بقلم الدكتور هاني الخوري/ التغيرات الجيوسياسية العالمية نظرية التخطيط العالمي والمؤامرة

في كل مرحلة من مفاصل التحول العالمي لا بد من مراجعة اخلاقية وانسانية وتقنية شاملة وحين التطوير على نظام عالمي لا بد من اعادة تشكيل الاسس التي ادت الى التأزم وضعف الحلول والانانيات وتشويه الكون والقضاء على الموارد واستنزافها
ان اساس الخلل العالمي هو الطمع البشري والمتاجرة والمضاربة والارباح غير المرتبطة بالانتاج ولكن بالذكاء والفرصة، وبالنظام المالي والمصرفي العالمي الذي يتحكم بالعالم بالربح وبالملكية وبالموارد وبالشكل الذي جعل تراكمات المال الربوي وحصيلة الفساد في العالم تحاصر الاقتصاديات العالمية، وتجعل المنافسة والمراهنات والمضاربات العامية ترهق الماكينة المالية، وتؤدي بفعل الديون وعظم الاصدارات النقدية غير المغطاة بغير فائدة او انتاجية مالية مقبولة، حيث المال اليوم يحصل على الربح من خلال قيمة الخدمة المالية والمخاطرة والضمانات المناسبة ولكنها بالنهاية تراكم الاصدارات النقدية الواسعة لدعم شركات الاستهلاك الخدمي العالمي، اما الانتاج والاقتصاد الحقيقي والتنمية للشعوب والبلدان فلا تحصل الا على الفتات وتوسع السكان العالمي يؤدي الى هرم الكون وهرم الطبيعة واستنزاف الموارد والبيئة والاحترار العالمي والقضاء على الغابات والبيئة النقية وانتشار الاوبئة والامراض وضعف التنمية وابتلاع المدنية وتراجع التعليم ونوعيته وراديكاليته وضعف تطوره النوعي نسبة للتطور التقني والمعرفي فتزاد المعلومات وتتناقص المعرفة الصريحة وتطور الثروات ولكن تتهالك وتستهلك بطريقة عشوائية وغير ابداعية وتتراجع الثقافة والانتاج الثقافي والانساني التنوعي انها اعباء العولمة التي شوهت الحضارات وابتلعت العراقة وحولت توحيد العالم على فتات حضاري غير منتج وشديد الاستهلاك والتشويه والتدمير البيئي وتدمير الذائقة الحضاري والفكرية وتراجع الفكر والثقافة والمعرفة وتشتتها .
امريكا التي شكلت مع نظام بريتون وودز وبعد تأزم الثلاثينات، الانعاشات الكينزية للاقتصاد شكلت خمسين بالمائة من حجم الاقتصاد العالمي، وحازت 75 بالمائة من ذهب العالم، ولكن هل يعقل ان خمسة بالمائة من سكان العالم هي القوى العظمى المهيمنة وتسيطر على نصف اقتصاد العالم.
لقد قامت الولايات المتحدة بتوسيع قاعدة الاستثمار وبتنمية موسعة للاقتصاديات المتضررة من الحرب العالمية وخصوصا للشعوب المستسلمة والتي تعمل تحت عباءة السيطرة الامريكية فكان مشروع مارشال ومشاريع البناء والتنمية في اليابان وتايوان وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية وفعلا صعدت القوى الجديدة من الشرق وانتقلت اوربا الى الانتاج من جديد بعد تهدمها في الحرب العالمية الثانية ولكن ما دخلت تحت الهيمنة الثقافية والفكرية الامريكية التي تعاني من عقدة ضعف العمق الحضاري والتاريخي وارادة السيطرة والهيمنة ، ومهما تم الترويج للنموذج الامريكي فهو حصيلة ارث القتل والهيمنة والسيطرة على ثروات الشعوب واخيرا احتكار العقول العالمية وسرقتها ونسب الاختراعات من كل نخب العالم باسم امريكا
واليوم بعد تصاعد الديون الامريكية وتطور الشرق ووقوف قوى عالمية مهمة وراء صعود الصين المتزن والمتسارع عرفت الولايات المتحدة بان عرشها يهتز فالصعود السريع لليابان والانتاج النوعي والتطور الصناعي والعلمي والرياضي لكوريا الجنوبية التي ناهزت بكتلتها الاقتصادية حجم الاقتصاد العربي لاربعمائة مليون عربي ولكتلة النفط والغاز العربي وهي الدولة ذات المائة الف كيلومتر مربع والخمسين مليون نسمة والتي خرجت مدمرة من الحرب العالمية الثانية وعاشت حالة حرب نازفة على مدى تاريخها الحديث مع كوريا الشمالية.
واليوم مع وباء كورونا وارهاصات عام 2020 في تطوير وتغيير النظام المالي والاقتصادي والحضاري العالمي يظهر التحدي المالي لسيطرة الدولار ولترنح عالم الاستهلاك الامريكي والاوربي فعملية تدوير الدولار في اقتصاد البترودولار اصبحت لعبة مكشوفة ومستنزفة المزايا ولا بد من تغيير اللعبة وشمل شعوب جديدة بالتنمية وتغيير وسائل الانتاج والدخول بعصر الثورة الصناعية الرابعة مع اقتصاد بيئي مستدام الطاقة معتمد على طاقة الرياح والشمس وعلى تخزين الطاقة بالبطاريات والاعتماد على مصادر الطاقة الذرية والاستغناء عن العملات الورقية والانتقال الى العملات الرقمية والعالم الرقمي والشبكات العالمي التي تعتم الترفيه الإلكتروني والميديا الاجتماعية والتعليم عن بعد والمكتبات الرقمية العالمية والصحافة الالكترونية والمعارض الالكترونية .
ولكن هل ستتنازل الولايات المتحدة عن عرشها هل الدولة التي تستهلك عشرين بالمائة من نفط العالم وعشرين بالمائة لحوم العالم ستقف امام الدولة التي تستهلك 24 بالمائة من اسمنت العالم و28% من حديد العالم الدولة التي عمرت في عشرين عاما في القرن الحالي ما اعمرته الماكينة الامريكية خلال القرن الاخير الصاعد من تاريخها .
وهل ستسقط الهيمنة المعلوماتية الامريكية وهي التي تضع العالم الغربي تحت قدميها وتدخل البيت الاوربي الشرقي وعالم اسيا وقواعدها العسكرية تغطي العالم اجمع ب 735 قاعدة عسكرية ويميزانية عسكرية تفوق التسع دول التي تليها هل النجاحات التي ظهرت على السلاح الروسي وتحديثاته في الصواريخ والدبابات والطائرات الهجومية ونوعية القنابل النووية والاسلحة عابرة القارات الاستراتيجية وهل نقترب نحن من سيناريو الحرب العالمية الثالثة هل هي ارهاصات هرمجدون هل استعادة المشروع الأرثوذكسي في المنطقة هو تحريض وهل استعادة القضية الارمنية لألقها هو تحول طبيعي جيواستراتيجي بمناسبة استنفاذ تركيا لغرض وجودها والخوف من وقوعها في مدى النفوذ الروسي بترسانتها العسكرية التابعة للناتو.
لماذا يظهر الغرب هزيلا مع كورونا فتقف الصين شامخة امام الوباء في بداياته وتعالجه بجيش وطني منظم من الاطباء ووحدات المعالجة البيولوجية ونصف مليون من الممرضات يظهرون كجيش يدعمه جيش كامل من الروبوتات ومليارات من كاميرات المراقبة وتقنيات التعرف على الوجوه والشخصيات من بصمتهم الانسانية من طريقة مشيتهم .
من الذين خططوا لعام 2020 وما هي رمزيته لحكومة الظل العالمية هل هو استحقاق التغيير ولماذا يحطم الاقتصاد العالمي بطريقة ممنهجة من ينهي دور النفط وينقلب على اشباه دولها ولماذا نرى الثروة الخليجية تذوب والقوة العسكرية تنهار وعائدات النفط تتقلص بشكل سريع لتنهي عصر الترف النفطي والاستهلاك الاعمى بدون ارضية حضارية، كل ذلك يؤكد ان الثروة مجانية تذهب، ولا تبقى اثارها اما الثروة الحضارية والانسانية فتعيد التشكل والتراكم، فكلنا نشهد بان ما دمر في المانيا واليابان وكوريا واوروبا الحرب العالمية الثانية استعيد بنائه بناء على قوة الانسان وعراقة الحضارة وقوة الثقافة في هذه البلدان الحضارية العريقة.
ان الاقتصاد العالمي بصيغته النيوليبرالية لملتون فريدمان ونظرياته الاقتصادية واليات العولمة والمضاربات العالمية قد احكمت اخطائه واستنفذت مزاياه واضحى بحاجة لاعادة تشكيل جذري، توازن الاقتصاد الحقيقي والبيئي المستدام مع عالم المضاربة والمالية، وربما انهاء المضاربات مقابل عمولات القتطاع المالي الالكتروني في عالم العملات الرقمية التي تضمن مداخيل كبيرة للمتحكمين بالبيانات والخدمات الرقمية.
دمشق في 4-5-2020
الدكتور هاني شحادة الخوري