نوسوسيال

سوريا: بقلم  حسان يونس / أردوغان وأجداده لصوص بلاد الشام

629

 

إن صراع الإرادات الذي واكب تحرير حلب، دفع السوريين الى تجاوز تابو كان يجثم على صدر المجتمع والسياسة السورية خلال مئة عام، هو تابو الرواسب الاجتماعية والثقافية والسياسية، التي خلّفها العثمانيون عند رحيلهم قبل مائة عام، وهي رواسب لم يجرؤ احد في سورية على تخطّيها خلال العقود المنصرمة، حتى تصاعدت الأحداث في معارك حلب، فاتحة الباب أمام نظرة جديدة إلى العثمانيين القدامى والجدد، فاجتمع مجلس الشعب السوري ليتخذ موقفا من المجازر التركية بحق الأرمن والسريان وهي خطوة مهمة جدا ما كانت لتتم لولا التحدي الذي فرضته معركة حلب .
لقد انتصرت حلب لنفسها ولكل السوريين الذين لاحقتهم سكين الإبادة التركية خلال مئة عام من أرمن وسريان وأكراد وعرب، انتصرت لابنها الكواكبي، لشهداء السادس من أيار، انتصرت لبعض السوريين الذين ضللهم الأتراك بخطابهم الغرائزي، فاتحة أمامهم باب التحرر من الوهم الإخواني، فمبروك لكل سوري، انه بداية الخروج الحقيقي للعثمانيين من سورية.
لكنه خروج من الأرض ومن بعض زوايا السياسة، ولا بدّ أن ينعكس على المستويات الأعمق في الثقافة ووعي المجتمع لذاته وانتماءاته والنظرة إلى التاريخ، وإلا سنقع في مطب التحرّر الناقص الغير منجز، وسيعاود اردوغان آخر الظهور بعد عدة عقود ليحدثنا عن الخلافة وعن تحرير فلسطين، فيداعب مشاعر بعض الموهومين وأوتارهم الحساسة، لذا لا بد أن ننزع أسماء السلاطين والحكام العثمانيين كمدحت باشا وعبد الحميد الثاني وسليمان القانوني عن الشوارع والجادات الرئيسية العريقة في سورية، فهذه الشوارع في دمشق مثلا تعود إلى الحقبة الآرامية، والآن هناك سوريون يعتقدون أن السلطان عبد الحميد الثاني هو من بنى سوق الحميدية، كذلك لا بد أن تعاد كتابة التاريخ باعتبار المرحلة العثمانية مرحلة احتلال من أسوا الأنواع التي تعرّضت لها سورية، ولا بد من تعرية الدور العثماني في استعمال الدين الإسلامي من اجل نهب بلادنا خلال عدة قرون، على شاكلة ما فعل الأتراك وميليشياتهم في حلب خلال عدة سنوات مضت، فاستحق رئيسهم اردوغان لقب “لص حلب” وهو لقب يستحقه سائر السلاطين العثمانيين الذين حكموا بلادنا ليصبحوا “لصوص الشام والعراق ….”، وهذا  يفتح باب الحديث عن الأملاك العثمانية الواسعة المنسوبة للسلطان العثماني في مناطق مختلفة من سورية، والتي لم يجرؤ أي طرف سياسي أو إداري على محاولة معالجتها بسبب التابو العثماني، الذي يمسك حتى اليوم بوعي الكثير من السوريين، وهو وعي مكذوب مقلوب رسا على عقب لا بد من إعادة بناءه وفق تراتبية صحيحة، تتطلب جرأة في قراءة التاريخ والحديث بتجرّد عن الجرائم التي ارتكبها العثمانيون ولاحقا الأتراك بحق كافة الفئات الاثنية والمذهبية على امتداد الزمان والمكان السوري .
إذا لم يصل السوريون إلى القناعة بان العثمانيين القدامى والجدد هم غزاة قتلة همج على شاكلة تيمورلنك، فكل التحرير الذي حصل خلال أيام مضت لريف حلب الغربي والشمالي الغربي على أهميته سيكون تحريرا ناقصا عديم الجدوى على المدى المتوسط والطويل، وسيكون مشابها لتقدم الجيش المصري والسوري في تشرين الثاني 1973 شمال وجنوب فلسطين، والذي ما لبث أن استحال هزيمة سياسية من خلال اتفاقات وقف إطلاق النار وفض الاشتباك، ولاحقا أصبح هزيمة استراتيجية من خلال اتفاق كامب ديفيد.

لذا لا بد أن ينعكس تقدم الجيش السوري غرب وشمال غرب حلب في خطوات سياسية فعالة وحاسمة، وأهم خطوة في هذا الصدد هي إلغاء اتفاق اضنة الأمني بين سورية وتركية الموقع عام 1998 ، والذي طوى عقدين من التحالف بين حزب العمال الكردستاني والدولة السورية (1980 – 1998)، قبل إبرام اتفاق أضنا الأمني بين أنقرة ودمشق.

هذان العقدان من التحالف، كانا قد سمحا بتوجيه المسالة الكردية في سورية إلى مصدرها، ألا وهو تركيا، وفي المقابل سمحت التحولات في كردستان العراق واتفاق اضنة الأمني وانقلاب سياسات حزب العمال الكردستاني بعده، سمحت لتركيا – التي حاربت لعقود تمردا كرديا-، بأن تلقي بالمسالة الكردية في سورية وتبني سورا من الأسلاك الشائكة على طول أجزاء من الحدود مع المناطق السورية الكردية، كما سمح لها  بالعمل على بناء حاجز بشري من اللاجئين السوريين يعزل الأكراد السوريين عن أكراد تركيا ضمن ما يسمى المنطقة الآمنة، وتقف لتراقب عن بعد الأكراد السوريين وهم يدخلون في ” متاهة الحقوق القومية “، وهكذا فان إلغاء اتفاق اضنة الأمني سيكون تثميرا حقيقيا لتقدم الجيش على الأرض، وسيعيد الأكراد السوريين ليكونوا عامل مهم من عوامل الأمن القومي السوري في مواجهة تربص الذئاب التركية التي ستظل ذئابا مهما تقنعت .