بقلم محمد أرسلان علي: الفاسدون لن يبنوا وطن

 

في ظِل الفوضى التي تضرب المنطقة والتي تستوجب على معظم الذين يعيشون فيها أن يكونوا بقدر المسؤولية التي تقع على عاتقهم وتحمل مسؤولياتهم في الحفاظ على المكتسبات التي تم جنيها بتضحيات الكثير من أبناء الوطن، نرى رهط من الناس يخرجون خارج السرب ويتكلموا بأمور ليس لها أية علاقة بالواقع المعاش. فوضى تضرب كل شيء بدءاً من الانسان والمجتمعات وتجعلهم في كثير من الأحيان لا يعلمون ماذا يقولون، المهم عليهم أن يتكلموا ويتهموا الآخر بأي شيء كي يختبئوا وراء حججهم التي هم بحدِ ذاتهم لا يصدقوها، لكن تكرار نفاقهم واضمحلال الوعي عند العامة من الناس نراهم يتلونون بعشرات الألوان فقط ليثبوا أنهم ما زالوا “هنا”، ولكن كيف، لا يهم كثيراً بالنسبة لهم.

عبر التاريخ والثورات التي انطلقت بشأن تغيير الواقع الرديء المعاش نتيجة ظلم الحكام المستبدين ودكتاتوريتهم على الشعوب والمجتمعات، نرى أنه في كل مرحلة من تلك المراحل وحتى الآن يخرج علينا هذا الرهط ليعزف على أنغام المستبدين ويمكيج ظلمهم على أنه الحرية بحدِ ذاتها. أشخاص امتهنوا العبودية والرضوخ والخنوع للمستبد الذي حولهم لمجرد عبيد مقربين من النظم الدكتاتورية بغض النظر عما يفعلونه بالشعوب. هذا التقرب يجعل من هذا القطيع من حاشية السلطان الجائر والذي يعتبر كل ما يقوله وكأنه منزّل من عند الرب وأن طاعته واجبة على كل عبد من هذا القطيع. علاقة متبادلة وتكاملية بين المستبد والقطيع ولا يمكن الفصل بينهم. إذ، لا يمكن لأحد الأطراف أن يكون موجوداً دون الآخر.

بالمقابل هناك المقاومون الذين تعاهدوا ألا يكونوا عبيداً عند هذا الحاكم المستبد أو ذاك، بل يقاموا الخنوع والظلم مقابل نيل حريتهم والتخلص من نير العبودية مهما كان الثمن. التاريخ مليء بدروس وعبر تخبرنا كيف أن الحكام المستبدين وحاشيته من العبيد حالوا كثيراً أن يرضخوا الشعوب ويستعبدوها. ربما تمكنوا من ذلك لفترة من الزمن أو لعدة سنين، لكن في نهاية الأمر تبقى للشعوب كلمتهم وصوتهم ومقاومتهم التي تغير هذا الواقع وتقضي على المستبد ومن معه من عبيد وحاشية كانوا خنجراً يطعنون به شعوبهم على حساب مصالحهم وأنيانيتهم وفردانياتهم.

لم يسلم نمرود وفرعون رغم جبروتهما واستبدادهما على الشعوب. أعلنوا أنفسهم آلهة خالدة لن تموت وراحوا يعيثون في الأرض فسادا وخرابا، يرهبون شعوبهم بالطاعة والسجود وإلا النار والقتل سيكون مصيرهم. فعلوا كل شيء لا يخطر على بال انسان لمجرد أن يبقوا في سلطتهم وألوهيتهم، لكن كما هو معلوم أن إرادة الشعوب دائماً أقوى من أصرار المستبدين في طغيانهم. وكلنا يعلم ماذا حلَّ بنمرود وفرعون وكيف كانت عاقبتهما ذليلة وموت شنيع مساوٍ للطغيان الذي كانوا فيه يعمهون. وكذلك حاشيتهم وجندهم لا يذكرهم أحد وأصبحوا نسياً منسيا في التاريخ الإنساني. ولكن بقي إبراهيم وموسى ومن كانا معهما من المقاومين للاستبداد والطغيان ليكونوا صانعي مستقبل جديد ومجتمع جديد ولد من أحشاء الاستبداد.

وتتوالى العبر في التاريخ كيف أن أخوة يوسف الفاسدين ألقوا أخاهم في الجب كي يتخلصوا منه، لتكون مشيئة الرب والتاريخ أن يكون عزيز مصر ويأتوا أخواته ذليلين خانعين لأخوهم يستجدون منه قوت يومهم. وهذا ما حصل في الكثير من المراحل التي عاشتها الإنسانية والتي تتكرر حتى راهننا بنفس الأسلوب ونفس النتيجة بكل تأكيد. الفساد حينما يستشري أي مكان ويصيب أي حاكم كان، لا بدَّ أن تكون نهايته وخيمة بكل معنى الكلمة. هذا ما رأيناه أو قرأناه في التاريخ الذي يخبرنا قصصهم وخاصة المرحلة الأموية والعباسية والفاطمية وكذلك مرحلة الظلمات التي مررنا بها أثناء الاحتلال العثماني للمنطقة. كيف أنهم كانوا مفسدون وظالمون وسارقون للقيم الإنسانية. حتى بات النفاق هو عنوان ذاك الطغيان والفساد وكل ذلك تحت اسم الله والدين.

اليوم نعيش نفس الأمر مع أردوغان الذي طغى ويعيث فساداً ونفاقاً في المنطقة ويسعى لتحويلها إلى حديقة خاصة لأوهامه في استعادة العثمانية من جديد بأيدي العبيد المرتزقة الذي يحلفون برأس دكتاتورهم اردوغان على أنه الخليفة المنتظر الذي سيحرر ما لم يتم تحريره حتى الآن. عبيد من الدرجة الأولى وبيادق مأجورة يقتلون ويكفرون أي شخص يخالفهم الرأي والحكمة، همهم الوحيد إرضاء سلطانهم الجائر ولو كان على حساب شعوبهم ودولهم ومجتمعاتهم، أنهم عبيد مرتزقة لا قيمة للإنسان عندهم بقدر استرضاء أردوغان كي يرمي لهم الفتات وحفنة من المال.

ولعل جماعة الاخوان المسلمون خير من يمثل هؤلاء العبيد المنبطحين لأردوغان مع كهنتهم وفتاويهم التي تكون حسب طلب السلطان وما يريده. هذا ما نراه يفعله اردوغان والمفسدون الذين معه في سوريا والعراق وليبيا والبحر المتوسط، ينشرون الفوضى والقتل والخراب والدمار والاغتصاب، كل ذلك كي يكون أردوغان راضياً عنهم وعن وحشيتهم في تدمير الأوطان.

لا يمكن للمفسدون أن يبنوا أوطاناً مهما فعلوا وقالوا لأن غايتهم الأولى والأخيرة هي إرضاء الحاكم المستبد وجشعه ونهمه في سرقة المجتمعات. الأوطان تبنى فقط على يد شعبها المقاوم للخنوع والذل والذي لا يقبل لأحد أن يكون سيداً على آخر. لأن غاية الحياة هو بناء الانسان الحر وليس العبيد. تتطور الأوطان بالشعوب التي تعطي قيمة ومعنى لحياتها وتحس بالانتماء للوطن ولا يمكن أن تبيع الوطن لشخص أعلن عن ذاته ظل الرب على الأرض. لأن الرب غني عن أمثال هؤلاء المستبدين ولأن الله كرم الانسان وخلقه في أحسن تقويم، وليس أن يكون عبداً لإنسان آخر. هذا هو مقصد الحياة ومعناها. فنحن عباد الله ولسنا عبيد الله. وشتان ما بين المفهومين، والذي لن يفرق بينهم قليلي الوعي والإدراك والفهم.

لذلك لا يمكن بناء الأوطان على أكتاف العبيد بل تقام الأوطان وتصون ذاتها بتضحيات أبنائها الذين لا يقبلون الذل والعار والذين يعيشون أحراراً في ذهنيتهم وعقليتهم. بناء الوطن يبدأ من العقل والفكر والروح وكذلك الحرية، أما الذين يبحثون عن الحرية في المال فلن يكونوا في نهاية الأمر إلا عبيد عند أحد أرباب العمل أو الدولة أو سلطان ما.