وهي تنظر لفستانها في المرآة .. شعرتْ أن الأرض لمْ تعدْ تتسع لفرحتها فالكلمات عجزت عن ترجمة السعادة التي أحاطتها في تلك اللحظة .. أربعُ سنوات من الحبِ مرتْ قبل أن يسمح لها الزمن في تتويج الحب بأعلان الخطبة من حبيبها الذي أختارته من بين جميع الطلبة في الجامعة .. جمالها الذي يماهي الشمس أول النهار وحيويتها التي تشبه فراشة في صباح ربيعي حولها إلى حلمٍ لكثير من الزملاء وجعلَ من حبيبها مصدراً لغيرتهم وحسدهم .. لكن القلب حسم الأمر لصالحه .. ما أبهى العالم حين يتحول كل شيء فيه إلى رجل .. هجرتْ من أجلهِ الزمان والمكان .. فالنظر في عينيه هي السعادة الوحيدة التي كانت تبحث عنها .. حوله الحب إلى كائن ملائكي لاعيب فيه سوى غيرته والتي لم تزعجها بل على العكس منحتها الزهو لانها تعرف أن الحب والغيرة يسيران جبناً إلى جنب .. فلم تمانع حين فرض عليها عدم التحدث مع الزملاء .. فما شأنها بهم .. لكن شجاراته التي يثيرها معها ومع كل من يحاول التحدث إليها كانت السبب الأول لأبتعادها ليس فقط عن الزملاء بل والزميلات والصديقات .. يريدها لنفسه فقط ولوكان الأمر بيده وفي مقدوره منع الهواء من العبث بشعرها لفعل ذلك .. بعد تلك الكلمات العذبة ماحاجتها للأخرين أو حتى الآخريات .. تزوجا .. في تلك الليلة قطف لها القمر وقدمه راكعاً هدية لها .. مر كل شيء بسلام كما تمر نسمات الربيع على خدود الورد ساعة الفجر لولا مشاجرته الوحيدة مع نادل الفندق بعد أن لمحه يتطلع إليها ويكاد يلتهمها .. لا ضير في ذلك .. فالحب سلطان جائر .. بهذه الكلمات حدثت نفسها وهو تضع رأسها على صدره لتغفو .. ستة أشهر مرتْ .. وهي تزيل بقع الجليد من النافذة .. نظرتْ إلى السماء المليئة بالسحب السوداء فشكرت الله لأنه هداها لفكرة قطع الزيارات من أجل تجنب إثارة غيرته التي بدأت تزعجها .. فمنذ آخر زيارة لبيت أحد الأصدقاء وبعد أن تبادلت أرقام الهواتف مع زوجة الصديق وهو لايكف عن مراقبتها حين يسمع رنين هاتفها بل بلغ به الأمر للتنصت عليها حين تتحدث ومن ثم ينسج له خياله قصة ليبدأ في تصديقها ومن ثم محاسبتها على تلك القصة .. مر عامان على زواجهما لتجد نفسها وحيدة .. حبيسة جدران المنزل الذي لم يشهد زيارة أحد من أهلها منذ أشهر تجنباً للمشاكل التي كان يفتعلها بوجودهم أما هي فلم تحرك ساكناً .. لقد حولها لشخص أعمى حفظ أركان البيت فيتحرك فيه بخطى محسوبة وأفكار محدودة .. كل شروق ومغيب يمران عليها .. تشعر بالفناء يتسع والصحراء تزداد عطشاً .. الشك ابن الغيرة .. حين قال جملته هذه وهو يعتذر لها لإنه ضربها بسبب تكرار زيارتها لطبيب الأسنان ليس بسبب عدم ثقته بها بل الغيرة عليها من ذلك الطبيب هي التي تفعل فعلها به .. لم تستطع أخباره إن شكه ابن غير شرعي لغيرته .. لكن غيوم الحزن التي تجمعت فوق قلبها منعتها من قول أي شيء .. نامت والدمع ملىء جفنيها .. هذه المرة وهو يحيط عنقها بقلادة من الذهب كان الجرح كبيراً لم تستطع تلك الهدية أخفاءه .. وهي تنظر عبر النافذة لثمرة نسرين جافة على العشب .. أحستْ بقلبها تنعصر العتمة من بين ثناياه .. مشاعرها تجاه الرجل الذي أحبته تحتضر بألم أما العبرات فقد وقفت بينها وبين التعبير عما يجول داخلها .. أحلامها باتت تزحف بعد تكسر أجنحتها .. رؤيتها لطائر السنونو وهو ينتقل من غصن لغصن .. لورود الحديقة التي تفتحتْ من جديد بعد تحديها لصقيع الشتاء .. كل ذلك حملها على أن تقف وسط مفترق طرق .. لكن توهج الإشارة الخضراء منح الخطى لأقدامها لتعبر للرصيف الآخر .. أجنحتها التي نبتت حملت روحها بعيداً فبدت الأشياء التي كانت تراها كبيرة متناهية في الصغر .. هذه المرة لم تغريها كلماته ولم تشفع له توسلاته .. بل كانتْ دهشتها كبيرة حين وجدت إنها لا زالتْ على قيد الحياة ••
تمام
الصورة ايضا
شكرا
واسف للغلط
ماكو مشكلة
باي
مع السلامة
إنهاء الدردشة