بيروت:بقلم الاعلامية هيفاء زعيتر/ مستقبل إدلب المجهول في ميزان المصالح الروسية-التركية

ا هو مستقبل إدلب؟ أصبح السؤال ملحاً بعد سيطرة النظام السوري على جنوب غرب البلاد. أما الإجابة عنه، فليست سهلة. تتكثّف التهديدات والترتيبات استعداداً لمعركة قريبة في آخر معاقل المعارضة، في وقت تتوالى فيه تصريحات المهتمين الأساسيين بحسم مصير المحافظة السورية، أي الروس والأتراك، وتوحي بتسوية ممكنة. أي سيناريو سيحدد مستقبل إدلب؟ تسوية أم معركة؟ لا يوجد جواب شافٍ، لكن البحث في مستقبل المحافظة يحتّم العودة إلى ما أفرزته مرحلة ما بعد مؤتمر أستانا، مروراً بإخلاء محافظة درعا من الفصائل المسلحة. خلقت هذه المستجدات ارتياحاً لدى الرئيس السوري بشار الأسد وحلفائه من جهة، ولدى إسرائيل وأمريكا من جهة أخرى، وترافقت مع اتفاق تركي روسي إيراني على إخلاء كفريا والفوعة المحاصرتين، وصولاً إلى اللقاء “الودي” بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب في هلسنكي. وتكشف مراجعة هذه المستجدات الكثير عن توازنات القوى ومواقفها من مستقبل الأزمة السورية قبل تحوّل نظر جميع القوى المؤثرة إلى محافظة إدلب.

مفاوضات على مصير المحافظة

من جهة، تستمرّ المفاوضات الروسية-التركية بشأن تسوية تحدّد مصير المحافظة المتاخمة لحلب وحماة وبشأن الدور التركي فيها مقابل المكسب الروسي من أي تسوية. وقبل أيام، قال الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إنه سيبحث أوضاع سوريا وخاصة إدلب ودرعا مع نظيره الروسي. وبالأمس، بعد اللقاء على هامش قمة دول “البريكس” في جوهانسبرغ، احتفى الطرفان بـ”التعاون الثنائي” في سوريا، حتى أن أردوغان قال إن “رؤيته مع بوتين تثير الغيرة”، فيما رحّب بوتين بـ”تخطي الأزمات (مع تركيا) – وأعني الأزمة السورية”. من جهة أخرى، ورغم الأجواء “المثيرة للغيرة”، تحتفظ موسكو بعامل الضغط العسكري كورقة قوة. وفي السياق، يمكن أن نضع تهديد بشار الأسد وقوله إن وجهة معركته التالية، بعد الانتهاء من الجنوب السوري، هي محافظة إدلب و”إرهابييها”. ومعروف أن معارك الأسد الميدانية لا يمكن أن تتم من دون غطاء جوي روسي. وسط ذلك، لم تظهر تحليلات معمّقة بشأن الموقف الأمريكي ممّا يُرسم لإدلب. كل ما هناك هو أسئلة عامة حول مُخرجات قمة هلسنكي وما حصّله بوتين منها، وترجيحات حول رغبة أمريكا بتحييد نفسها عن مجريات سوريا، وسيناريوهات حول كيفية تصرّف واشنطن مع الفصائل الكردية التي تدعمها في سوريا، خاصةً على ضوء تموضعات الأخيرة إزاء معركة إدلب. رسمياً، حمل الموقف الأمريكي الذي عبّرت عنه نائبة مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة، تحذيراً من المعركة، إذ قالت إن “النظام وأنصاره يواصلون تصرفاتهم العدوانية وهم يعززون قواتهم العسكرية للهجوم الكبير القادم. يحتاج هذا المجلس بشكل عاجل إلى وضع تدابير لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات إلى إدلب حيث يتعرض مئات الآلاف من للخطر”.

عن تفاصيل تجنّب المعركة وعن تسخينها

قبل أيام، أثارت “الورقة البيضاء لمحافظة إدلب” التي قدمتها تركيا لروسيا الاهتمام. تضمنت هذه الورقة خطة لإنقاذ محافظة إدلب من هجوم محتمل من جانب قوات الأسد وحلفائه، وعرضت أنقرة فيها إعادة التيار الكهربائي والمياه وإعادة المرافق الحياتية والخدمية وفتح طريق حلب-دمشق وإزالة السواتر والحواجز من منطقة دارة عزة نحو حلب الجديدة. وحسب الورقة، دعت تركيا جميع الفصائل والهيئات والتجمعات في شمال سوريا وأهمها “هيئة تحرير الشام” (تحالف فصائل أبرزها النصرة) و”حكومة الإنقاذ” و”الائتلاف الوطني السوري” و”الحكومة المؤقتة” وباقي الفصائل إلى مؤتمر عام يُعقد خلال أسبوعين لمناقشة مستقبل إدلب على ضوء التطورات الأخيرة. وأشارت صحيفة “الشرق الأوسط”، التي كشفت عن الورقة، أن تركيا ستطلب من الجميع تسليمها السلاح الثقيل والمتوسط لتقوم بجمعه وتخزينه لديها، على أن يتم الإعلان عن تأسيس ما يسمى بـ”الجيش الوطني” من جميع الفصائل، وتأسيس هيئة موحدة للكيانات غير العسكرية تنفّذ مهام مدنية وخدمية بإشراف وإدارة تركيا. واستبعدت تحليلات كثيرة إمكانيّة المضي قدماً في تنفيذ تفاصيل الورقة، ووضعتها في خانة التمنيّات، ولكن الكلام عن إمكانية تفاهم تركي-روسي يجنّب المنطقة التي تحتضن حوالي أربعة ملايين نسمة معركة وحملة تهجير جديدة يبقى قائماً. يستند القائلون بسيناريو اتفاق يجنّب إدلب ويلات المعارك الطاحنة إلى سابقة توصّل الفاعلين الأساسيين في الميدان السوري إلى تفاهمات حول المحافظة. فقد أنتج مسار أستانا اتفاقاً خاصاً بمناطق “خفض التصعيد” تضمّن تعهدات تركية لروسيا وإيران بخصوص ملف ضبط سلاح فصائل المعارضة الثقيل وملف “هيئة تحرير الشام”، وأعقب ذلك توافق على إشراف تركي داخل المحافظة عبر 12 نقطة مراقبة نصبتها هناك، مقابل نشر الروس 17 نقطة مراقبة مشتركة مع إيران في محيطها. ومؤخراً، حذّر الأتراك الروس من أن هجوم قوات النظام السوري على إدلب يهدّد بـ”انهيار جوهر اتفاق أستانا”.  كما يستبعد محللون وقوع المعركة على أساس فكرة أن الأتراك جزء من التفاهم الأمريكي-الروسي الذي سيتناول مصير شرق الفرات أيضاً، وتحصل تركيا بموجبه على ما تريده في سوريا من إجهاض أي مشروع كردي انفصالي ومن حل لمشكلة اللاجئين لديها.