نوسوسيال

صراع الأمويين والعباسيين وانتقام بني قريظة

543

 

محمد أرسلان علي
فوضى نعيشها منذ آلاف السنين وما زلنا نجتر نتائجها حتى الآن ولا زلنا نكرر أسلوبنا أو طرقنا نفسها للخروج من هذه الفوضى. تكرار استخدام نفس الأساليب زاد من غرقنا في مستنقع الفوضى هذا حتى وصلنا لمستوى نستعين بالخارج كي يعطف علينا ويساعدنا للخروج مما نحن فيه. أساليب نكررها بسبب إصرارنا على اتباع نفس العقلية التي ما زلنا متمسكين ونتصارع فيما بيننا على أحقية السلطة وأنها لن تكون لغيرنا مهما عصف بنا الزمن. كل طرف متشبث بعقليته المتحجرة التي عفا عنها الزمن ولا يريد أن يجدد من معرفته وإدراكه من العلوم رغم التطور الذي نراه ونعيش قشوره.
منذ ألاف السنين تصارعنا على من سيكون زعيم القبيلة وخنوع القبائل الأخرى له وليرفع من بعدها لواء النصر المبين. بدأ الصراع منذ الأمويين الذين شكلوا خلافتهم في الشام وجاء العباسيين من بعدهم ليأخذوا بثأرهم كما كانوا يدّعون أن الخلافة لهم وليس لأحد سواهم. كان الصراع على أشده بين الطرفين وزاد عند حده كثيراً خاصة إذا رجعنا وطالعنا كتب التي فصّلت كافة الحوادث التي تمت في تلك الفترة بين طرفي الصراع. وبعيداً عن أحقية أي طرف من الآخر، من خلال تتبع الكتب تلك نرى من الطرق والأساليب التي تم استخدامها بين الطرفين للنيل منه ما يندى لها جبين الإنسانية من قتل وحرق وجز الرؤوس والسبي والاغتصاب وكل ذلك كان تحت مسمى الدين وإعلاء كلمة الله. وما حصل لآل بيت الرسول إلا مثالاً بسيطاً وكذلك لما حصل من قبلها في معركتي صفين والجمل. لن ندخل في تفاصيل تلك المعارك ولكن نتائجها هي التي ما زلنا نجترها حتى وقتنا الراهن.
الصراع السني – الشيعي الذي نعيشه ونراه الآن بكل تجلياته ونتائجه ما هو إلا ظاهرة مكثفة لما كان منذ آلاف السنين. إنه ليس صراع بين دولتين كما نظن أو يُراد مننا أن نعتقد. بل هو أعمق من ذلك بكثير حيث أنه هو صراع ثقافي واجتماعي وحضاري واقتصادي وسياسي وسلطوي بكل معنى الكلمة. صراع كان مئات الآلاف ضحايا لشعاراته التي ما زالت تدغدغ عواطف ومشاعر السذج من القطيع المنفلت وراء العمائم البيضاء منها والسوداء.
الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثمان سنوات والتناحر الذي لا زال مستمرا بعد الربيع العربي والآن مسرحية أفغانستان وما سيكون من بعدها، ما هي إلا حلقات من نفس المسلسل الطويل جداً على مسرح الحياة التي نعيشها منذ آلاف السنين. كل هذه المسرحيات مكررة كثيراً بنفس السيناريوهات مع اختلاف الممثلين والجمهور والزمكان، لكنه نفس السيناريو لم يغير فيه المخرج سوى بعض اللقطات وذلك للضرورة الزمكانية فقط لا غير أو كما يقال للضرورة “الشعرية”، إن صح التعبير مجازاً.
كِلا الطرفين المتصارعين والمتناحرين يتهم الآخر بالتآمر على الطرف الثاني وكل طرف يتهم الآخر بعمالته للغرب وتنفيذه أجندات الغرب والإسرائيليين. بهذه الاتهامات التي يكيلها الطرفان لبعضهما البعض كأنهما مثل النعامة التي تخبئ رأسها بين غبار ورمال مستنقعات الحروب التي فرضوها على المجتمعات والشعوب التي تعيش تحت سيطرتهما. للحقيقة مع أن كِلا الطرفان يخدمان مصالح وأجندات نفس الجهة التي يتهمون بعضهم البعض على خدمتهم إياها، إن كان بشكل مباشر أو غير مباشر، ألا وهي الغرب واسرائيل.
الان ونحن نعيش المسرحية الجديدة في أفغانستان بعدما مللنا من عروض المسرحية في سوريا والعراق واليمن وليبيا، ولكي تستمر عمليات لفت أنظار الجمهور واخراجها من الملل الذي وقعت فيه، ها هي أفغانستان وطالبان القديمة الجديدة. طالبان التي كانت الأداة لمحاربة وإخراج الجيش الأحمر من أفغانستان بدعم الغرب، هي نفسها التي تم معاقبتها غربياً لمدة عشرون عاماً بعد انهيار برجي التجارة الدوليين في نيويورك وكان ذلك تحت شعار الحرب الصليبية كما أعلنها بوش. الآن هي نفسها طالبان التي اتفق معها ترامب في قطر على تعود لرشدها وتستمر في تنفيذ ما هو مطلوب منها لنشر الفوضى في وسط آسيا بشكل عام وإيران والعراق على وجه الخصوص.
لذا، نرى أن الأطراف الدولية والإقليمية تمدح بحركة طالبان على انها النسخة الأخيرة منها وتم تطويرها لتكون ملائمة للاسلام السياسي الوسطي الكيوت البعيد عن التطرف والجهاد. وهذا ما رأيناه من خلال تصريحات قادة طالبان بأنهم سيشكون حكومة مع باقي الأحزاب الأفغانية وأنهم أي طالبان سيحترمون حقوق المرأة (وفق المعايير الإسلامية الطالبانية)، وأنهم سيعفون عن كل من كان يتعامل مع المنظمات الغربية والدول الغربية أيضاً. نسخة جديدة من طالبان بثوب جديد ولكن بنفس الجسد والجثة التي تحمل عقل متعفن وأفكاراً قروسطية دينية متطرفة تسعى لتأكيدها على عقلية السلطة التي ورثتها من الصراع الأمويين والعباسيين.
بني قريظة الذين ينتقمون لما حلّ بهم قبل أربعة عشر قرناً ما زالوا مستمرين على نفس العقلية التي لا تقبل الخسارة بتاتاً وفق منطقهم في التجارة التي لا زالوا يمتهنونها بكل تفاصيلها حتى الآن. وفق منطق التجارة أنه ليس ثمة مكان للخسارة فيها، بل لا يوجد وفق منطق التجارة سوى الربح ثم الربح والربح. ما خسروه وحلَّ بهم في عزوة بني قريظة من قتل وسبي، ها هم أحفاد بني قريظة ينتقمون لأجدادهم مما فعله فيهم أجداد العباسيين والامويين. ولا زال الصراع مستمراً ما بين بني قريظة من طرف والأمويين – العباسيين المتناحرين أساساً من طرفٍ آخر.
كيف ستنتهي فصول هذه المسرحية المستمرة من آلاف السنين لا زال مجهولاً بسبب حالة الفوضى التي نعيشها فكرياً وثقافياً قبل أن تكون فُرضت علينا غربياً. حالة التخبط الفكرية هذه لن نخرج منها إن تمسكنا بعقليتنا ولم نخرج من قوقعة التحجر الديني والدوغمائية العلمية التي اوصلتنا إلى ما نحن عليه. وحتى وقت الخروج من هذا المستنقع سنبقى نلطم ونقرأ البكائيات والمظلوميات أمام لوحة المأساة التي نعيشها في حروب عبثية لا ناقة لنا فيها ولا جمل، سوى خدمة أصحاب العمائم البيضاء والسوداء وكذلك أصحاب البدلات ربطات العنق الناهبين لكد وجهد الانسان أينما كان.