقديسه من خلال انتاج بدائل من النخب الجديدة المتمثلة بالجيل القادم وهنا إشارة لمنطق البساطة والاتكالية الناجمة عن الخواء الذي يسيطر على عقول مفرغة تقبل بنهم على شتى مفاهيم الغيبية والانغلاق المناقض للانفتاح الذي يمكن عده الصراع الظاهر الذي يحتوي الكثير من التساؤلات التي تحتاج إلى تحليل أدق ومكثف ،ليس الحلم في ماهيته، مجموع رؤى وأخيلات متضاربة ،تعكس الحدث اليومي، بل هو مدلول عميق الكنه حيث الغبطة الروحية، والطمأنينة المفقودة في واقع تتنازعه عوالم الصخب والضوضاء، هذا ما نلمسه في ثنايا اللغة الدالة على أحلام منتهكة وتطلعات طبيعية لعالم طبيعي ، تتآلف فيه الأحلام، لتغدو متكأ تأملياً لبث الحياة عبر القيمة الجمالية، بمعنى بيانها بصورة جلية للذات الأخرى والعالم برمته، ولاشك أن انغماس المرء بعوالم الحلم الزاهية، دليل على تعبها وانهماكها إزاء واقع مأساوي لا روح له ولا أدنى تصور للحلم، واتكاؤنا في هذه الدراسة على سبر رمزية الحلم معناه إيغالنا أكثر حول دواعي خلود المرء إليه، وكذلك لمعرفة خبايا النفس وآمالها المنتهكة على مسرح المأساة، ففي طيات ذلك الهم الواقعي ، يرقد الوقت المتأبط تلك العقارب الموضوعة في الساعة، فهي لا تتوقف، ويستحيل أن تنزل لرغبة الإنسان الحالم،حيث نجد اللهث العميق في مسيرة الإنسان المحاول أن يمسك بتلابيب الوقت والزمن المسرع لصالحه ، بيد أن الصعوبات والحواجز دوماً تعيقه عن بلوغ مراده ولاسيما اتجاهات الآخرين وتنازعهم في جعبة هذا الوقت والعمر القصير، لأجل تحقيق ما أمكن من طموحات وآماني وتصورات قبل أن يتحطم المرء على مرآها، تلك الرؤى المضرجة بعديد التساؤلات عن مسيرة الإنسان المبدع في ظل عالم مفضي للفناء، ويحاول على إثر ذلك الصراع مع العوائق والحواجز للظهور بمظهر أنيق يمثل حقيقة الفن في تعانقه مع الخلود، ففي جمالية السعي وراء الحلم ، لذة الهدوء والعيش في عالم متسامي عن فداحة الواقع المليئ بالمسارات الخادشة لحيوية الذهن ومآلات الخيال في غوصنا بعيداً وعميقاً داخله، لاستنباط الجماليات القائمة على التماهي بالطبيعة، والانتصار لها كشكل وجوهر، والوقت هنا هو العامل الباعث على بذل الجهد، تحديه يشير هنا ليأس يحيط الإنسان الساعي لبذل الأفضل، أمام موجات التغيير والصراع القائمة، فأمام هذه القتامة الكونية التي يعايشها الإنسان ، لابد له من أن يقصي كل العوائق في سبيل الهناء بلحظة حلم مشتهاة بعيدة عن أوجاع العالم والسياسة ومهالك الحروب، وخواء الفاسدين ،هذه كانت الرسالة الأكثر جلاء ضمن أسهبت في الدفع بالعديد من التساؤلات ليتم إزالة النقاب عنها ، لتظل محل رحابة ونهضة وتنوير ، وعبر ثالوث الحلم، الوقت، الصمت، حيث يظل الحلم صمام أمان لمواجهة الواقع المهتز، ويظل الوقت بمثابة السيف المسلط على مدركات الساعين لبلوغ المراتب البعيدة، وأما الصمت فيمثل خلاصة البحث والسعي والمواجهة في خضم كون متلاشي مهما طال الزمن..!
ففي ذكر الأماكن تنفتح فسحات الحنين لدى المتلقي، مع إيضاح قدم وأزلية علاقة الإنسان بالوجود، لأنها علاقة بالذاكرة والجذور، وتأصل بكل ما يمته الوجود من ملامح وثغرات يتم من خلالها الولوج للتقاليد الجمعية، التي تعاقد عليها البشر، ومنها جاءت القيم الطبيعية لتعزز صلاحية المفاهيم الخامة، ولعل المعزى من تجسيد الألم الفردي هو التسليط على الجوانب الواقعية من حياة المجتمعات في ظل العزلة والاحتقان بمضامينه السلبية، فالبحث عن قيم المجتمع والحديث عن ذلك ضمن نصوص مشبعة بالشجن وولوج الذات تجاه عسف الآخر، حيث يحرص سارتر1 في جعل الآخر جحيماً،ففي تعبير سارتر أن الإنسان لا يمكنه إنقاذ نفسه من تساؤلاته وآلامه ، حيث يبحر في الوجودية ، ليجد أن الآخر يمثل للمرء العائق، وبكل الأحوال يبذل المعرفي المبدع مجهوداً في ظل أي خطاب أو نص يحمله للمتلقي ليبرهن عن ذات المشكلة الوجودية التي تؤرق مسارات حياتنا برمتها، إذاً فالإنسان الوحيد من يحمل خياراته إزاء الوجود المعلن ويتحمل نتائج اختياراته ونعوته، تجاه الأشياء والظواهر، وكما أن الآخر يشكل العائق المثالي لصيرورة حياتنا برمتها، غير أننا ندين له بالفضل ، كونه الحلقة الأهم في تعرفنا على ذواتنا وكيفية الأخذ بها في الحياة، جدلية الذات والآخر في سياق البحث عن المشكلات الوجودية، ومعرفة المدى المجدي من الخوض فيها، ولعل وجودية الوجع في ذاكرتنا تتدخل في نظراتنا الجدلية لحتمية مسار الحياة القائمة على الارتقاء للفناء ، ولكن ديمومة الماضي في الإنسان تزداد تأصلاً وما تلبث أن تطفو على السطح ، وفي حديثنا عن سارتر وبيان مقولته أن الآخر يمثل الجحيم ، دلالات هامة فهنا قال سارتر في مسرحيته (الجلسة السرية) إن” الجحيم هم الاخرون “.، الأخرون الساعون لإثبات منهج حياتهم، وكذلك لإغراق ما في جعبتنا من أهوال وعوائق يزرعونها جاهدين في طريقنا وهكذا فإن المسعى الإبداعي الذي نبثه في دواخلنا يمهد لجدلية الأنا والآخر على نحو مفصح أكثر،فنقول أن العاشق مثلاً يطمح إلى ان يرى ذات المحبوب تتلاشى في ذاته، بينما في صميم المشهد الواقعي نجد أن الأفكار تتهافت لصنع مذهبها الحي بعيداً عن الرؤى الوجدانية المباشرة، فلاشك أن الرغبة في الحل والاحتكام لمنطق أن الحياة هي خليط من مفاهيم غير مستقرة، وأحلام تغزو المرء ، وما تلبث أن تنال منه قسطاً يسيراً من التأمل، مما يجعل الذات المبدعة تحاول جاهدة للوصول بالحقيقة الإبداعية إلى مبتغاها الهادف ، وهو صناعة طرائق مفيدة من الارتقاء بوعينا التحصيلي الناتج عن خبرات وحوافز وإمكانات نتبادلها من جوهر هذا التنازع ، ففي موضوع سعي المحب للتوحد بجزأه الآخر وهو ما يشبه علاقة المبدع بأدوات إبداعه ومن ثم بوجوده ، بيئته ومشكلاتها، فلا شك أن ذلك يتحقق بعملية الإندماج الكلية مع تلك القضايا لتصبح العامل الأقوى للإبداع،فالاندماج مع الذاكرة هو غير ذلك الاندماج المتحقق في العلاقة الوجدانية بين الرجل والمرأة،ولكن يوم يتحقق هذا الأندماج، يفقد العاشق شخصية من كان يحب، ويستعيد عزلة (الأنا)، نجد أن الأنا هنا هي المفصحة عن خيارات الذات في تشظيها وبحثها الدائم عن حلول لوقائع تتوسط الماضي والنزوع الاستشرافي للمستقبل، ثم أن كان الحب يعني رغبتنا في أن نحب، فهو يعني أيضاً انقيادنا نحو سبر ماهية الارتقاء للأفضل في طلبنا الخير الأقصى بمسماه الواقعي، فالهاجس الإبداعي برمته ي على نحو خاص يمعن أكثر في إشكالية الذات والآخر، واصفاُ في الآن ذاته سعي الذات للتوحد بالآخر وجدانياً ،فهو يعني أيضا أن يريد الآخر حبنا له أي أن يكون في حاجة إليه، من هنا تتحقق جمالية المسعى ، وكذلك يتحقق الشرط الإبداعي في البحث عن الحياة التي يرتقي لها المعرفيون في المسير بهذا الموج المجتمعي نحو حقيقة الوجود الحر المحكوم بالجمال، رغم جدلية التنازع القائمة في كل ركن وصعيد وتحكمه بكافة المسارات والميادين المختلفة،إذن فوجود العاشقين هو في تنازع دائم، كأي وجود آخر، ولعل عشق المرء للطبيعة، للحياة المتأصلة بروح المكان ، الجبال، فكلما كان الإمعان في ذاتنا عبر مرايا الوجود ، كلما بانت حقيقتنا الجميلة أكثر واتسعت باتساقها وتناغمها مع الطبيعة، هكذا يكون الوعي بالجمال خالصاً، وتكون للحكمة دلالتها، كون الحكمة هي ابنة الجمال الكامن في الوجود ، ولا يتحقق وعينا بالوجود دون إيغالنا بالسحر في هذا العالم المكتظ بألغاز النشوة الخلابة ، عبر التجوال في مداه المطلق، للتعرف على الذات ،وهكذا فالوجود الذي بدأ لنا كأنه النعيم المقيم لا يمكن أن تنجلي خباياه ،لو لم يكن ثمة وعي فردي هو الأنا، الأنا التي تعمل وتكدَّ وتقرأَ وتسبر الأغوار، فهذا يشكل حقيقة نشدان المعرفي للخلاص من قيود المفاهيم المتحجرة، ولا يدرك المرء نعيم الانسياق لمطلب الحب ، دون التأمل في مجريات الزمان والمكان في توأميتهما، حيث السر الأجمل في استدعاء الجوانب المتعلقة بالفن والعلوم الإنسانية، ينبجس كل شيء من خلال جدلية الفرد والطبيعة، في خضم الموجودات، ويبان ذلك المجتمع في ظل الترابط المحكم بين أنسجة الإبداع الحي المقيم في الوجود ، وبين مطلب الذات الفردية في التقصي والإبداع والإيغال بعيداً نحو الجمال، وما النقد إلا جزء مكمل من العملية الإبداعية، وهو تماثل آخر ووجه مقابل لجدلية الفرد والطبيعة، الوجود والموجود، المبدع للنص، والموغل للنص، الفلسفة وشارحها، إن هذه الثنائيات المتقابلة، تستكمل فصول بعضها الناقصة، حيث أن النقد يتغذى على النص الجاهز، وحيث أن القيمة الإبداعية تنجلي بتمامها حين الإيغال التحليلي التأملي في ثناياها، وهكذا دواليك.. هنا إشارة مهمة للآخرين الذين يحولون بيننا وبين حياتنا وتأملاتنا، حيث يبقى وجودهم الجحيم المهدد لكل ما نحتاج ترتيبه لحياتنا، ولاشك أن ذلك العائق الذي يقف بين الذات والتأمل الخالص، هو الذي يتحول مراراً إلى جحيم وشر، بسبب وجود الآخرين، غير المدركين لجهود المرء لصيانة الروح، وتنظيم دوافعها واحتياجاتها، غير الآبهين للجمال الذي يكمن في الجموح للطبيعة ، والاستفادة من مزايا الجمال، هذا ما جعل الغضب والحنق هو النتيجة التي تتصدى لقوى القبح والتشويه، التي تقف حيال أفكارنا وأحلامنا وطموحاتنا في تلوين حياتنا بالجمال والتأمل والمعرفة الدؤوبة، جدلية وجود المبدع إزاء العائق البشري، العلة الكامنة إزاء صيرورة الإبداع ونقاءه، حيث يكون الآخر متطفلاً على الإبداع، غير عارف أو آبه لقيمته الداخلية ، في إشارة أن وجود الآخر يمثل الإشكال عادة في السير بالجمال لمساره المأمول، حيث نجد سارتر يرى في الآخر العلة ، ويرى وجودنا كذات عالة عليه ،فيقول سارتر: “..الغير هو الآخر، الأنا الذي ليس أنا..” وهنا تتكون الرؤية المعرفية نحو تحسس مفاتن الجمال، والانغماس في مدلولاته الحميمة، والانقياد إليه، يهبنا آليات دفاعية تتلخص في إبداء الحرص عليه، إزاء فئة تستعبد هذا الجمال، وتقصيه، لماذا التنازع؟!، هنا يمثل في الحقيقة الهدف من الصراع وتلك الجدلية الوجودية، حيث ثمة فئتان ، فئة مرهفة مبدعة تسوس حياتها عبر اعتمادها الحياة الفطرية، وما يتخللها من إيمان بجملة قوانين ، عبر يتم تنظيم الحياة بمثالية ما، وهذا ديدن الطبقات الباحثة عن حياة أكثر هدوء ومعنى في الصميم الذاتي، مقابلها فئة منفعية تؤمن بالاحتكار، والسلطة ، كونهما أس حياة هذه الفئة ومبلغ اهتمامها، إذ أن الجمال بالنسبة لها هو حيازة الأشياء، وتجلي الجمال هو في الربح والنفوذ، إذاً هناك مذهبان متمايزان واعتماداً على حجة (تحليل لغوية) تتمثل في تأويل وتفسير كلمة (ليس) نجد أن الحياة لا تعاش إلا على مبدأ التنافس والغيرية، في تقديم مذهب على مذهب، وكذلك اللعب المكشوف على وتر أن البقاء للأجدر، الزخم الإبداعي في تصادم مع العبقرية النفعية، وجل مطمح العلوم الإنسانية ، أنها تبحث عن الإنسان خارج دائرة العلم المرتبطة بقيود العقل وتصوراته، وكذلك بعيداً عن الجنوح العاطفي في اعتماد الوجدان كميزان لتصحيح المسارات المغلوطة التي اعتمدها البشر في أطوارهم التاريخية المليئة بالمغازي والعبر في تطويعهم الفكر لأحد تصورين إما الاسترشاد بالعقل المطلق أو العاطفة المطلقة التي لا تؤمن بأن المعرفة قادرة في جوهرها على استيعاب كل شيء بما لا يتفق مع مذهب العاطفة التي تدين بالروحانية التقليدية حيناً وبالتجرد نحو الإبداع حيناً آخر ، حيث يستنتج سارتر أن هناك عدم وانفصال وتباعد بين (الأنا) و(الغير)، فالحروب التي تشن على الأنظمة شرق أوسطية بزعم تغيير أنظمتها ، هي في الآن ذاته تحمل في جوهرها استبدال المأساة بواقع يتخلله الضجيج والافتراء والفوضى، في إشارة إلى أن التغيير لا يفرضه الخارج، بل تقف خلفه الإرادة الجماهيرية الواعية..، فالإدراك لضرورة التغيير هي حاجة المجتمعات، لكن القوى الخارجية من تتلاعب بخيوط اللعبة ظاهرياً، حيث الصراعات التي لا تكاد تتوقف وتهدأ، و الواقع السياسي المتلظي بنيران الاستبداد والتدخل الخارجي، فإدراك المعضلة الحاصلة في جذور المجتمع المكبل بأغلال الوصاية وتفشي علل السلطة في مؤسساته، هو المرجو في عملية إنتاج النص الإبداعي، وقد تم اعتماده ، لجعل تجسيد الواقع والفكرة الممثلة الحل، هو جل الحيز الذي يشغله النص ، الشارح لمظاهر التفسخ والتشرذم وغياب البوصلة، فأي إدراك يقف عند مستوى الجسم وما هو ظاهري، يصبح معه الآخر مجرد موضوع أو شيء، لكن في واقع رصد معاناة المجتمع، كان لابد الإشارة إلى أبعاده النفسية، ومآلات النظام القمعي داخل بناه ، والفوضى الحاصلة التي رافقتها الصراعات الخارجية، والحديث في ذلك الموضع طويل وشائك ،وفي الحرب تتضاءل إمكانات السعادة الهادئة، فيصبح التأمل في المكان المدمر، والاحتجاج على الانتهاكات التي استقرت تماماً في قلب الذاكرة، حديث الشجون أبداً وكلها طرق لمدواة تلك الكرامة المستباحة تارة عبر سياط الجلاد ، وتارة أخرى بسبب الحرب التي ما انفكت تدور رحاها لتفتك بالآمنين،حيث يتم التقاط أفخم صورة لأبشع لقطة جريمة مبتكرة، نجد التركيز على معاناة المرأة في الحرب، كونها تحتمل كل تداعيات ونتائج الحروب التي يصنعها الرجال، ذود النساء عن الأبناء الجرحى، اعتماداً لتجسيد علاقة الإنسان بالمكان، علاقته بالآخر، وكذلك نظرة المجتمع للمرأة من كونها المخلوق الأكثر تحملاً لغطرسة الحروب، مما يستدعينا هنا للنظر إلى الحدث استناداً لتعامل الإنسان معه ، كمغزى لتلك العلاقة بين الأنا والغير حيث يقول سارتر: “..أن العلاقة بين الأنا والآخر هي علاقة تشييئية ما دام أن كلا منهما يتعامل مع الآخر فقط كجسم أو كموضوع أو كشيء، لا تربطه به أية صلة..” والرصد للحدث انما هو بحث عن هذه الجدلية برمتها، وكذلك عقد تقابلات وروابط فيما بينهما، إيجاد المغازي في تقابلاتها، وإخراج المشاهد لساحة التأمل، لتكون ميداناً للاستقصاء والبوح الأعلى في نسيج الدراما الوجدانية، العاكسة للأفكار على نحو مختلف، فلا ينظر للجانب الدرامي إلا من سياق جدلية الذات والآخر، كونه العاكس لحالات الإنسان وأطواره المختلفة مع ما يقابلها من سبر نحو ماهية الترابط الفكري الكامن وراء عرض المشاهد، وإبداء المواقف المباشرة تجاه الحوادث الحاصلة في المجتمعات ، والمتحكم بمصائرها، وطرق تفكيرها وآليات بثها لاعتقاداتها، ولاشك أن العلاقة المكانية منحصرة في جدلية الثنائيات، وما بينهما من علائق وعوائق متباينة، وإن تم ذلك البحث عن القرائن التي تحصر علاقات المجموع في سياق الجدلية التي تعم كافة الموجودات على اختلافها، فلا تفصح الكتابة فحسب عن الحديث في نتائج الجدلية الجارية في الوجود بقدر ما تحاول نقل ذلك كحصيلة تجارب للإنسان ضمن سياق التعاطي الدقيق للعلوم الإنسانية برمتها كونها تجعل من الإنسان المحور والغاية الأساس لفاعلية وجودها..، حيث لا تعنى القصة الواقعية كثيراً بسجالات الفلسفة المتشعبة، إنها تنقل حصيلة الوجدان والإدراك للإنسان عبر المشهد والحوار وكذلك بيان اللغة الجمالية ، مدى تأثيرها وتأثرها في محاكاة الذوائق العامة، وكذلك مسيرها في ركب العطاء،لنتمعن بمقولة يوحنا جـ. استوسينجر في كتابه لماذا تذهب الأمم إلى الحرب، إلى أن كلا الطرفين سيدَّعون أن الأخلاق هي مبرر قتالهم. وهو ينص أيضاً على أن الأساس المنطقي لبداية الحرب يعتمد على تقييم مفرط في التفاؤل لنتائج القتال (الإصابات والتكاليف)، وعلى التصورات الخاطئة لنوايا العدو. ، المقامرة هي التي أودت بالمجتمع إلى نفق هاوية غير معلنة ، قادتهم ليكونوا وقوداً لجشع أرباب الاقتصاد ومافياته، وهذا ما يحيلنا للعودة لسارتر حين قال : ” الأنا لا يدرك الغير كما هو في ذاته، بل يدركه كما يتبدى له ضمن حقل تجربته الخاصة، وهذا يعني أن نظرة الأنا للغير هي نظرة اختزالية وإسقاطية، فضلا على أنها نظرة سطحية ترتكز على(كثرة متنوعة من الانطباعات الحسية)، ولا تنفذ إلى أعماق الغير من خلال الاقتراب منه والتعاطف معه..” وجوهر القضية هو دوام التصارع وتغليب التوجهات على أخرى، ضمن اللا حل، حيث يتهافت البشر على التشبث بقناعات على حساب إنكار أخرى، ويعمد المتحكمون لتسعير هذا التنازع وفق مصالحهم وأجنداتهم، وهكذا فالنظرة تجاه الغير هي حقاً كما رأها سارتر اختزالية بمعنى أنها متمحورة في نطاق الأنانية العملية المتشبثة في ماهيتها بقناعات تسيرها، وإسقاطية تعتمد على الواقع في بروزها نحو جملة المنافع المحددة..، لعل في رحلة البحث عن الأفضل ، في تفاصيل النص التأملي، تكشف لنا النقاب عن الفترة التاريخية المتشظية بالأحداث ، وعن المعنى من الكتابة الواقعية، التي تتخللها الأفكار المفصحة عن تصورات كان لابد منها أن تشكل سجالاً كثيف المستوى بين الناس، لا أن تصل النخبة دون عموم الفئات، حيث لا تحتمل الكتابة الواقعية الحقة، أن تكون حبيسة الفنون الكمالية، بل تحت الطلب دوماً كونها عاكسة للحاجات الإنسانية الطبيعية، وهي بدورها ترتقي عن النصوص التخييلية ، حيث الأخيرة تخاطب الذائقة وتداريها، بينما النص الواقعي خلق كخطاب تهييجي للجماهير المتعبة، ففي زمن تصارع النظم الاستبدادية واستماتتها للبقاء وصية على جماهير تعاني من الغليان المستتر، فالتأملية السياسية لطبيعة الواقع، النهج القويم في حياكة الحدث وترويضه، وتقديم إجابات شافية لعقول متورمة تحت ضربات المطرقة اللاذعة، التي ما تلبث أن ترفع كل ما يعمها من حزم وجلد، أمام المتلقي العازم على الفرار من الترهل العام ، هارباً لفسحة الإيجاب، عازماً على التفوه بما يجب إزاء مشاعر العجز والنفور المصاحبة للاستبداد والحرب، كونهما المتناوبان أبداً والمساهمان في تفشي الأزمات الفكرية والنفسية في المجتمع، حيث الجميع يتفيأون تحت ظلال السلطة الموهوبة في افتعال الحروب، والاستمرار في الهيمنة ، حيث يلتقي الخصوم الأبرياء ليساعدوا بعضهم بالتزامن مع حرب بعضهم بعضاً، لتثبت لنا خيرية الإنسان في ماهيته، من كونه في الجيش مجرد مأمور، يعيش تناقضاً لاذعاً بين أن يكون ذلك الآتي لإنجاز مهمة حسب الطلب والأوامر، وبين أن يكون ذلك الإنسان الذي ما يلبث أن يستيقظ ليعبر بصدق عما يخالف المهمة ، وهو أن البشرية في احتضار واستنزاف جراء حروب عبثية لا تجلب سوى الدمار العام لجميع الأطراف..، حيث الوجود سفينة ، ودمار جزء منها لو بسيط يعني فناء من على ظهرها..، فالانتصار للإنسان يعكس في مضمونه ثقافة عالية المستوى، ويتجلى من خلالها إرث الحضارة العاقلة التي بشر لها المعرفيون منذ الأزل، واستطاعوا صونها عبر اعتمادهم على التواصل الفكري وتدشين أواصر الحب عبر أسسه المتينة، بالتزامن مع أفعال السلطة المولعة بالحروب والاحتكار الربحي، فعقد الأواصر الفكرية المشتقة أساساً من العلوم الإنسانية يعطي دلائل يمكننا اختزالها فيما يأتي:
-
إيجاد البديل الحقيقي عن مظاهر التنازع الإيديولوجية التي سادت الخطاب القومي، والمذهبي، وإبراز قيم الحياة الفعلية عبر البحث عن خيرية الإنسان وطبيعية دوافعه الأولى، فيما لو تجلت، حيث اعتمدت الكتابة المعرفية على إظهار النداء الروحي الجمالي الخارج من مدركات الإنسان المعرفي في إنهاء الكوارث التي تتم بيد الإنسان..
-
تتضمن أيضاً التعريف بالإمكانات الفعلية للإنسان في مواجهة العوائق التي تحول ما بين ذاته وقناعاته الطبيعية، ولاشك أن التعاطي الإنساني للمأساة، والتعاطف معها، هو نشاط حقيقي وجداني لممارسة الطمأنينة المفتقدة في زمن الحرب والتصارع الوحشي ..
-
الاعتماد على التعريف بجودة الفعل الإنساني المتأتي من روح الطبيعة التي يجسدها الإنسان الساعي لعقد الأواصر الطبيعية بينه وبين الضحية، عبر تجسيد مظاهر هذا التعاطف الأمر الذي أحالنا لتفسير الدوافع التي تقف وراء عملية صناعة الخير، وهو إحقاق الجمال الكامن لدى الإنسان الطبيعي..
-
السعي وراء فعالية الطبيعة الخيرية لدى الإنسان، وتجسيدها ، على دوافع الرغبة والهيمنة التي يتم استثمارها لاستنزاف موارد الشعوب، والتحكم بها، عبر التصارع القويم ، ضد ممارسات تنم عن ضعف لابد من محاربته، والانتصار ما أمكن لقيم السلام الحقة..
-
بيان حقيقة السلم الطبيعي المستوطن نفوس الجماعات الهاربة من البطش والتي تشكل المرأة النسيج الرئيسي المتأثر بكل انهدام على مستوى المعايير الأخلاقية المنتهكة في الحروب، وكذلك خلق الحلول الواجب العمل بها ، لتخليص المجتمعات من إفلاس المنظومة الربحية، لهثها وراء المنافع على حساب الدمار على كل المستويات..
فالتوصيف اعتمد على محاكاة الداخل أكثر من الحواس، فساد السلطة المستبدة نهبها لقوت الكادح ، استخدامها لمختلف الحيل للتمادي والاعتداء على تلك الكرامة المستباحة، الأمر الذي يحرض في داخل هذه الفئات روح النقمة والاستياء، معالجة هذا الواقع المنكوب ،فالعوامل الطبيعية هي أحد الكوارث المحتملة على الجماعات الفقيرة، وهي بمثابة الألم الأكثر تجلياً، لأنه يندفعون بمواجهته بأبسط ما لديهم من إمكانات، لكن الأمر الأكثر ألماً هي عقلية المتنفذين الجاثمين على صدورهم، المنكبين على أرزاقهم واحتياجاتهم، بدلاً من أن يقفوا إلى جانبها، وهذا ما يجعلنا نذهب للتحليل حول صراع الطبقات الاجتماعية ، في تفسيرنا لتلك التداخلات فيما بينها ، والتي تفرز فيما بعد هذا الانقسام الاقتصادي والاجتماعية والصراعات من باب عرض الفلسفة السياسية الماركسية، الساعية بدورها لمعالجة هذه الإشكالات التي تصيب المجتمعات منذ القديم، حيث أن الحكومات هي وسائل معاداة لحياتها وعملها ولعل كارل ماركس وفريدريك انجلز هم الذين أكدوا الإنتشار العالمي لهذا المفهوم، حيث أشاروا مراراً في حديثهم عن هذا الموضوع الكبير بتمثلهم بنتيجة أن هذا الصراع المعقد هو محرك التغيرات الإجتماعية والتاريخ الحديث،
تجسيد حقيقة هذا التنازع الرهيب بين أرباب القوة والفئات المنكوبة ، تلك المعانية من الفقر وشظف العيش، ولعل الشرخ الطبقي تشيرإلى حقيقة أن الحكومة القائمة هي من تعزز الهوة بين الطبقات، ولعل اللعب على وتر التحايل المكشوف على المجتمعات المنكوبة هو الأمر الذي يسهم في خلخلة المعايير والقيم الأخلاقية داخل المجتمعات بشكل عام، مما نجد السلطة إزاء ذلك تقوم ببث ونشر تصرفاتها السلبية داخل أوساط المجتمع وفئاته ، حيث تحول بعضهم إلى تابعين لها، وهؤلاء التابعين يقومون بأداء مهمة أكثر شناعة منها، إذ أنهم يقومون بتحويل النهب والسلب إلى قانون مستدام ، وهذا هو الأبشع والأسوأ في تاريخ المجتمعات، ناهيك عن الفقر لما له من تداعيات ونتائج كارثية في حياة المجتمعات، مما يجعلها في حالة قلق واغتراب كلية ، عن القانون الضامن لحقوقها الطبيعية..!،رصد النفوس المضطربة نفسياً ، جراء هذا الوضع الصعب، الناجم عن الإهمال، في مظاهره الإدارية، وذلك العجز المرافق ، والذي أساء للحياة برمتها، مما يضع السلطة في خانة المسؤولية، كونها مشغولة بجمع الضرائب وامتصاص طاقات الشعب على جميع الصعد، لتحقيق أهداف غير مشروعة، وإبقاء الحياة كما هي خانقة، ومعلولة، فالإنسان العامل مرغوب به بدوام وجود طاقة له، وعندما يهرم ويصبح عاجزاً عن العطاء كما في السابق، يُرمى في قارعة الطرق، إذ لا تأمين ولا ضمان له، حيث يصبح في وضع خانق لا يمكنه فيها أن يحترس قمع السلطة لقوله الحقيقة،”حيث أن الشعب هو المسؤول عن فساد مرؤوسيه، وصمت الجماهير قادها لتكون كالقطيع الذي يذعن لرعاته، حيث تلك السلطة هي التي تلتف حولها مظاهر محاباة الأقارب، والمحسوبيات، الأمر الذي يجعل من باقي الفئات تعاني الحرمان ، إثر تفشي الرشوة والابتزاز، وتحول المدن لمحميات مافيوية يديرها متنفذون يمارسون سطوة النفوذ والاحتيال، ولاشك أنهم على الجانب الآخر منشغلون بنشاطات إجرامية أخرى كالاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والدعارة ،ضياع الحقوق والجهود في تلك المؤسسات الخامدة من أي حراك ونهضة وإنعاش، والاغتراب هو السائد وهو المناخ العام الذي يسود في سحنات الناس، وتعبها، وما تحمل تلك القسمات من نقمة وتذمر على حال سلبية تتفاقم يوماً بعد يوم لتصل لدرجة الغليان العام..، فما يحدث من وبال على المجتمع، يحدث لعدم وجود يقظة مسؤولة تفعل فعلها، فالسلطة قامت بتلقين بعض فئاتها بحب التبعية والمحاباة، وكذلك عمدت عبر رجالات الدين إلا جعل الطاعة العمياء للمرؤوسين من طاعة الرب، وهكذا تم تحقيق مبدأ التبعية الخالصة بين الجماهير وسلطاتها، لهذا فالمجتمع يتحمل أوزار الظلم الواقع عليه ، لعجزها عن تفهم عللها، حيث تصوير الذل القائم يعتبر بحد ذاته مدخلاً لرؤية نقدية لا تكاد تتوقف فغاية الكتابة الحقة، هي تحريضها للعقل على التمرد والقفز للأمام،فانغماس الذات في نواقصها، لاسيما وإن كانت غارقة في أتون السياسة وأعرافها، أمر يعم الذهن في أقصى ساعاته، لاسيما وإن كانت هذه الذات تعي الحياة الطبيعية دون التواءات وانحرافات فردية عن قيم الحياة الخامة، فهي الأكثر تعرضاً لحقيقة الألم الواقع ، فالحوادث على الدوام تؤثر في موازين العمل، وتشي عن حقيقة الصراع التي تتناقلها الأجيال عبر أطوارها المختلفة ، حيث يحدثنا هنا عن الصراع بين أعضاء الحزب حول استثمار المبادئ شكلياً دون هوادة ، حيث تتجلى تلك الأبعاد المتناهية التعقيد في خضم هذا الجدل الذي يعم روح الشخصية الناعتة نفسها بالغباء حيث أن الصراع بين الفئات وفق مفهوم الأكثرية والأقلية لا يكاد يهدأ ، بل هو في تصاعد ليكشف لنا بطريقة ما عن حقيقة الصراعات السلطوية التي تستنزف حقيقة المبادئ التي يتحلق حولها الأفراد بغية تحقيقها ، ليتجسد لنا الصراع بوجهه الحقيقي ، في أي الفئات ينتفع أكثر على حساب الباقين وعلى نحو متشابك ،الأعضاء ممن يعيشون خضم الصراع المعيشي هم الأكثر معاناة تحت الضغط النفسي الفردي في ظل الجماعة، في الحديث عن مختلف الجوانب المتعلقة بهذا التنازع العبثي بين طبقة تعاني التخمة وأخرى تعاني الجوع، وفي خضم هذه الطبيعة المعقدة ، تتداخل كافة الجوانب ببعضها ، لتؤلف سيلاً لا منقطعاً من التوتر والاحتقان المتشابك والذي له بلا شك تأثيرات متعددة تنم عن كثافة في الكدح والعنف وما يتخلله من قلة حيلة وضبابية في الأفق ، إذ تتشرذم الأصوات وتعلو وينعكس صداها على ذاتها دون معنى ، ويبقى الحل عالقاً في الجو، حيث تعرِّف دائرة المعارف الأمريكيةالصراع بأنه: “حالة من عدم الارتياح أو الضغط النفسي الناتج عن التعارض أو عدم التوافق بين رغبتين أو حاجتين أو أكثر من رغبات الفرد أو حاجاته”،لكنه هنا بالمعنى الحزبوي بات يعكس ذروة الاحتقان والتنازع حيث أن الصراع بين طرفي القضية المتخم والجائع ، له دلالة طبقية بعيدة ، فانعدام التوافق والتوازن في حياة الفئات وانقسامها على احتكار القوت هو ما أفضى لحقيقة هذا التنازع الخطير ، فالحديث حول الكفاح يمثل المطلب الأكثر معيارية في حياة التنظيمات بيد أن التنافس على الألقاب والأوسمة أيضاُ بادٍ ،حيث يأخذ الصراع أبعاداً متعددة تعكس عدة رغبات يدور بعضها في فلك الكفاح الجماهيري، وأخرى غايتها كسب المواقف ولفت الأنظار حول ردات الفعل ومعطياتها في المعنى السياسي العام ، فالأفراد والجماعات ماضية في تدشين هذا الصراع سلوكاً ومبدأ، والجبهات متعددة منها ما هو بمواجهة الخارج، ومنها ما يتم داخل الحزب الشمولي ذاته بمعزل عن التحديات الخارجية، ولعل الوجهان المختلفان للصراع الداخلي والخارجي متشابكين ومتداخلين بأشكال معقدة ومتباينة، وبجميع الأحوال فالصراع يتركز في النهاية بين طرفين يشتركان في القوة ذاتها والعنفوان ذاته في إتمام هذا التنازع القائم ، عاكساً بمجمله صراع الطبقات سياسياً أو قبلياً أودينياً ، واللا توافقية هي التي تطفو على السطح في كل ميدان ففي قاموس الكتاب العالمي، فإنه يعرف الصراع بأنه “معركة أو قتال Fight، أو بأنه نضال أو كفاح Struggle، خاصة إذا كان الصراع طويلاً أو ممتداً”.
لكن الطرف الأكثر انغماساً بالعفوية الفطرية التي لا وجود لها في ظل هذا الصراع الممتد تحت ذرائع شتى
حيث التصالح مع الذات، للحيلولة دون أن تتفسخ وتتلوث في زيف ما يحكى ويقال ويحاك من مواثيق ومفاهيم خارجة عن المعنى الطبيعي من بحث الإنسان للقيمة وتحسسها بكليته، دون إملاءات أو ضغوط، فلا يمكن عزل العواطف الذاتية عن حياة مليئة بالتحديات والعوائق، فهو يقف إلى جانب الإنسان المتحرر من تلك الفوضى الخالصة المحيطة جوانب الحياة المتعددة، فالانزياح نحو الحب والوجدانيات عموماً هو بمثابة البحث عن السكينة المفقودة في زمن يتداول النزاعات دون معنى، لعل في ذلك اجترار تلقائي للصراع دون وازع، الأمر الذي يشكل للإنسان رغبة مستدامة للخروج عن هذا الصراع، والبحث عن معنى آخر خارج هذه الدائرة المعقدة، فالتشبث بالحب هو الملاذ الأخير الذي يمكن للمرء أن يوظفه ليتفادى شبح الإحساس بالمرارة وانعدام الأمل، لهذا فالاتكاء على السند المعنوي حيث تختفي تلك الهالة الموجعة في مشهد مواكبة الصخب ، في حديثنا عن عوالم النفس التأملية، واستخدامها كوسيلة لصون النفس من مشاهد الكآبة الناتجة عن التنازع الذي لا روح له ولا أثر،فالنزوع نحو الخلاص الذاتي، أمر لابد منه إن ضاقت السبل في مواجهة الزيف وروّداه، ففي ظل عسف وتجبر السلطات القامعة لا خيار للمجتمع إلا بقبول أحد شيئين وهما الرضوخ أو الانتفاضة، إذاً فالكتابة الدرامية هنا لا تخلو من هواجس تنتاب الأعماق ، تحرض على التأمل بحيثيات المشهد وما يبعث من إحساس بمشقة الواقع وضيق أفق الحل ، وكذلك الترنح في طيات المشاعر الوجدانية، لتكون بمثابة الشرارة الكامنة في رحلة الإنسان باتجاه الخلاص ، فما يواجهه من بطش محاكم التفتيش وسطوتها، هو ما يزيده من المواجهة ويرفع في داخله آليات المواجهة ، حيث أن قوى التغيير ما تلبث أن تواجه، رغم كل الخيبات ، الألم والمرارة إلى جانب العزم والإصرار على التحدي لرؤية عالم أفضل جمالياً وأخلاقياً ، فروح الألم ، تبثه الشخصية ، تتناول الأسى ببالغ من الكمد والمشقة، في عالم مشرع بالجفاء والموت ، حيث تبعث الكتابة الوجدانية بمواكبة الفكر اليقظ دوراً في تنمية الروح ، وتحفيزها أكثر على التشبث بقيمها ومضامينها ، لممارسة هذا الزخم في عملية المواجهة ، حيث إبداء الشفافية الفنية المغمسة بتأثيرات الواقع لإضفاء مساحة لتناقل هذا الوجع وتأمل مدلولاته الحيوية والغائصة في العمق بعوالم المجتمع المكبل بسلاسل الفساد السلطوي، في عجزه عن مواكبة نداءات الإصلاح والتغيير ونشدان الرفاهية، فالكتابة في تمجيد معنى مواجهة المعاناة وضغط السلطة القامعة على الأفراد ، هو الشأن الأكثر قيمة على عكس كتّاب السلطة ممن يلهثون لتمجيد الزعامات، والثناء عليها،وذلك هو المغزى من العمل الإنساني ، وهو النزوع للمحافظة على السلوكيات المحمودة ، إزاء العسف والجور الحاصل في مختلف المناخات الحياتية، إشارة أن منظومة الاستبداد تحاول إفراغ مجتمعاتها من ثوابتها ، مما يسهم في إنتاج نوع خطير من الفوضى واختلال النظم الأخلاقية ، مما يجعل التفتت وشيكاً في ميادين الحياة كافة..، ثنائية الفساد والاستبداد، اللذين تمارسهما السلطة عبر تأسيسها لمنظومتها القائمة على تفتيت المجتمع أخلاقياً، الأمر الذي يسهم في إركاعها وصهرها بمفاهيم نفعية استهلاكية تنمي فيها روح القطيعة عن القيم الطبيعية، لتصبح الأخلاق في خطر، حيث تسعى هذه المنظومة باستمرار لتجديد أساليب قمعها وإقصائها، تلبس أحياناً لبوساً قومياً، بمسعى مزعوم أنها تحمي القومية وتمجدها في شخصها، وأحياناً تتجلى بلبوس طائفي بمزعم حماية الطائفة من خطر الفئات الأخرى ، إلا أنها تحافظ على بقاءها تحت شتى المسميات والمزاعم، وأجهزة الإعلام بالنسبة لها، آليات رقابية تحريضية، وحتى من هم في زنازنها هم مخيرون بين أن يتعانوا مع السلطة أو يبقوا في معتقلات الرأي، بلا صوت أو صدى، حيث أسهمت هذه المنظومة بصنع المأجورين ممن لا رأي لهم إلا وفق ما تشير السلطة لهم بالقول أو الصمت، وهذا الوضع يكاد يضيق بتلك المنظومة ومستقبل دوامها في الحكم، بسبب توالي الأزمات الاقتصادية عليها، وكذلك احتقان الجماهير، ممن تشكل وقوداً للإنفجار، إثر التفاوت الكبير الحاصل في الدخل المعيشي للناس، ووجود تلك الفئة الفاسدة المتحكمة بالموارد الاقتصادية والمال العام، حيث دخلت في تحالفها مع السلطة، لإبقاء هذه الثروة في حوزتها، ناهيك من أن هذه السلطة تنسق أمنياً مع سلطات أخرى تجاورها، وتناصبها أيضاً عداء المجتمع ، حيث إن تفجر الوضع في دولة، فإن الدول التي تجاورها وتناصب سلطاتها العداء إزاء الجماهير، سرعان ما تصل النيران إليها أيضاً، ، هذه المرة الحديث سيكون عن الوجدانيات، والعوائق التي تقف بين العلاقات الإنسانية في أن تستمر وتثمر، لتصبح أساساً للعائلة السعيدة، بيد أن تلك العوائق هي وليدة المجتمع الأبوي، الذي هو بلا شك وجه آخر لمنظومة السلطة السياسية القامعة،فالعوالم الوجدانية الحارة لا تنفصم عن القضية الأساسية التي ينتصر لها على الدوام، وهو تحرير الإنسان من أسر الاستبداد والتفسخ، والذهنية الأبوية الوليدة عن تقاليد وأعراف جائرة، تجد السلطات القامعة ببقاءها، وسيلة لدوام الغطرسة والجمود ، عبر تغييبها لمنطق الحرية والتمدن، لصالح العبودية والتمزق المجتمعي، فالسلطة إذ تحارب في المجتمع روح التنوير والنهضة، فهي في الآن ذاته تقمع الحب بين الرجل والمرأة، عبر التقاليد والأعراف البالية، تقضي على بناء العائلة القائمة على الحب والاختيار الطوعي، وذلك من خلال العائلة الذكورية المحاربة للحب والحريات إجمالاً، إذ تعتاش على إقصاء المرأة عن الرجل، لتبقى الذكورية بمثابة الوجه الساطع للاستبداد، وجذوره التاريخية الضاربة بعمق في المشهد السياسي الشرق أوسطي، حيث تتجذر الذكورية كنظام عبر صيانتها للتقاليد والأعراف، فهي السلطة التنفيذية العليا في داوم تمزيقها لشمل المجتمع عبر إبعادها للمرأة عن الرجل، حيث يخرج في هذا المشهد عن التقاليد الذكورية، والاستئثار النرجسي لنسج الصورة، ، إبراز التشاركية، ومدها بغلالات رهيفة من الصور والأحاسيس اليقظة، فإيماننا هو أن تحرر الإنسان عبر الكلمة، تشكل فعلياً بتداولاً لمسيرة المواجهة لمنظومة تعتقل العقل، تكبله بكل عرف، سعياُ لبتر قيم الحب ومنافع الذات الروحية في ملامستها لسحر الطبيعة ووصاياها، المختزلة في السمو بالجمال لمراتب الرفاهية والصدق، والتمثل بماهية النظام، هندسته، على عكس الفوضى الناجمة عن القيم الذكورية سياسياً، ثقافياً ، اجتماعياً،فأمام عتبات الواقع المر، تتداعى صروح الحلم، لتحول دون تحققه، في إشارة إلى منطق الخلاف المتشظي في الحياة الاجتماعية، وتحكم الآخرين بخيارات الأفراد ومصائرهم، ليصبح التحرر من هذا الضغط عائقاً كبيراً، مما يصل بنا لنتيجة أن هذا المجتمع فاقد للحب ولثقافته دون دخول للتعميم ، إنما لو عدنا لوطأة الأعراف الطبقية، وحقيقة التنازع القائمة فطرياً بين البشر، لرأينا أن الشرق يعاني أكثر من معضلة محاربة الحب، ذلك أن وجوده يعني وحدة العائلة والمجتمع، ولكن محاربته، يفيدنا لحقيقة النظم القابعة على صدور المجتمع ، من خلال انعدام العاطفة الموجودة بين عموم الأفراد في خلايا العائلة إلا ما قل، وقليله متشبع بنسبية بمنطق الحياة العصرية، وقليل من مساواة جوهرية، ولطغيان النفعية في أوساط حياتنا المشبعة بضياع الحقوق، نجد أن الحب يكاد يبتعد، حيث يغترب الأفراد ذاتياً، عن المجتمع، ويصبح التخبط سائداً، في حقل الحديث عن عالم الوجدانيات بين الرجل والمرأة، وصعوبة تقبل الحياة الحرة، والانقياد لنداء الأعماق، وعدم القدرة على تحقيق المتانة في العائلة، نظراً لابتعادها عن ثقافة الحب ، فقراءة ما بالداخل في سياق محاكاة الماضي لفهم تداعيات الحاضر وإشكالاته لأمر في غاية الأهمية لفهم مشاهد الحياة وظواهرها وأثرها على النفس والسلوك، بطريقة فلسفية أشد غوراً، للقبض على اللحظة الهاربة، والتي يستهوي الإنسان الحالم العودة إليها ولو عبر تخاطر ذاتي، وأمام هذا المسعى ، محاولة للعبور بالأشياء التي يعيشها المرء بكل حنين ساعة العزلة، في نشدان دائم للنظام والعدل والسعادة، في عالم لا ينفك عن التنازع والذئبية، وكأنه لزام على المبدع هو أن يلوذ أبداً لعوالم الفن وتحسس الزهر في الطبيعة الخلابة، كبديل عن التغني بالشقاء والحزن، حيث أن مشكلة الوجود عصية الحل، غامضة الكنه، والطفولة تعد بلسم مضاد للاغتراب، بدليل النزوع الدائم لما مضى والتدبر فيه، وأيضاً التشبث بمضامين الإنسانية الحقة عبر التشاركية التي تعتمد على تبني الجمال والحق والخير كقيم لا بد من جلاءها والانتصار لها، إزاء كون بلا روح متمثل بالجهالة والأنانية والنفعية المفضية لمزيد من تصدعات وحروب، ولاشك أن نتائجها تستدلنا لشقاء المحب ، وعزلته، واغترابه الذي يكشف عن سجالات شاقة، فوراء الوصف المثالي للأبعاد الجمالية للحب والوجود ، تكمن المرأة ، حيث تشكل الجزء العصبي من هذا المجتمع، و الرجل في خضمه معني بالجانب الميكانيكي ، فالصراع السياسي، أعطى سمات معينة لطبيعة المجتمع في ظل السلوك المتبع في خلخلة نظامه الطبيعي،فالموت ينطوي على كثير من الغموض، رغم تجليه، بهيئة مؤنسنة، متكلمة، ومنذرة على فعل إنهاء الحياة، بصورة تبدو كريهة ومزعجة، ومن هذا الموت تنبثق حقيقة الولادة ، وزهوها في الحياة، حيث يقصم الموت ظهر الوقت، فالفيلسوف الفرنسي بليز باسكال7 بمعرض حديثه عن الموت يقول : “ليس هناك خير في الحياة إلا الأمل في حياة أخرى , ولا يكون المرء سعيداً إلا بقدر اقترابه من هذا الامل ، وكما أنه لن تقع ضروب من سوء الحظ لأولئك الذين يمتلكون ناصية اليقين القوى في الأبدية ، فكذلك ليست هناك سعادة لأولئك الذين لا يميلون لذلك “
حيث يجد باسكال في القناعة المتشبثة بيقين ما ، أو حنين للأبدية الكامنة في حياة أخرى، بمثابة احتمال للخلاص، في إشارة إلى السعادة التي يتمناها الإنسان في بزوغ الأمل ، فماذا عنى باسكال بهذا اليقين، إنها تعني الرغبة التي لا تنطفئ، وهي بدورها تقوده للسعادة، دون الانزواء في فخ الاحتضار المؤلم، تلخص قدم علاقة المرء بالحياة القائمة على النمو والارتقاء، حيث تلك الأنفس التي لا تموت بل تعود لهيئتها الأصلية في التماهي بالوجود والموجود، حيث يرى الفيلسوف والرياضي الفرنسي -رينيه ديكارت-8 هذه الحقيقة حين تمثلها في ذاته فقال:
“أعلم جيداً … ان لك ذهناً متقداً وأنك تعرف جميع ضروب العلاج لا تهدئ حزنك , لكن لا أستطيع الامتناع عن إخبارك بعلاج وجدته بالغ الأثر , لا في مساعدتي على ان احتمل صابراً موت أولئك الذين احبهم فحسب , وانما كذلك في القضاء على خوفي من موتي , وذلك على الرغم من أنني انتمي الى أولئك الذين يعشقون الحياة عشقاً جماً ، ويتمثل هذا الضرب من العلاج في النظرة إلى طبيعة انفسنا , تلك الأنفس التي اعتقد أنني اعرف بوضوح بالغ، انها تبقى بعد الجسم ،وإنها قد ولدت من أجل ضروب للفرح والغبطة، أعظم كثيراً من تلك التي نتمتع بها في هذا العالم , وانني لا أستطيع التفكير في أولئك الذين ماتوا إلا باعتبارهم ينتقلون الى حياة أكثر سلاماً وعذوبة من حياتنا , و إننا سننضم اليهم يوماً ما , حامليين معنا ذكريات الماضي ذلك لأنني أتبين فينا ذاكرة عقلية من المؤكد أنها مستقلة عن الجسم “
حين يتحدث ديكارت عن حالة الخوف من الموت، تبدو له الحياة أكثر مشقة برحيل من نحب، فبمقدار ما نحب الحياة، ونبتهج لها ، بمقدار ما نخشى على أنفسنا أكثر ، حين نفجع برحيل من نحب، كذلك هي الوحدة كشعور يرادف الموت، بل يحيلنا لمجالسته، وننتقل الآن للفيلسوف الهولندي باروخ اسبينوزا في معرض حديثه للموت، توصيفه إياه، قائلاً : ” العقل البشري لا يمكن تدميره بصورة مطلقة مع الجسم , لكن شيئاً خالداً يبقى منه “ هنا يحوم الفيلسوف اسبينوزا حول هاجس الخلود مجدداً ، تحول هذا الجسد البشري لشيء محسوس آخر ، يكون تتمة للوجود ، إذ يعود لعناصره الكلية ويقول أيضاً: “إننا لم نعز الى العقل البشري أي ديمومة يمكن تحديدها زمنياً, إلا بقدر ما يعبر ذلك عن وجود فعلي للجسم ,يفسر عن طريق الديمومة ويمكن تحديدها زمنياً , أعني اننا لا نعزو اليه ديمومة إلا بقدر ما يدوم الجسم , غير أن هناك بالرغم من ذلك شيئاً ما تقتضيه ضرورة خالدة معينة عبر ماهية الاله ذاته , وهذا الشيء الذي يتعلق بماهية العقل سيكون أزلياً بالضرورة “
حيث يعبر اسبينوزا هنا عن الأزلية ، خلود العقل، فناء الجسم ، تحوله، فالعقل البشري في مضمار هذا المعنى باق، إذ تنتقل بين الأجيال، عن طريق أفكار تتشبث بقيم الحياة ، لا الموت،
-
إصرار الإنسان المعرفي على انتزاع التشاؤم الأسود المكبل لحيوية الفكر والوجدان، ساعياً لإغاثة المكتئبين، المتقوقعين في قيعان النظرة التي تنحو لتمجيد الفناء وملحقاته من تعصب وعنصرية وكراهية الآخر
-
التعريف بعبثية الشعور بالخيبة، والعمل على تحسين صور الحياة الضاغطة على المفاهيم الطبيعية والملوثة لها، بإذكاء شرارة الحس الإبداعي لعيش الحياة بصورة ممكنة ومعبرة عن مواهب الإنسان المعرفي في الوجود.
-
محاربة التخلف كونه الوجه الأكثر سوءاً للموت، والتسلح بفلسفة الحياة في أطوار المرء المتعددة لغاية الطور الأخير، المفضي للتدبر والتذوق من الخلاصة المستنبطة من فعل الحركة المديدة
-
التعريف بأن جودة التفكير وجدته هو شكل فريد من أشكال الحياة غير المرئية والعمل عليها بصورة متقدة ، عبر الآداب والفنون والأفكار الحرة..
لننتقل الآن للفيلسوف المعرفي الألماني إيمانويل كنط10، لنتعرف على توصيفه للموت في إطار محاولته العنيدة في إثبات الخلود قائلاً : “ ليس الموت إلا القناع الذي يخفي نشاطاً أكثر عمقاً و أقوى مغزى وان ما يسميه القانون بالموت هو المظهر المرئي لحياتي وهذه الحياة هي الحياة الأخلاقية .. وما يسمى بالموت لايمكن أن يقطع عملي لأن عملي ينبغي أن ينجز لأنني يتعين علي ان أقوم بمهمتي فليس هناك حد لحياتي ,إنني خالد “
فخلود المنجز لدى كنط يتحدد في بيان القيم الأخلاقية ، الذي يكشف النقاب عن هذا التصالح الوثيق بين المرء العامل وأعماله، حيث ذلك النشاط المفرز للحيوية، حيث تصبح فيما بعد عملاً يحتذى، وشيئاً نفيساً يتجلى عبره الإنجاز الذي يحفل به المرء، ليكون بمثابة القوة التي يعملها لمعرفة الحياة الخالدة التي يؤمن بها وذلك عبر استمرار الحركة الرافدة لحسن المسعى، القادرة على بث الديمومة في الأعمال الحقيقية، البعيدة عن مظاهر التزلف والزيف، والرامية لتحسين الحياة، وفهمها بطرائق متعددة، التي تقف وراء ذلك القناع الذي أشار إليه كنط هنا ، وهو القناع الذي يخفي وراءه النشاط الغزير والإمكانات الكثيرة ولسان الحال هو أنه ثمة الكثير المنتظر تحقيقه ودوام المسعى والرسالة المعرفية لا يتوقف بل يتناسل من جيل لجيل وهكذا دواليك..، فنرى هيجل11 الرائد للفلسفة المثالية يحدثنا عن تصالح الروح مع الذات قائلاً هنا: “ان الموت هو الحب ذاته , ففي الموت يتكشف الحب المطلق , إنه وحدة ما هو لإلهي مع ما هو إنساني , وان الله متوحد مع ذاته في الإنسان ,في المتناهي .. عبر الموت صالح الله العالم ويصالح ذاته للأبد مع ذاته “
إذ تتجلى كل الإرادة الكامنة في الإتيان بالحياة كإبداع وحركة لحظة اقترابها من شبح الفناء، ولعل المطلقية في الموت، ناجم عن مسعى المرء لتحييدها قليلاً ولرؤية ذلك العشق الكبير في استنطاق الوجود في لحظات ما قبل النهاية ، حيث أن علاقة الإنسان بالحياة هي أيضاً طريقة لمعرفة نقيضها،
والتساؤلات لا تكاد تبرح الذهن، بحضور الموت أم بغيابه، وهذا يبرز لنا الحب المطلق الذي نراه متجلياً في الموت لدى هيغل، لكنه لدى شوبنهاور13 دليل على ذلك العبث العقيم الذي لا ينفك عن الحياة وحقيقة الموت فيقول هنا: ان المعاناة هي بجلاء المصير الحقيقي للانسان كما يقول انه يتعين النظر الى الموت باعتباره الهدف الحقيقي للحياة لأنه في لحظة الموت فإن كل ما تقرر حول مسار الحياة بأسرها ليس الا إعداداً ومقدمة فحسب و الكفاح الي تجلى في الحياة على نحو عابث وعقيم ومتناقض مع ذاته تعد العودة من رحابه خلاصاً .
فثمة ذلك التقابل ما بين القولين من حيث المعنى، ما توصل إليه شوبنهاور عن حقيقة تجلي الحياة على نحو عبثي عقيم ومتناقض، يفضي لنتيجة أن في الموت الخلاص من تلك الأهوال المتجسدة في التخلف المقيت والفقر والمرض والاستبداد الفاتك بالناس ، فمهما تجسدت بواعث التشاؤم، اتسعت بوابة الإرادة في الولوج للحياة، على الرغم من حقيقتها المفضية للفناء ، ولهذا فالإنسان معني بدورة الحياة، وانبثاق الحياة من رحم الموت، حيث لا العقل يستطيع الإجابة ولا الوجدان يستطيع أن يصوغ علماً بمفرده، ذلك أن القصور هو وجه المنجز الإنساني بعمومه لهذا يقول نيتشه هنا: “ما من وقت ينقضي بين لحظة وعيك الأخيرة و أول شعاع لفجر حياتك الجديدة , ومثلما لمعه البرق سينزاح المكان , وذلك على الرغم من أن المخلوقات الحية تظن أنه انقضى مليارات السنين ولا تستطيع حتى أن تعيدها ,فاللازمان وإعادة الميلاد المباشر يناغمان حينما ينحي العقل جانباً”
حيث الغوص في متاهات فلسفية، فقناعة المرء في ظل مجتمع يعيش قناعاته المتداخلة مع الأعراف والتقاليد الدينية، هي التي يُسلط عليها الضوء، وبطريقة تحاكي هذه الطبيعة ولا تراءيها، فأمامنا هيئة من ينتظر الفناء، كونه بلغ أرذل العمر، ولكن المغزى الكامن في هذه المناجاة التي تتوسط الحلم واليقظة، هو ما تستدعي التأمل، والمقاربة، والترابط الرؤيوي ما بين النص بدلالاته وتقابلاته مع ما قيل وحُلِّل، وما يجدر الحديث هنا في معرض تطرقنا للاغتراب، الموت، الفساد، الاستبداد، خنق الحريات واستعباد الأفراد، ذلك الاستعباد المحاصر مفاصل الحياة الاجتماعية الغائصة في مستنقع الكبت إلى إشعار الانفجار، فالمأساة الحقيقية الملازمة للكلمة، هي في القمع الدائم لكرامة الإنسان وحريته، حيث تبدو الأجهزة الأمنية، مدعاة كبح ورعب للإنسان، بدل من أن يكون وجودها مدعاة أمان واطمئنان، حيث الأجهزة الرقابية التي توظف لقمع الحياة، والحريات على حد سواء، الأمر الذي أفضى لمشاعر السوداوية والتشاؤم والحنق الشديد إزاء واقع لم يتغير، إنه قدر الجماهير الرازحة تحت سلطان الخوف والرعب والفوضى القمعية..، حيث أن قدرة الإنسان المعرفي الإبداعية تفوق ما لدى السياسي السلطوي من ذرائع لترغيب الناس بضرورات المعركة، حيث أن الرغبة في السلم تعني بكافة الأحوال الركون لمنطقها القائم على البناء والإعمار والوقوف عند حاجات الإنسان الأولية، وبالرغم من ألا حدود لعطاء وإمكانات الإنسان ،إن تم الوقوف عندها ورعايتها، بيد أن قدر المجتمعات المحاطة بأسوار متينة من الفكر الغيبي الديني من جهة، وتكبيل المنظومة الاستبدادية الشمولية لها من جهة أخرى، جعل العقل الشرق أوسطي في خمود وتقلص، جعل ذلك العقل يعيش في أسر الماضي، مما يختزل من حروب طائفية، قوموية، ترسخ ماهية الاحتقان السلطوي وحقيقة التنازع واحتكار المنفعة إلى مالانهاية، تحتج على كل ما له علاقة بأبعاد الصراع السلطوي العميقة في الشرق الأوسط وعلى مختلف الصعد الاجتماعية، السياسية، التاريخية، إلى جانب ضغط الرأسمال المحتكر، وخلقه للأنظمة القمعية من جهة، وتذرعه بتحرير الشعوب من ربقتها من جهة أخرى، لتخفي غاياتها الجوهرية التي تحارب لأجلها، وهي السعي لموارد اقتصادية احتياطية على حساب الشعوب وطموحاتها في أنظمة تحرص على رفاهيتها وتصون كرامتها في العيش المتكافئ..،حيث يقابل الفساد، حالة الاحتقان، كلاهما يكتملان في مشهد الحرب، وما ينجم عنه من تفكك للمجتمع، والقلق الدائم الذي يتصاعد شيئاً فشيئاً، ليطغى بتمامه، وليصبح المؤشر الفعلي لذلك التهدم
حيث نلحظ الإشارات التي تفصح عن مكامن الذوات واختلافاتها استناداً إلى نظرية الأجيال حيث عرّف الفيلسوف كارل مانهايم2 الجيل “لاحظ أن البعض اقترح أن مصطلح الجماعة أكثر صحة، لتمييز الأجيال الاجتماعية عن أجيال القرابة (الأسرة، المرتبطة بالدم) كمجموعة من الأفراد ذوي الأعمار المتشابهة شهد أعضاؤها حدثًا تاريخيًا جديرًا بالملاحظة في غضون فترة زمنية معينة“،هذا التباين بين الأمزجة والأفكار على نحو تصادمي، بغية إجراء سفر دقيق وشامل لمكنونات الرؤى ما بين الأبن وأبيه، على نحو مقلق، يجسد لنا الشرخ الحاصل بين عوالم لا تكاد تتلاقى، في أجيال عقدت العزم على أن تكشف النقاب عن هواجس زمنها، رغم تزاحم السطوة الأبوية، وتعسفها، كل جدة مستهجنة، وتكاد توقع بالمعايير الأخلاقية التي نشأ عليها، انعكاساً لصراع كامن في العقلية القائمة على رفض الجديد والمحافظة على الوضع القائم، حال القوى التقليدية في الاستماتة للبقاء في ظل صعود قوى جديدة تستميت هي الأخرى في إبراز كينونتها المنتهكة في الميدان السياسي، فحسب مانهايم فإنه يرى أن تصاعد الوعي الاجتماعي المدشن لنهضة النخبة الشابة المرتبطة إجمالاً بالحدث يشكل استجابة للنضوج القائم في حقبة معينة ومكان معين، يكمن في إبراز تلك القوى المعنوية التي تتصاعد لتشكل الحدث الأكثر إثارة، وهي بالضرورة تعد المصدر الهام لصناعة الوعي المشترك القائم على التغيير الاجتماعي، يشير إلى ذلك الخوف الذي يعتري ذهنية الجيل المحافظ المستهجن للتغيير بأشكاله، هو في ذاته إشارة مبطنة لأنظمة الشرق الأوسط الأبوية البطرياركية، تلك التي تتخوف من التغيير والنهضة، وتحاربه بكل قوة، إنها حقيقة الصراع الأليم بين القوى القائمة والناهضة،وهي دلالة على انسداد مجاري الحوار بين الطرفين ما نجم عنه في النهاية ضياع البوصلة،و ترسخ الاغتراب الفردي، وشيوع انعدام الثقة، كل ذلك أثر على عملية التغيير والنهوض، حيث ثمة عوائق تحول دون التحديث، والمحافظة على المهترأ وغير صالح للحياة ، فالنوم في عباءة الماضي هو إفلاس راهن، وعجز عن مواكبة مستجداته، فبقاء التشرذم والاحتكام لمنطق القوة والتعنت يُذهب بالنتيجة تلك الطاقات المستفيدة من حصانة القديم، ، حيث أن الاحتجاج وبروز الحل بكم هائل من الحدة كان النتيجة عن ذلك الاستهزأ والاقصاء والتعنت، ولعل عدم الاستجابة له مكن روح الفوضى وإشاعة الشرور بين الناس،فالتغير الاجتماعي أمر محتم لابد وأن ينشب لو بعد كمِّ من الفوضى والصراع المأساوي بخلاف ما أشار إليه مانهايم من أن التغير الاجتماعي قد يحدث تدريجيًا، دون الحاجة لأحداث تاريخية بارزة،حيث أعطت السلطات القمعية مسوغات لقمع شعوبها المنتفضة،دون النزول لمطالبها، جعل من الإدارات الشمولية في حالة من الفوضى الذي جعلها في تفتت مستمر إيذاناً بزوالها مع الوقت، حيث أن التفسخ والشللية القائمة في مؤسساتها، سرعان ما تغدو نهباً لأطماع القوى الكبرى وجشعها، فتفاصيل المحن التي عمت المجتمعات، جعلتها أشبه بالقطيع المحتقن، والذي يتفجر على نمط غريب يقود بالنهاية لدمار كل شيء، فالشرخ الكبير بين المسؤولين والجماهير، يؤدي لتشكل هذه النظرة في رؤية المحكومين أنهم عبارة عن قطيع يطيع ويلحق برعاته، أما أن تتلبسهم روح التمرد والشكوى، فهذا ما لا يتوقعه ويتخيله المرؤوسون، إذ لا يمكن مفاوضة قطيع حيواني ، فالشعب بنظرهم ليسوا سوى ذلك القطيع المأمور، واستغرابهم تصرفات ذلك القطيع، هو بمثابة الحدث الأكثر جللاً، والذي قادهم إلى التفكير بإبادة القطيع، فقد خرج عن طبيعته المفترض أن تبقى عليها للأبد، هذا بوجهة نظر المتنفذين السلطويين، فهم يصفون كل انتفاضة بالجنون والخروج عن الجادة، وهكذا يستعر الصراع ، ليؤدي ذلك إلى التشتت والتبعثر كنتيجة من نتائج المماطلة والقمع الجائر، فالمنظومة التي تعج بممارسات الاستبداد والشمولية في هيكليتها ومؤسساتها، تنشأ فيما بين أفراد تعاقدوا على الرهبة والوجل، وانعدام الثقة، ولاسيما ذلك الاستبداد المحاط بأفراد يجمع فيما بينهم علاقات القرابة القائمة على حماية النفوذ، ويصبح هدفها الكلي حماية السلطة ضد خطر تمرد المجتمع المحتمل،ولا يلجأ السلطوي إلى محاولات الإصلاح، لاعتقاده أن ذلك اعتراف مبطن بخوفه من الشعب، وأن تنازله لشيء معناه أن سيتنازل في أشياء أهم هي من صميم حاجيات الشعب وخصوصاً نخبه الشابة المستنيرة، فالسلطة تستعين أيضاً بالقداسة الدينية، إذ تبحث أبداً عن مبررات دينية من النصوص المقدسة تبيح لها بطشها وقمعها، حيث ثمة تلك العلاقة التوأمية ما بين السلطويين ورجال الدين، هم يحتاجون للنصوص المقدسة أبداً لتبرير سلوكياتهم، فقد عززت تلك النصوص سلطة الطاغية، مكنته على البقاء أكثر، جعلت منه وصياً على الدين والشريعة والحياة والمجتمع بأسره، ولاشك أن ازدياد الجماعات التبشيرية وكثرة التنظيمات الدينية تمثل الحاجة المتسارعة للسلطات لبقاء تجديد صلاحياتها، كونها خير معين لضبط سلوك الشعوب، ودوام مكوثها، حيث نجحت في استخدام العقائد الروحية في شن هجماتها على كل النقاط التي تحتاج تقسيمها وتثبيت أقدامها فيها، مهيمنة على المجتمع عبر نافذة الإعلام المرئي والمسموع، للحد من التفوق الذي لابد وأن يتلبس النخبة الشابة، لتكون الرادع لمخططاتها التخديرية في إيهام الجماهير وإخضاعها بوسائل تتصل بمفهوم القوة الناعمة، فللنفس في مشهد الموت رؤى تتجه لمحاكاة الماضي واستجداءه، فلا شيء أصعب على المرء من البقاء مرتعد الأوصال والملامح إزاء مشاهد قاتمة، شؤون السلطة في محاكاتها لطرق ووسائل المحافظة على مراكزها وذلك بالحرب مستخدمة قوت الشعب في ذلك،فالدعوة للحرب هو شأن السلطويين في الذود عن قواعدهم ، فما حاجة الشعب للحرب؟!، وما هي مبرراته وغاياته بالنسبة لمنافع الشعب حسبما قاله الرئيس، متذرعاً بأن قوت الشعب قد تمت سرقته، وأنه قد نُصِّب لاسترجاع المسروق، فما يحدثه الاستبداد والفساد من فوضى لا رجعة عنها، وتفكك مجتمعي، ينشب أظافره أولاً بالشعب مروراً بتنظيماته المحلية، وانتهاء بمؤسسات السلطة وأبرز أفرادها، حيث يعد الفيلسوف توماس هوبز5 أول من أشار إلى هذه الفوضى ، في حين ذهب أرسطو 6للقول: ” ان الانسان بطبعه حيوان سياسي يحب الحياة في جماعة سياسية منظمة فهو مدني بالطبع” ، ولكن الحرب هنا بين الجماهير والسلطات القمعية حرب وجود، لا تكاد تسفر عن نتيجة معينة ، لاسيما حينما تمر الانتفاضة الجماهيرية لتتصادم مع قوى تتداخل فيما بين السلطةوالانتفاضة لتنقل ساحة الفوضى هذه إلى نطاق أوسع وأشمل يشمل التقاسمات الاقليمية كما في الأزمة السورية كأنموذج لذلك، حيث يأخذ حرب النفط وتقاسم الموارد طابعاً دموياً ، إرهاص المشهد الثوري بتداخل المصالح الاقليمية وتحويرها للمسعى الجماهيري نحو حالة أكثر سوداوية ومأساوية ، والهدف هو تفكيك المجتمع وتدمير بناه إضافة لمؤسساته، في حين بين الفارابي7 من أن “ الانسان اجتماعي بطبعه وهو لا يبلغ كماله الا عند وجوده في مجتمع “، فتدمير الفرد وتكبيله بالدمار والخراب والعجز لهو تمهيد لإدخاله في حالة من فوضى غير منتهية ، وهو بالتالي محاولة للقضاء على التعاقد الفطري الطبيعي بين الجماعات، ولاشك أن ابتزاز الجماهير بقوتها هو دليل على تدمير مقومات نهوضها وتهديد لمعاييرها الاجتماعية ، حينما أكد هوبز بأن التربية تشكل عموداً أساسياً لبناء المجتمع السياسي المعافى،تلك الحرب لا تغدو في ظل الفوضى سوى استجابة لغايات الأطراف المتحاربة والتي تدعمها الدول المستفيدة من هذا التفكك، والانقسام المجتمعي إلى جانب نزوح أفراده، الأمر الذي يسهم في حرب الأفراد ضد بعضهم البعض لإبراز معالم حرب الكل ضد الكل، فلا شيء يقف في ردهة إحساس السارد سوى الموت المتعدد بأسماء ونعوت مختلفة، موت من مرتزق، أو من قناص، أو من ثائر مزعوم، وهكذا تتعدد الأشكال لهذا الموت الواحد، يجعلنا نركن للتاريخ ملياً ونفحصه، لنجده المساحة المكتظة بأمجاد الحكام الشخصيين ومحاولتهم للإبقاء على سطوتهم ولو على حساب دماء الأبرياء، هذا التوحش الذي يستشرس ويحول دون نمو الزهور والأشجار، كأن الإنسان لم يعرف البناء والفن، ولم يقم بصنع ما يسمى بالحضارة، لتكون سمواً بالنفس، لا إذلالاً لها، فثقافة الحرب وأدبها إن صحت تلك التسمية ، هو تجسيد للويلات على نحو واقعي ومؤلم جداً، وكذلك محاولة استثارة روح الإنسان، لدى الذي تحول بينهم وبين الإنسانية هواجس التصارع والغلبة، حيث تغدو الحدائق وهماً أمام ألسنة اللهب المستعرة والقصف الذي يهبط يميناً وشمالاً، فالألم هنا ليس رديف اللذة، في تتبع جمال المكان،لكن نداء الحضارة والعراقة أقوى، من غرائز التوحش التي تطبع بها السلطويون وأثرياء الحرب وتجار السلاح
-
العودة لمسالك الصفاء والتمرس بثقافة الحياة كبديل عن امتهان الفناء وتدمير الموجودات البشرية والطبيعية
-
التأكيد على عظمة الموجود باقترانه بالمعايير الأخلاقية التي تنتصر لنداء الواجب، وفي ذلك تتحقق أواصر السلام بين الموجودات على قاعدة السلم البشري
-
اتخاذ تدابير قيمة في ظل احتدام الصراع الغرائزي لتقاسم الموارد والنفوذ، وإبراز أدب ينتصر للسلام كحقيقة للتعايش السلمي بين الشعوب التي تجمعها الجغرافيا الحالية، دون إقصاء وتعسف بين بعضها البعض، بل بعقد اجتماعي يزيل مظاهر الاضطهاد والعنصرية فيما بينها
-
التأكيد على الجانب الخير للإنسان، أمام تحديات المشهد المرعب، والدعوة لكبح جماح العنف والسعي لحياة بديلة عن الدمار والتعسف، لتحسين التجربة الإنسانية وتعميمها في الحياة المعيشة..