حياة لشعب أنهارت فيه المبادىء الوطنية فتحولت إلى تجارة وخيانة وعمالة بلا محاسبة.أن تاريخ الطبقة السياسية الكوردية مليئة بصيغ ممارسة واعية أو غير واعية تستجيب للمصالح الضيقة وتحابي الحكومات التي تعادي الشعب الكوردي و تحول دونه وتحقيق حريته وتقرير مصيره في الأجزاء الأربعة لكردستان التاريخية.لا ريب أن ذلك التاريخ تاريخ أسود مؤلم ومخيف ومعيب، و يحتاج
الى بحث وتشخيص و توصيف لمعرفة خلفياته و اسبابه دوافعه و مستدعياته، ويتطلب اسئلة صعبة حول الجينالوجيا خاصته؛ تراها دينية او انتروبولوجية و اثنولوجية، أم هي سياسية بحتة؟ هل هو الاسلام بما يقال عن تعارضه مع نمط الهوية القومية و مشتركاتها و عبوره خارجها؟ أم هي العشائرية التي تنكفئ عنها و تضيق على دوائر داخلية تتناقض مع الصيغ الوطنية و مفهوم الدولة؟
من وجهة نظر هذه المادة المكثفة و السريعة يمكنني القول أن أسباب كثيرة يمكن التوصل اليها للإجابة على الاسئلة اعلاه…منها: -داخلية عشائرية ترفض الانسجام مع متطلبات وحدة الصف الكوردي.-انتهازية متعلقة بمصالح شخصية وجماعاتية ضيقة وانانية. -و أسباب تتراوح بين تناقضات
عضوية مع القضية القومية وتناقضات أخرى تتعلق بهشاشة بعض الفواعل السياسية الرئيسية، هشاشة تضعف القيم و المبادئ وتتسبب في هزيمتها اثناء مواجهتها للمصالح و الامتيازات الشخصية المسفهة والوطيئة.و على هذا ووفقا للأدوار الرئيسية التي يقوم بها اولئك يتحول العدو الوطني الى حليف سياسي ويروج له كضرورة وجودية لا يمكن الاستغناء عنه، ليصير صديقا والعميل
الذي يعمل ويروج إلى سياسة وضرورة لتحقيق الشعب الكوردي حريته! في تهافت يزاداد و يزداد حتى يصل بالقضية الى الهاوية.و ليس ثمة مثال يجسد ما صغته انفا يفوق حدث هذه الايام المشين، اقصد الاستقبال الحافل الذي حظيت به مجموعة الائتلاف العميل لتركيا في هولير، من قبل مجموعة “النهج القومي” و تحتفي بالأدوات التركية اولئك العملاء الذين دعموا و باركوا و مجدوا لاحتلال
عفرين و تل ابيض وسري كانية…و لعظيم الاسف يبدو ان تهاوي الشعارات و انهيار المبادئ لدى هذه المجموعة وصل حد الفضيحة حتى امسى مسمى مجموعة النهج القومي مسمى هزليا ومأساويا في الوقت ذاته.مجموعة لا يعول عليها الا لدى العدو، تقاتل اخوتها…تشرعن وجود اعداء قضيتها و شعبها في اماكن سيطرتها، تؤخر الوطني و تقدم المرتزق و العميل و الخائن، مجموعة لم تبقِ و لم
تذر من القضية و الحقوق الا واهدرتها وعيا وقصدا او دونهما.هذه الحالة تفرض علينا التفكير والرجوع إلى الوراء القريب خلال المائة السنة الماضية أي منذ الحرب العالمية الأولى وحتى يومنا هذا اذ نجد بأن طموحات الشعب الكوردي كانت جلية وواضحة من أجل الحرية والاستقلال وخاصة في تركيا العثمانية.و القراءة التاريخية لهذه المرحلة تقول إن الحركات المطالبة بالحقوق الكوردية كانت في
معظمها ضعيفة وغير قادرة على الاستمرار، ولا تستند الى الى سطحية العصبيات المحلية.هي اذ ذاك لم تتمكن من ضم وتوحيد مساحات اجتماعية واسعة الى حيز نضالها وعصيانها الديني و السياسي و العسكري ضد العنصرية التركية لذلك و لذلك فقط تم القضاء عليها و ضربها بيد من الحديد من قبل الطورانية التركية.ولفترة زمنية طويلة لاحقة وقفت القضية الكوردية تراوح مكانها
حتى نهاية الحرب العالمية الثانية وفي جو من الفراغ السياسي و يأس قومي ووطني و بعد دخول الجيش السوفيتي إلى إيران أقيمت جمهورية مهاباد لفترة إحدى عشر شهرا وتم القضاء عليها ايضا من قبل شاه إيران.وهكذا بقيت القضية الكوردية إلى أن اتت التغييرات السياسية والأنقلاب العسكري في العراق من قبل عبدالكريم قاسم في بغداد و عودة الملا مصطفى البرزاني إلى العراق وقيام
ثورة أيلول عام 1961 التي ادت الى ابرام اتفاق على الحكم الذاتي مع بغداد في 1970 الامر الذي جعل الكورد في كل أطراف كوردستان متفائلون وفي القلب متأكدين بأن رحلة الاستقلال و حق تقرير المصير قد بدأت من هنا و هنا سيبدأ تحرير وتوحيد الوطن و ستكون كوردستان تجسيدا لإرادة ملايين الكورد و تحقيقا لحلمهم القومي الكبير. إلا انه سرعان ما تبين الضيق و التحديد ما دون القومي
والوطني من قبل قادة الكورد في العراق، تبين انه لا هدف لدى هؤلاء يتجاوز تحقيق الحكم الذاتي لكورد العراق و انهم مستعدون لإرضاء دول الجوار الاخرى تركيا ايران ٍوسوريا و محاربة اهلهم و شعبهم و امتدادهم القومي والوقوف ضدهم تحت شعارات ماكرة من قبيل عدم التدخل في شؤون الكورد.وقد وصل الأمر بهم إلى تسليم اشقائهم و قادة الكورد في الدول الأخرى إلى اعداء الشعب
الكوردي فتم تسليم قيادة الحزب الديمقراطي الإيراني في ستينيات القرن الماضي الى الشاه الذي اعدمهم وبعدها بسنوات تم تصفية مجموعات ثورية عديدة مثل: د. شفانو ومجموعته كإثبات حسن نية و تبعية ذليلة لتركيا العدو الاكبر للشعب الكوردي.أن هذه السياسة في العمق اظهرت انحسار المبدئية الوطنية عن هذه الحالة و ضعف روحها القومية الامر الذي اودى بها بعد اتفاقية 11 أذار
1975 فكان انهيار الثورة الكوردية بقيادة الملا البرزاني مروعا لم يأخذ من الوقت اكثر من ٢٤ ساعة في ضربة جرحت الروح القومية الكوردية و اوجعتها في الصميم.لقد اودت هذه النكسة الأليمة بقضية الكورد الى مستويات صعبة فتحول الثوار الكورد و البرزانيون الى لاجئي مخيمات في ايران و منع الملا البرزاني من اي تصريح صحفي وبات قيد الاقامة الجبرية.في هذا الوقت بالذات و بعد فترة
وجيزة انتفضت الروح الكوردية واستعادت القها فتأسس حزب العمال الكوردستاني معلنا عن بعد ثوري لتحرير وتوحيد كوردستان لأول مرة، فصعد حزب العمال الكوردستاني منهجيا وعقائديا النضال من أجل تحقيق هذا الهدف مما ادى إلى ان تعترف تركيا لأول مرة في تاريخها بالقضية الكوردية و يفكر قادتها لأول مرة في الانخراط في البحث عن حل مع ممثلي الكورد القوميين، لكن في ظروف و
معطيات اقليمية خارجة عن وضع الكورد و اخرى ذات صلة بهم لا سيما في العراق لم تنجح جهود الحل هذه بل زج الكورد العراقيين انفسهم في صراع ضد التحررين الكورد اخوانهم ووقعوا اتفاقيات معلنة و غير معلنة مع تركيا وهاجمو اخوتهم عبر الحدود خدمة للعدو الوطني الاول وضربا لمبادئ وحدة الدم و الارادة و المصلحة الكوردية.و كخلاصة و تكثيف دقيق و معياري ومن بعد هذه
الاستنتاجات يمكن القول بأن اقليم كوردستان العراق بطبقته السياسية الحالية في هولير كان ومايزال عقبة أمام الحركة التحررية الكوردستانية الكبرى و أنه لا بديل على التعويل على صحوة هذه الطبقة و على نهضة سياسية ديموقراطية شاملة للاقليم تقودهم الى الاتفاق على خط واحد عنوانه الوحيد قضية الكورد الواحدة ومصلحة الكورد الواحدة، دون ذلك لن يكون للنصر اطلالة قريبة.