بقلم فارس عثمان : تفجير قامشلو الإرهابي 27-7-2016

شهدت مدينة قامشلو في 27 – 7 – 2016 تفجيرا إرهابيا ضخما أدى إلى سقوط أكثر من 50 شهيدا وجرح حوالي 300 شخصا وتدمير عشرات المنازل والمحال التجارية. ورغم أن المدينة تعرضت لأكثر من تفجير إرهابي خلال الأزمة السورية، إلا أن هذا التفجير كان بمثابة زلزال مدمر هز المدينة من الاعماق، وكان له ارتدادات وردود أفعال وطنية وكردستانية وحتى إقليمية ودولية.
وولد التفجير عشرات الأسئلة والاستفسارات، لدى الغالبية العظمى من أبناء المنطقة، مثل كيف وصلت هذه الشاحنة إلى قلب المدينة؟. لماذا لم يسمح للمواطنين في بداية الانفجار برفع الانقاض وإنقاذ المصابين؟. لماذا ارتبكت قوات الأسايش في بداية التفجير وسمحت لكل من يرتدي الألبسة العسكرية بالتدخل وإعطاء الأوامر والتوجيهات؟.

في صباح يوم الأربعاء 27-7-2016 اخترقت شاحنة كبيرة حمراء اللون من نوع ” VOLVO ” محمّلة بمواد متفجّرة الحواجز الأمنية على طريق قامشلي – حلب، والتي تسمى بـ” الطرق الدولي”، ومن ثم طريق عامودا – قامشلو وصولا إلى قرب جامع قاسمو “جامع الوحدة ” على بعد مئات الأمتار من مركز المدينة. ونظرا لشدة صوت الانفجار الذي سمعه جميع سكان المدينة، وشعر كل من سمع الانفجار بأنه في محيط منزله، حتى أن صوت الانفجار سُمع في مدينة عامودا، ويستنتج من الدمار الهائل الذي خلفه هذا الانفجار الكمية الضخمة من المتفجرات التي فخخت بها الشاحنة, حيث لا يستطيع القيام بذلك إلا جهة دولية، أو تنظيم يمتلك إمكانيات ضخمة من المال والخبراء. من هنا توجهت كل الأصابع والاتهامات نحو تنظيم داعش الإرهابي، الذي لم يتأخر كثيرا في تبني هذه العملية الإجرامية.
لذلك يندرج ما حدث في مدينة قامشلو بتاريخ 27 – 7 2016 ضمن الأعمال الإرهابية المنظمة التي تتعرض لها سوريا والمنطقة، ومن المؤكد إن تفجير شاحنة محملة بأطنان من المتفجرات اجتازت آلاف الكيلومترات، وتم تفجيرها في الشارع العام الرئيسي بالمدنية، من أجل قتل أكبر عدد من الناس، وتدمير المنطقة، جاء لتحقيق غايات وأهداف سياسية.

من البديهي أن هذه الشاحنة الضخمة فخخت في أحد المراكز الرئيسية لتفخيخ السيارات لدى تنظيم ” داعش ” على الأغلب في ما يسمى بعاصمة التنظيم أي في مدينة الرقة، ( هناك احتمال آخر هو تفخيخ الشاحنة في تركيا، سواء من قبل أجهزة الاستخبارات التركية أو من قبل عناصر التنظيم، ومن ثم إدخالها إلى معاقل التنظيم في سوريا، لترسل لاحقا إلى الأهداف التي يتم اختيارها من الجهة التي فخخت السيارة.)، وبعد تفخيخ الشاحنة تم تزوير أوراق دخولها بشكل دقيق، لأنها اجتازت عشرات الحواجز الأمنية، حتى وصلت إلى هدفها.

نشر صور الشاحنة عبر وسائل التواصل الاجتماعي أكد أكثر من شخص أن هذه الشاحنة توقفت مساء يوم الثلاثاء 26 – 7 – 2016 في محطة محروقات ” كازية ” على طريق قامشلو – حلب تسمى ” محطة محروقات بشار” قرب قرية تل عربيد، التي تبعد عن قامشلو حوالي 30 كم. وفي صباح اليوم التالي توجهت نحو قامشلو، عبر الطريق الفرعي الذي يربط طريق قامشلي – حلب ” الدولي ” بطريق قامشلو – عامودا، الذي يسمى طريق” علي فرو “، وبعد الوصول إلى طريق عامودا اتجهت شرقا نحو قامشلو، واجتازت حاجز الأسايش الرئيسي غرب مدينة قامشلو، وبحسب الصور التي نشرت للشاحنة عبر بعض مواقع الأنترنيت، ووسائل التواصل الاجتماعي فإن الشاحنة عبرت الحاجز في تمام الساعة التاسعة وعشر دقائق وثلاثة وأربعون ثانية صباحا 09:10: 43. وبعد أن اجتازت الحاجز لم تثر أية شبهة، نظرا لمرور ودخول مئات السيارات مثلها إلى المدينة يوميا، حتى وصلت الشاحنة إلى دوار ” أوصمان صبري ” أو دوار قرموطي، حيث كان من المفترض أن تتجه شمالا عبر طريق المحلق ” الحزام “، إلا أن الانتحاري اتجه شرقا أي نحو مركز المدينة، وخلال تغيير سير الاتجاه ارتبك السائق بدليل اصطدام السيارة بالرصيف على يمين المحلق ، وبعد ذلك دخلت الشاحنة إلى الشارع الرئيسي للمدينة ” طريق عامودا ” بشكل مسرع على غير عادة سير وتحرك هكذا سيارات التي من المفترض أن تكون محملة بالسلع والبضائع، وخلال ذلك اصطدمت بشكل خفيف بسيارة سرفيس صفراء اللون، ونظرا لأنها كانت فارغة أثارت انتباه الكثيرين من أصحاب المحلات على جانبي الطريق. حتى أن الشهيد هيثم عزالدين يوسف سائق سرفيس خط الهلالية أراد اللحاق بها لأنها اصطدمت بسيارته.

تابعت السيارة طريقها نحو مركز المدينة حتى وصلت إلى حاجز فرعي للأسايش في شارع الحرية، بالقرب من جامع قاسمو, يحمي وزارة الدفاع للإدارة الذاتية ومركز من مراكز الأساييش ” الشرطة أو الأمن ” في الحي الغربي من المدينة، حيث طلب عناصر الحاجز من سائق الشاحنة التوقف، وبالفعل تمهل السائق الانتحاري، وأوقف الشاحنة دون أن يطفئها، وعندما وصل بعض العناصر من الحاجز إلى قرب الشاحنة، فجر السائق الشاحنة بما فيها في الساعة التاسعة وأثنان وعشرون دقيقة. وعلى الفور غطت ألسنة اللهب والدخان والغبار في سماء المدينة.

 

 الشهداء الأربعة من عائلة واحدة في تفجير  امشلو وهم  :

محمود سليمان خلف مواليد 1990 ، وحيد لوالديه وأب لطفلتين

ريما خلف وبناتها وهم فيندا ولانا.

 

وسقط من جراء الانفجار الهائل العشرات من الضحايا ” بين قتلى وجرحى ومصابين ” من المدنيين والعسكرين وأصحاب المحال التجارية في المنطقة، ودمر الانفجار الأبنية السكنية والمحال التجارية على محيط دائري، نصف قطره حوالي نصف كيلو متر” 500 م”. وألحق اضرار مادية كبيرة بالأبنية والمحال في المدينة على مسافة لا تقل عن كيلو متر، حيث تحطمت النوافذ والابواب لمئات المنازل.
بعد سماع دوي الانفجار هرع الناس من كافة أنحاء المدينة إلى مكان الانفجار، وأخذوا بالتعاون مع عناصر الأسايش في انتشال الضحايا من بين الأنقاض.

في بداية الانفجار حدث نوع من الفوضى والارتباك في صفوف المسعفين نظرا لعدم تقدير بعض عناصر الأسايش لهول التفجير، من خلال منع المسعفين المدنيين من الاقتراب من مكان التفجير لإنقاذ الجرحى والمصابين وانتشال الجثث، حيث كانوا يدفعون الناس للتراجع دفعا، مما خلق نوع من الامتعاض بين الناس وخاصة أهل وذوي الضحايا، إلا أنه وبعد الساعة الحادية عشرة صباحا تراجعوا عن قرارهم، وسمحوا للشبان بالمساهمة مع فرق الإنقاذ الطبية وسيارات الإطفاء وسيارات الإسعاف التي وصلت إلى المكان بالتدخل والمساهمة في إنقاذ المصابين، حيث كان العشرات منهم ومن مختلف الشرائح والأعمار يتراكضون من مكان إلى آخر، ينتشلون الجثث ويسعفون المصابين والجرحى وينقلونهم بسيارات الإسعاف والسيارات العامة والخاصة إلى المشافي. وتمكنوا من إنقاذ وانتشال جثث حوالي 90% من الضحايا.

ولعب الطاقم والكادر الطبي والصحي في قامشلو من أطباء بكافة الاختصاصات والمخدرين والصيادلة والممرضات والممرضين دورا كبيرا في إنقاذ حياة العشرات من الجرحى والمصابين، دون أي مقابل مادي. حيث جهزت المشافي كافة غرف العمليات لديها وسمحت للكادر الطبي باستخدام تلك الغرف دون أي تدخل، وسمحت الإدارة الذاتية بنقل المصابين والجرحى إلى كردستان العراق التي وضعت عشرات سيارات الإسعاف على الحدود لنقل الجرحى بناء على توجيهات الرئيس مسعود بارزاني الذي اوصى وأصدر أوامره لمسؤولي الإقليم لتقديم المساعدة والعون بكل إمكاناتهم للضحايا. وجاء في برقية التعزية والإدانة التي نشرها في موقع رئاسة اقليم كردستان العراق: (( على محافظ دهوك والمؤسسات ذات العلاقة في الإقليم تقديم العون والمساعدة بكل إمكاناتهم ونجدة المنكوبين وضحايا وجرحى هذه الحادثة الإرهابية التي وقعت في مدينة قامشلو )). وبالفعل تم نقل العشرات من المصابين والجرحى إلى مشافي كردستان العراق لتلقي العلاج.

وفي المقلب الآخر وخلال الدمار والفوضى التي عمت المنطقة هرع ﺑﻌﺾ ﺿﻌﺎﻑ ﺍﻟﻨﻔﻮﺱ ﻭﺍﻟﻠﺼﻮﺹ إلى مكان الانفجار، ﻭﺑﺬﺭﻳﻌﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ قاموا بنهب وﺳﺮﻗﺔ ﺍلأﺷﻴﺎء ﺍﻟﺜﻤﻴﻨﺔ والغالية ﻣﻦ ﻣﻜﺎﻥ ﺍﻟﺘﻔﺠﻴﺮ، ﺣﺘﻰ ﻭﺻﻞ ﺍلأﻣﺮ ﺍﻟﻰ ﻣﺪ ﺍلأﻳﺎﺩﻱ إلى جيوب ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ ﻭﺳﺮﻗﺔ ﺍﻣﻮﺍﻟﻬﻢ ﻭﺍﻟﺬﻫﺐ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩ في أياديهم أو في اعناقهم، ﻭﻗﺪ ﺫﻛﺮ ﺃﻫﻞ ﻭﺫﻭﻱ بعض هؤلاء ﺍﻟﻀﺤﺎﻳﺎ، أنهم كانوا يشاهدون هذه الأعمال ولكن من هول الصدمة لم يعيروها أي اهتمام.

وقد أشار كثير من شهود إلى أنهم شاهدوا بعض الناس الذين كانوا يغطون وجوههم بذريعة الحماية من الحريق أو الدخان أو الرائحة يمدون أيديهم إلى جيوب الذين يسعفونهم ويسرقون كل ما في جيوبهم. وهناك عشرات القصص التي تمت من هذا القبيل. بالمقابل قام العشرات من عناصر الاسايش والشبان المتطوعين بإنقاذ حياة المئات من الضحايا، وإسعاف الجرحى والمصابين إلى كافة مشافي المدينة، التي فتحت أبوابها وجهزت غرف العمليات فيها لتقديم الخدمات اللازمة للمسعفين.
وقام بعض ذوي وأهل الضحايا بدفن شهدائهم في اليومين الأول والثاني من التفجير في المقابر الخاصة بهم، سواء في مقابر مدينة قامشلو أو في القرى المحيطة بها، أما البقية وبعد جمع الاشلاء التي لم يتم التعرف على أصحابها فقد قامت مؤسسة عوائل الشهداء التابعة للإدارة الذاتية بدفنهم في مراسيم خاصة بتاريخ 29 -7-2016 في مقبرة قرية جرنك.


وفي رد على هذا التفجير الإرهابي قام أهالي غالبية مناطق الجزيرة بزيارة خيم عزاء الشهداء التي انتشرت في المدينة، فقد كانت مواكب المعزين تتقاطر على خيم العزاء، وتتسابق لتقديم الخدمات ومواساة أهل وذوي الضحايا، وتحولت خيم العزاء ومكان التفجير إلى مزار لغالبية سكان منطقة الجزيرة من كافة مكونات وشرائح المجتمع من الكرد والسريان والآشوريين والأرمن والعرب، ومن الحركة السياسية ومنظمات المجتمع المدني ورجال الدين المسيحي والإسلامي، التي زارت معظم خيم العزاء وساهمت في تخفيف هول المصيبة، وكان لذلك اثر كبير في تهدئة النفوس لغالبية سكان المنطقة التي اعتبرت المصيبة التي ألمت بالحي الغربي من مدينة قامشلو مصابهم.

وقد ركزت معظم الكلمات والخطب التي ألقيت خلال تشييع الشهداء وكذلك في خيم العزاء، على إدانة هذا العمل الإجرامي، والدعوة إلى التكاتف ووحدة الصف، وقطع الطريق على المتآمرين الذين يستهدفون من مثل هذه الأعمال بث الذعر والخوف في نفوس السكان ودفعهم للهجرة، لإحداث تغيير ديموغرافي في المناطق الكردية، وتفتيت المجتمع على أساس عرقي أو ديني، أو مذهبي، وإجبار الكرد على الرضوخ لمشاريعهم ومخططاتهم الرامية للسيطرة على ثروات المنطقة ولا سيما النفط، والتحكم بمقدرات منطقة الجزيرة الاستراتيجية.

وكما تقاطرت مواكب العزاء على خيم الشهداء قام الناس كذلك بزيارة الجرحى والمصابين في كافي المشافي في المدينة وتبرع العشرات منهم بالدم وتقديم الأدوية والبطانيات والمستلزمات الضرورية، كل ذلك خفف من هول المصيبة قليلا.

ووجدت بعض أطراف الحركة السياسية الكردية في سوريا أن من واجبها أن تساهم في التخفيف قليلا من هول هذه الكارثة، عدا القيام بواجب العزاء فقط، وذلك بتحمل بعض الأعباء المادية مع أهل وذوي الضحايا، بتقديم منح مالية لهم، ونظرا للدمار الهائل كان لا بد من تقدير الأضرار المادية التي نتجت عن هذا التفجير الإرهابي.

جاءت أول مبادرة في هذا المجال من التحالف الوطني الكردي في سوريا والحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، بتشكيل أكثر من لجنة لتوثيق عدد ضحايا هذا الانفجار الإرهابي من الشهداء والجرحى والأضرار المادية، والاتفاق على منح 50 ألف ليرة سورية لكل شهيد، و 40 ألف ليرة لبعض الجرحى الذين يحتاجون إلى متابعة وعناية طويلة، وبعض المساعدات المادية لعدد محدود من أصحاب المحال التجارية والمنازل والشقق التي تضررت من جراء التفجير، نظرا لعدم القدرة على مساعدة جميع الضحايا، نتيجة حجم الدمار الذي الحق الضرر المادي بغالبية البيوت والشقق القريبة من المنطقة والتي تقدر خسائرها المادية بحوالي ثلاث مليارات من الليرات السورية.
وقام المجلس الوطني الكردي في سوريا بمبادرة مماثلة بتقديم منح مالية للشهداء 150 ألف ليرة سورية لعائلة كل شهيد.

إما الإدارة الذاتية فقد خصصت مبلغ 200 مليون ليرة سورية من مخصصات قوات الأسايش كمساهمة في إعادة إعمار المباني المتضررة في محيط التفجير الإرهابي، ومنحت ذوي كل شهيد مبلغ نصف مليون ليرة سورية، ومنحت مبالغ مالية مختلفة لأصحاب البيوت والمحال المتضررة من التفجير الإرهابي تراوحت بين ثلاثة ملايين، ومائتي الف ليرة سورية، حسب نسبة الاضرار التي تم تقديرها من قبل لجنة خاصة تم إنشاءها لهذه الغاية.
وبهذا الصدد أصدرت القيادة العامة لقوات اسايش روج آفا بيانا أعفت فيه عددا من الضباط والمسؤولين الأمنيين. وهذا نص البيان:

                                                      البيان

بيان من القيادة العامة لقوات الأساييش على خلفية التفجير الإرهابي بمدينة قامشلو
بيان إلى الصحافة والرأي العام
على خلفية التفجير الإرهابي الذي ضرب الحي الغربي لمدينة قامشلو تم إعفاء مجموعة من الضباط والمسؤولين الأمنيين في مؤسسة الأسايش من مهامهم وهم:
1-مدير مؤسسة مرور روج آفا عبد الباسط محمد كوتي.
2-مسؤول أمن الحواجز في اسايش روج آفا شيخموس أحمد أحمد.
3-المتحدث الرسمي باسم اسايش روج آفا عبد الله محمد السعدون.
وقد تم تخصيص 200 مليون ليرة من مخصصات قوات الأسايش كمساهمة في إعادة إعمار المباني المتضررة في محيط التفجير الإرهابي الذي استهدف الحي الغربي بتاريخ 27/7/2016.
إننا كقوات اسايش روج آفا نعاهد شعبنا وبإصرارٍ تام على توفير الأمن والأمان وبذل الغالي والنفيس حفاظاً على حياة المواطنين وممتلكات الشعب من الإرهاب الذي يهدد العالم باسره ونهيب بالأخوة المواطنين التعاون الكامل مع قواتنا للضرب بيد من حديد كل المحاولات الإرهابية التي تحاول النيل من الانتصارات التي حققناها على مدار ثورة روج آفا.
القيادة العامة لقوات اسايش روج آفا.