بقلم: الدكتور هاني الخوري/ يروي جدي جميل الناجي من مجازر الأرمن والسيفو

هاني الخوري: ثمانيين بين مجازر الارمن ومجازر سيفو
قاتلي الشعوب واكلي لحوم الاطفال
الظلم في العالم نسبي ودرجات وكثيرا ما يرتبط بالثقافة وبالخلفيات التاريخية فلكل شعب جينات وسلوكيات تاريخية تعطيه سمات من ناحية قساوة الطبيعة طريقة الاكتساب المالي هل هي بالتجارة ام بالحرب، هل هي من خلال تراكم الخبرات ومن خلال العرض الحضاري او من خلال الاجبار هل كان هذا الشعب او ذاك ياكل لحوم البشر او مشتهر بصيد الحيوانات، وهل هو على الاكثر لاحم او نباتي، وما هي القيادات التي يفتخر بها والعادة والقيم التي تميزه والقدوات التي يتأثر بها، وكذلك الحقد والقسوة والتعامل بالقوة لها ارتباط بالجينات والتاريخ فهذه القسوة لها اسباب، اما الافناء والابادة فهي سمة وحوش الارض واكلي لحوم البشر ومغتصبي حقوق الارض والتاريخ والحضارة، ولكن ان تجد الشعب الاكثر انتاجا ومعرفة وقدرة يعاقب بابادته على ارضه من قبل قوة احتلال جاءته كضيف في البداية من مسافة بعيدة في الصين قبائل قيل عنها انها كانت تعيش على اكل لحوم البشر وعلى عبادات وثنية قهرية، وكانت هذه القبائل العثمانية مكروهة ومنتشرة على جبال الهمالايا وينزل ابنائها للخطف والسبي وجمع الاطفال لقتلهم وشويهم واكلهم نعم هذه القبائل العثمانية السلجوقية التي لاحقها المغول من الصين لكي يتخلصوا من هذه الشعوب الدموية التي انتقلت بداية الى افغانستان وعندما لاحقهم المغول لان من قوانينهم ان يبعدوا عدوهم او ينهوه حتى لا يعود اليهم غازيا من عمق هذا التاريخ جاءت القبائل العثمانية التي تبنت الاسلام حينا وتبنت اليهودية حينا اخر فكلنا سمعنا عن يهود الدوخما تلك القبائل العثمانية الي تهودت لكي تتمايز عن الصراع الفارسي الرومي البيزنطي والتي حافظت على باطنية تدينها حين دخلت الاسلام.
ان منطقة اسيا الصغرى هي ارض حضارية عريقة تشكل المدخل الى اوربا ومنطقة الممالك والامبراطوريات العظيمة التي حكمت المنطقة وتحكمت بممالك المدن تلك الارض الشامية التي اقامت عشرات الحضارات العريقة والشعوب المتقدمة والمهنية كالشعب الارمني
الامبراطورية البيزنطية سيطرت على منطقة الحضارات للكنعانيين والفينيقيين والاكاديين والبابليين والاشوريين والسريان
ولكن عندما يأتي شعب همجي وقاتل ويحاول ان يجاري هذه الحضارات ولا يستطيع وتظل امور المهن والابداع والزراعة والبحر وبناء السفن يظل هذا الشعب العثماني يسيطر بالقسوة والقتل كيف لا وهو الذي دخل سورية بمعركة مرج دابق فلاحق العلويين وقتل اكثر من ثمانين الف منهم كيف لا وقد ارسلوا لسليم الاول خيرة مشايخهم ليهادنوه وقد وصل عددهم الى 800 شيخ وهم الذين كان انتشارهم في حلب ومحيطها فقام بعد ان عرف انتمائهم بقتهلم جميعا وملاحقة العلويين في حلب فهربوا الى الجبال واختفوا في غابات الساحل لكل يأمنوا غدرهم ولكنه اصر على ان يكون قتله بأبشع الصور ولا سيما الخوازيق .
ان شعوب المنطقة شعوب مسالمة ومنتجة وحضارية تعيش على الحضارية المهن والزراعة والتجارة وتحكم دائما من قوى كبيرة امبراطورية و تحب السيطرة على قلب العالم.
لم يكن السلطان عبد الحميد باقل حقدا من اسلافه فمن قتل سبعة عشر اخا ليكون سلطانا ومن قتل كل اخوته الذكور وعمومه كعرف في هذه القبائل لن يرحم شعبا حضاريا حين يفكر البقاء لقد بدا السلطان عبد الحميد اليات استعادة القوى والسيطرة في السلطنة العثمانية التي اكتسبت شرعيتها من الولاء الديني ولكنها لم تكن تعرف الا المصالح الا ان حزب تركيا الفتاة وقادته من الثلاثة طلعت وجمال ومدحت باشا الذين يعدون من اكبر طواغيت العالم واكثرهم دموية وقتلا
عبد الحميد بدا اصلاحات على النمط الاوربي فألغى الطربوش واطلق المدنية وجعل الجميع سواسية في دخول الجيش وليس دفع البدل واطلق اليات تدريب العسكريين بالأكاديميات العسكرية في اوربا وقام بثمانية حملات في عهده لقتل السريان والارمن وكان اصعبها في عام 1899 وفي عام 1908 قبيل اقالته.
كل فعل انساني له مردود وكل فعل قتل له اثره النفسي والانساني ومن اخذ ملكه بالقتل لن يكون انسانا، انا شخصيا اعي جدي جميل الذي هرب من مجزرة عام 1916 وهرب الى دمشق ووصلها بعمر سبع سنوات ونصف من ماردين كان يحدثنا عن السفر برلك وعن عقلية العثملي وغدره وعن حضارة ماردين وجدتي ايضا قتل جميع اهلها وهربت سيرا على الاقدام وساعدها الابرار ووصلت حية الى دمشق بعمر الثلاث سنوات وقامت الجمعيات الارمنية على تربيتهم وحفظ لغتهم وتراثهم، ورغم ذلك كان لهم مهنته وتجارته ولم يكن عالة اجتماعية لقد كان مهنيا على النول في بيت جدي الذي وعيته في باب توما وكان بيت الذكريات محل النول ومحل الموزاييك في النزل الارضي من المنزل العربي الواسع والمليء بالذكريات.
مهما كانت الاخطاء والصراعات السياسية كيف تفني شعبا كاملا باسم تهجيره بالصحراء وحمايته بشرطة خاصة وهي نفسها كانت تأخذهم للصحراء وتأخذ مالهم وثيابهم وتغتصب بناتهم وتقتل شبابهم وتترك فقط الاطفال من عمر سبع سنوات وما دون وشارك بالقتل بعض الفئات الكردية التي اغريت باكتساب الارض واكتساب المزايا السياسية على حساب اخوانهم الارمن
القتل العثماني لم يكن يفرق بين الارمني وبين السرياني ويقول جدي انه حين رفع السريان شعار نحن محمد لم يقبل ذلك العثمانيين وحين قالوا لهم نحن سريان ولسنا ارمن فقالوا لهم بصلة بيضة او بصلة حمرا كلكم مثل بعض فتحولت القضية مذهبية للتخلص من العنصر المسيحي الذين كانوا في بداية القرن التاسع عشر يشكلون ثلث عدد السكان على الاقل وتم تصفيتهم لدرجة ان اتفاقية لوزان 2 تنص على بقاء عدد محدود من الاقليات لا يزيد عن مائة الف شخص الكثير من الارمن تخفوا بالأخوة الاكراد وبالأخوة العلويين في تركيا وصار اسمهم الارمن المتخفون ، والكل يعلم انه بسنوات المجزرة تم اسلمة ملايين المسيحيين في تركيا فقط لينجو من القتل والابادة التي لاقاها اهلهم الارمن والسريان وسورية بلد التنوع احتضنت ابنائها واحتضنت الارمن كنسيج بشري من نسيج المنطقة وذهبوا وتوطنوا في المدن الكبرى ولا سيما بعدما وصلوا دير الزور فتوزعوا بعدها في حلب عاصمة الحضارة والصناعة وفي دمشق وحمص وبعض المدن السورية وتم حمايتهم من اهاليهم في سورية الذين لن ينسوا فضلهم من جيل الى جيل.
الاتراك لم يغتصبوا اراضي وشعوب السريان والاشوريين والارمن فقط لقد احلوا قبائلهم في كل المناطق في والمدن في سورية وقاموا بالقهر الديني في القلمون وقاموا بفتنة عام 1850 في حلب وفتنة 1860 في دمشق وخاضوا حروب ابادة في لبنان، وهذا القتل شمل العديد من القبائل العربية في الجزيرة والعائلات الدمشقية والحلبية التي خالفتهم الراي او لم تحالفهم لقد افنوا معظم العائلات المسلمة التي شكلت قوة منافسة لسيطرتهم.
التاريخ يقول ان الاتراك اغتصبوا كل تركيا والشام والعراق واحلوا العنصر القاتل في البانيا وبلغاريا ورومانيا وصربيا وبعداء ونزعة توسعية ليس لها اصل او حق الا الغزو والتملك وقهر الاخر هاجموا المانيا والنمسا والمجر وخاضوا عشرات المعارك مع اليونان ومع الرومان والبلغار فهل من مدافع عن احقية او اصل حضاري او رسالة انسانية وكلنا نعلم بان الثوب والغطاء الاسلامي ليس كافي طالما ان معظم حكام تركيا العثمانيين كان لهم اصول من يهود الدوخما وان اسلامهم مصلحي وباطل وليس له اصل شرعي طالما انتزع من اصحابه العرب ليدعوا بانه حماة الامبراطورية العثمانية التي تقدس قبائل اكلي شعوب الارض واكلي اطفالها.
ان هذه الشعوب المقهورة لم تنتقم ولم تقتل ليس لانها خانعة ولكن لانها حضارية ولا تعرف الا العطاء والرد بالمحبة ولكنها لا تنسى ولن تنسى لان الانتصار الحقيقي هو انتصار الحق والشرعية والانجاز.
هذا العار يشمل كل من يضرب بسيف العثمانيين بدون مراجعة انسانية وحضارية وتبرا من القتل والاغتصاب والعودة للأسس الانسانية، وهو يحق لا يزول بالتقادم لان حق الانسانية واعلاء قيمها وتطورها.
دمشق في 5-5-2020
فارس الشام
[١:٠٤ ص، ٢٠٢٠/٥/١٤] هاني الخوري: شلون لا قيته