نوسوسيال

مقالات فيصل عابدون: 2021 عام صاخب .. لقاء بايدن وبوتين الثاني

496

 

كان عام 2021 عاماً صاخباً بامتياز، ليس بسبب اندلاع حروب أو حوادث دامية أخرى، ولكن بسبب التهديدات بالحروب التي اقتربت في أحيان كثيرة إلى حافة الهاوية، وأوشكت على دفع العالم نحو نشوب نزاع نووي غير مسبوق في التاريخ الحديث.

شهد العالم في هذا العام بروز أزمات أفعوانية عنيفة كاد أن يغيب عنها العقل، لكن تحكمت فيها الدبلوماسية في نهاية الأمر وأبعدتها عن ساحات الاقتتال.

كما سجل العام أحداثاً أخرى سجلت عجز الإنسان وقصوره أمام هيجان المناخ الغاضب وتمدد موجات الرعب الناجمة عن تفشي وباء كورونا الذي ما أنفك يفاجئ العالم بتحوراته المتواصلة ليعيد العالم إلى دائرة حصاره المخيف كلما أفلتت البشرية من دائرة سابقة، وأوشكت على الخلاص.

مثّل بروز الأزمة الأوكرانية بشكلها الجديد أكثر الأزمات السياسية التي هددت الأمن والاستقرار العالميين. وعلى الرغم من أن الأزمة طوال سنوات ظلت محدودة في نطاق إقليمي ضمن حدود صراع كييف مع الجماعات الانفصالية ذات الأصول الروسية في مناطق الشرق، فإنها برزت بقوة هذا العام لتتحول إلى أضخم حدث سياسي وعسكري من نوعه.
واستقطبت الأزمة اهتماماً دولياً وجهوداً عسكرية وسياسية غير مسبوقة انخرطت فيها القوى الدولية المتنافسة المتمثلة في روسيا من جهة، والولايات المتحدة وحلف «الناتو» من الجهة الأخرى. ودقت الأطراف المختلفة طبول الحرب وأطلقت تهديداتها وإنذاراتها قبل أن تستعيد الدبلوماسية زمام المبادرة عبر لقاء بايدين وبوتين، وورقة الضمانات التي تقدمت بها روسيا إلى التحالف الغربي.
وعلى صلة بهذه المنطقة الجغرافية نشبت أيضاً أزمة مفاجئة بين بولندا وبيلاروسيا على خلفية حشود مهاجرين يحاولون الوصول إلى أوروبا عبر البوابة البولندية. وعلى الرغم من ضآلة هذه الأزمة فإنها سببت قلقاً واسعاً عبّر عنه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بأن الحرب يمكن أن تندلع عن طريق الصدفة، أو نتيجة لأزمات صغيرة الحجم.
ومن الأحداث المهمة التي ميزت العام، الانسحاب السريع والمفاجئ للقوات الأمريكية من أفغانستان. وكان انسحاب القوات العسكرية وحشود المدنيين الأفغان الموالين للولايات المتحدة مشهداً في غاية الغرابة، فقد كان أقرب ما يكون لتقهقر غير منظم لجيش مهزوم في معركة. وأدت عملية الانسحاب المرتبكة مباشرة إلى تسلم حركة طالبان زمام السلطة في كابول.
ومما زاد من صخب العام كوارث المناخ التي حذر منها مؤتمر جلاسكو الدولي، وقرر في ختامها تسريع وتيرة مكافحة الاحتباس الحراري، ولكن من دون أن يؤكد إبقاءه ضمن نسبة 1,5 درجة مئوية، الضرورية لسلامة الكوكب. وعبّرت الطبيعة عن غضبها في أجزاء عديدة من العالم، من بين أبرزها الأعاصير والفيضانات المدمرة في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا التي جاءت في غير مواعيدها، وخلفت دماراً على نطاق أوسع، إضافة إلى موجات الجفاف التي ضربت مناطق أخرى.
وجدد ظهور المتحور «أوميكرون»، مشاعر القلق وتسبب في فوضى كبيرة، بعدما أوشك العالم على الخروج من حصاره الخانق في بدايات زحفه المميت.

 

لقاء» بايدن وبوتين الثاني

يلاحظ المراقبون أي تغييرات جديدة في المواقف والخطاب السياسي خلال «اللقاء الهاتفي» الثاني بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن أهمية الدعوة للقاء في المقام الأول، خصوصاً أن مفاوضات موسعة بين الجانبين تقرر أن تبدأ في العاشر من يناير الجاري، لبحث قضية أوكرانيا مثار النزاع، إضافة إلى قضايا الأمن الاستراتيجي.

وفيما يبدو، فإن هناك اتفاقاً ضمنياً بين بايدن وبوتين، لإبقاء الأضواء مسلطة على هذا النزاع المتعدد الأطراف والمثير للجدل، ربما بهدف إضفاء المزيد من الحيوية على الأنشطة السياسية للقادة في واشنطن وموسكو بعد أن استنزفت قضية مكافحة وباء «كوفيد- 19» جهود الحركة السياسية الدولية وأبقت الزعماء في مواقف دفاعية في غالب الأحيان من دون أن يدعي أحدهما تحقيق الانتصار في معركة الوباء، الذي ما فتئ يفاجئ الجميع بأجيال جديدة من الفيروس تجعل ملاحقتها مسألة شديدة الإرهاق للعمل السياسي.

واستمر لقاء الزعيمين خمسين دقيقة، جدد خلالها الرئيس الأمريكي، تحذيراته الصارمة لبوتين من مغبة قيامه بغزو الأراضي الأوكرانية، في حين توعد بوتين بالانتقام في حال فرضت الدول الغربية أي عقوبات على بلاده. وفيما عدا هذه المواقف المكررة قالت التقارير إن الزعيمين اتفقا على دعم المسار الدبلوماسي لحل الأزمة في أوكرانيا.

وقد يلاحظ المرء نوعاً من المبالغة في مقاربات قادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي فيما يتعلق بفرضية الاستعداد العسكري الروسي لاجتياح الأراضي الأوكرانية، ذلك أن الخبراء العسكريين الذين يرصدون حجم الحشود الروسية على حدود أوكرانيا ومستوى تسليحها أكدوا افتقار هذه القوات لأنواع محددة من الأسلحة الصاروخية والدعومات اللوجستية الضرورية لشن هجوم عسكري وشيك، ما يعني أن موسكو لم تتخذ قراراً بالحرب وأن ما يحدث على الحدود الأوكرانية لا يعدو كونه استعراضاً للقوة ربما يتضمن التهديد والرغبة في فتح مسارات التفاوض.

وتضمن قاموس التهديدات الأمريكية عبارات على شاكلة «عواقب هائلة» و«كلفة باهظة» وخطأ جسيم و«عقوبات لم يشهد الروس مثلها من قبل». وهي عبارات تهدف فيما يبدو إلى إرضاء القيادة الأوكرانية وطمأنتها أكثر من كونها تعبيراً عن خطر حقيقي من عملية غزو وشيكة.

وبينما تمسك بوتين بسياسة الغموض فيما يتعلق بنوايا حشوده العسكرية على حدود أوكرانيا، فإنه ولا شك يشعر بالارتياح لهذه المبالغات في خطاب قادة الغرب باعتبار أنها أولاً تفتح مسارات للحوار مع خصم يملك أسباباً للاعتقاد بأنك تستعد لمهاجمته، وثانياً وتأسيساً على هذا الافتراض، فإن الوضع يتيح لك فرصة أفضل للحصول على تنازلات عبر إظهار التشدد أو المرونة على طاولة المفاوضات.

وتضمنت حزمة الشروط، التي وضعها بوتين لخصومه التزامهم برفض ضم أوكرانيا وجورجيا إلى عضوية «الناتو» ووقف أنشطة الحلف العسكرية في دول الاتحاد السوفييتي السابق. والخدعة التي تتضمنها هذه الشروط أن قضية القرم التي ضمتها روسيا في عام 2014، ستختفي تماماً، ما يعني اعترافاً غربياً بالسيادة الروسية على الجزيرة

حوار واشنطن وبكين

يعتبر خبراء الاستراتيجية في العالم أن حواراً متصلاً بين الولايات المتحدة والصين هو واحد من أهم ضمانات الأمن والاستقرار في العالم. وفي مقدمة الخبراء الذين عبروا عن قلقهم العميق من انحراف علاقات المنافسة الأمريكية الصينية باتجاه الصراع المفتوح، هنري كيسنجر، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم وعراب التطبيع الأول بين بكين وواشنطن.

وعلى الرغم من أن كيسنجر أوضح حجم الصعوبات التي تكتنف عملية الحوار بين العملاقين النوويين والمتعلقة بتفوق الصين في مجالات التجارة الدولية والصناعات العسكرية من جهة ومدى إمكانية موافقة الولايات المتحدة على قبول فكرة العالم متعدد الأقطاب، إلا أنه شدد على حتمية الحواروالحرص على عدم خروجه من المسار الدبلوماسي نحو المواجهة العسكرية.

ويقول الرجل إن الأسلحة فائقة التطور التي يمتلكها الجانبان قد تؤدي إلى صراع خطر للغاية وحرب محتملة قد تدمر العالم بأسره. وفي بداية رئاسته حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب استعادة الدفء للعلاقات المتوترة بين البلدين لكن التوترات عادت بعد ذلك، وخلّف ترامب تركة ثقيلة من علاقات العداء الأمريكي الصيني لخليفته جو بايدن الذي حاول بدوره استعادة نوع من التطبيع بين واشنطن وبكين.

وتبرز نقاط الخلاف بين الولايات المتحدة والصين في نواحٍ عدة، بعضها يمكن احتواؤه وبعضها الآخر يحفر عميقاً في عملية التطبيع المأمولة ويهدد استمرار الحوار. فالولايات المتحدة تتهم الصين بممارسات غير منصفة في مجال التجارة، مثل الدعم الحكومي للصناعة، وتخفيض عملتها، ووضع عراقيل أمام منتجات الدول الأخرى. بينما تطالب بكين واشنطن بإلغاء التعريفات الجمركية الكبيرة على استيراد السلع الصينية، وتتهمها ب«سحق» شركات التكنولوجيا الصينية الناجحة مثل هواوي.
وهناك قضايا أخرى هي أقرب ما تكون لأوراق ضغط مثل مسألة احترام حقوق الإنسان فيما يتصل بأقلية الإيجور ووضع الديمقراطية في هونج كونج. غير أن التنافس على الموارد وخاصة محاولات ضمان الملاحة في بحر الصين الجنوبي تبرز كواحدة من قضايا الحوار الصعبة، بالإضافة إلى وضعية تايوان التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من الوطن الأم وتؤكد الولايات المتحدة استعدادها الدائم للدفاع عن الجزيرة في مواجهة أي هجوم صيني محتمل.
وبعيد وصوله الى السلطة في البيت الأبيض اعتبر الرئيس جو بايدن التوتر الحاد في العلاقات الصينية «أكبر عقبة جيوسياسية في القرن ال 21». لكن أول جلسة محادثات مشتركة للحوار الاستراتيجي تم عقدها في مارس الماضي اتسمت بالخشونة اللفظية وتبادل الاتهامات بين وفدي البلدين. وعقد رئيسا البلدين اجتماعاً افتراضياً في أكتوبر الماضي لإنجاز ما أطلق عليه تسمية إدارة الخلاف والحيلولة دون تحول المنافسة القائمة إلى صراع مفتوح.
ولا شك أن الطرفين يدركان المخاطر التي يمكن أن يجلبها هذا التحول الذي حذر كيسنجر من نتائجه الكارثية، وقال إن الفشل في كبح التوترات الحادة قد يعيد العالم إلى مرحلة الحرب الباردة حيث كانت «الصراعات المستمرة تحل على أساس فوري، لكن أحدها كان يخرج عن السيطرة في مرحلة ما».