نوسوسيال

بقلم ليلى موسي : إتفاق أمريكي روسي لدرء الخطر التركي

282

بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كثرت الأقاويل والتحليلات حول مصير ومستقبل القوات الأمريكية العاملة ضمن قوات التحالف الدولي في سوريا؛ ودفعت بالكثير من المتابعين والمراقبين للسياسة الخارجية الأمريكية ومناطق تواجدها – وبشكل خاص من قبل الرافضين للتواجد الأمريكي-  بتكرار السيناريو الأفغاني في سوريا، معتبرين أنّ التواجد الأمريكي في سوريا مسألة وقتية لا أكثر.

كما أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان دفع بالكثير من القوى والدول للبحث عن كيفية ملء الفراغ الذي يخلفه ذلك، والسيناريوات التي ستدار بها المنطقة. كما دفعت بعض الدول لزيادة وتيرة قصفها على مناطق النفوذ الأمريكي – شمالي وشرقي سوريا- مستغلةً الانشغال الأمريكي بعملية الانسحاب؛ وهذا ما قامت – وتقوم- به الدولة التركية على وجه الخصوص. كما فتحت شهية الحكومة السورية لإطلاق تصريحات تحذيرية وتهديدية على لسان وزير خارجتيها؛ أثناء أحد لقاءاته التلفزيونية، مؤكداً أن “بلاده لن تتخلى عن أي جزء من أراضيها”، ومطالباً بنفس الوقت ” القوات التركية بالانسحاب من الأراضي التي تحتلها، وأن بلادنا مستمرة في مكافحة الإرهاب حتى القضاء عليه سواء في أدلب أو منطقة الجزيرة”.

طبعاً، هذا النوع من التهديدات والتصريحات لم تكن بجديدة من قبل الحكومة السورية،؛ التي يبدو أنها أخذت دفعاً معنوياً خصوصاً بعد الحديث عن إعادة التطبيع بين الحكومة المركزية السورية؛ وبعض الدول العربية، حيث شهدت عمليات التطبيع هذه بعض التطورات كإيصال الغاز المصري مروراً بالأراضي الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية؛ وفتح معبر “نصيب: الحدودي بين الأردن وسوريا، والاتصال الهاتفي الذي جرى بين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني والرئيس السوري بشار الأسد؛ الذي تناول العلاقات الثنائية بين البلدين، واستئناف الرحلات الجوية بينهما.

كما شهدت التطورات أيضاً – على صعيد اللقاءات الثنائية – ما جرى على هامش أعمال الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ والتي جمعت بين وزير الخارجية السورية فيصل المقداد ونظراءه من الحكومات العربية الأخرى، وهناك حديث عن تسعة دول منها مصر، والأردن، وفلسطين، والعراق، وسلطنة عمان، والجزائر، ولبنان، والسودان، وتونس بحسب ما نشره موقع القاهرة 24.

بالإضافة إلى الجهود المبذولة من قِبل الأطراف الداعمة للأسد وحلفائه في هذا المضمار. حيث انتقد الرئيس الروسي تواجد القوات الأجنبية في سوريا أثناء استقباله لنظيره السوري؛ في إشارة منه إلى القوات الأمريكية والتركية، واصفاً وجودها بغير القانوني ورحب “بالأضرار الهائلة” اللاحقة بالفصائل المعارضة والجهاديين. واعتبر بوتين أن “الإرهابيين تكبدوا أضراراً هائلة” في سوريا؛ حيث تسيطر القوات الحكومية على “90 % من الأراضي” السورية، في إشارة إلى الأراضي الخاضعة للاحتلال التركي التي تشكل 10% من مساحة البلاد.

هذا وقد وجه سيرغي لافروف من جانبه انتقاداً لأردوغان بأنه لم يرق إلى مستوى إلتزاماته في إدلب فيما يخص تطهير المنطقة من هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً”، ومؤكداً على وجود الإرهاب في المناطق الخاضعة للاحتلال التركي. وكما أشار لافروف خلال مؤتمر صحفي مع نظيره المصري سامح شكري عقب مباحثاتهما في موسكو على ضرورة إيجاد حل سياسي للأزمة السورية؛ واحترام سيادتها، ووحدة أراضيها وفقاً للقرار الأممي 2254، مشدداً على رفض تسييس ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، ومعبراً عن قلقه من التهديدات القائمة في أدلب، ومشدداً في الوقت نفسه على ضرورة التنفيذ الكامل للاتفاق بين رئيسي روسيا وتركيا لعزل كل الجماعات المتطرفة بمختلف تنظيماتهم ومسمياتهم وذلك بغض النظر عن الزي الجديد التي يحاولون التستر به.

فيما يخص وجود القوات الأجنبية ذكر لافروف بالقرار 2254؛ الذي تم بالإجماع من قبل مجلس الأمن الدولي، وأكد على سيادة واستقلال سوريا. وأن الحق بالوجود على الأراضي السورية، يكون فقط للقوات التي دعتها الحكومة الشرعية السورية.

كما صرح الحاج خالد المسؤول العام لـ “لواء الباقر” لصحيفة القدس العربي عن تنسيق مع الجانب الروسي للقيام بمعركة أدلب.

استمرار القصف التركي على المناطق المأهولة بالمدنيين العزل؛ جوبه برد أمريكي من خلال الإبقاء على حالة الطوارئ الوطنية ذي الرقم 13894 المتعلق بالوضع السوري؛ والذي فرضته على تركيا بسبب هجومها على شمال شرقي سوريا، والذي أسهم في تقوض حملة هزيمة داعش في سوريا والعراق.

خرجت أمريكا من صمتها بالكشف عن السياسة الأمريكية في سوريا مستقبلاً على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن قائلاً: “ننوي فيما نبقي معدل العنف منخفضاً، ونزيد المساعدات الإنسانية، ونركز جهودنا العسكرية على أي مجموعات إرهابية تشكل تهديداً لنا أو لشركائنا وتتمتع بنية وقدرة على القيام بذلك. ستكون هذه مجالات التركيز الحاسمة بالنسبة إلينا، واعتبرها أيضا مهمة للمضي قدما نحو تسوية سياسية أوسع للصراع السوري؛ تتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم ٢٢٥٤. ما لم نفعله وما لا ننوي فعله هو التعبير عن أي دعم لجهود تطبيع العلاقات أو إعادة تأهيل السيد الأسد، أو رفع أي عقوبة مفروضة على سورية أو تغيير موقفنا لمعارضة إعادة إعمار سورية قبل إحراز تقدم لا رجوع فيه نحو حل سياسي نعتبره ضرورياً وحيوياً”. تأكيداً من الجانب الأمريكي بثبات سياستها وبقاءها في سوريا.

بالمقابل أصدرت وحدة الاستخبارات التابعة للاتحاد الأوروبي وثائق تؤكد تكليف الحكومة التركية عناصر من تنظيم داعش بتفجيري أنقرة وسروج والذي راح ضحيتها عشرات من المدنيين.

إذا بالرغم من حالة التناقضات والصراعات بين روسيا الاتحادية وأمريكا في الأزمة السورية؛ إلا أنهما متفقان على إدانة دعم تركيا للجماعات الإرهابية ودورها في إطالة الأزمة وخلق الفوضى وبؤر التوتر. بالمقابل نجد انفتاحاً من الدولتين على مصر التي تجمعها خلافات على خلفية دعم أردوغان لجماعات الإخوان المسلمين، والتهديدات التي يشكلها التواجد العسكري بمرتزقة سوريين داخل الأراضي الليبية، ومؤخراً بيعها لصفقة طائرات من دون طيار للدولة الأثيوبية والتي تعيش أزمة حقيقية مع مصر بخصوص سد النهضة. بالرغم من المحاولات التركية بالعودة إلى محيطها الإقليمي جراء العزلة التي تعاني منها بسبب السياسات الخارجية المتدخلة في الشؤون الداخلية لدول الجوار، إلا أن هذه المحاولات لم تحقق أي تطور بسبب إصرار تركيا على نهجها، وعدم الالتزام بالوعود التي تقدمت بها سواء بالانسحاب من ليبيا أو سوريا أو التخلي عن دعم الإخوان وغيرها من التدخلات التي تشكل تهديداً للأمن القومي المصري والمنطقة برمتها.

رغم تأكيد الجانب الروسي والأمريكي والأوروبي ضلوع أردوغان في دعم داعش وجبهة النصرة؛ إلا أنّ ذلك لم يشكل ردعاً لسلوكيات حكومة العدالة والتنمية، بل على العكس من ذلك فقد توج ذلك باستقبالها وفداً من حكومة طالبان المدرجة على قوائم الإرهاب.

روسيا رغم سعيها الحثيث منذ بداية الأزمة السورية بجرِ تركيا إلى محورها، إلا أنها لم تنجح بسبب الأهمية الجيوستراتيجية لتركيا بالنسبة إلى أمريكا وأوروبا؛ الذي يصعب من عملية التخلي عنها، ولكن ليس من المستبعد التخلي عن أردوغان وحكومته، ولكنها – روسيا- بالمقابل نجحت عبر عمليات المقايضة استرجاع غالبية الجغرافية السورية إلى سيطرة النظام السوري. وقد جاء الوقت للعمل إلى إعادة النظام السوري إلى محيطه العربي. حيث تشكل مصر البوابة التي يمكن التعويل عليها لما تمتلكه مصر من مقومات ودور على الصعيد الإقليمي، بما يشكل دفعاً للنظام لتغيير سلوكياته.

بالمقابل الأمريكان من مصلحتهم تشكيل تحالف عربي في المنطقة على حساب الدولتين الإقليميتين إيران وتركيا لما يحملان من مشاريع احتلالية وتوسعية تعرقل أي تقدم يفضي إلى إيجاد مخرج للأزمة السورية؛ ويضر بمصالحها في المنطقة. في الوقت مصر بحاجة إلى جهود أوروبية – أمريكية للضغط على تركيا للكف عن تدخلاتها بالمنطقة عبر دعم حركات ودول وقوى تجمعها علاقات متوترة مع مصر. هذا وقد طالبت القاهرة واشنطن ودول أوروبية بالضغط على تركيا لتجميد بيع طائرات مسيّرة لأثيوبيا.