نوسوسيال

بقلم الإعلامية جزيل خوري / حرّية الصحافة في مواجهة الأزمات

460

 
حرّية الصحافة ركن من أركان أي نظام ديموقراطي، وهي باتت حاجة ملحّة في لبنان أكثر من أي وقت مضى. فلبنان الذي يواصل صراعه مع الجائحة، يعاني في الوقت عينه أسوأ أزمة اقتصادية ومالية شهدها على الإطلاق. فلا حكومة في البلاد منذ تسعة أشهر تقريباً. فضلاً عن ذلك، كان انفجار مرفأ بيروت في آب الماضي أحد أكبر الانفجارات غير النووية في تاريخ العالم بأسره. وفي هذا الإطار، أثبتت الجائحة، على مستوىً عالمي، أنّ الشفافية والوصول إلى المعلومات الموثوق بها أمرٌ بالغ الأهمية، شأنه شأن مكافحة التضليل الإعلامي.
على مدار هذه الأزمات المتعدّدة، أثبتت الصحافة العالية الجودة أنها أداة لا غنى عنها لإبقاء الجمهور اللبناني على دراية بما يجري. وقد بذل الصحافيون في لبنان، في الآونة الأخيرة، جهوداً ملحوظة لتقصّي الحقائق وكشفها، بخاصة في ما يتعلّق بنيترات الأمونيوم في المرفأ، والمحسوبيات عند إعطاء اللقاح لبعض النواب، وفضائح الفساد. وما هذا إلا غيض من فيض إنجازات الصحافيين المهمة. وقد ساهمت حرّية الصحافة في تعزيز الشفافية وأرست الأسس اللازمة للمساءلة والمحاسبة.
اليوم، نُشيد بجهود الصحافيين ووسائل الإعلام في لبنان لمِا يقدّمونه من خدمة في سبيل الديمقراطية. فعملهم سيكون أساسياً للتغلّب على الصعوبات التي سيواجهها لبنان مستقبلاً.
لكنّ حرّية الصحافة ترزح تحت ثقل ضغوط متزايدة في لبنان. وهذه مسألة يجب أخذها على محمل الجدّ. فالاعتداءات الجسدية على العاملين في القطاع الإعلامي تزايدت.
ويا للأسف، لم تنكسر حلقة اغتيالات الصحافيين والكتّاب والمفكّرين الأحرار. ولعلّ جريمة القتل المروّعة التي أودت بلقمان سليم أخيراً أحد الأمثلة على ذلك. ويأتي هذا الاغتيال نتيجةً للفشل الذريع للسلطات اللبنانية في محاكمة قاتلي الصحافيَّين سمير قصير وجبران تويني.
أما حملات الكراهية عبر الإنترنت التي تستهدف الصحافيات خصوصاً، فقد ازدادت حدّةً في الأشهر الستة الأخيرة، وفق ما أوضحته منظمة “مراسلون بلا حدود” و”مؤسسة سمير قصير”.
علاوة على ذلك، يمكن أن تؤدي مواد القدح والذمّ المبهمة إلى احتجاز صحافيين بحجة أنّ أعمالهم، أياً كانت، “تُضرّ بالوحدة الوطنية” أو تتعرّض “لمقام رئيس الجمهورية” مثلاً. ولقد تمّت فعلاً مقاضاة صحافيين يحقّقون في قضايا فساد بتهمة القدح والذمّ.
إلى جانب ذلك، تخضع الصحافة والوسائل الإعلامية لضغوط مالية شديدة بسبب الأزمة الاقتصادية، مما يؤثّر على حرّية الصحافة، في بلد تنحصر فيه ملكية الوسائل الإعلامية في أيدي حفنة من الأحزاب والعائلات السياسية. وقد فشل هؤلاء في فهم مرحلة الانتقال إلى العصر الرقمي التي تتطلّب اعتماد مناهج تسويقية ونماذج أعمال جديدة.
اليوم، ندعو إلى التحرّك على ثلاث جبهات من أجل تعزيز حرّية الصحافة في لبنان في هذه الأوقات العصيبة. أولاً، يجب تعديل القوانين التي تُقيّد حرّية الصحافة، كأحكام القدح والذمّ. فيجب ألّا يتضمّن اقتراح قانون الإعلام الذي تجري مناقشته حالياً في مجلس النواب أي عقوبة بالسجن أو أحكام تخنق حرّية الصحافة، كما ينبغي إقراره على وجه السرعة بعد التشاور مع إعلاميين ومنظمات تمثّل قطاع الإعلام. ثانياً، يجب الامتناع عن اللجوء إلى العنف عند التعامل مع الصحافيين. ثالثاً، يجب إجراء تحقيق في الاعتداءات الجسدية كلها التي تطال الإعلاميين فضلاً عن محاسبة المسؤولين عن الجرائم بحقّهم.
بالفعل، يجب أن يتمكّن الصحافيون المتفانون في عملهم من تنفيذ مهامهم وتزويد الجمهور بالمعلومات المطلوبة خلال هذه الأزمات المتعدّدة، في أجواء آمنة وشفّافة وخالية من القمع. ولا ننسى أنّ حرّية الصحافة ما زالت تميّز لبنان بعض الشيء عن معظم الدول الأخرى في المنطقة، وتالياً فهي تستحقّ أن نحميها ونعزّزها.

  الزميلة  جيزيل خوري، رئيسة مؤسسة سمير قصير
  انوس سوسيال الدولية