نوسوسيال

القاهرة:السيدعبد الفتاح/ 20 عامًا على الاعتقال وأوجلان يواصل النضال ولانتصار

691

السيد عبد الفتاح

رئيس مركز القاهرة للدراسات الكردية

واحد وعشرون عامًا مرت على اعتقال الزعيم الكردي والإنساني عبد الله أوجلان، وهي واحدة من أكبر وأقذر المؤامرات بحق الشعب الكردي، تورطت فيها أطراف وقوى دولية وإقليمية علاوة على الدولة التركية، لتعتقل رمزًا من رموز النضال الكردي، بغية القضاء على الحركة التحررية للشعب الكردي.

وعلى الرغم من مرور أكثر من عقدين من الزمن على هذه الجريمة والمؤامرة، إلا أنها فشلت فشلًا ذريعًا في أن تكتب شهادة وفاة الحركة التحررية الكردية، ليثبت الشعب الكردي أصالته وقوته وإيمانه الراسخ كجبال كردستان الشامخة بقضيته وحقوقه، مواصلًا نضاله المشروع دفاعًا عن حقوقه المشروعة، وليس هذا فقط بل واصل الشعب الكردي نضاله من أجل حرية وحقوق الشعوب كافة. ليتحول عبد الله أوجلان إلى رمز للنضال الإنساني، وتنتشر أفكاره التي وضعها وناضل من أجلها في العالم كله وبين مختلف الشعوب والقوميات.

ظن شركاء المؤامرة أن بإمكانهم كتم صوت أوجلان باعتقاله واحتجازه في زنزانة انفرادية معزولة وسط جزيرة إيمرالي ومحاطة بكل الاجراءات الأمنية التي تعزله عن العالم وتعزل العالم عنه، لكن هذا الرجل وكعادته انتصر على كل المعوقات والعراقيل وقهر كل المخططات ليواصل نضاله الفكري وهو لا يقل أهمية عن أشكال النضال الأخرى، وقد انتصر أوجلان فانتشرت أفكاره عالميًا ولم تمنعها جدران المعتقل ولا كافة محاولات “جلاديه”. وهي ظاهرة علينا أن نتوقف أمامها طويلًا لتحليلها والكتابة عنها، علاوة على أهمية وتفرد أفكار التي وضعها أوجلان والتي تستحق الاهتمام والتوقف أمامها ودراستها ومناقشتها من المفكرين والفلاسفة والمنظرين.

أراد الأعداء أن يقضوا على عبد الله أوجلان، فظهر لهم آلاف بل عشرات ومئات الالاف من عبد الله أوجلان، يواصلون المسيرة النضالية المشروعة ويحققون الانتصارات يومًا بعد آخر، ويقدمون الخدمات للبشرية كلها ليس فقط بالدفاع والقتال العسكري في ميادين المعارك مع الإرهاب، ولكن أيضًا بالتجارب والنظريات الناجحة للتعايش السلمي بين الشعوب والقوميات، وللإدارة والحكم والثقافة والفكر وتحرير الشعوب والإنسان وتحرير المرأة وغيرها من المجالات.

بالفعل كان اعتقال عبد الله أوجلان، مؤامرة دولية دنيئة كان تهدف إلى إجهاض نهضة وثورة شعب مضطهد، شعب يعاني المظالم والانتهاكات والمجازر وإنكار الوجود منذ قرون، وعندما ظهر من يقود عملية نهضة هذا الشعب ويشعل الثورة في نفوسه ويقود حركتهم النضالية والتحررية بمختلف الوسائل المتاحة وقتها والتي تكفل أن ينال هذا الشعب حقوقه المحروم منها، فإن أطرافًا دولية وإقليمية تعاونت وشاركت بكل دناءة وإنعدام للإنسانية في اعتقال هذا القائد الذي لم يفعل أكثر من أنه ألزم نفسه بالدفاع عن حقوق شعبه المهدورة، وبدلًا من أن تقوم هذه القوى الدولية والإقليمية بما يجب عليها أن تؤديه من الناحية الإنسانية والأدبية وحتى القانونية، وبدلًا من أن تطبق المواثيق والقواعد الدولية التي أرستها، فإنها ناقضت نفسها وانتهكت هذه المواثيق والقوانين الدولية، وتعاونت في تنفيذ هذه الجريمة ضد الإنسانية، فالمؤامرة ليست محصورة فقط في شخص عبد الله أوجلان، وإنما هي في الحقيقة موجهة نحو الشعب الكردي.

ولا جدال في أن هذه المؤامرة هي أكبر دليل على الازدواجية التي تتعامل بها مثل هذه القوى التي تسمي نفسها كبرى، بينما الكبير هو بالتزامه بالقيم الإنسانية وأن يكون هو أول من يطبقها وليس أول وأكبر من ينتهكها. هذه الازدواجية في المعايير فضحتها المؤامرة التي تشاركت تلك القوى الإقليمية والدولية لتنفيذها، والحقيقة أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال قبول أي تبرير يمكن أن تسوقه تلك القوى كذبًا بأنها فعلت ذلك حفاظًا على أمنها القومي أو حرصًا على مصالحها ومصالح شعبها، فمثل هذه الأكاذيب والترهات لا تنطلي على أي ساذج، وإلا فما الخطر الذي كان يمثله عبد الله أوجلان على الدول التي تحالفت مع تركيا لاعتقال أوجلان، هل هدد أمنها القومي، أو عرّض شعوبها للمخاطر؟!! المصالح القذرة عديمة الإنسانية هي التي ساقت أنظمة تلك الدول وقتها للتورط في المؤامرة. فبعض هذه الأنظمة إما كان لديها علاقات مشبوهة أو صفقات قذرة مع النظام التركي، فاعتقدت أن الاشتراك في المؤامرة يضمن لها تلك الصفقات ويقوي العلاقات مع النظام التركي، وهناك بعض الأطراف المتورطة ربما كانت تنتظر من النظام التركي أي مكسب من المكاسب أو أرادت أن تقدم له “عربون محبة” فشاركته المؤامرة الدنيئة، وفي كل الأحوال فكل طرف “قبض” الثمن . وللأسف من دفع الثمن هو الزعيم أوجلان والشعب الكردي بأكمله.

وبعد مرور واحد عشرين عامًا على اعتقال أوجلان، فالمؤكد الآن أن الأوضاع اختلفت كثيرًا عما كانت عليه قبل عقدين، والمعادلات السياسية والتحالفات لم تعد كما كانت، فالعلاقات والتحالفات تغيرت، ولم تعد بالدفء الذي كانت عليه وقتها بين تركيا والولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل، علاوة على ما سبق فإن الأخطار التي شكلها بروز تنظيم داعش على البشرية والعالم كله وليس سوريا والمنطقة العربية، أثبتت لجميع القوى الدولية الوجه الحقيقي للشعب الكردي، فالكرد وحدهم هم الذين نجحوا في كسر شوكة داعش وهزيمته والقضاء عليه، ولا يزال المقاتلون الكرد هم رأس الحربة ويقودون الصفوف الأولى في المعارك العسكرية ضد داعش وإخوته، كما أن الكرد بما قدموه من تجربة سياسية للإدارة هم أكبر طرف يعمل للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة وحماية شعوبها والحفاظ عليها، وترسيخ مبادئ وقيم التعايش السلمي والتشاركية بين مختلف الشعوب، ولولا الكرد ما بقيت سوريا قائمة ولتفتت على أيدى تركيا والجماعات الإرهابية. وبالتالي فإن كل هذه الأمور تجعل المشهد الحالي مختلفًا عما قبل، وتجعل الأرضية ممدة والمسرح جاهزًا لتغيير المواقف بما يصب في صالح أوجلان وإطلاق سراحه، وهو مناخ ملائم لأية مبادرات دولية وعربية وكردية في هذا الصدد، على أن يتم الأمر وفق تحركات تتم في دوائر متعددة ومتضافرة، دوليًا وإقليميًا، دبلوماسيًا وإعلاميًا وحقوقيًا. وأعتقد أن الشعوب العربية مطلوب منها الكثير في خوض هذه المعركة، فهي معركة تتجاوز شخص أوجلان لتعيد ترسيخ وتأكيد أواصر الأخوة العربية الكردية.