[١:٤٢ م، ٢٠٢٠/١/٢٤] حسان يونس: مثلت عمليتا درع الفرات 2016 ومن ثم عملية غصن الزيتون 2018 التي انتهت إلى الاحتلال التركي لمنطقة عفرين إحدى تسع محاولات جرت خلال المائة عام الأخيرة لإقامة حكم ذاتي أو دولة مستقلة واصطدم خلالها الحلم والمسعى الكردي بجدار من الدول الإقليمية الرافضة لهذا الحلم رفضا قطعيا .
وإذا تجاوزنا تسمية “غصن الزيتون” وما تحمله من تقنّع يلجا إليه الأتراك دائما عند ارتكاب جرائمهم وغزواتهم وقضمهم للجغرافيا وللديمغرافية، وإذا تجاوزنا كذلك ما تحمله التسمية من استعمال ساخر لرمزية غصن الزيتون الذي تشتهر به عفرين والذي يعتبر رمزا للسلام .
إذا تجاوزنا كل ذلك، وذهبنا إلى الحدث، بعيدا عن القشور والتسميات والمواقف المسبقة، ونظرنا إلى المواقف الكردية منه سواء الرسمية أو الشعبية، لوجدنا أننا أمام بكائية وحالة من الندب واللطم تشبه بكائيات الشعراء العرب قديما على الأطلال، أو بكائيات السوريين القدامى على تموز وادونيس، أو بكائيات العرب حديثا على فلسطين وانتقالهم المتعثر في خضم ذلك بين مصطلحات النكسة والنكبة والمؤامرة .
قلّة من المواقف حلّلت الحدث بعقل بارد، وبحثت في نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر، وسالت أين أخطانا، وماذا كان ممكنا فعله لتدارك ما حدث؟.
إن خسارة الجغرافية وما يرافقها من تشتت وآلام ونزوح، ستكون خسارة مضاعفة وستتبعها خسائر أخرى، ما لم تنعكس في وعي متطور لأسباب ما حدث، وسبل معالجته، وان إلقاء اللوم على أطراف خارجية إقليمية ودولية هو تهرّب بنسبة ما من تحمّل مسؤولية متوازن فيما حدث.
ما جرى في عفرين يمثّل جزءا من التيه والشتات السوري العام، حيث تصطدم الرغبات المحرّمة للسوريين كجماعات منفصلة بتابوهات الدول الإقليمية والنظام الدولي، لذا لا بد من البحث بين ركام الشتات والتيه هذا عن رغبة جامعة لكافة السوريين، تنبثق من حاجتهم إلى الاستقرار كسائر الشعوب في بلد مدني علماني يعطي كافة الأفراد والجماعات من السوريين حقوقا متساوية عادلة .
وان هدف الدولة المدنية العلمانية الذي يحتاجه كافة السوريين، يضع في يد الأكراد مفتاحا ذهبيا يخوّلهم إسقاط تجربتهم المتقدمة في تطبيق العلمانية وإعطاء المرأة حقوقا متساوية، وتطبيق الإدارة المحلية الموسّعة على بقية المكونات السورية، وهذا يفترض انفتاحا وتلاقحا بين المكونات السورية يسمح بتبادل الخبرات والتجارب، بعيدا عن الانغلاق ضمن أنظمة إدارة ذاتية منعزلة في كانتونات جغرافية.
لقد خاض الأكراد تجارب مريرة مع الإسلام السياسي بمختلف أطيافه، سواء نظام الحكم الإسلامي في إيران أو نظام الإخوان المسلمين حاليا في تركيا، أو تنظيم داعش والنصرة أو تنظيم الإخوان المسلمين متلطّيا خلف ما يسمى الجيش الحر أو الجيش الوطني، حيث مثّل اشتباك المقاتلات الكرديات مع ضباع هذا التنظيمات المتوحشة في عفرين ورأس العين وكوباني رمزية تاريخية، تعكس المواجهة الخالدة بين الإلهة الأم وبين الإله الذكر يهوى، اله القتل والغزو والانتهاك، الذي تتعبّده هذه التنظيمات بوعي أو بلاوعي، وهي مواجهة لم تنأى سورية عنها للحظة واحدة خلال تاريخها المديد، وكانت تعيش ذلك التوتر الدائم بين طرفي النقيض هذين، حيث تعكس الإلهة الأم التنوّع والتلاقح والتعايش وتبادل المصالح والأفكار والخبرات، فيما يعكس اله الذكورة يهوى الطغيان والانتهاك والأحادية والتطرف ورفض الآخر وقمعه ومحاولة إلغائه، وهنا يقع على عاتق الأكراد بحكم تجاربهم العلمانية وبحكم الإرث الفكري المرتبط بعبد الله أوجلان أن يحاربوا لنشر فكرة الأنوثة، الإلهة الأم، وما يتأتّى عنها من تطبيقات سياسية كالعلمانية، وإدارة الطيف السوري المتنوع إدارة محلية موسعة، في مواجهة الأحادية السياسية القاتلة للقومية العربية وفي مواجهة التطرف الإسلامي الأكثر قتلا.
عند هذه النقطة وفي حال أدرك الأكراد السوريين دورهم هذا فان مأساة عفرين لن تكون خسارة، بل حافز نحو وعي الجماعات لدورها ورسالتها، خاصة أن الجغرافية تخضع لتوازنات جيوسياسية دائمة التبدل، أما دور الجماعات ووعيها لذاتها فهو خارج الجغرافية السياسية