بقلم حسان يونس : من أجل ميلاد مختلف

 

 

 

 

 

بمناسبة عيد ميلاد الزعيم انطون سعادة، وبعد ما يزيد على قرن، لا بد من القول ان فكرة “الزعامة” الهمت الكثير من القيادات القومية التي اعقبت سعادة، السعي لاحتلال هذه الرمزية. على سبيل المثال ذكر هشام شرابي في كتابه “جمر ورماد”: “ليس لدي شك الان أن جورج عبد المسيح اصيب بنوع من الهوس بعد تبونه مركز الرئاسة، كان يريد أن يبرهن لنفسه وللحزب أنه سعادة اخر”. كتب هشام شرابي ذلك، مفسرا اقبال جورج عبد المسيح على الكتابة عشر ساعات يوميا في كافة المجالات السياسية والفلسفية والاقتصادية والعلاقات الدولية بحيث أصابه مرض جلدي، رغم ان حقل دراسته هو الاقتصاد من الجامعة الأمريكية. ان مراجعة تاريخ الانشقاقات في الحزب السوري القومي الاجتماعي يكشف أن “الهوس بالزعامة” لم يقتصر على جورج عبد المسيح. وكيلا يبدو هذا الكلام تورطا في موجة تحطيم الرموز وتدمير الهوية والعمل على تفكيك تماسك الجماعات من الداخل. اقول نحن في الشرق وفي الشرق الأوسط تحديدا نحتاج الى أن نخفف من حدة ارتباطنا بالرموز أو بالأحرى أن نعيد تعريف هذه العلاقة والقوميون السوريون مدعوون إلى مواجهة ذاتهم الجمعية في هذه النقطة.اذ يكاد يتحول الكاتب والمفكر والمؤسس السياسي انطون سعادة إلى طوطم تتحلق حوله الجماعة القومية السورية بطريقة قبائلية تنزع عنه كل ما كتب وكل ما قدمه من اطروحات لتكتفي بعيد ميلاده وعرزاله وعبارة “يحيا سعادة” والذكريات المترسبة من تجربته الحياتية الشخصية.

 

خطورة ذلك أن الجماعة عندما تصل إلى حالة الطوطمية تفقد قدرتها على التطور وتصاب بالجمود والتكلس ومن ثم الترسب في طبقة ما من الزمن، بحيث تتجاوزها الأحداث والأفكار وسياقات التطور. وفي سبيل الاحتفاظ بما تبقى من وجودها تتابع طقوسها الطوطمية في كل مناسبة غير آبهة بكل انقلابات العالم حولها، خاصة إذا كانت الموجات

السائدة في الزمن المعاصر تعاكس هذا النموذج وترفضه واقصد موجات وسائل التواصل الاجتماعي وانفلاش المعلومات والأفكار والجماعات وامتزاجها في حالة من الفوضى الخلاقة والتشتت بعيدا عن اي مركز بحيث يصبح اغلب الافراد زعماء وناشطين ومفكرين ومؤسسين وبحيث تتداعى المنظومات الهرمية لتصبح افقية.

اليوم، ينشر الكثير من الكتاب القوميين كتابات تنضح بالحزن واللوعة والاسف لحالة تشرذم الحزب السوري القومي الاجتماعي وتشتته بعد اغتيال المؤسس وحتى اللحظة، وانطلاقا من هذا الحزن والرغبة العارمة لدى قطاع واسع من القوميين السوريين في تجاوز هذا التشتت والتشرذم لا بد من طرح سؤال: هل نحن في طور الصنمية

الحزبية؟!. وما علاقة تلك الصنمية بالتشتت والتشرذم والانكفاء.!؟. ادعو كافة المهتمين إلى طرح هذه الأسئلة والإجابة عليها، كل على طريقته.اليس الاجدى، وانطلاقا من فكر سعادة أن يحتفل القوميون السوريون بالفكرة وليس بالشخص وان  يحيوا مناسبة راس السنة السورية كمناسبة بديلة عن الاحتفال “بميلاد الزعيم” !؟… لابد

من إعادة التأكيد على أن هذا الكلام ليس دعوة إلى ثورة تحطم الرموز وتمحو الذاكرة، بل هو دعوة إلى ترميم هذه الذاكرة وتحريرها وترميم الرمز من خلال الانتقال بسعادة من مرتبة الزعيم إلى مرتبة المفكر والانتقال معه إلى حالة أكثر توازن واكثر تفاعل مع ارثه الفكري.

                                                                                         الزعيم أنطون سغادة