باحث اقتصادي: تحقيق الإدارة الذاتية للاكتفاء الذاتي سيمكّنها من تطوير الواقع الصحي

أشار باحث اقتصادي سوري الى أن تحقيق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا لحالة الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي, سيمكنها من تطوير القطاع الصحي, والرعاية الطبية اللازمة لمواجهة فيروس كورونا, مشيراً إلى أهمية ما تمتلكه الإدارة الذاتية من موارد طبيعية وبشرية.

لت جائحة كورونا صدمة كبيرة للعديد من الدول في العالم لا سيما من الناحية الاقتصادية, إلى جانب ما شكلته من مخاطر على الوضع الإنساني, وخاصة الصحي, نتيجة توقف عجلة اقتصاد العالم, بعد الحجر المنزلي الذي لا يزال يراه العالم الخيار الوحيد لمواجهة فيروس كورنا.

إلا أن الحال في سوريا أشد تعقيداً عن بقية دول العالم، لا سيما بعد دخول أزمتها عامها العاشر دون أن ترى طريقاً للحل بفعل التدخلات الخارجية, وقد يكون لهذه الجائحة جوانب سلبية كبيرة, بعد الإجراءات الاحترازية التي تتبعها لمواجهة هذه الجائحة.

وحول تداعيات جائحة كورونا ومدى تأثيرها على سوريا ومناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق البلاد, وسبل الحد من هذه التداعيات, والبحث عن حلول جادة تتجاوب مع المرحلة, قد تنقذ اقتصاد المنطقة, تحدث الكاتب والباحث الاقتصادي جلنك عمر, لوكالة هاوار.

ꞌالعالم مقبل على أزمة اقتصادية عالميةꞌ

وقال عمر في بداية حديثه “تداعيات كبيرة وعميقة سيتسبب بها انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، ستتجاوز بأبعادها وتأثيراتها أزمة الكساد العالمي عام 1929, فالعالم، اليوم، مقبل على أزمة اقتصادية عالمية أوسع وأعمق، وذلك لأن الأزمة الحالية ليست متعلقة بالجوانب الاقتصادية, والصراع على الموارد الاقتصادية, بل هي أزمة مركّبة صحية واقتصادية, نتيجة القيود المفروضة على الإنتاج والتنقل والتوزيع”.

وأشار إلى أن الاقتصاد العالمي مقبل على فترة سترتفع فيها معدلات البطالة, وسيتراجع النشاط التجاري والصناعي, وتتراجع أسواق المال والبورصة لمستويات كبيرة, وقال: “الكثير من الأسواق في الدول المتقدمة مغلقة أمام الحركة, والكثير من القطاعات الاقتصادية تعطلت تماماً, فقطاع النقل الجوي وأيضاً السياحة توقفت تماماً”.

ꞌانخفاض أسعار النفط  وتراجع الإنتاج سيكون له آثار سلبية على الدول المنتجة والمصدرةꞌ

وأضاف عمر “أسعار النفط ونتيجة هذه الأزمة ونتيجة تراجع القطاع الصناعي والتجاري في الدول المتقدمة, التي تفشى فيها هذا الوباء “دول مجموعة العشرين”, أدى إلى تراجع سعر البرميل إلى أقل من 20 دولار, وهذا التراجع سيكون له آثار كبيرة على الدول المنتجة والمصدرة، ولا سيما الدول النامية أو الدول الموجودة في الشرق الأوسط”.

ونوه عمر أن العالم غير قادر على الحد من تأثيراتها، خاصة في ظل عجز الحكومات والدول بقطاعاتها الصحية والطبية من إيجاد علاج ناجع لهذا الفيروس, وقال: “الأرقام اليوم تتحدث أنه خلال الـ6 أشهر القادمة سنشهد 50 مليون شخص عاطل عن العمل سيتخلى فيها أرباب العمل عن خدماتهم, وأيضاً في أوروبا التي هي مركز تفشي الفيروس حالياً تشير التوقعات أن 15 بالمئة من النتاج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو سيتراجع, وبالتالي هذه التداعيات ستبدأ من أوروبا لتشمل مختلف أنحاء العالم”.

ꞌإذا كان انتشار الفيروس له آثار كبيرة على الدول المتقدمة فإنها ستكون كارثية ومدمرة للدول الناميةꞌ

وبيّن عمر أنه في طبيعة الحال إذا كانت تداعيات انتشار فيروس كورونا على الدول المتقدمة ذات آثار كبيرة وعميقة, فإنها بالنسبة للدول النامية ودول العالم الثالث ستكون مدمرة وكارثية, نتيجة هشاشة البنية الاقتصادية فيها، واعتماد اقتصادات هذه الدول على الاستثمارات القادمة من الدول المتقدمة, أو تصدير السلع والموارد الأولية إلى أسواق هذه الدول المتقدمة.

ꞌالمؤشرات تدل إلى أن الدول النامية ستخسر مليوني فرصة عملꞌ

وأوضح عمر أن المؤشرات والتقديرات حول دول منطقة الشرق الأوسط، والتي تعتبر في نطاق الدول النامية أو دول العالم الثالث، تشير إلى أنها ستخسر ما يقارب 2 مليون فرصة عمل, وبالتالي هذه الآثار سيكون لها تأثير في سوريا أيضاً, وسيكون أكبر من الدول الأخرى التي تشهد استقراراً.

ꞌالحرب في سوريا أفقدها 60% من الإنتاج المحليꞌ

وحول تأثير كورونا على الاقتصاد في سوريا بشكل عام, قال جلنك عمر: “نتيجة الحرب التي تعيشها سوريا منذ 10 سنوات، ونتيجة الحصار والعقوبات الغربية المفروضة على الاقتصاد السوري, وتدمّر جزء كبير من القطاعات الاقتصادية جراء الحرب, فقد الاقتصاد السوري أكثر من 60 بالمئة من الناتج الإجمالي المحلي”.

ꞌإجراءات الحكومة السورية للحد من فيروس كورونا ستزيد من عجز الموازنة العامةꞌ

وتابع قائلاً :”أكثر من 80 بالمئة من الشعب السوري يعيش اليوم تحت خط الفقر, فمستوى التضخم هو ألفان بالمئة, والليرة السورية فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها.

القدرة الشرائية لدى فئة كبيرة من الشعب السوري هي في الحد الأدنى, وبالتالي فإن أي تدابير أو إجراءات للحد من فيروس كورونا ستلقي بأعباء إضافية على السكان في سوريا, وطبعاً الإجراءات الحكومية التي اتخذت بقناعتي رغم نجاعتها للحد من فيروس كورونا ستزيد العجز في الموازنة العامة وستزيد المديونية, لأن القطاعات الاقتصادية تعاني من انخفاض مستوى إنتاجيتها وتوقفها نتيجة الحظر، وكورونا سيتسبب بانخفاض إضافي في المؤشرات الاقتصادية”.

ꞌمناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا لن تكون بمنأى عن هذه الآثار والتداعيات الاقتصادية السلبيةꞌ

أما عن تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد شمال وشرق سوريا, فأكد عمر إن مناطق الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا لن تكون بمنأى عن هذه الآثار والتداعيات الاقتصادية السلبية, فنتيجة للتدابير والاجراءات الاحترازية المتخذة في المنطقة لمنع وصول فيروس كورونا إليها، ومنها “حظر التجوال, وإيقاف العمل في الجزء الكبير من الأسواق, والمؤسسات, والأعمال والدوائر, سيعود بآثار سلبية على اقتصاد المنطقة, وعلى المواطنين الذين يعتمدون في تأمين معيشتهم على هذه الأعمال”.

وأضاف عمر “طبعاً الحظر والإغلاق سيعود بالضرر الأكبر وفي الدرجة الأولى على تلك الشريحة التي تعتمد في دخلها على الدخل اليومي، أو ما يسمون بعمال المياومة, وبالتالي فإن الإدارة والمجتمع ككل ملزمة بإيجاد حلول بديلة تؤمن معيشة هذه الشرائح والفئات”.

ꞌتوقف المساعدات الدولية عبر معبر تل كوجر “ربيعة” سيضع الإدارة الذاتية أمام تحدٍ كبير في ضمان الأمن الغذائي لـ 700 ألف نازح ولاجئꞌ

وتابع قائلاً :”علينا ألا ننسى أن مناطق شمال وشرق سوريا تضم أكثر من 700 ألف نازح ولاجئ ضمن مخيماتها, ومع توقف المساعدات الدولية عبر معبر تل كوجر “ربيعة”, وبعد إغلاقه سيلقي بأعباء إضافية على الإدارة الذاتية, وسيضع الإدارة الذاتية أمام تحدٍ كبير في ضمان الأمن الغذائي لهذه الشرائح, إضافة إلى تلبية الإجراءات الضرورية للحد من ظهور فيروس كورونا”.

ꞌالإدارة الذاتية ملزمة بإيلاء الاهتمام الكبير بالزراعةꞌ

وأشار عمر إلى أنه من أجل تحقيق الأمن الغذائي، فإن الإدارة الذاتية ملزمة بإيلاء الاهتمام الكبير بالزراعة, وقال “اليوم نحن مقبلون على موسم القمح الذي هو مصدر العيش الرئيسي لمعظم أهالي المنطقة, لذا يجب اتخاذ تدابير وإجراءات تؤمن الموسم وتؤمن للفلاحين إمكانية الرعاية والاهتمام  بحقولهم, إلى أن يتم الحصاد, والذي قد يستمر لمدة أشهر, لأننا أمام ضرورة تحقيق الأمن الذاتي, أي تحقيق الأمان والديمومة والاستمرارية للمنتجات الغذائية الأساسية والتموينية”.

ومن أجل ديمومة وتدفق هذه المواد التموينية الأساسية لمعيشة المواطنين في الأسواق ومنع الاحتكار, بيّن عمر أنه  يجب على الإدارة الذاتية زيادة دور لجان الرقابة في الأسواق, والتدخل في الأسواق بشكل مباشر وبإيجابية, ودعم هذه الأسواق من أجل ضبط الأسعار ومنع الاحتكار.

ꞌمن أجل الوصول إلى حالة الأمن الغذائي, لا بد من سياسة واستراتيجية تحقق الاكتفاء الذاتي في المنطقةꞌ

ونوه عمر إلى أنه من أجل الوصول إلى حالة الأمن الغذائي, لا بد من سياسة واستراتيجية تحقق الاكتفاء الذاتي في المنطقة, فالمناطق في شمال وشرق سوريا غنية بما تملكها “طاقة, الأرض الصالحة للزراعة, اليد العاملة,  الموارد المائية, وقال “هناك إمكانية لزراعة مستدامة تحقق الأمن الغذائي لمختلف أنواع المنتوجات الزراعية التي تشكل السلة الغذائية للمواطنين في هذه المنطقة, وبأسعار معقولة”.

وأوضح أنه عوضاً عن تقديم الإدارة الذاتية للسلل الغذائية لبعض الشرائح يمكنها أن تلعب دوراً في ضبط الأسعار، ورفع مستوى الدخل من خلال طرق بديلة تؤمن مصادر دخل بديلة, أو توفير تدفق هذه المنتجات إلى الأسواق بأسعار معقولة تخفف العبء الناجم عن تعطل الأعمال وتوقف التجارة.

وأكد عمر أنه من أجل تحقيق الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي فإن الإدارة الذاتية ملزمة وواجب عليها تطوير الاقتصاد الاجتماعي والكومينالي, من خلال إيلاء الاهتمام للسلع الأساسية الزراعية, وأيضاً بعض المنتوجات الصناعية الأساسية, وإيقاف استيراد السلع الكمالية حتى تتركز الموارد المالية والنقدية الموجودة في المنطقة لتلبية الاحتياجات الأساسية سواء لمواجهة الفيروس أو لتحقيق نوع من الاستقرار المعيشي للسكان.

ꞌمن أجل مجابهة هذه الأزمة لا بد من إيجاد المنتجات عبر المشاريع المحليةꞌ

وقال عمر في هذا السياق “من أجل مجابهة هذه الأزمة لا بد من منع الاحتكار, وإيجاد هذه المنتجات عبر المشاريع المحلية الزراعية والصناعية الصغيرة والمتوسطة, وعلى الإدارة دعم هذه الجهات القائمة بها, أو قيامها هي نفسها بها, أو تشجيع المستثمرين, وأيضاً لتحقيق هذه الحالة ينبغي ضمان المخزون الاستراتيجي من المواد الغذائية الأساسية, وأهمها الحبوب والمحروقات لتأمين سهولة تدفقها إلى الأسواق للأهالي”.

ورأى عمر أن تمكّن الإدارة الذاتية في مناطق شمال وشرق سوريا من تأمين حالة الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي هذه، ستمكنها أيضاً من تطوير القطاع الصحي, والرعاية الطبية اللازمة لمواجهة فيروس كورونا, مشيراً إلى أن تقديم الرعاية الطبية هي تكلفة إضافية تتحملها الإدارة الذاتية والمجتمع في هذا الوقت، وبالتالي يلزمها موارد اقتصادية مستدامة.

واختتم الكاتب والباحث الاقتصادي جلنك عمر حديثه بالتأكيد على أن اتخاذ هذه الإجراءات لا يحل فقط مشكلات الاقتصاد والاستقرار المعيشي للمواطنين, والحد من المشاكل الصحية من أجل مواجهة هذا الفيروس, وإنما يحد من المشكلات الاجتماعية التي قد تنجم عن البطالة وتوقف الأعمال, وتوقف الأسواق.