بقلم: الدكتور هاني الخوري:الاقتصادالعالمي من الركود الى الكساد وتداعيات كورونا

بقلم: الد كتور هاني شحادة الخوري
لا شك بان هذا العام 2020 جاء محركا لكثير من المعطيات والتحديات العالمية منذ بدايته، وقد اعلن عن نفسه منذ البداية على انه عام من اصعب اعوام الصعوبات العالمية ، وموجها لإحداث حالة ركود اقتصادي كبير اكيد ان السبب هو ليس من معطيات هذا العام فكورونا وتراجع اسعار النفط هي مجرد احداث سرعت او اعلنت حالة الضعف والركود العالمي ونقاط ضعف النظام المالي العالمي المسيطر عليه من قبل النخبة العالمية التي تحكم قبضتها على الدولار وطباعته وعلى الجيوش الامريكية والناتو وعلى صندوق النقد الدولي والمنظمات الدولية وتسيطر على البورصات والبنوك والتحويلات المالية والاعلام ووسائله والجامعات وتستخدم السلطات المتاحة كوسيلة ضغط ووسيلة ابتزاز للشعوب التي لا تنصاع لها، ولا تحقق مصالحها وها هي ديون العالم بعد بريتون وودز لأكثر من سبعين عاما واقتصاد البترودولار بعد مؤتمر جامايكا وبعد ك الازمات المالية العالمية قد فاقمت الديون العالمية الى ثلاثة اضعاف الناتج الاجمالي العالمي وزادت عن 260 تريليون دولار وهي الدول الكبرة تعاني من ديون تقارب ناتجها الاجمالي او يزيد وها هي الولايات المتحد بعد كورونا قد فاقمت ديونها الخارجية وسندات الخزينة فيها الى 25 تريليون دولار، ومازالت تعلن عن ارادتها لضخ 3 تريليون دولار في شرايين اقتصادها والاقتصاد العالمي، اضافية لانعاش اقتصادها وشركاتها وها هي اليوم تغوص في المعاناة مع كورونا وتشكل الدول الاكثر معاناة بحوالي مليوني مصاب ومائة الف قتيل،؟ واغلاق حالي لمعظم الولايات الامريكية، واغلاق نشاطها الاقتصادي ورمي المنتجات الغذائية واتلافها وارتفاع تكاليفها رغم الاتفاق الاخير مع الصين على بيع كميات من هذا الناتج الزراعي يصل لمائتي مليار دولار، ولكن الواقع يقول ان ملايين الليترات من الحليب تزهق يوميا، ونفس الامر يتم تجاه الابقار والعديد من الزراعية التي لا يتم جمعها رغم اهميتها في الامداد الغذائي العالمي، ومكونات الاقتصاد الامريكية كاسدة وغير مشغلة وهناك حالة بطالة اضافية وصلت لتعطيل ثلاثين مليون عامل وحاجتهم للمساعدة الاجتماعية.
هل فعلا اقترب الكساد العظيم الامريكي والعالمي، وهل سيسقط الدولار والعملات العالمية المرتبطة به، وهل سيكون المستقبل للعملات الرقمية، وتتحول طبعات الدولار وديون الولايات المتحدة الى مجرد اوراق كاسدة لا قيمة لها، ويعاد صياغة الاقتصاد فيها.
والسؤال هنا لمصلحة من هذا الانهيار وهذا الاقتصاد ونحن نعلم ان النخبة المالية العالمية تستفيد من كل الاحداث وتحويل مسارها لصالحهم على حساب مصالح الشعوب والمؤسسات والدول التي يتم تأزيمها وتدار ازماتها بمسارات واليات تساهم في زيادة ثرواتهم وتحكمهم.
والسؤال ايضا هل المطلوب ضرب فقاعة الاقتصاد العالمي، وبعد ان قامت العقوبات بتحقيق كساد وركود في الدول التي تعاكس الولايات المتحدة وسيطرتها ولكن بنفس الوقت الضربة هي كمن يضرب الرصاص على قدميه، من اجل الخروج ن حالة التوسع الاستهلاكي وحالة الرفاهية الكبيرة لعالم الدول المستهلكة التي تعيش على جهود الشعوب الاخرى ولا ترضى بذلك بل تطلب ان ان تفي ديونها المتراكمة والهائلة القيمة بدون دفع الثمن الحقيقي او من خلال انهيارات الازمة المالية التي تنقل الخسارة لمشتري السندات الحكومية الامريكية وبالتالي تصفية الاموال والثروات العالمية للدول الداعمة للنظام الاقتصادي العالمي القائم على بذخ الشركات الامريكية وبذخ الامريكيين المعتادين على الهدر وتعظيم الديون وعلى تقديم الاجور الهائلة لبنى خدمية ولأسواق وقيم شركات مضخمة ومحمية بطبيعة الاقتصاد العالمي وطبيعة قوانين المؤسسات المالية العالمية.
تسارع الاحداث في الولايات المتحدة وحالة الكساد والتململ الشعبي اشعلها هذه الايام حالة العنصرية، ولا سيما مقتل جورج فلويد بتهمة تقديم عشرين دولار مزورة لعاملي مول في مينوسوتا في مينابوليس، لماذا هذا التعامل الاخرق والاجرامي، وما هو السلوك الذي قام به جورج فلويد ليلقى هذه النهاية البشعة والمؤثرة، الصور تهز المشاعر الانسانية والعاقلة وتبرز الجانب الوحشي للثقافة الامريكية، وقد بثت بعناية المؤسسات الاعلامية الكبيرة والخبيرة وفجرت النار من تحت الرماد عند جميع السود وكل المهتمين بحقوق الانسان، ورافضي العنجهية والتسلط الامريكي، اذا كانت امريكا تسر بتسلطها بتجويع الشعوب في فنزويلا وايران وسوريا وكوريا الشمالية وكوبا واليمن فلسطين وغيرها، وغيرها وتعاقب حتى الدول العظمى مثل روسيا والصين لأسباب واهية وغير مشروعة دوليا، فمن المؤكد ان مظاهر التفوق والعنجهية الفارغة، ستجعلها دولة مارقة حقيقية لا يرد ضغطها اي دولة فالاتحاد الاوربي تابع وكل حلفائها لا يجرؤون على مناقشتها تصنع ما تشاء وتطبع الدولار كما تشاء وتدعم الشركات التي تريدها كمستقبل تقني او علاقات مصالح او لمصلحة هذه النخب العالمية .
لقد بدأت النهايات تلوح والركود القاتل يقترب ورياح الضياع تقترب وحسابات الازمات تتسارع بشكل غير مسبوق وغير قابل للانضباط وكل المتساهلين وغير المكترثين بالحدث سينظرون عظم النتائج وتفاعلاتها في مثل هذه الظروف الحادة العالمية. ربما سيكون من ارتدادات هذا الحدث ما يشفي جروح الدول والشعوب التي عانت من ضغوط ازمات الربيع العربي الذي اضحى جحيما ودمارا فهل سيكون الربيع الامريكي الحالي هو انتقام الهي من الدول التي تبرمج الاحتجاجات وتجعل نتائجها تصب في خانة مصالحهم وسياساتهم، وهل من يتلاعب بالنار سيحترق بنفس النار التي اوقدها.
لا شك بان العنصرية ثقافة سائدة بين الشعوب على اكثر من قاعدة اجتماعية او اقتصادية او بالمقام او باللون او بالقيمة العلمية ولكن للعنجهية في الولايات المتحدة حجم وتاريخ كبير وتشكل معاناة لقطاعات شعبية كبيرة فيها، والعدالة الاجتماعية في كل العالم نسبية وتتطلب صيانة دائمة ، ولكن اشتعال الواقع الشعبي والنفسي عبر ازمة كورونا واستمرار التهميش الاجتماعي يجعل الانفجار الاجتماعي قادم لا محالة ويعزز حالة الشلل الاقتصادي وتراجع الانتاجية والحاجة لحملات تحفيز خصوصا في سنة انتخابات حساسة وحاسمة في تطوير المسار الاقتصادي للولايات المتحدة.
اذا كان الانفجار الاجتماعي في الولايات المتحدة الامريكية العالية الاستهلاك بهذا الحجم فما هو واقعه في الدول الفقيرة والمعدمة وذات التعداد السكاني الكبير، كيف تستقر دول مثل باكستان او الهند او بنغلادش او اندونيسيا او الفيليبين وحتى في مصر ونيجيريا والبرازيل اعداد سكانية كبيرة وثروات محدودة.
لقد بدات تظهر عنجهيو امريكا في معالجة الازمة وعشوائية هذه المعالجة لم ينشئوا غرفة للامن القومي وترامب يطلب من حكام الولايات التشدد وعشرات المدن تعيش التظاهرات وتعيش الفوضى وتزداد الاحتجاجات وتزداد الفوضى وليس من صوت عاقل لإيقافها والديموقراطيون متهمون بإخراج الفوضويين والدفع لهم وكل تصريح يثير الاشمئزاز من ترامب يحرك قاعدة المتظاهرين الذين يقولون ان العدالة مدخل للأمان والامن، ولسنا عربا لكل نقتل ولا احد يسال عنا، وبدا الحديث بشيء كمن السخرية عن المتطرفين وعن المندسين وكانه سيناريو في احد بلدان العالم الثالث، والشرطة السرية تحافظ على ترامب في مخبأ سري، ويظهر فجاة بعد ان ينفض المتظاهرون، هل سنواجه تصاعد في كورونا ام خرابا اقتصاديا لا نهاية له، امريكا تصاب في مقتلها في ثقافتها في ثوابتها، والعالم كله يشهد ان الدولة الشرهة والقوية والمستهلكة والمتحكمة بالناس والعالم بغير حق والحاكمة على الشعوب بالرفاهية او الموت تواجه مصيرا وتصاعدا صعبا، قد يؤدي لنهاية الامبراطورية العالمية المالية والاقتصادية والعسكرية وينهار الدولار والوحدة الامريكية ويظهر عالم جديد وتوازنات عالمية جديدة.
هذا كان في الاطار العام ضمن التوقعات لنهاية عنجهية الامبراطورية العالمية الاقوى فهل تكون 2020 النهاية او بداية النهاية الايام تنبئ بشكل اصدق من الكتب والتوقعات والتنبؤات وان غدا لناظره لقريب….
دمشق في 2-6-2020
د. هاني شحادة الخوري