القاهرة: أوجلان أخطر رجل في العالم/ بقلم سيد عبد الفتاح

مصر: سيد عبد الفتاح رئيس مركز القاهرة للدراسات الكردية

مع ذكرى ميلاد القائد والزعيم الكردي عبد الله أوجلان، تبقى التساؤلات البسيطة والمشروعة حول أسباب اعتقال أوجلان لأكثر من 22 عامًا، وعدم الإفراج عنه بل والإصرار على اعتقاله وحرمانه من حريته وأبسط حقوقه الإنسانية؟
وعلى بساطة التساؤلات أرى أن الإجابة لا تقل بساطة، فهذا الرجل لا يزال هو “أخطر رجل في العالم” عند أصنام وألهة العالم الذين يرون أنهم وحدهم يملكون العالم ويتحكمون في مصير البشرية، فهذه الأصنام والألهة يمثلها أو هي في حد ذاتها، كل قوى الشر والإمبريالية والاستعمار في العالم، كل أهل الشر الذين لا يريدون أي خير للبشرية، ولهم مخططات محكمة ومستمرة لإحكام قبضتهم على البشرية وتسيير أحوال الكون والعالم وفقًا لرؤاهم ومصالحهم، هم كل القوى الدولية والإقليمية والمحلية ـ في الدول التي يعيش فيها الكرد على أرضهم ـ وهؤلاء جميعًا رغم خلافاتهم وصراعاتهم وحروبهم، يبدو أنهم جميعًا متفقون على أن ينظروا إلى عبد الله أوجلان باعتباره ” أخطر رجل في العالم”، ولذلك لم يكن غريبًا أن يوحدوا جهودهم وقواتهم ويتكاتفون ضد هذا الرجل.
نعم يمثل عبد الله أوجلان خطرًا على كل قوى وإمبراطوريات الشر الدولية والإقليمية والمحلية. خطر عليهم ليس لأنه حاربهم بالسلاح فهذا كان في مرحلة من المراحل، ولكنه خطر عليهم بما يرفعه من مطالب مشروعة تجاوزت الحدود القومية فلم تعد تقتصر فقط على المطالبة والنضال من أجل نيل الشعب الكردي حقوقه المشروعة والمحروم منها منذ مئات السنين.
نعم أوجلان هو “أخطر رجل في العالم” لأنه يطرح أفكارًا لصالح البشرية كلها وخدمتها، ولصالح كل شعوب وأقوام الأرض قاطبة، أفكار تطرح الحل لتوثيق العلاقات والروابط بين هذه الشعوب، وإجهاض أي إمكانية لنشوب صراعات أو خلافات بين هذه الشعوب، واجتثاث بذور أي صراعات قد تعمل القوى والإمبراطورية الشريرة على ترسيخها وتأصيلها والنفخ في نيرانها.
وإذا كان أوجلان قد بدأ نضاله من زاوية وقاعدة قومية نظرًا لما لاقاه ولا يزال الشعب الكردي في تركيا وباقي أجزاء كردستان الكبرى، من إنكار وحرمان من الحقوق المشروعة. ولأجل هذا ناضل سياسيًا وإضطرته الدولة التركية ليناضل بالسلاح.
إلا أن أوجلان استطاع ـ وقليل من ينجحون ـ أن يتجاوز كل دوائر وقيود القومية، وأن يناضل من أجل البشرية كلها، من أجل حميع الشعوب والأقوام التي تعيش على الأرض. لتعيش هذه الشعوب الحياة اللائقة بها، ولتنبذ روح الخلافات والكراهية التي رسختها قوى الاستعمار على مدار مئات السنين لتبقى متحكمة في الأوضاع. أليس هذا سببًا كافيًا ليتحالف ضد أوجلان كل قوى الشر بعد أن نحت خلافاتها وصراعاتها وتوحدت ضد أوجلان وأفكاره.
ثم ألا يكفي لتنظر تلك القوى ـ سواء كانت دول أو مؤسسات دينية وسياسية أو كيانات اقتصادية ضخمة عابرة للقارات والحدود تمسك بزمام العالم ـ فجميعها ترى أن الصراع مع أوجلان وأفكاره هو في حقيقته صراع بقاء، إما أن يبقوا هم أو أن يتلاشوا وينجو العالم منهم.
إن ما يطرحه أوجلان من أفكار وفلسفة تهدف إلى تحقيق القيم والمثل العليا التي من أجلها وُجدت البشرية، التعايش السلمي، الأخوة، السلام، المحبة، التعاون، نبذ الكراهية، وغيرها قائمة طويلة من القيم والمثل.
كما أنه ـ أوجلان ـ يناضل لتنال كل الشعوب حريتها الكاملة التي اغتصبتها دول وقوى أو أنكرت قوى أخرى أو سلبتها وقلصتها قوى أخرى، وكذلك لتنال وتتمتع الشعوب بثرواتها وكنوزها التي نهبتها الأنظمة الحاكمة ولا تزال ومعها الكيانات الاقتصادية الضخمة عابرة القارات.
أليس كل هذه أسباب كافية لتعتبر تلك الألهة أوجلان ” أخطر رجل في العالم”، إنها تنظر إليه باعتباره يمسك معولًا صلبًا فولاذيًا يحطم به جبال السيطرة والهيمنة التي رسختها تلك القوى الاستعمارية طوال التاريخ، إن أوجلان بمعوله هذا يحطم تلك القوى ويقضي عليها نهائيًا.
لم يحالفني الحظ لألتقي أوجلان، لكنني عرفته عن قرب، كيف عرفته إذن. عرفته عندما ألتقيت وقابلت وتحاورت واستمعت في جبال قنديل لعدد من رفاقه الأوائل والقدامى الذين أسس معهم حزب العمال الكردستاني، فعرفت من هو أوجلان، ليس لأنهم تحدثوا عنه، ولكن لأنني استمعت منهم وإليهم، فجاءت كلماتهم لترسم في ذهني ملامح شخصية أوجلان وعقله وأفكاره وفلسفته.
وعرفت أوجلان أيضًا من خلال تلاميذه المناضلين الذين عايشتهم في الجبل وتحدثنا كثيرًا، فازدادت معرفتي بأوجلان.
قابلت أولئك القادة والمناضلين وعايشتهم في مواقعهم المتقدمة، فأيقنت أن أوجلان بمثابة ” أسلوب حياة”. وليس فقط مجرد قائد أو زعيم أو مفكر أو فيلسوف.
وازدادت معرفتي أكثر وأكثر بأوجلان عندما عشت التجربة الرائدة في روجافا، لأعاصر وأرصد تحقيق أفكار أوجلان”النظرية” على أرض الواقع، وأرى أنها ليست مجرد أفكار نظرية غير قابلة للتنفيذ العملي على أرض الواقع، لقد نجحت التجربة بنسبة كبيرة ولا تزال تسير على الدرب الصحيح، يواصل القائمون عليها عملهم بكل إيمان ودأب وإخلاص، يبنون ويصححون الأخطاء ويصوبون المسار. فتوثقت معرفتي بأوجلان الذي لم أره أو ألتقيه أو أستمع إليه أو أحاوره.
وبنجاح التجربة وترسخها يومًا بعد يوم، وبما حطمته من أوهام قوى الشر، يكون منطقيًا أن تعتبر هذه القوى أوجلان خطرًا على بقائها. لنصل إلى الخلاصة التي مفادها أن أسر أوجلان سوف يستمر ليس لأن الدولة التركية تريد ذلك، ولكن لأن قوى الشر والامبراطوريات العسكرية والسياسية والاقتصادية التي تحكم العالم هي التي تريد ذلك.
إن أوجلان يناضل ـ ومعه رفاقه كبيرهم وصغيرهم ـ ليسترد الإنسان إنسانيته، بينما تقاتل قوى الشر ليظل الإنسان” عبدًا مملوكًا لها”.
لكن دوام الحال من المحال. سينتصر الخير وينهزم الشر.