إذا كان لا يمكن قول الحقيقة غالبًا فلا ينتج عن ذلك بالضرورة أنه ينبغي الكذب» ص 309، من مؤلف كارل ماركس وفريدريك انجلز، في ذكريات معاصريهما. نفهم الكذب بكل التعريفات انه عند الطفل أو الكبار أحيانًا هو نوع من الدفاع الذاتي، طالما مرتبط بوضعية اضطرارية مهمة، غير أن الكذب يتحول الى قيمة سيئة منبوذة عندما يتم استعمالها لإخفاء الشرور وترويج الأباطيل وتضليل الناس وغيرها من قيم قميئة مرفوضة.
هكذا عودنا نظام الملالي منذ ولادته الأولى والمبكرة حين قفز الى السلطة وأزاح الشاه بجهود الشعب وقواه الأخرى، وهذا ما لا يستطيع نكرانه، ولكن مع مرور الوقت كان عليه الانقضاض والخيانة على من وجدهم يشكلون خطرًا على توجهاته، وسيكونون متراس في وجهه، فكان لابد من تصفيتهم، وكان اليسار على قائمة تلك التصفية الدموية كمجاهدي خلق وتودة وشخصيات وطنية مرموقة عديدة وجدت في الفرار ملاذها الأخير من جحيم نظام ظلامي كشف عن قناعه الحقيقي. واستمر في لعبة وقذارة الحرب لثمان سنوات فكانت مفاتيح ولغة الكذب سلاحه الثابت سواء في تعامله مع الداخل أو المنظمات الدولية في الخارج، فعرف كيف يكذب ويخفي الحقائق ناهيك عن منع ورفض دخول المنظمات الى أروقة سجونه الكثيرة، لصياغة تقرير عادل عن أوضاع السجناء. كما حاول ودون حياء أو لفَّ ودوران في طمس حقيقة ملفه النووي ومشاريعه الخطيرة على المجتمع الدولي، فأي خلل أو خطأ في مفاعله أو تجاربه كفيلة بخلق كارثة بيئية وإنسانية في عموم المنطقة.
هذه الممارسات كانت على الدوم لعبة التقية السياسة، التي تعلم منها الملالي كيفية التواري عن أنظار المحاسبات والمساءلات الدولية والشعبية، فكان يقمع أي احتجاج أو تحرك مناهض لسلطاته الممتدة على طول البلاد وعرضها. تلك الممارسات التي دعمها سقف من الكذب المكثف خلال أربعين سنة، فتحولت الى نمط من أنماط السياسة في تقديم المعلومات الناقصة للشعب،لإخفاء الحقيقة المنتظرة عن ملفات الفساد المتناهي أولاً وملفات القمع والقتل والتصفيات ثانيًا، وملفات لا حصر لها في ميادين وأجهزة كثر من بنيان وكيان هذا النظام الفريد في نوعه، فلا توجد بلد أو سياسة يصبح فيها الرجل الأوحد الفقيه فوق الدستور والشعب والديمقراطية بنص مكتوب ومشرعن. وبذلك يتحول النظام برمته الى «أكذوبة كبرى» باسم الدين والسلطة السماوية، وتتحول الولايات المتحدة في لغة الخطاب السياسي الشيطان الأكبر والعالم الآخر شياطين «صغرى» لابد من مواجهتها في ســبيل المشــروع العظيم الرباني!!
تلك الأكذوبة الأيديولوجية «البديل الفكري الغريب والبشع!!» التي بحث وحاول النظام طويلاً لتمريرها وتجذيرها في أذهان الشعب، يتم إعادة صياغتها بأشكال مختلفة كلما واجهت النظام السياسي أزمات حادة وكوارث عصيبة، فيصبح غير قادر على مواجهتها في الواقع، فيخرج من جديد للعالم نفس سيناريو الكذب، بأن الأعداء في الخارج والداخل يتربصون للنظام وقيادته بتلك التخرصات والأكاذيب بترويع الناس بفيروس كورونا، فيتحول فيروس الكذب التسلطي للنظام الى ذريعة ولا مبالاة وسخف سياسي، محاولاً النظام القفز على الحقائق العلمية والوقائع الفعلية للظاهرة منذ أيامها الأولى. فبدا النظام يكذب ويكذب حتى بات يصدق كذبه، فيما الفيروس يفتك به ويخترق حدود البلاد وينفث الى جدران الجميع دون استثناء، فالمرض والوباء لا يمكن التعامل معه على انه مسألة محلية أو تآمرية أو طبقية وسياسية. كل تلك التفسيرات الساذجة والسخيفة لا تصمد لمنطق الحقيقة، فقد كان على إيران مثل غيرها، أن تنهض من رماد الكذب، وتقف مع المجتمع وقفة رجل واحد لمواجهة شرور الوباء الأعمى، الذي لا يميز بين الألوان ولا الأطياف الإنسانية.
حاولت السلطات الإيرانية خلال تلك الشهور ممارسة سياسة المماطلة والتسويف والتلاعب بمصائر المواطنين والمقيمين، حتى خرج عفريتها من قمقم الزجاجة، ليصرخ في العالم أنقذوني من تفشي وانتشار الوباء، فما عادت طاقتي وإمكانيّاتي تحتمل هذا الكابوس «الإمبريالي !» ولا هذا «الشيطان الأحمر» القادم من الصين. وكما نقول في الأمثال «بعد خراب البصرة» صار من الصعب محاصرة الوباء بتلك السهولة من الأدعية والاحتماء بمعجزات الأولياء الصالحين وتقبيل المقامات والتضرع عند الأضرحة، فتلك سياسات أخرى عاجزة، لا يمكنها طرد شيطان الوباء من بيوت الفقراء في عشوائيات إيران التي يعيش فيها 20 مليون إنسان وفي مجتمع يشكل فيه تحت خط الفقر أكثر من 60% من نسبة السكان، فقد عجزت الثورة الإسلامية ونظامها التعسفي خلال 40 سنة من الاستبداد والقموع على تحقيق تنمية متقدمة مزدهرة، فكل ما كان في جعبتها في الاستعراضات العسكرية، ترويج الكذب بين الناس، عن أن نظام الملالي بات «قوة عظمى» لا أحد قادر على قهره. /الكاتب في سطور الدكتور بدر عبد الملك من مواليد الاهواز وله مؤلفات عديدة وكاتب وصحفي وناشط ساسي