نوسوسيال

بقلم ليلى موسى: اللاجئون في تركيا بين المطرقة والموت

734
منذ بداية انطلاقة الحراك الثوري السوري، سارع السيد أردوغان وحكومته وحزبه بإطلاق شعارات غوغائية تدَّعي نصرة الشعب السوري، ودعمه معنوياً ومادياً وإسقاط النظام. وأنّ وقوفه إلى جانب الشعب نابع من باب الإنسانية لاسترداد الشعب السوري حقوقه وكرامته، ووضمان معيشة، تضمن له حفظ ماء وجهه، وسيادة العدالة والديمقراطية، وتمكن من كسب ودّ الشعب السوري عبر دغدغته لمشاعرهم الدينية، وجعل من الدين مطية مباشرة وظاهرة لتحقيق مشاريعه وأطماعه بعيدة المدى في المنطقة.
استراتيجية مبنية على تسخير الدين لمآرب سياسية احتلالية للمنطقة. وبالفعل تمكن السيد أردوغان وحكومته وحزبه بالإسهام في عسكرة الثورة السورية، وتفريغ المنطقة من سكانها عبر فتح حدود تركيا أمام اللاجئين وإغراءهم في البداية بتقديم المساعدات المادية؛ وإظهار العطف والود، واستقبالهم بمنتهى الإنسانية، بتلك التقربات دفع بالعديد من السوريين بما في ذلك أولئك الذين لم تشهد مناطقهم صراعات إلى الهجرة، لتسهيل السيطرة واحتلالها عبر تفريغها من سكانها الأصلين، وتوطين لاجئين آخرين من مناطق أخرى عبر مقايضاته مع الروس فيما بعد، بحيث تحولت إلى أكثر دولة تحتضن اللاجئين السوريين والذين بلغ عددهم ما يفوق ثلاثة ملايين ونصف مهجر ولاجئ.
وبعد فترة وجيزة بدأ القناع يتكشف رويداً رويداً عن أطماع أردوغان وسياسته المعادية للمنطقة عبر استهداف هويتها الأصيلة سواء باستخدام قوته الناعمة أو العنفية من خلال:
• استخدام اللاجئين كورقة ضغط لابتزاز أوروبا بتقديم تنازلات لتمرير أجنداتها.
• حصوله على مليارات الدولارات مقابل استقباله للاجئين، وصرفها لتمويل سياساته الداخلية والخارجية.
• تجنيدهم كمرتزقة في حروبه الخارجية.
• يد عاملة رخيصة.
• ورقة تضمن له الحضور كأحد الدول الفاعلة والمؤثرة في الأزمة السورية؛ بحيث تضمن تواجدها في أي عملية سياسية مستقبلية لسوريا.
• استخدامهم لتنفيذ مشروعه “ميثاق الملي” الاحتلالي التوسعي للمنطقة؛ عبر مطالبة المجتمع الدولي بإحداث منطقة آمنة لتوطين اللاجئين السوريين فيها.
• تجنيسهم للاستفادة من أصواتهم في العمليات الانتخابية القادمة في ظل تراجع شعبيته؛ وخسارته للمدن الكبرى في الانتخابات المحلية التي شهدتها البلاد مؤخراً.
• الاستفادة من أصواتهم في المستقبل بشأن تسوية أوضاع المناطق المحتلة من قبل دولة الاحتلال التركي في حال إجراء استفتاء شعبي.
• تخريج عدد لا بأس به من الطلبة الدارسين في الجامعات التركية؛ يحملون فكر وفلسفة وايديولوجية الدولة التركية، ليعملوا كقوة ناعمة لها، ويروجون للثقافة التركية في حال عودتهم إلى سوريا.
• تحويل السوريين إلى مرتزقة محملين بفكر التطرف والإرهاب وثقافة الكراهية؛ للاستفادة منهم كخاصرة رخوة لتفجير الفوضى والصراع؛ عبر اللعب على وتر الدين تارة، والقومية تارة أخرى، بما يضمن تدخل تركيا متى شاءت.
• استثمار رؤوس أموال غالبية رجال الأعمال السوريين في تركيا؛ مما أسهم بعض الشيء في تنشيط الاقتصاد التركي الذي يعاني من الهشاشة والضعف.
بالرغم من تحقيق تركيا العديد من أهدافها من وراء استقبالها واحتضانها للاجئين السوريين؛ لكن بالمقابل اللاجئين السوريين لم يسلموا من السياسات التركية القذرة بحقهم عبر التعرض لهم بشكل مباشر؛ وإبقائهم وجهاً لوجه أمام القبضة الأمنية، والعنف الممنهج، والمواجهة العنصرية على يد متطرفين أتراك؛ وكل ذلك تحت أنظار حكومة العدالة والتنمية، وتعريض العديد من اللاجئين للقتل، والضرب الجسدي، والايذاء النفسي، والشتائم والإهانة، وتدمير لممتلكاتهم، وابتزازهم من قبل أرباب العمل بأجور منخفضة أو الامتناع عن تسليمهم مستحقاتهم المادية، استناداً للتمييز على أساس الجنسية، وإجبارهم على الالتحاق بحروب أردغان الخارجية، وتجنيدهم كمرتزقة تحت التهديد، أو زجهم في حروب وصراعات داخل سوريا؛ وبشكل خاص في المناطق التي تشهد صراعات وحروب مستمرة، أو توطينهم في المناطق السورية المحتلة من قبل تركيا، لما لذلك من تداعيات سلبية على مستقبل المنطقة، وذلك بخلق العداوات والفتنة بين سكان المنطقة الأصليين واللاجئين المستقدمين من قبل دولة الاحتلال التركي.
بالطبع لم يكن من السهل للدولة التركية وحكومتها تحقيق ذلك بشكل مباشر، حيث تلجأ كل مرة إلى استخدام وسائلها الملتوية مثلاً من باب الادعاء بالإنسانية عبر فتح المعابر الحدودية أمامهم والسماح لهم بمعايدة الأقرباء في مناطق ما يسمى بالشمال المحرر ومن ثم منعهم من العودة إلى تركيا.
الترويج للانصهار في المجتمع التركي على أنها حالة طبيعية؛ ومن أحد متطلبات الحياة اليومية لا أكثر، عبر إجراء مقابلات متلفزة مع بعض الشخصيات السورية أمثال الصحفية السورية رغد الشماط المجنسة تركياً باسم صفية بيرقدار؛ وبحسب السيدة رغد أو صفية أنها قامت بتغيير أسمها حتى تتمكن من التأقلم والانسجام مع المجتمع الجديد؛ وتفادياً لأية معاملة عنصرية، وتسهيل ممارسة أعمالها اليومية، وتجنيب أطفالها للعنصرية، ونيل قبول المجتمع التركي، والترويج على أنها حالة طبيعية، وليس له أي تداعيات سلبية تمس هوية وشخصية اللاجئ السوري، لتحقيق مكاسب نفسية واجتماعية.
إذاً، حتى تستطيع العيش بسلام في تركيا عليك التجرد من هويتك السورية، والسوري الجيد هو السوري الميت المجرد من هويته وثقافته. ربما الكبار في العمر وبشكل خاص الآباء والأمهات سيعانون من الانفصام في الشخصية، ولكن بكل تأكيد سيكون الجيل القادم من الأطفال أتراك ثقافةً وهويةً أكثر من الأتراك أنفسهم؛ وسيجهدون إلى العمل والتفوق لنيل قبول الأتراك، وبكل تأكيد هي خطوة في غاية الخطورة لأن هدفها هو القضاء على التنوع الثقافي والحضاري والإنساني، وتدمير القيم الحضارية والإنسانية.
لذا، وحتى نتمكن من الوقوف في وجه هكذا سياسات واستراتيجيات تستهدف الأمن الوجودي وهوية المجتمع الثقافية والحضارية والحفاظ على نسيجها الاجتماعي وسلمها المجتمعي؛ يتطلب من الشعب التركي بالدرجة الأولى اللجوء إلى القانون ومعالجة مسألة تجنيس السوريين مؤخراً؛ ومنع استثمارها في العمليات الانتخابية على وجه الخصوص. وبالتالي ينبغي الوقوف في وجه سياسات حكومة العدالة والتنمية لما سيكون لها من تداعيات سلبية على أمن واستقرار تركيا والمنطقة؛ وخاصة من ناحية ايقاف دعم الإرهاب وتنميته وتغذيته، ونشر ثقافة الكراهية والعنصرية، وعدم الاعتراف بجميع عمليات التجنيس لما بعد الأزمة في أي عملية استفتاء يمكن أجراءها وعلى أساسها تحدد مصير المناطق المحتلة.
وكما يتطلب من الشعب السوري العودة إلى رشده وعدم الانجرار إلى المزيد من ألاعيب حكومة العدالة والتنمية؛ فمصير حكومة العدالة والتنمية هي مسألة وقتية؛ كما مصير العديد من حكومات الشرق الأوسطية، وعدم ارتهان لحكومة العدالة والتنمية، والكف عن لعب دور الأداة لتمرير أجندات دولة الاحتلال التركي وايذاء السوريين. وبالنهاية لن ينالهم شيء في حال الاستمرار على ما هو عليه سوى المزيد من النبذ والعزل سواء من قبل السوريين أنفسهم أو المجتمع الدولي.
بالإضافة إلى ذلك ينبغي على السوريين القيام بمسؤولياتهم الأخلاقية والإنسانية؛ وذلك بالحفاظ على هويتهم وثقافتهم من الاندثار والضياع. كما يتطلب من المجتمع الدولي الوقوف في وجه أردوغان وحكومته بالكف على استغلال اللاجئين وحمايتهم وفق القانون الدولي والإنساني.